Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس بلا مناصب عليا... تريث من سعيد أم فقدان للثقة؟

عشرات الشغورات في السلطات التنفيذية والقضائية والدبلوماسية وانتقادات من الأحزاب الموالية قبل المعارضة ومراقبون يشيرون لغياب شبكة علاقات للرئيس

بات الرئيس التونسي قيس سعيد يواجه انتقادات بسبب عدم التعيينات في المناصب الشاغرة (أ ف ب)

يثير بقاء العشرات من المناصب العليا في تونس شاغرة تساؤلات حول أسباب عدم تسكينها، بخاصة أن السلطات لم تكسر صمتها تجاه هذا الفراغ الذي بدأ يواجه انتقادات حادة من الأحزاب، سواء أكانت معارضة أو موالية للرئيس قيس سعيد، وأيضاً من المنظمات والجمعيات.

وسارعت منظمة "أنا يقظ" غير الحكومية إلى إصدار بيان حذرت فيه من تداعيات بقاء عديد من المناصب شاغرة، مشيرة إلى أنه "مرت على سبيل المثال عام كامل على إقالة أو استقالة مديرة الديوان الرئاسي (نادية عكاشة) مع غياب لأي بوادر لسد الشغور في هذا المنصب على رغم أهميته، حيث يضطلع بإدارة الديوان الرئاسي ومصالحه".

وقدر مصدر دبلوماسي رفض الكشف عن اسمه عدد الشغورات في السلك الدبلوماسي بين سفراء وقناصل بنحو 33 منصباً، لافتاً إلى أن "سفارة ألمانيا تبقى واحدة من أبرز البعثات الدبلوماسية التي تعاني شغوراً، حيث لم يتم تعيين سفير منذ أكثر من عام".

وقالت منظمة "أنا يقظ" إنها "تلاحظ أن التراخي أو العجز في سد الشغورات يتجاوز القصر الرئاسي بكثير ليشمل السلطتين التنفيذية والقضائية وحتى تمثيلية الدولة التونسية بالخارج، فبعض الولايات (المحافظات) تشهد منذ أشهر غياباً لمنصب الوالي بعد إنهاء مهامهم من قبل رئيس الجمهورية، على غرار ولاية الكاف وباجة (شمال غرب) وصفاقس (جنوب)".

فقدان الثقة

قال الدبلوماسي السابق، عبدالله العبيدي، إنه "يمكن تفسير هذه الشغورات بعديد من الأوجه، فرئيس الجمهورية ربما ليس لديه شبكة علاقات تمكنه من تعيين المسؤولين، بخاصة أنه حديث العهد بالسياسة".

وتابع العبيدي، "تعيين سفير أو قنصل أو والٍ يقتضي أيضاً وجود ثقة متبادلة بينه وبين الطرف الذي عينه أي الرئيس، ويبدو أن الرئيس ليست لديه ثقة في الأشخاص الذين يعينهم، ورأينا سرعة الإقالات التي أجراها، سواء لسفراء في دول لها مكانتها عالمياً مثل الولايات المتحدة أو في المنتظم الأممي".

وشدد على أن "هذا يؤشر لانعدام الثقة بين الرئيس والأشخاص الذين يعينهم، وللأسف تونس بصدد خسارة القناصل والسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية وهو ما سيؤثر حتماً في وضع جالياتنا في الخارج أيضاً وهي جاليات تقدر بأكثر من مليون و200 ألف تونسي لديهم مصالح يجب الدفاع عنها".

ومنذ وصوله إلى دفة الحكم في العام 2019 عرف السلك الدبلوماسي في تونس حالة عدم استقرار لافتة حيث أعفى الرئيس قيس سعيد مندوب تونس لدى الأمم المتحدة، قيس القبطني، بعد إقالة المبعوث السابق المنصف البعتي.

كما يعد وزير الخارجية الحالي، عثمان الجرندي، خامس مسؤول يتولى منصب وزير الخارجية منذ 2019 بعد خميس الجهيناوي الذي أقاله الرئيس سعيد، وصبري باشطبجي (بالنيابة) ونور الدين الري وسلمى النيفر (بالنيابة).

ضعف التعيينات

وبات الرئيس قيس سعيد يواجه انتقادات بسبب التعيينات حتى من قبل الأحزاب التي تدعم المسار الذي يقوده وانطلق في 25 يوليو (تموز) 2021 بعد إطاحته البرلمان والحكومة اللذين كانا خاضعين لحركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان في تونس.

وقال القيادي بحزب التيار الشعبي (قومي) وهو من أهم الأحزاب الداعمة للرئيس سعيد، جمال مارس، إن "حزبنا أصدر بالفعل بياناً حمل فيه رئيس الجمهورية مسؤولية ضعف الإدارة وغياب التعيينات في المؤسسات العامة، وما نلاحظه أنه تم البدء في سد بعض الشغورات، لكن أداء الحكومة أيضاً ضعيف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف مارس في حديث مع "اندبندنت عربية" أن "الأمين العام للحزب زهير حمدي التقى رئيس الجمهورية قيس سعيد ودام اللقاء تقريباً لثلاث ساعات ونصف الساعة، وطرح الأمين العام على رئيس الجمهورية هذه الملفات ومسألة تشكيل حكومة سياسية بامتياز لأنه ثبت فشل حكومات التكنوقراط".

وشدد على أن "هناك تفاعلاً كبيراً بين رئيس الجمهورية وحزبنا، وإقراراً من سعيد بضعف في بعض الأماكن والمناصب، وكان بالإمكان أفضل مما كان، وعبر عن رأيه بأنه مع الحوار مع القوى الوطنية فقط".

وخلص مارس إلى القول بأن "رئيس الجمهورية لا يملك حزباً أو غيره وهو ما قد يفسر ضعف التعيينات على مستوى الوزراء والبعثات الدبلوماسية، بخاصة أن الرئيس هو من يختار بصفة مباشرة المسؤولين لذلك نحن ندعو إلى سد هذه الشغورات وتلافي النقص".

"هدم الدولة"

وتنتقد قوى المعارضة التونسية التي تعيش قطيعة تامة مع الرئيس سعيد اختياراته وطريقة إدارته للحكم، خصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي ترزح تحت وطأتها البلاد.

وقال القيادي بجبهة "الخلاص الوطني" المعارضة، رضا بلحاج، إن "الشغورات التي تشهدها عديد من المناصب الحساسة في تونس تندرج في سياق الفوضى وإضعاف الدولة وهدم مؤسساتها وعدم إعطاء قيمة لاستمراريتها".

وبين بلحاج أن "هذه الظاهرة برزت منذ أن تولى قيس سعيد السلطة، حيث رأينا مثلاً رفضه أداء الوزراء في الحكومة السابقة اليمين الدستورية، ورفض توقيع القوانين التي يصادق عليها البرلمان، سواء قانون المحكمة الدستورية وقتها أو غير ذلك، فهو لا يعطي قيمة لاستمرارية الدولة ولا لهيبتها، ويختزل كل السلطات في نفسه".

ورأى أن "هذا يندرج في فلسفة الرئيس الذي لا يعتقد أن هناك قيمة إضافية لتعيين السفراء أو القناصل أو الولاة، حيث إن هناك عديداً من الولايات التي تعاني فراغاً منذ فترة طويلة، فيما يقتصر عمل الرئيس سعيد على متابعة التقارير الأمنية ونشاط المعارضة فقط".

ويأتي ذلك في وقت تحتدم المواجهة بين الرئيس قيس سعيد والمعارضة التي سبق أن دعته إلى الاستقالة عقب مشاركة هزيلة في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية التي تعد المحطة الأخيرة من خريطة طريق شاملة كان قد أطلقها في ديسمبر (كانون الأول) 2021 لإنهاء حالة الانسداد السياسي التي تعرفها البلاد.

انتظار نتائج الانتخابات

من جهتها، قالت الباحثة والمحللة السياسية، حذامي محجوب إن "الشغورات في مناصب عليا ترجع إلى أسباب عدة، أولاً انعدام ثقة رئيس الجمهورية، ثانياً هو لا يعرف الكفاءات التي تزخر بها تونس، وثالثاً وهذا الأقرب انتظار صدور نتائج الانتخابات البرلمانية من أجل تعيين أنصاره في هذه المناصب لأنه معروف بأنه لا يعترف بجميع الكفاءات".

وأضافت محجوب في حديثها لـ"اندبندنت عربية"، "من المعروف أيضاً أنه إذا سيعين طاقماً دبلوماسياً فإن ذلك سيكون من وزارة الخارجية التي بالنسبة إليه فيها من عمل مع أحزاب النهضة ونداء تونس وغيرهما، ما يعني أنهم امتداد للأنظمة التي يقول إنه سيقطع معها".

وتعتقد أن "هناك تخبطاً وعجزاً كبيرين اليوم، ما سيطرح إشكالات لتونس على المستوى الدولي بخاصة، ورأينا التصنيف الأخير لوكالة موديز للتصنيف الائتماني وهو تصنيف يعكس أن الدول المانحة ليست على استعداد لمنح تونس تمويلات شأنها شأن الصناديق الدولية، وهو ما سيؤثر حتى في مناخ الاستثمار في البلاد".

وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني قد خفضت السبت تصنيف تونس من "س س 1" إلى "س س 2" مع آفاق سلبية في خطوة من شأنها زيادة الضغط على السلطات، بخاصة في ظل تعثر إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل يقدر بـ1.9 مليار دولار.

وقالت حذامي محجوب تعليقاً على هذا القرار إن "تونس لم تعد تواجه المجهول اليوم، من الواضح والمؤكد أنها تواجه شبح الإفلاس".

وشهدت تونس الأحد جولة ثانية من الانتخابات البرلمانية ستشكل تحدياً خاصاً للرئيس قيس سعيد الذي يسعى إلى الرد على خصومه من خلالها، بعد المشاركة الضعيفة في الجولة الأولى التي لم تتخط حاجز الـ11 في المئة، وهي أدنى مشاركة منذ ثورة 14 يناير (كانون الثاني) التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011 إثر انتفاضة شعبية ضد حكمه.

المزيد من تقارير