"لا تذكر الحرب!"، ورجاءً، لا تذكر إعادة إحياء المسلسل الهزلي العبقري الذي أطلق هذه العبارة.
لكن جون كليز، مؤلف هذا المسلسل، سبق أن ذكر شيئاً عن إعادة إحيائه. في الواقع، لم يذكر ذلك فحسب، بل أعلن أن "فولتي تاورز" Fawlty Towers سيعود. سيكتب كليز المسلسل مع ابنته، كاميلا، الممثلة الكوميدية التي ستلعب أيضاً أحد أدوار البطولة في النسخة التي سيعاد إحياؤها. وسيكون المنتج التنفيذي هو روب راينر، المشهور بإخراجه فيلم "سباينل تاب" Spinal Tap.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد اعتصر قلبي عندما ترامى هذا الخبر إلى مسمعي. ليس لأن مسلسل فولتي تاورز لا يعجبني، بل على النقيض من ذلك، فأنا أحببته، وما زلت أحبه. شاهدته عندما عرض في سبعينيات القرن الماضي، حتى إنني شاهدت حلقاته الـ12 كلها مرات عدة منذ ذلك الحين، وما زلت أشاهدها. إنه البرنامج المثالي للاسترخاء، حتى في الوقت الراهن. والمثير للدهشة أنه ما زال يضحكني كثيراً على رغم عدد المرات التي شاهدته فيها.
من يستطيع أن يمل من الحبكات المبنية بشكل جميل، والسخرية البحتة، والمواقف التي تعرض لها باسيل فولتي المرتاب والمتسلق الاجتماعي، فوجد نفسه يحاول إخفاء جثة ضيف فارق الحياة في الليل، أو يخبئ فأراً أليفاً من مفتش أتى لكي يتفقد الفندق، أو يفترض أن طبيباً نفسياً ينزل في الفندق مهتم بحياته الجنسية، أو يتشاجر مع ضيف أميركي طلب عصير برتقال "من برتقالة، وليس من زجاجة"؟ والقائمة طويلة.
ومن الأسباب التي جعلت المسلسل يصل إلى حد الكمال تقريباً هو أن كليز وشريكته الأساسية في التأليف، زوجته آنذاك كوني بوث، تجاهلا نداءت الجمهور الذي طالب بعرض مزيد من الحلقات، وتوقفا حين وصل عملهما إلى ذروة النجاح، واكتفيا بكتابة موسمين، لا غير. كانت تلك فكرة بالغة الذكاء. هناك كثير من المسلسلات الكوميدية الأخرى المحبوبة لم تتوقف في الوقت المناسب. هل تتذكر الموسم الأول الرائع من مسلسل "أبسلوتلي فابيولس" Absolutely Fabulous وكيف تحول في موسمه الخامس إلى نوع من الفوضى التي لا ترضي سوى أهواء صانعيه بغض النظر عما قد يعجب المشاهدين؟
في الواقع، تعتبر إعادة فولتي تاورز بعد كل هذا الوقت فكرة سيئة، و"بغيضة" باستخدام إحدى كلمات باسيل في الحلقة الأولى عندما كان يحاول التحدث مثل الأرستقراطيين. أولاً، إن الشريكة الأساسية في التأليف التي لم تلق الاهتمام والتقدير اللذين تستحقهما، لن تشارك هذه المرة. والسبب الثاني والأهم، لم يكن مسلسل فولتي تاورز يدور يوماً حول باسيل فحسب، بل حول تفاعله مع الأبطال الآخرين: زوجته "سيبيل" التي طالت معاناتها وقد لعبت دورها برونيلا سكيلز، وبولي العقلانية والغامضة التي أدت دورها بوث، ومانويل الذي يتعرض دوماً للحوادث ويعد إبداعاً لا ينسى من أندرو ساكس، وحتى طاقم الشخصيات الثانوية المختارة بإتقان، والمقيمين الدائمين في الفندق مثل "الرائد" (Major) الرجعي والسيدات المسنات الخجولات.
إذا كان كليز البالغ من العمر 83 سنة يفكر الآن في أن فولتي تاورز يمكن أن يدور حول شخصية باسيل فحسب، وليس حول التفاعل الحيوي مع الآخرين، فهو يعاني غرور رجل هرم ذي ذاكرة انتقائية.
وهذا يوصلنا حتماً إلى مشكلة مهمة أخرى متعلقة بمفهوم إعادة إحياء المسلسل، وهي جون كليز نفسه. في السنوات الأخيرة، أصبح كليز، الذي سينضم قريباً إلى جي بي نيوز GB News، شخصية سامة ومثيرة للانقسام: شخص فظ وسيئ المزاج. دائماً ما تكون تغريداته وتصريحاته العامة سلبية في شأن العالم من حوله، تماماً مثل السلبية التي أظهرها قبل عقد من الزمان تجاه إحدى زوجاته السابقات في ما سماه "جولة نفقة الطلاق"، عارضاً مقطع فيديو لها، وهي "تأخذ بقدر ما تشاء من أمواله" من الصراف الآلي.
عالقاً في فترة زمنية مختلفة، يبدو أنه لم يلحظ أن الأوقات قد تغيرت منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد أظهر نوعاً من كراهية النساء حين أشار إلى الدخل المشترك بينه وبين زوجته على أنه "أمواله الخاصة". حتى بعد الطلاق، كان من حق زوجته السابقة اعتبار ما حصلت عليه على أنه "لها". في تلك العروض نفسها، وصف زوجته السابقة تلك، أليس فاي أيشلبرغر، بأنها "مزيج بين بلوبيرد وهيذر ميلز" [بلوبيرد هو شخصية في إحدى الروايات الفرنسية كان يتزوج، ثم يقتل زوجاته الواحدة تلو الأخرى، وهيذر ميلز التي يقال إنها تزوجت من أجل الحصول على أموال زوجها]، وهي جملة كانت ستمنع على الأرجح في مسلسل فولتي تاروز.
أظهر من دون أي مبالاة أنه بعيد كل البعد عن فهم بريطانيا الحديثة عندما بدا وكأنه يندد بالتعددية الثقافية، من منزله في منطقة البحر الكاريبي، حين قال في عام 2019، "لندن لم تعد مدينة إنجليزية". وبعد تعرضه للانتقاد، قدم اعتذاراً متحفظاً وجزئياً، لم يلق نجاحاً كبيراً: "أظن أنه يجب أن أعتذر عن عاطفتي تجاه تربيتي على الطراز الإنجليزي، لكنني وجدتها نوعاً ما أكثر هدوءاً، وتهذيباً، وظرافة، وأقل مبالغة، وأقل استهدافاً للربح المادي، مقارنة مع طريقة التربية التي تحل مكانها".
ومن المفارقات أنه أصبح مثل أكثر إبداعاته شهرة، ولكن من دون القدرة على جعلنا نقهقه من الضحك. أنا أعتبر كليز واحداً من أكثر الكتاب والممثلين الهزليين موهبة في القرن العشرين. ويشهد على ذلك مسلسلاً مونتي بايثون وفولتي تاورز، وكذلك أعماله السابقة في برنامج ديفيد فروست وبعض الأعمال اللاحقة مثل فيلم عام 1988 المضحك للغاية، "سمكة اسمها واندا" A Fish Called Wanda، ولكن هل تستطيعون تسمية شيء واحد قام به خلال الثلاثين عاماً الماضية يضاهي ولو قليلاً تلك الإبداعات الناجحة والمتألقة؟
فلنعبر همساً عن ذلك، لكن من الممكن أن يكون جون كليز قد فقد ببساطة قدرته على إضحاكنا كالسابق. هل نستطيع أن نثق بأن رجلاً أصبح بعيداً كل البعد عن درجة الفكاهة التي كان يتمتع سابقاً سيتمكن من إعادة إحياء برنامج بهذه الروعة؟
إن السبب الأكبر الذي يستدعي ترك المسلسل كما هو من دون أي تغييرات أو إضافات، ذكره جون كليز نفسه في مقابلة مع "اندبندنت" قبل أربع سنوات.
لقد قال آنذاك: "إذا حاولت في أي وقت من الأوقات أن أصنع مسلسلاً هزلياً شبيهاً بفولتي تاورز مرة أخرى، فسيقول الجميع، "حسناً، هناك بعض الأشياء المثيرة للاهتمام فيه، لكنه ليس جيداً بقدر فولتي تاورز"، لذلك ليس هناك فائدة من القيام بذلك، بل ينبغي العمل على أشياء مختلفة".
أنت محق يا جون، التزم بهذا الشعور. بالطبع، من الجيد أن تقوم بمشروع مع ابنتك وربما يكون من الممتع تحضير مسلسل هزلي حول شخص مبغض للبشر يحاول التعامل مع عالم اليوم، وهو ما أفهم أنه النية وراء إعادة إحياء المسلسل، ولكن ابحث عن عنوان آخر، شخصية أخرى، اسم آخر، لا تعبث بذكرياتنا، ولا تعبث بإرثك الخاص، فأنت مؤلف ونجم أفضل مسلسل هزلي كتب على الإطلاق. أما على المستوى الشخصي... فعليك أن تهون عن نفسك.
© The Independent