Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل فوت العرب فرصة الثأر من واشنطن في حرب أوكرانيا؟

آثار "لدغة كابل" المريبة تجنب الرياض وأخواتها الوقوع في "فخ كييف"

وقع العرب بين متطلبات الحليف الأميركية رغبة الحياد بينه وبين الروس في الحرب الأوكرانية (أ ف ب)

إذا ما فتحت النافذة على العرب في ملف حرب أوكرانيا فإنك ستفاجأ بعديد من التناقضات والأفكار والأوهام أحياناً التي يصعب اختزالها، من بينها القول إن غزو كييف شكل فرصة عربية للثأر من واشنطن أو معاقبتها إزاء انسحابها من المنطقة وأفغانستان من دون حتى التنسيق مع حلفائها في الخليج والإقليم، أو أن العرب نجحوا حتى الآن في الخروج من الحرب التي لم تبدأ أسوأ فصولها بعد من دون خسائر تذكر، بفضل تمسكهم بالحياد.

ومثله القول إن بوتين يقود حرباً نيابة عن كل الأمم التي عيل صبرها من استبداد أميركا في قيادتها العالم، والكيل بمكيالين في قضايا الشرق الأوسط، خصوصاً ما تعلق منها بصراع العرب وإسرائيل في فلسطين لعقود، فوجب مساندة الكرملين ما أمكن في تلك المهمة المقدسة.

لا يستطيع أي باحث متجرد نكران أن أشخاصاً وأمماً كثيرة ساورها حلم "الثأر" من أميركا وحلفائها، من اليابانيين إلى الروس والقوميين وكارلوس وبن لادن والبغدادي وقاسم سليماني، إلا أن ثمن ذلك الحلم كان دائماً ينقلب على الحالم، سوى بعض الاستثناءات القليلة في فيتنام وأفغانستان، وقيل أيضاً في حرب 73 التي جرب فيها العرب تجاوز خطوط البيت الأبيض الحمراء.

من لا يعول عليه

لكن في حرب أوكرانيا القضية في تقدير مراكز أبحاث عدة مثل "كارنيغي" أبسط من ذلك بكثير من جهة الفهم، لكنها أعقد في سياق ترجمة منطق الحياد فيها إلى واقع ملموس على الأرض.

فبالنسبة إلى "كارنيغي" السعودية التي كانت المؤثر العربي في الظرفية التي جاءت حرب أوكرانيا فيها، قد استخلصت وبعض حلفائها قبل شن الغارات الروسية أن عليها أن تعتمد على نفسها وتحالفات جديدة، إن كانت أميركا جزءاً منها فلا ينبغي أن يكون عليها المرتكز، فهي على طريقة الصوفي العربي الشهير محيي الدين بن عربي كذلك الصديق الذي يخذلك وقت الشدة "لا يعول عليه".

ويذهب المركز إلى أن "السؤال لم يعد حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تفك ارتباطها بالشرق الأوسط، بل بات واضحاً على نحو متزايد أن الشرق الأوسط هو الذي يفك ارتباطه بالولايات المتحدة"، في إشارة إلى خيبة الأمل التي أعقبت انسحاب واشنطن من المنطقة وتركيزها على الصين، معللة بذلك سحب بطاريات دفاعية في بعض المدن السعودية وتخليها عن أصدقائها في الرياض وأبوظبي على سبيل المثال في أحلك أيام استهدافهم من جانب ميليشيات الحوثي بالمسيرات والصواريخ الإيرانية، الغريم التقليدي لدول الخليج والعدو اللدود استراتيجياً للولايات المتحدة.

عام على حرب أوكرانيا
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسعاً على أوكرانيا، لمواجهة خطط توسع حلف شمال الأطلسي. بعد مرور عام، العالم بأسره يعاني من تداعيات الحرب فيما لا تلوح في الأفق أية نهاية قريبة للنزاع.
Enter
keywords

 

ليس ثأرنا هذه المرة

بالعودة إلى التاريخ السياسي في المنطقة فإنها تمنحنا فرصة أكبر لفهم المواقف العربية نحو أزمة أوكرانيا، فهي تأتي بعد مرحلة "الحرب الباردة" التي لا تزال حية في الذاكرة، إذ في حينها دفع حلفاء واشنطن ثمن الانخراط معها في الحرب الأكثر إيلاماً للسوفيات في أفغانستان، وهم على وعي بأن الهدف الأكبر منها ليس تحرير شعب مسلم محتل من قوى شيوعية وحسب، وإنما أيضاً "الثأر" من موسكو في موقف كان أشهر ما يعبر عنه قول مستشار كارتر الشهير "إنها فرصة تاريخية لمنح الاتحاد السوفياتي فيتنامه"، وليس بعيداً أن يعيد التاريخ نفسه بعد أن تردد أن الكرملين أيضاً كان محتفلاً بطرقه الخاصة بإغراق الأميركيين في أفغانستان العقدين الماضيين.

بينما الذي حدث أن حرب التسعينيات ما إن انتهت بالنتائج التي رغبها البيت الأبيض حتى ترك الميدان مهيأ لاستفحال أمراء الحرب وقوى التطرف، ولم يستفق إلا بعد 11 سبتمبر (أيلول).

ويروي رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق تركي الفيصل في شهادة حديثة له في "كتاب الملف الأفغاني" بمرارة، كيف أن الأميركيين لم يكتفوا بتجاهل تحذيرات الرياض ومناشداتها لاستكمال ما بعد انسحاب السوفيات في أفغانستان، وإنما استماتوا في محاولة توريط بلاده في إرهاب "القاعدة"، مما أخضع علاقات البلدين لاختبار حرج، لا تزال تداعياته مستمرة حتى اليوم في ما عرف بـ"قانون جاستا".

مغانم الحرب

قد يعني ذلك في جزء منه أن السعودية حتى قبل توتر علاقتها بواشنطن جربت الخوض في حروبها ولم تكن النتيجة النهائية مرضية، ولذلك لم تكن على الحماسة نفسها للتفاعل معها في أفغانستان وبعد ذلك العراق، فلماذا على أوكرانيا أن تكون استثناء؟ يأتي ذلك في وقت لم يكن الحذر العربي من مساندة أحد طرفي الصراع هو الوحيد، فحتى أوروبا وهي الأقرب إلى الأزمة ظلت مواقفها متباينة، واحتاجت كي تسلم أوكرانيا دبابات ظلت تطالب بها إلى عام كامل من الحرب الضروس والمناشدات والضحايا.

في المقابل ينظر مركز الخليج للدراسات إلى الحرب الأوكرانية بشكل أكثر صراحة، فهو يرى أن "كل أزمة دولية فيها تحد أو فرصة لصانع القرار، وفي السعودية نجح صانع القرار في استثمارها لإعادة تأكيد زعامة المملكة في أسواق الطاقة، وسياستها النفطية القائمة على المصلحة الوطنية أولاً واستقرار الأسواق ثانياً".

ووفقاً لصحيفة "اندبندنت" البريطانية فإن قائد الجبهة الغربية في الصراع الرئيس الأميركي بايدن "يفهم أن السياسة الواقعية تفرض عليه العمل مع السعودية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الصحيفة، طبقاً لتقريرها الذي بنته على فرضية أن أكبر دول المجموعة يمكنها تطويع المعركة لصالحها، اعتبرت من الواقعية تفهم أن الرياض لن تقوم بذلك الدور المنقذ للغربيين من دون أن تحصل على ثمن، إذ "يمكن للسعوديين أن يطلبوا نوعاً من حزمة الصواريخ الشاملة التي يحتاجون إليها... أو الحصول على مزيد من الضوء الأخضر في ما يتعلق باليمن، وسيكون من الحماقة ألا يفعلوا ذلك عندما يكونون في مقعد القيادة".

فجأة الفرصة انقلبت أزمة!

ومع أن هذا الانطباع بأن الأزمة في أوكرانيا إن كانت شكلت لأحد تهديداً فهي للسعودية وحلفائها الخليجيين "فرصة" لها ما يبررها، بالنظر إلى موقع الرياض الرائد كمورد موثوق للطاقة في الضراء قبل السراء لعقود، فإن منحنى المعارك السياسية على تخوم العسكرية في "دونباس" سريعاً ما برهن على أن اقتناص ما اعتبر فرصاً في أتون الأزمة لم يكن سهل المنال.

استدعى الأمر في نهاية المطاف مواجهة مفتوحة مع واشنطن التي رأت أن الرياض جرحت كبرياءها، ولم ترد تحية الرئيس بايدن بأحسن منها، حين نقض تعهداته بنبذ السعودية وولي عهدها، إلا أن الأخير لم يعط للأمر كبير أهمية يوم رفض في اجتماع "أوبك+" مناشدات البيت الأبيض السرية بالتأثير في المجموعة كي لا تخفض إنتاجها النفطي، فكان رد القوة العظمى أن شنت حملة مسعورة ضد الرياض، معلنة إخضاع علاقات البلدين التاريخية للمراجعة.

بيد أن الأسوأ كان الاعتقاد أن إهانة السعوديين يمكن السكوت عنها بزعم أن الرياض إنما أرادت بموقفها خفض إنتاج "أوبك+" دعم موقف بوتين في غزو أوكرانيا، فلم يكن من الرياض إلا أن أفرجت عن أحاديث "الغرف المغلقة" وسربت أن البيت الأبيض ليس اعتراضه على خفض الإنتاج وإنما توقيته، فكانت المعلومة أشبه بفضيحة بحجم قنبلة، سريعاً ما تلقفها الجمهوريون والإعلام الأميركي، إذ كان المغزى محاولة بايدن رفع حظوظ حزبه في الانتخابات النصفية بشكل غير دستوري، فانقلب السحر على البيت الأبيض، فهدأت حينها العاصفة لكن جراحها لم تندمل حتى اليوم.

حتى إن الذكاء الاصطناعي حينما سألناه في "تشات جي بي تي"، حول ما إذا كان التوتر بين السعودية وأميركا لا يزال يشكل تهديداً، أجاب "نعم احتواء التوتر بين البلدين يشكل تحدياً حتى الآن، إذ على رغم الجهود الأخيرة لتحسين العلاقات بين الحليفين فلا تزال هناك توترات أساسية لم يتم حلها بالكامل، والصراع الدائر في اليمن هو مصدر التوتر الرئيس، ومن المرجح أن يستمر تأثير الوضع في اليمن في العلاقة بينهما"!

موسكو لمغازلة واشنطن لا أكثر

لكن المحللين في "كارنيغي" على رغم ذلك يرجحون أن نقمة السعوديين نحو تخاذل واشنطن ومحاولاتها فرض الوصاية على حلفائها ليس علينا أن نحملها أبعد مما تحتمل "ففي حال اضطرت السعودية إلى حسم قرارها ستفضل -كما فعلت دائماً- الولايات المتحدة على روسيا، لكن الرياض تبذل كل ما في وسعها كي تتوقف واشنطن عن اعتبار هذا الأمر من المسلمات".

وتذهب مجلة "تايم" الأميركية إلى أن الموقف العربي إجمالاً في التعاطي مع الأزمة اتسم بالواقعية، فباستثناء نظام الأسد في سوريا "تعطي كل الدول العربية الأخرى الأولوية لعلاقاتها مع الغرب، ولم تحاول أي دولة التحول إلى موسكو"، غير أن هذا لا يعني وفق تقدير المجلة أن الدول العربية معادية للكرملين "فهم يرون في روسيا قوة عالمية كبيرة لا تزال ذات صلة بمنطقتهم وتتدخل أحياناً بطرق مفيدة لمصالحهم". واعتبرت أن موسكو أصبحت "عاصمة مفيدة (للمغازلة) علناً عندما تتوتر العلاقات مع العواصم الغربية، لذا فإن ردود الفعل المعقدة للدول العربية على غزو أوكرانيا ليست متعلقة بروسيا بقدر ما تتعلق بالغرب"، ومع ذلك نبهت تقارير روسية إلى أن واشنطن تضغط على عرب مؤثرين محاولة "توريطهم في الحرب".

"شريك غير موثوق"

أما "تايم" فترى أن السجال الذي أفرزته حرب أوكرانيا لم يزد على أن أظهر خيبات العقد الماضي الدفينة، إذ كان "لدى القادة العرب شعور متزايد بأن الغرب شريك غير موثوق به"، في إشارة إلى مرحلة ما بعد انتفاضات ما يسمى "الربيع العربي".

 وأعادت ذلك إلى توقع من وصفتهم بالمستبدين أن الغرب سيقف إلى جانب حلفائه مثل حسني مبارك في مصر 2011، وهو موقف قالت إنه "كان بصراحة يتماشى مع السياسة الغربية منذ ذلك الحين"، ولكن كان هناك أيضاً كما تقول وعي قوي بأن الغرب بشكل عام والولايات المتحدة على وجه الخصوص قد فشل في إظهار إرادته في الحفاظ على وجوده في عدة مسارح مما يسمى  "الخط الأحمر" في سوريا في شأن الأسلحة الكيماوية في 2013، إلى ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014 والسماح بدعمها النظام السوري، ناهيك بالتخلي الفوضوي عن أفغانستان في عام 2021.

وإذ كشفت الأحداث حتى الآن عن إدارة عربية عقلانية في الغالب لتطوراتها، فإن آثارها الخطرة لا تزال غير مأمونة، بخاصة أن الوجه الاقتصادي للحرب ألقى بظلاله الثقيلة على العالم كله، الذي بالكاد يتعافى جزئياً من وباء كورونا قبل أن تدهمه حرب شبه كونية، فضلاً عن أكثر الدول العربية التي زادت الأزمة من تحدياتها المتفاقمة أصلاً، كما في الحالة التونسية واللبنانية والمصرية على سبيل المثال، لذلك فإن القول بنجاح العرب في تجاوز المرحلة لا يزال الحديث عنه مبكراً، في وقت لا تزال الحرب مستعرة، ومستمرة تداعياتها لمزيد من التطور.

إعادة الاعتبار إلى الإقليم

لكن ذلك لا يلغي أيضاً أن دولاً عربية أخرى مثل السعودية ومنظومتها الخليجية استطاعت حتى اليوم التفاعل معها بتحويل تحدياتها إلى مكاسب اقتصادية وسياسية لا تنكر، على رغم تأثرها كبقية أجزاء العالم ببعض تداعياتها في التضخم وعدم اليقين.

ويرى معهد رصانة للدراسات الإيرانية أنه على المستوى السياسي فإن الأزمة منحت دول الخليج مكانة سياسية في الترتيبات الراهنة على الساحة الدولية، من مدخل سياسات الطاقة التي اتبعتها للتخفيف من ارتفاع الأسعار، لا سيما في حال تفاقمت الأزمة أكثر بعد أن توقفت الإمدادات الروسية، فضلاً عن أن تصاعد الصراع من شأنه أن يمنح دول الخليج فرصاً أكبر للمناورة وحرية الحركة.

ويدافع المعهد في أحد تقاريره كذلك عن أن تنافس القوى الكبرى وسط الحرب أدى إلى "تخفيف الضغوط الأميركية" على المجموعة الخليجية، إذ عززت الأزمة من الواقعية الأميركية في التعامل مع دول الخليج، فقد "أظهر الصراع حاجة الولايات المتحدة إلى دعم حلفائها التقليديين في الخليج لا سيما على الجانبين الاستراتيجي والاقتصادي، ولا شك أن هذا سوف يدفع السلوك الأميركي نحو مزيد من الواقعية تجاه التعامل مع بعض الحكومات في المنطقة بصرف النظر عن الخلاف معها في شأن بعض القضايا والسياسي".
ويؤكد أن هذا المعطى تظهر ترجمته أكثر ما تكون في زيارة الرئيس الأميركي السعودية الصيف الماضي ولقائه ولي عهد الأمير محمد بن سلمان، بعد أن اتصل فور اندلاع الأزمة بالملك سلمان، للتباحث معه حول "أهمية المملكة في استقرار سوق الطاقة في أوقات الصراعات".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل