Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتقال السياسي في السودان ورهانات الممانعة

الفرز يعكس ملامح لطرفين الأول يريد الخروج من الأزمة التاريخية والثاني لا يبدي اهتماماً بالمأزق

هناك عدم ثقة واتهامات بسوء نوايا بين الأفرقاء السياسيين السودانيين(أ ف ب)

بات من الواضح اليوم أن #الفرز_السياسي في #السودان عكس بوضوح ملامح لطرفين اثنين، الأول تتمحور قضاياه حول كيفية الخروج من #الأزمة_السياسية التاريخية، ممثلة في خيار #الاتفاق_الإطاري.

وهو تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزي، وقوى الانتقال الديمقراطي، ويتوافق معه المجتمع الدولي والإقليمي كالرباعية الدولية (أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات)، والترويكا الدولية (واشنطن ولندن وأوسلو)، ومنظمات واتحادات دولية وإقليمية، كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي.

والطرف الثاني لا تعكس ردود فعله السياسية اهتماماً واضحاً بطبيعة المأزق التاريخي، الذي يمر به السودان، خصوصاً بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ويمثله تحالف "الكتلة الديمقراطية".

وبين الطرفين تطفو بين حين وآخر تصريحات لبعض قادة المكون العسكري يحار المرء في كنه المراد منها، والحقيقة أن الحيرة تكبر كلما تأملنا مواقف وسلوك الطرف الثاني، الذي ظل طوال ممارساته ومواقفه يعبر عن سياسات لا تعكس معاني سياسية يمكن تعقلها، أو الرد عليها.

فـ"الكتلة الديمقراطية" حين شاركت في حكومة المرحلة الانتقالية برئاسة عبدالله حمدوك شمل التمثيل أكثر من 10 وزراء ومسؤولين حكوميين من منسوبيها، وكان هذا مكسباً منصفاً وعادلاً لأهل إقليم دارفور في حكومة الثورة.

فإقليم دارفور لم يمثل باستحقاق وافر ومنصف، على مدى تاريخ السودان، كما تم في حكومة المرحلة الانتقالية، لكن "الكتلة الديمقراطية" مع ذلك التمثيل الوازن لها طالبت بإقالة حكومة حمدوك، وتحالف بعض منسوبيها بشكل سري مع العسكر، مما أدى إلى انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أطاح الحكومة، وأدخل البلاد في مأزق ما زالت عالقة فيه.

وجاهة الحجج السياسية

وفيما تخلو الحجج السياسية لقادة "الكتلة الديمقراطية" اليوم من وجاهة متماسكة في انتقادهم للاتفاق الإطاري، بحيث بدا معها واضحاً أن حجاجهم النسقي يتمحور حول إصرار مشاركة التحالف في الإطاري كـ"كتلة ديمقراطية" وليس كأحزاب منفردة، بما يعنيه ذلك لهم من رغبة في الحفاظ على مكتسبات السلطة، إذ ما زال قادتها في مواقعهم بالحكم إلى هذا اليوم.

تبدو الحيرة واضحة كذلك في المغزى والتوقيت من الورشة التي استضافت فيها القاهرة أطراف تحالف "الكتلة الديمقراطية" بين يومي الثاني إلى السابع من فبراير (شباط) الجاري، التي اختتمت فعالياتها أمس الثلاثاء.

فعادة مثل تلك الورش تستضيف أطرافاً سياسية مختلفة بحيث يكون هدفها تسهيل الاستعصاء وتذليل العقبات، وتحقيق الأجواء الإيجابية التي توفر مناسبة جيدة للحوار، وهو ما جرى على مدى أكثر من عام بين الحكومة السودانية بقيادة حمدوك والحركات المسلحة والأحزاب المتحالفة معها، وأسفر بعد ذلك عن اتفاق جوبا، الذي تم توقيعه في عاصمة دولة جنوب السودان.

أما أن تتم استضافة تحالف واحد من كتلة واحدة متماهية مع أهدافها ومشروعها في دولة أخرى، فهو في الحقيقة أمر يثير أسئلة كثيرة، من قبيل لماذا لا تعقد "الكتلة الديمقراطية" ورشتها في السودان؟ وما المغزى أصلاً من ورشة كهذه في ظل دعوة مفتوحة للتوقيع على الاتفاق الإطاري المجمع عليه من القوى الدولية والإقليمية؟

الأرجح أن هذه الورشة الإقليمية هي محاولة لتأسيس موقف سياسي مواز للاتفاق الإطاري والدعوة إليه بعد بلورته في ظل شروط غير متكافئة، لا من حيث القوى الدولية والإقليمية التي تساند الاتفاق، ولا من حيث ملابسات إخراج ورشة القاهرة على ذلك النحو، ولا من حيث توقيتها.

الرغبة في السلطة

لكن في الوقت ذاته إذا ما تأملنا تصريحات بعض قادة العسكر هذه الأيام، حول الاتفاق الإطاري وحراكهم الذي يتوسل أجهزة الدولة بالخرطوم لتمرير مواقف ورسائل تعكس بوضوح رغبتهم في السلطة كالزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الإسرائيلي قبل أيام، والزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الروسي يومي الثامن والتاسع من فبراير الجاري، سنجد أن ثمة تحضيراً يجري لأمر ما بين حلفاء الأمس، لمواجهة الاتفاق بصيغة محلية إقليمية، قد يكون هدفها الأخير المناورة لكسب نقاط متقدمة عبر ضغوط إقليمية دولية موازية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن هذه التبريرات العدمية لهكذا مواقف في سياق واقع سياسي معقد ومفتوح على أزمات ومخاطر محدقة بمصير السودان، لا تعكس في تقديرنا سوية أخلاقية لمناورات كهذه، سواء أكانت من طرف "الكتلة الديمقراطية" أو من طرف قادة العسكر.

فلربما ما لم ينتبه له هؤلاء أو أولئك، أي كل من العسكر والكتلة الديمقراطية، أنهم بمثل تلك التصريحات والمواقف التي يبدونها قد يتيحون لطرف ثالث خطر فرصة نادرة للانقضاض على السلطة، ونقصد بذلك انقلاباً محتملاً قد يقع من طرف الإسلاميين في الجيش، لكي تختلط الأوراق على نحو سيقود إلى الكارثة.

انعدام الثقة

هناك عدم ثقة موجود وهناك اتهامات بسوء نوايا أيضاً بين الأفرقاء السياسيين السودانيين، كما أن هناك مطالب ومواقف متباينة، لكن هذه المرة، كم سيبدو الأمر غريباً وعبثياً حين لا يدرك كل من العسكر و"الكتلة الديمقراطية" حيثية الضامن للاتفاق الإطاري، وهو المجتمع الدولي والإقليمي، وما يتوفر عليه هذان من قدرة على تحقيق وتنفيذ بنود الاتفاق عبر ضغوطهم النافذة، لأنهم ليسوا منظمات إقليمية كالاتحاد الأفريقي الذي رعى اتفاق 17 أغسطس (آب) بين العسكر والمدنيين عام 2019.

وبتوافد أكثر من ستة مبعوثين لدول غربية ووصولهم إلى الخرطوم هذا الأسبوع لدعم الاتفاق الإطاري بهدف عقد لقاءات مع بعض أبرز قادة القوى السياسية والأطراف الفاعلة في صناعة المشهد السياسي كالنساء ولجان المقاومة، مما يدل على الأهمية البالغة لهذا الاتفاق كضامن لمستقبل الاستقرار والوحدة في السودان.

نتصور أنه من بديهيات ترتيب المواقف السياسية للأحزاب والكتل السودانية النظر إلى موازين القوى في الملعب السياسي إقليمياً ودولياً، والعمل لتنسيق مصالح متوافقة للسودان مع المصالح الإقليمية والدولية، خصوصاً في موقف حرج وخطر كالموقف الذي بدا عليه واقع الحال السياسي والمعيشي في البلاد.

 ومع كل ذلك حين يتوافر وضع مثالي كالذي تطرحه مزايا الاتفاق الإطاري على الشركاء السياسيين السودانيين، كما لم يتوفر من قبل، في أية فرصة مواتية، ثم نجد مواقف غريبة كتلك التي يتخذها تحالف "الكتلة الديمقراطية" ضد الاتفاق، أو تصريحات غير مفهومة كتلك التي يطلقها قادة العسكر بين حين وآخر، فإننا بإزاء إشكال خطر يكمن في أصل البنية الهيكلية لنظام تفكير سياسي لا يعكس معنى وقيمة لفكرة الوحدة الوطنية في آفاق النظر السياسي لبعض القوى السودانية للأسف.

وثيقة القاهرة

فاليوم إذ خرج تحالف "الكتلة الديمقراطية" في نهاية اجتماع ورشة القاهرة بوثيقة دستورية موازية لمشروع الدستور الانتقالي لنقابة المحامين ولجان فرعية، فذلك يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الإشكال العميق بين هذين الطرفين من أطراف السياسة السودانية لا يعكس، حتى اليوم على الأقل، سوية مشتركة للإحساس بما يمر به السودان من مأزق خطر.

الأرجح أننا سنشهد خلال الأيام المقبلة كلاماً كثيراً عن وثيقة القاهرة، وضغوط يرمي فيها العسكر بثقلهم لاستصحاب ما جاء فهيا ومحاولة دمجه بالاتفاق الإطاري، في مشهد سيعكس لنا أبرز علامة شكلت هاجساً بين الأطراف في تاريخ السياسة السوداني، هاجس لا على حقيقة النصوص، بل عن حقيقة النفوس، أي في انعدام الثقة المزمن بين الأطراف السياسية، فيما السودان الذي يحتضر اليوم لا يكاد ينهض لأن يكون علامة حية لوخز ضمائر بعض القوى السياسية التي لا تريد خيراً لهذا البلد.

من الواضح جداً، إذا ما استصحبنا زيارة سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي للخرطوم مع الزيارة المتزامنة لستة مبعوثين غربيين رفيعي المستوى، دعماً للاتفاق الإطاري، أننا أمام خيوط للعبة دولية حول السودان تعكس الهواجس الإقليمية والعالمية لأهميته في أجندات تلك الدول.

رهان الوضع السياسي

فالسودان بعد 30 سنة من حكم الإخوان المسلمين أصبح نهباً للتدخلات الدولية بسبب الوهن الذي أصابه والعجز الذي ضربه من جراء مقاطعة اقتصادية استمرت لأكثر من ربع قرن وجعلت النظام متسولاً لا يتوانى في التفريط في البلاد، التفريط في وحدته (انفصال الجنوب) أو في سيادته على حدوده، أو في موافقته على اتفاقات اقتصادية مجحفة، تعين على الشعب أن يدفع ثمنها اليوم، أو في مغامراته الإرهابية أو غير ذلك من مخازي نظام الإخوان بحق المواطنين.

اليوم لن يكون رهان الوضع السياسي في الخرطوم بين القوى الحزبية السودانية، التي وصفنا اغترابها الوطني، على مقومات ذاتية للنهوض بالسودان اعتماداً على قدراته الذاتية المنكوبة، وإنما في اختيار تحالف عقلاني للسياسة مع أقرب اللاعبين الدوليين استجابة للتعامل مع السودان بشفافية ووفق وأقرب العلاقات البينية وضوحاً ورغبة في دعم الانتقال الديمقراطي، أي التعاون مع السودان مصالح بمصالح، في ضوء الشفافية والحريات السياسية والتطور نحو الحكم المدني والاستقرار، بالتأكيد يدرك القارئ، أي أولئك اللاعبين بالساحة السودانية هو الأقرب إلى ذلك.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل