Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شون بن يكشف خلفيات الهجوم الروسي في مهرجان برلين

اقتحم المخرج الخطوط الأوكرانية الأمامية وحاور الجنود موثقاً الحرب بعمق

زيلنسكي وشون بن في الفيلم (ملف الفيلم)

منذ اللحظة الأولى لانطلاق دورته الحالية، طغت السياسة كالعادة على #مهرجان_برلين السينمائي (16 - 26  فبراير - شباط)، وذلك من خلال كلمة حية ألقاها الرئيس الأوكراني فولوديمير #زيلينسكي خلال حفلة الافتتاح من مكتبه في #كييف. في الماضي القريب، كانت السياسة وشؤونها وصراعاتها تتغلغل ببطء وبخجل ما في المهرجانات، ولكن بعد الحرب الأوكرانية أصبحت تُمارَس على الأسطح. وعلى رغم وجود عدد من النجوم، فأكثر مَن سرق الأضواء منهم وحاول توجيه البوصلة إلى الحرب التي تشنها روسيا على بلاده منذ سنة، هو زيلينسكي، الممثل الأوكراني الذي أنتُخب رئيساً في العام 2019. وبالتأكيد لا مانع لإدارة المهرجان في تحويل احتفالية السينما هذه، إلى أمسية للتأكيد على المواقف السياسية، ذلك أنها المبادرة في إعطاء زيلينسكي تلك النافذة على الكلام، ليعبر عن أفكاره ويذكر بأهمية الوقوف مع أكورانيا ضد روسيا. هناك بعض التململ في بعض الأوساط من استضافة زيلينسكي للمرة الثالثة على التوالي، مرة في مهرجان كبير (بعد "كان" والبندقية)، لكن البرليناله لا يبدو أنه يكترث لهذا التململ، فهو لطالما كان مهرجاناً مسيساً.

وهذا ما  أكده مديره السابق ديتر كوسليك في مقابلة لي معه، يوم قال: "تأسس المهرجان خلال الحرب الباردة في العام 1951، والإدعاء بأنه مهرجان سياسي يتأتى من كون برلين كانت دائماً عاصمة للسياسة، خصوصاً في كل ما يختص بالعلاقات بين الغرب والشرق. أحد المبادئ التأسيسية لهذا المهرجان هو خلق تفاهم بين البشر. قبول الآخر والتسامح ركيزتان هنا. يا للأسف، هذا الكلام اليوم يُصنَّف في إطار السياسة. ما إن تنطق بإحدى تلك المفردات، تُتهَّم بالتدليس السياسي. هذه أمور يجب ان تكون طبيعية في عالمنا، ولكن عالمنا ليس في وضع جيد. بهذا المعنى، نعم، نحن مهرجان أكثر ميلاً إلى السياسة من المهرجانات الأخرى".

خطاب زيلنسكي

 

في خطابه، قال زيلينسكي إنّ السينما لا يمكنها أن تغيّر العالم، ولكن يمكنها التأثير في أولئك الذين يمكنهم تغيير العالم. تختار الثقافة معسكرها عندما تقرر رفع صوتها ضد الشر، وتكون طرفاً عندما تظل صامتة وتساعد ذلك الشر ليبقى ويستمر. تريد روسيا بناء نوع من الجدار نفسه في أوكرانيا (جدار برلين). جدار بيننا وبين أوروبا، كي لا نستطيع القيام بخيارات صائبة. جدار بين الحرية والعبودية، بين الحق في الحياة والهجمات الصاروخية، بين التقدم والدمار الذي تخلفه روسيا وراءها. جدار بين الحضارة والإستبداد. اليوم، أوكرانيا هي حصن العالم الحر. حصن يقاوم منذ ما يقرب العام ويناضل من أجل بقائها، ولكن أيضاً من أجل أوروبا والعالم، هذه القلعة يجب ألا تسقط وستظل ثابتة حتى النهاية. سوف نفوز وأنا أعلم أنكم سوف تقتنعون بهذا عندما تشاهدون فيلم "القوة العظمى" لشون بن". 

عندما لفظ زيلينسكي اسم فيلم شون بن خلال حفلة الافتتاح، لم نكن قد شاهدناه بعد، ولكن كان أحد الأفلام المدرجة على لائحة المشاهدة بأقرب وقت وذلك لعدة أسباب. أولاً، لأنه يواكب الحدث وهو مادة صحافية مثيرة، وثانياً لأن شون بن ليس مايكل مور ولا يبحث عن إثارة رخيصة بأي ثمن، وهو سينمائي محترم له هواجسه واهتماماته ويحاول أن يفهم ويحلل انطلاقاً من اقتناعات تكونت لديه بالتجربة، وبناءً على رؤية سياسية ناضجة. 

في "قوة عظمى" الذي أخرجه بالاشتراك مع أيرون كوفمان والمعروض في قسم "خاص برليناله"، يحاول شون بن أن يفهم أوكرانيا. الفيلم وثائقي من 115 دقيقة صوّره بن قبل الحرب وبعدها. في الأصل، كان ينوي أن ينجز فيلماً عن ممثل كوميدي تحول رئيساً، لكن الواقع فرض نفسه، فتكيّف معه وانخرط في الموضوع إلى أن خرج بهذا الفيلم الذي لا يشبه الفيلم الذي كان في باله. وهذا أضفى عليه بعض الصدق المتأتي من فعل التفاعل مع التطورات. بين ليلة وضحاها، أصبح زيلينسكي شخصاً آخر، ظاهراً ومعنى. عندما فكّر في المشروع في أوائل عام 2021، كان الغزو البوتيني الشامل لأوكرانيا تهديداً يلوح في الأفق، وإن بدا بعيداً. سافر بن وكوفمان إلى كييف لمعرفة المزيد عن زيلينسكي، ولكن في 24 فبراير (شباط) 2022، بينما كانا يصوّران في كييف، حدث الهجوم. وعندما هزت الانفجارات المدينة، أصبح المخرجان شاهدين على هذا الصراع التاريخي، الأشبه بالمواجهة بين دافيد وغولياث. 

 

في الفيلم، نرى الأحداث كما أننا نرى كيفية تصوير بن لها، خلال زياراته المتكررة إلى أوكرانيا (ست زيارات في المحصلة)، في ظروف أحياناً صعبة وتحديات خطرة، أخذها بن على عاتقه لإتمام المهمة. هذا ليس فيلماً آخر يصوّره مخرج أميركي عن نزاع يجري بعيداً من مكان إقامته ويتعاطى معه كمادة. كما اننا لسنا إزاء فيلم على طريقة الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي الذي يسقط في فخ الدعاية. ويجب التوضيح أيضاً ان بن لا يضعنا أمام فيلم أرشيف (على أهميته في بعض الأحيان)، بل نراه في الخطوط الأمامية مع الجنود يستجوبهم ويحاول فهم دوافعهم. في النهاية، بن سينمائي وليس سياسياً - وإن تكن له مواقف واضحة وصريحة في هذا المجال-، وبالتالي فهو يبحث عن السينما في كل قول أو صورة. ومن هنا، كان النجاح حليفه في هذا العمل، لأنه يولي الفن أهمية ويدرك جيداً انه السبيل الوحيد لإقناع المشاهد. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في هذا الفيلم، يحاول بن أن يأتي بأجوبة على أسئلته الخاصة قبل أسئلة الآخرين. يحاول ان يفهم الصراع بين جارين من وجهة نظر مواطن أميركي، تصله المعلومات "مفلترة" أحياناً، ولا يوجد أفضل من الذهاب إلى أرض المعركة لمعرفة ماذا يحدث فيها. الفيلم يستند إلى شهادات ومقابلات ووقائع. يحاور بن بشفافية يحسد عليها عدداً غير قليل من الضالعين في الشأن الأوكراني الروسي وخبراء فيه. يحاصر المسألة من كل الجوانب، طارحاً إياها سياسياً واجتماعياً وعسكرياً، في دراسة معمقة عن كل التطورات السابقة التي ساهمت في إيصال الأشياء إلى الغزو. خلافاً للكثير من الأفلام السطحية التي تهتم باللحظة، يعرف بن جيداً أنه كي نفهم الحاضر، علينا البحث في الماضي، ذلك أن الحقيقة تكمن فيه. لذلك، يعود بنا الفيلم إلى تظاهرات "الميدان الأوروبي" واحتجاجاته، وإلى الصراع المسلح في منطقة دونباس الأوكرانية، مروراً بأزمة شبه جزيرة القرم، من دون أن يحاول أن يعطي صورة شيطانية عن روسيا، كي لا يقع في التنميط والدعاية، لكنّ ما يريه بشيء من الموضوعية، يكفي أن يختار المُشاهد معسكره.

اقرأ المزيد

المزيد من سينما