Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب أوكرانيا تضع الأمم المتحدة أمام لحظة محفوفة بالخطر

من غير المرجح أن نرى قريباً إصلاحات جوهرية للمنظمة الدولية ومجلس الأمن

أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يستمعون للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ ف ب)

ملخص

عندما بدأت #الحرب_في_أوكرانيا، تساءل مسؤولو #الأمم_المتحدة عما إذا كان العالم يقترب من "لحظة سان فرانسيسكو جديدة"، يصبح من الممكن للدول حينها، إعادة كتابة #قواعد_الحوكمة_العالمية من الصفر

وضعت #حرب_أوكرانيا #الأمم_المتحدة في خلفية المشهد، ما عدا اجتماعات غير حاسمة لـ #مجلس_الأمن الدولي أو قرارات إدانة شكلية من الجمعية العامة.

وبات التساؤل هل يعيش العالم لحظة أفول المنظمة الدولية؟ وهل كشفت الأزمة عن عجزها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، أم أنه من المبالغة تقليل الأدوار الأخرى للمنظمة مثل التخفيف من التداعيات الإنسانية للحرب واستخدامها كمنصة لتشكيل الرأي العام العالمي؟

تدفع الحروب والأزمات الناس إلى التفكير في الحوكمة العالمية، لكن الكبرى منها فقط تخلق فرصاً لتغيير النظام الدولي، فقد أدت الحرب العالمية الأولى إلى نشوء عصبة الأمم، وعندما فشلت قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، دفعت أهوال الحرب إلى تأسيس هيكل الأمم المتحدة التي تواصل منذ ذلك الحين عملها ضمن المعايير التي حددها مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945، في الأقل بفضل حق النقض في مجلس الأمن الذي حال دائماً دون اندلاع حرب عالمية ثالثة بين القوى العظمى.

لكن الحروب والأزمات الصغيرة لا يكون لها غالباً التأثير نفسه في النظام الدولي، ومع ذلك لا يزال بإمكانها إجبار المنظمات متعددة الأطراف والدول الأعضاء فيها على إعادة التفكير في كيفية تعاونهم، ففي حين أن ميثاق الأمم المتحدة لا يشير إلى حفظ السلام، فإن أزمة السويس عام 1956 وغيرها من صراعات الحرب الباردة، أدت إلى دفع قادة الأمم المتحدة إلى تطوير عمليات الخوذات الزرقاء كواحدة من أشهر أدوات المنظمة للحفاظ على السلام.

كما أدت موجة الحروب الأهلية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، وبلغت ذروتها في كارثتي البوسنة ورواندا، إلى تحفيز قادة الأمم المتحدة لإعادة تقييم عمليات السلام وحماية المدنيين، وإطلاق جيل جديد من مهام الخوذات الزرقاء مثلما حدث في ليبيريا.

عام على حرب أوكرانيا
في 24 فبراير 2022، شنت روسيا هجوماً عسكرياً واسعاً على أوكرانيا، لمواجهة خطط توسع حلف شمال الأطلسي. بعد مرور عام، العالم بأسره يعاني من تداعيات الحرب فيما لا تلوح في الأفق أية نهاية قريبة للنزاع.
Enter
keywords

 

لحظة سان فرانسيسكو جديدة

عندما بدأت الحرب في أوكرانيا قبل عام، تساءل الدبلوماسيون ومسؤولو الأمم المتحدة والمتخصصون عما إذا كان العالم يقترب من "لحظة سان فرانسيسكو جديدة"، التي كانت منعطفاً تاريخياً، يصبح من الممكن للدول حينها، إعادة كتابة قواعد الحوكمة العالمية من الصفر، وهو ما بدأ بالفعل مع كثير من المطالبات عن الحاجة إلى إصلاح أو استبدال الأمم المتحدة خلال الأشهر والسنوات المقبلة، مع التركيز على إجراء تغييرات بمجلس الأمن لتجنب هذا النوع من الجمود الذي شهدناه طوال أشهر الحرب في أوكرانيا.

ومن بين هذه المطالبات ما حددته المتخصصة القانونية مونيك شيميلييه غيندرو، في مقال نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية بأن الأخطار التي تشكلها الحرب الأوكرانية على الأمن العالمي، تتطلب إعادة ابتكار كاملة لمهمة الأمم المتحدة التي لم تعد تقوم بدورها كطرف ثالث محايد بين الدول يمنع الصراع الثنائي من أن يكون بمثابة شرارة لانفجار عالمي جديد.

 

 

وأشارت غيندرو إلى أن هذا الفشل تجسد في الامتياز الباهظ الممنوح لخمسة أعضاء يمكنهم شل النظام الدولي من أجل الدفاع عن مصالحهم الخاصة، وينتج عن ذلك عجز مجلس الأمن عن ممارسة دوره في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، أو تنفيذ مسؤوليته في نزع السلاح بموجب المادة 26 من الميثاق، بل وعدم تشكيل قوات دولية جماعية في الحالات التي يكون فيها التدخل باسم مجتمع الأمم المتحدة ضرورياً، الأمر الذي يؤدي إلى التشويه المتزايد لصدقية الأمم المتحدة في نظر العالم.


ماذا صنع مجلس الأمن؟

كان الهجوم الروسي في 24 فبراير (شباط) 2022 حدثاً زلزالياً أدى إلى عواقب وخيمة على شعب أوكرانيا وآثار بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي، ونظر إليه الغرب على أنه انتهاك صارخ لمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، أي الالتزام بالامتناع عن استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لدولة عضو، في حين نظرت إليه موسكو والقليل من الدول على أنه إجراء وقائي نتج عن استفزازات الولايات المتحدة واقتراب حلف الناتو من وضع قدم له في أوكرانيا، مما يهدد الأمن القومي الروسي، وفي الحالتين، كشفت الأزمة عن عجز مجلس الأمن في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين مع قرار أحد أعضائها الدائمين من جانب واحد شن الحرب.

كان الصراع الحالي بأوكرانيا أحد الأزمات القليلة في العقود الأخيرة التي تثير اهتمام مجلس الأمن، فخلال عام 2022 عقد المجلس 50 جلسة في شأن أوكرانيا بما في ذلك 36 جلسة إحاطة مفتوحة، واستحوذت أوكرانيا على أكثر من 15 في المئة من الاجتماعات العامة للمجلس (42 من بين 276 جلسة عامة)، كما أن 17 من بين 22 اجتماعاً عقدت تحت بند "التهديدات للسلم والأمن الدوليين" ركزت على الحرب في أوكرانيا.

غير أن الحصول على اتفاق بين أعضاء المجلس في شأن أوكرانيا كان أمراً صعباً، نظراً إلى المشاركة المباشرة لعضو دائم في النزاع، كما كان يعكس أيضاً مواقف الأعضاء المتباينة بشكل حاد، إذ إن أربعة من مشاريع القرارات السبعة التي لم يتم اعتمادها في عام 2022 كانت تتعلق بأوكرانيا، ويتضمن ذلك مشروعي نصين قدمتهما ألبانيا والولايات المتحدة، أحدهما يستنكر الهجوم الروسي على أوكرانيا، والآخر يدين الاستفتاءات التي أجرتها روسيا في الأراضي التي سيطرت عليها عسكرياً داخل أوكرانيا في أواخر سبتمبر (أيلول)، وكلاهما رفضته روسيا.

كما فشل اعتماد مشروعي قرارين طرحا للتصويت، لأنهما لم يحظيا بالدعم المطلوب من أعضاء المجلس، أحدهما في شأن الوضع الإنساني والآخر يتعلق بالأنشطة البيولوجية العسكرية في أوكرانيا، ومنذ اندلاع الحرب أصدر مجلس الأمن نتيجة واحدة فقط في شأن أوكرانيا وهي بيان رئاسي تم تبنيه في 6 مايو (أيار) أعرب فيه المجلس عن دعمه جهود الأمين العام في البحث عن حل سلمي للأزمة.

تجاوز المجلس

جلب الجمود في شأن أوكرانيا طاقة متجددة للنقاش حول إصلاح مجلس الأمن، حيث سعت الدول الأعضاء إلى إيجاد سبل لمزيد من التعاون والمساءلة من خلال الجمعية العامة، وفي 27 فبراير 2022، وبعد فشل المجلس في تبني مشروع قرار يتأسف على الهجوم الروسي، تبنى المجلس قراراً بإحالة الوضع في أوكرانيا إلى الجمعية العامة من خلال إجراء "متحدون من أجل السلام"، وأسست هذه المبادرة الدورة الاستثنائية الطارئة الحادية عشرة الجارية الآن.

وبدعم غربي واسع، سعت الأصوات في الجمعية العامة لعزل روسيا، بينما فرضت بعض القرارات إجراءات عقابية ضدها، حيث تبنت الجمعية العامة قراراً في 7 أبريل (نيسان) 2022 يقضي بتعليق عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان، وفي 14 نوفمبر (تشرين الثاني) بتأسيس آلية في شأن تعويضات أوكرانيا.

لكن على رغم تمرير هذه القرارات بهوامش كبيرة، فإنها أظهرت أيضاً انقسامات داخل المجتمع الدولي حول كيفية تحميل روسيا المسؤولية، فقد امتنع عديد من أعضاء حركة عدم الانحياز عن التصويت. ودعا كثير من الأعضاء الذين تربطهم علاقات اقتصادية أو تاريخية أو عسكرية وثيقة بالكرملين مجلس الأمن إلى التخفيف من الآثار غير المباشرة للصراع، بما في ذلك أسعار الطاقة والسلع العالمية، وفي النهاية كان هؤلاء الأعضاء غير مرتاحين للعقوبات المفروضة على روسيا وترددوا في إدانتها.

حملة فلسطينية

بصرف النظر عن الإدانة في الجمعية العامة لروسيا، التي لا تستطيع تغيير الأوضاع على الأرض، فإن الجمعية العامة كانت بالنسبة إلى الأوكرانيين مقياساً بارزاً للرأي العام الدولي حول الحرب منذ بدايتها، فقد تحدث دبلوماسي غربي قبيل الحرب في يناير (كانون الثاني) 2022 بأن المسؤولين الأوكرانيين كانوا مستعدين لشن حملة "فلسطينية" في الأمم المتحدة حال عبور الدبابات الروسية الحدود.

وكان يقصد بهذا المصطلح أن كييف على رغم كونها لا تكافئ روسيا من الناحية العسكرية فإنها ستستخدم الأصوات في الأمم المتحدة لعزل موسكو، مثلما يلجأ الدبلوماسيون الفلسطينيون وحلفاؤهم في العالم سنوياً إلى المنظمة الدولية لتأمين الغالبية التي تدين إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على هذا الأساس، ظلت كييف وأصدقاؤها يستفيدون جيداً من الأمم المتحدة كمنصة لانتقاد موسكو، ففي غضون عشرة أيام من الهجوم الروسي الشامل، صوت 141 من أصل 193 عضواً بالجمعية العامة لإدانة العمل الذي وصف "بالعدواني"، وبعد ستة أشهر، أوضح عدد أكبر أنهم يحتفظون بالتعاطف مع أوكرانيا في ما يتعلق بحقها في السيادة وسلامة أراضيها، بعد أن أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم أربع مناطق من أوكرانيا، أيد 143 عضواً قراراً في أكتوبر (تشرين الأول) يرفض هذه الخطوة باعتبارها غير قانونية.

ومع ذلك ينبغي فهم هذه الأرقام في سياقها، إذ رفضت عديد من الدول التي صوتت لصالح الدعم المبدئي لأوكرانيا، مثل الدول العربية والبرازيل وإندونيسيا، الانضمام إلى العقوبات الدولية على روسيا، كما رفض عدد غير قليل من الدول التي انضمت إلى الغالبية الساحقة في قراري مارس (آذار) وأكتوبر بالجمعية العامة، التصويت لصالح القرارات التي تفرض عقوبات أكثر واقعية على موسكو.

وأيد 93 عضواً فقط في الأمم المتحدة قراراً بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أبريل (نيسان)، وحصل نص آخر صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) يؤيد فكرة تسجيل الأضرار لتتبع الدمار الذي أحدثته الحرب في أوكرانيا كأساس للتعويضات المستقبلية على 94 صوتاً فقط. ورأت بعض الدول التي امتنعت عن التصويت، مثل إندونيسيا والبرازيل، أن الحديث عن التعويضات يمكن أن يعوق الدبلوماسية المستقبلية مع روسيا.

جوانب إيجابية

على رغم كثرة الانتقادات المبررة حول دور المنظمة الدولية، فإن بعض أجزاء نظام الأمم المتحدة استجاب للحرب بقدر ما كان من المفترض أن تفعله، بحسب ما يقول الخبير في مجموعة الأزمات الدولية ريتشارد غوان، الذي يعتبر أنه من السهل التأسف على عجز مجلس الأمن عن كبح جماح أقوى أعضائه، لكن هذا ليس دوراً يمكن توقعه من المجلس بشكل واقعي، بل يجب الحكم على أداء المنظمة على أساس ثلاثة معايير أكثر تواضعاً.

الأول هو ما إذا كانت المنظمة تمثل منصة سياسية لأوكرانيا وحلفائها لتقديم حجة علنية ضد روسيا، والثاني هو ما إذا كان مسؤولو الأمم المتحدة ووكالاتها قادرين على التخفيف من بعض التداعيات الإنسانية للحرب، والثالث هو ما إذا كانت الأمم المتحدة قادرة على إدارة الخلافات الناشئة من أجل الاستمرار في معالجة الأزمات والصراعات في مناطق أخرى مثل أفريقيا والشرق الأوسط.

وبالنظر إلى هذه المقاييس، كان أداء الأمم المتحدة أفضل مما كان يبدو محتملاً بعد فترة وجيزة من قيام روسيا بإيقاف مجلس الأمن عن انتقاد أفعالها، حيث دانت الجمعية العامة المكونة من 193 عضواً الحرب بغالبية 141 صوتاً مقابل خمسة، وهو ما يعد تحسناً ملحوظاً في استجابة الجمعية للأزمة الأوكرانية الأصلية التي بدأت عام 2014، عندما أيدت 100 دولة فقط قراراً يؤكد سيادة كييف على شبه جزيرة القرم، كما تم طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان الذي أطلق أيضاً لجنة تحقيق بالعمل مع محققين أوكرانيين ودوليين آخرين لجمع أدلة موثوقة على جرائم الحرب.

الجبهة الإنسانية

بالانتقال خارج قاعات الاجتماعات في نيويورك وجنيف إلى الوضع بأوكرانيا نفسها، بذل العاملون في المجال الإنساني التابع للأمم المتحدة قصارى جهدهم لتقديم المساعدة للمدنيين الذين يعانون، ولا يزال لدى المنظمة مئات من الموظفين المنتشرين هناك، وقدمت وكالات الأمم المتحدة وشركاؤها المساعدة إلى ملايين الأوكرانيين المتضررين من الحرب على رغم الصعوبات والأخطار التي سببتها الألغام الأرضية والهجمات الجوية والصاروخية في أرجاء البلاد.

كما شارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، المفوض السامي السابق لشؤون اللاجئين، بشكل شخصي في بعض الجهود الإنسانية عالية الأخطار، وكافح في البداية للعب دور دبلوماسي خلال الحرب، لأن المسؤولين في موسكو لم يتعاملوا معه بعد أن دان هجومهم، لكن في أبريل، تمكن من زيارة موسكو وكييف، وتوصل إلى اتفاق بناءً على العمل الأساسي الذي وضعته اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإجلاء المدنيين الأوكرانيين المحاصرين في مصانع الصلب في آزوفستال بمنطقة ماريوبول، وشجع ذلك غوتيريش على البحث عن مزيد من الفرص للدبلوماسية الإنسانية.

 

 

وقبل أشهر عدة ركز الأمين العام على صياغة اتفاق تخفف روسيا بموجبه حصارها في البحر الأسود للسماح للحبوب الأوكرانية بالخروج من أوديسا، مقابل اتخاذ خطوات لتسهيل صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، إذ عملت الأمم المتحدة بشكل وثيق مع تركيا خلال هذا المشروع، لتقديم بعض الإغاثة الاقتصادية لأوكرانيا والتخفيف من أزمة الغذاء العالمية.

إبقاء الدبلوماسية العالمية حية

حينما بدأت الحرب عبر بعض مسؤولي الأمم المتحدة والدبلوماسيين عن خشيتهم من أن تركيز الأمم المتحدة المكثف على أوكرانيا سيضر بالدول الضعيفة في مناطق أخرى، فقد كانوا قلقين من أن تبدأ روسيا استخدام حق النقض (الفيتو) بشكل متقلب لعرقلة القرارات في شأن بؤر التوتر خارج أوكرانيا للإضرار بالمصالح الغربية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالتحدث مع روسيا حول الشرق الأوسط وأفريقيا في الأمم المتحدة.

لكن هذا الخوف كان مبالغاً فيه، ففي حين أن العلاقات بين المسؤولين الروس ونظرائهم الغربيين أصبحت سامة، وغالباً ما امتدت إلى معارك تافهة حول تفاصيل إجراءات الأمم المتحدة، فإن كلا الجانبين طور اتفاقية ضمنية للحفاظ على الحد الأدنى من التعاون الدبلوماسي في شأن ملفات مجلس الأمن التي لا علاقة لها بأوكرانيا.

على سبيل المثال، تعاونت روسيا في قرارات مجلس الأمن في شأن إعادة ضبط بعثة الأمم المتحدة بأفغانستان للعمل مع حكومة "طالبان"، وإعادة تشكيل قوة الاتحاد الأفريقي التي تقاتل حركة "الشباب" في الصومال، بل إن موسكو قبلت تجديد تفويض الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على قوة بحرية قبالة سواحل ليبيا تراقب حظر الأسلحة الذي تم خرقه كثيراً على رغم فرض بروكسل عقوبات هائلة على الشركات الروسية.

أي دور أممي للحل؟

يناقش دبلوماسيون في نيويورك كيف ينبغي للأمم المتحدة أن تحيي الذكرى السنوية الأولى للهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا واستمرار المقاومة الأوكرانية، وبينما يعتقد البعض أن كلاً من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة سيعقدان جلسات للإشارة إلى الحدث، فإن أسئلة أعمق تقفز إلى الواجهة حول أنواع الإجراءات التي ينبغي على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن تكون على استعداد لدعمها مع استمرار الحرب.

وبينما اقترح المسؤولون الأوكرانيون تقديم قرارات للجمعية العامة من شأنها أن تفتح آفاقاً جديدة من خلال تحديد شروط لإنهاء الحرب ومحاسبة المسؤولين الروس، لكن بعض حلفاء كييف يلاحظون أن عديداً من أعضاء الأمم المتحدة، سيترددون في دعم مثل هذه الإجراءات، بل إن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الكبرى قد تفضل أن تتخذ أوكرانيا نهجاً أقل إثارة للجدل بحيث يحظى بأكبر قدر ممكن من الدعم في الأمم المتحدة.

لكن في النهاية تظل هناك أسباب عدة تدعو إلى التشكيك في ما سيحققه هذا الحديث بالنظر إلى عدم ظهور بوادر لقبول خريطة طريق متفق عليها للسلام، فضلاً عن أن خيارات المنظمة الدولية محدودة في ظل رفض روسيا غوتيريش كوسيط محتمل في القضايا السياسية، ولكن إذا توصلت روسيا وأوكرانيا في النهاية إلى اتفاق، فقد يحتاجان إلى نوع من مهمة المراقبة التابعة للأمم المتحدة لتسهيل فك اشتباك القوات.

هل من إصلاح؟

مهما كانت تطورات الحرب، فمن المرجح أن تستمر الأمم المتحدة في لعب دورها الهامشي الحالي، لكنه ليس هزيلاً بمعالجة تداعيات الحرب، وفي حين سيكون هناك بلا شك مزيد من الدعوات لإصلاح المنظمة أو تفكيكها نظراً إلى عدم قدرتها على حل هذه الأزمة الكبرى، فإن البعض يرى أن هذه الدعوات مضللة بعد أن أوضحت الأزمة ما تبقى للأمم المتحدة من فضائل إلى جانب نقاط ضعفها، فهي توفر حتى في بيئة استراتيجية منقسمة وتنافسية ساحة للقوى الكبرى للتعبير عن مواقفها والمظالم التي تراها، كما أن الأمم المتحدة لا تزال تشكل قناة لهذه الدول من أجل البحث عن بعض الطرق المتبقية للتعاون.

وإذا كانت الأزمات في بعض الحالات تنذر بإصلاحات كبيرة في النظام الدولي، لكن هذا الانطباع قد يكون خادعاً، وعلى سبيل المثال ألهمت حرب العراق عام 2003 عديداً من الباحثين والمفكرين والسياسيين للحديث عن إصلاح المنظمة، وفي عامي 2004 و2005 أشرف الأمين العام كوفي عنان على سلسلة من المناقشات حول عيوب النظام متعدد الأطراف التي أدت بالفعل إلى ابتكارات مؤسسية مهمة في الأمم المتحدة مثل إنشاء مجلس حقوق الإنسان ولجنة بناء السلام الجديدة، كما قاد الجمعية العامة إلى تبني فكرة "مسؤولية الحماية"، كاستجابة متأخرة لفشل المنظمة في إنقاذ الأرواح في البلقان ورواندا في التسعينيات.

وبالنسبة إلى عديد من الدول كان الدرس الرئيس من حرب العراق هو أنه يجب إصلاح مجلس الأمن، وكان هناك كثير من النقاش حول إصلاح ميثاق الأمم المتحدة عام 2005، لكن الولايات المتحدة والصين وروسيا لم تكن لديها مصلحة في الإصلاح، وقتلت عن عمد هذه المبادرة، ومنذ ذلك الحين عمل مجلس الأمن من دون تغيير كبير طوال عقدين من الزمن.

تقاعس متوقع

وإذا كان تقاعس مجلس الأمن عن حل حرب أوكرانيا مأسوياً، فقد كان أيضاً متوقعاً عندما يكون أحد الأعضاء الخمسة الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) منخرطاً في الحرب، بينما تعني قواعد الأمم المتحدة أن المجلس لا يستطيع فعل الكثير حيال ذلك، وهناك عديد من الشواهد التاريخية على ذلك، فقد استخدمت موسكو حق النقض لمنع المجلس من انتقاد ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014.

كما منع الاتحاد السوفياتي قرارات غربية تدين غزوه المجر وتشيكوسلوفاكيا خلال الحرب الباردة، تماماً مثلما فعلت إدارة بوش عام 2003 وضغطت على مجلس الأمن لاستصدار قرار يبرر غزوها العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل، لكنها سحبت القرار المقترح عندما أصبح من الواضح أن عديداً من الأعضاء الدائمين في المجلس سيرفضونه وهو ما جعل الحرب غير قانونية كما قال كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك.

مستقبل غامض

ومن هذه التجارب، يتفق كثير من المراقبين في أن هناك كثيراً من العمل الذي يتعين القيام به للتفكير في مستقبل الحوكمة العالمية بعد حرب أوكرانيا، لكن من غير المحتمل أن تتبلور صورة كاملة حول الطريق إلى الأمام، حتى قبل قمة المستقبل المقررة في سبتمبر المقبل، ومن غير المرجح أن يرى العالم إصلاحات جوهرية لميثاق الأمم المتحدة ومجلس الأمن في المستقبل القريب، لكن من الممكن أن تكون هناك إصلاحات للآليات التي يمكن أن تستخدمها الدول للتعاون استجابة للحروب المستقبلية والصدمات المرتبطة بها بالوسائل الاقتصادية والإنسانية.

 ومع ذلك، تظل الأجندة الأمنية الجديدة للأمم المتحدة مبهمة، وهي تعكس بيئة دولية شديدة التحدي، تشير إلى أن الأمم المتحدة في لحظة محفوفة بالخطر الذي يمكن أن يساعد على التفكير في حلول ممكنة للمستقبل.

المزيد من تقارير