Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"رهاب الزلازل" يتجاوز الحدود ويرجف الجمهور خلف الشاشة

التأثير النفسي للكوارث الطبيعية قد يمتد إلى آخرين بعيدين من نطاقها بسبب التعرض المكثف للصور والأخبار والأطفال والمراهقون الأكثر تضرراً

هزة أرضية تمتد لثوان معدودة تنتج منها انهيارات ودمار وأنقاض وآلاف وآلاف قصص الضحايا و#مآسي_الناجين وحياة تحولت في غمضة عين إلى أرقام تتداولها وكالات الأنباء وتحدثها ما بين لحظة وأخرى.

فحتى الساعة بلغ عدد وفيات الزلزال الأخير في تركيا وسوريا 16 ألف شخص إضافة إلى ملايين المصابين والمشردين والأرقام مؤهلة للزيادة في كل لحظة.

وإلى جانب التأثير المباشر للكارثة فيمن كانوا موجودين في إطارها، سواء كان تأثيراً جسدياً أو نفسياً، فإن هذه التأثيرات يمكن أن تمتد إلى آخرين على شكل أزمات نفسية كبيرة يعايشونها على رغم عدم تعرضهم بشكل مباشر للزلزال أو تداعياته، لكنهم يعانون ما يطلق عليه "رهاب الزلازل".

استشاري الصحة النفسية وليد هندي يقول لـ"اندبندنت عربية" عن رهاب الزلازل، "قديماً عندما كان يحدث زلزال أو أي كارثة طبيعية في أي مكان بالعالم كانت آثارها النفسية تنسحب على المنطقة التي وقع فيها وسكانها الذين تأثروا بالأمر بشكل مباشر فقط، إلا أن الوضع الحالي وتطور التكنولوجيا والتواصل بين الناس وانتشار الصور والفيديوهات التي تضم مشاهد للفزع والانهيار والصراخ والأنقاض وعمليات الإنقاذ ليشاهدها الناس في العالم أجمع على جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي جعلت التأثير النفسي بالزلزال ربما يمتد إلى العالم كله الذي أصبح يتابع الحدث لحظة بلحظة".

ويضيف، "هذا الوضع ربما ينتج منه رهاب الزلازل وهو أحد أشكال الأمراض النفسية الحديثة، وقد يمتد تأثيره مع بعض الأشخاص إلى أسابيع، فالزلزال الذي مدته 30 ثانية فقط يمكن أن يمتد تأثيره النفسي لوقت طويل وتكون أهم الأعراض التي يعانيها الشخص الانشغال العقلي الدائم بالزلازل ورؤية كوابيس وأحلام مزعجة وصعوبة في التواصل مع آخرين وعزلة اجتماعية وانشغال بفكرة الموت وفناء الجسد وهو ما يطلق عليه Death anoxity والخوف من فقدان عزيز، وربما يمتد لوساوس قهرية مثل تخيل حركة واهتزازات، وقد يعاني الشخص بعضاً من تلك الأعراض أو يعانيها مجتمعة بحسب الحالة".

الأطفال والمراهقون الأكثر تأثراً

تروي مروة (39 سنة) أنها كانت تبلغ تسع سنوات عندما حدث زلزال عام 1992 في مصر، كان الأكبر الذي تشهده البلاد وكارثة كبرى في حينها، فتقول "وقت حدوث زلزال عام 1992 كنت في الشارع بالمصادفة مع أسرتي وحدث ما حدث لنفاجأ بالصراخ وحال الهلع التي انتابت الناس وفي آخر الطريق الذي كنا نسير فيه انهارت إحدى البنايات وشهدت ذلك بنفسي وقتها لتنتابني نوبات فزع استمرت معي لفترة طويلة بعد انتهاء الزلزال".

تلفت مروة إلى أن "وقتها لم يكن من الشائع الاستعانة بأطباء نفسيين للأطفال لذلك استمرت الحالة معي لفترة طويلة ولا يزال تأثيرها ممتداً حتى الآن، فعند حدوث زلزال حتى لو كان في آخر العالم أشعر بحال نفسية سيئة وأستعيد جميع المشاهد المخزنة في ذاكرتي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بينما تقول سارة وهي أم لطفل عمره سبع سنوات، "بالمصادفة شاهد ابني بعض الصور الخاصة بالانهيارات واستخراج الضحايا من تحت الأنقاض للزلزال الأخير في سوريا وتركيا ومن بينها بعض اللقطات التي تم تداولها بكثرة لأطفال تحت الأنقاض ومن وقتها وهو مصاب بحال من الهلع من فكرة الزلازل التي لا يفهمها بشكل كاف إلا أن صور الأطفال المصابين التي شاهدها أحدثت لديه أزمة نفسية كبيرة، فحاولت تهدئته لكني فوجئت أن الأمر أصعب مما تصورته ومن ثم اتجهت إلى استشارة متخصص".

وفي السياق ذاته كان المتحدث باسم منظمة "يونيسف" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عمار عمار قال في تصريحات إعلامية إن آلاف الأطفال في سوريا أصيبوا بصدمات نفسية من جراء الكارثة، وإن البلاد عانت أزمات إنسانية قبل الزلزال الذي تسبب في تفاقمها وإن تقديم الدعم النفسي لهؤلاء الأطفال يأتي في الأهمية ذاتها مع تقديم الغذاء والعلاج الجسدي والحاجات الإنسانية الأساسية.

ويوضح هندي التأثير النفسي لمثل هذه الكوارث في الأطفال والمراهقين، "في حالة الصغار وتعرضهم لمثل هذه الأحداث سواء كان ذلك بشكل مباشر مثل معايشتهم للزلزال أو غير مباشر مثل مشاهدتهم لصور الدمار والضحايا والأنقاض، فإنه لا بد من أن يكون هناك حديث مطمئن عن أن الزلزال ظاهرة طبيعية ولا تحدث بشكل دائم، وإنما هي حوادث استثنائية قد تمر عشرات الأعوام من دون حدوثها أو ربما تحدث بشكل بسيط لا يخلف أضراراً جسيمة وأن ما شاهده هو حادثة عارضة وليس أمراً مستمراً أو متوقعاً حدوثه ثانية حتى لا تتفاقم حال رهاب الزلازل عند الأطفال".

ويضيف "بشكل عام يجب أن تتحدث المدارس إلى الأطفال حول هذه الأمور وتعريفهم بمفهوم الزلازل وكيف يكون التصرف الأمثل في حال حدوثها وما هي وسائل الحماية لتقليل التعرض للخطر، أما من تعرضوا بالفعل لزلزال أو كارثة طبيعية، لا بد من أن يحصلوا على الدعم والتأهيل النفسي بمساعدة الأسرة حتى لا يتفاقم الوضع، فهناك زلازل وكوارث طبيعية امتد تأثيرها النفسي في الأطفال الذين عاصروها لأعوام طويلة بعد انتهاء الحدث".

أنماط الشخصيات والتأثر بالزلازل

بين طرفي نقيض تختلف جوانب النفس الإنسانية وتتراوح بين أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وفي حالات الزلازل والكوارث الطبيعية تختلف الطريقة التي يتأثر بها الناس في هذا الإطار، فهناك من يتأثر بشكل مبالغ فيه ويصل إلى مرحلة الرهاب، وعلى النقيض هناك من يعاني حالاً من حالات التبلد في التعامل مع تلك الكوارث، وبينهما فئات كثيرة من البشر يختلف مدى تأثرها بالحدث ما بين هذا وذاك.

 

ويوضح هندي "الزلازل والكوارث الطبيعية بشكل عام تثير حالاً من الاضطراب والخوف من المجهول، لكن يختلف تعامل الشخص مع الوضع طبقاً لطبيعة شخصيته، فالزلزال يرتبط مع بعض الناس بخبرة سلبية مثل من عايشوا زلزال 92 في مصر الذي امتدت تأثيراته في بعضهم ربما حتى الآن، وعند حدوث أي زلزال يتعرضون له بشكل مباشر أو عندما يشاهدون تبعات الكوارث حتى لو كانت في دول أخرى يتأثرون بشدة فلا ينصح بمتابعة هذه الحوادث بشكل مكثف لها لأن تأثير ذلك يكون أكبر مما يتخيل الشخص ويمكن أن يمتد لفترات طويلة".

ويضيف "هناك نمط آخر من الأشخاص على النقيض تماماً وهم أفراد لا يبالون بأي شيء، بل على العكس يبحثون عن أخبار الزلزال أو الكارثة الطبيعية ويتتبعونها سواء على وسائل التواصل الاجتماعي أو على قنوات التلفزيون المختلفة ويتعرضون لهذا المحتوى بشكل مكثف من دون أن يتأثروا نفسياً بأي شيء، إضافة إلى ذلك يمكن أن ينشروا أموراً على مواقع التواصل الاجتماعي تتعلق بالكارثة مع كلام لا يتناسب مع الموقف من دون مراعاة أن مثل هذه المنشورات يمكن أن تؤثر في نفسية آخرين لا يستطيعون التعامل مع مثل هذه الكوارث بالشكل نفسه وإنما تتأثر حالهم النفسية فيها بدرجة كبيرة".

المزيد من صحة