أعلنت تونس أن 11 في المئة تقريباً من الناخبين أدلوا بأصواتهم، أمس الأحد، في جولة الإعادة من الانتخابات البرلمانية التي أشار فيها منتقدو الرئيس قيس سعيد إلى أن مراكز الاقتراع شبه الفارغة تعكس استياء الرأي العام من سيطرته على سلطات واسعة.
وقال رئيس هيئة الانتخابات، التي تولى سعيد السلطة النهائية عليها العام الماضي، إن نسبة المشاركة الأولية في الجولة الثانية من الانتخابات بلغت 11.3 في المئة.
ودعت "جبهة الخلاص الوطني"، أكبر الكتل المعارضة في تونس، مختلف الأحزاب والمنظمات الاجتماعية إلى توحيد موقفها من أجل "رحيل" الرئيس سعيد وتنظيم انتخابات مبكرة، وذلك إثر تسجيل مشاركة ضعيفة في الدورة الثانية للانتخابات النيابية.
وأدلى 887638 شخصاً بأصواتهم من مجموع 7.8 مليون ناخب مسجلين، بحسب نتائج أولية، وفق ما أفاد رئيس الهيئة فاروق بوعسكر في مؤتمر صحافي.
وكانت نسبة المشاركة قد بلغت 11.22 في المئة بالدورة الأولى، وهي أضعف نسبة تصويت منذ بداية الانتقال الديمقراطي عام 2011 بعد انهيار نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
مؤشر سلبي
وتعد نسبة المشاركة الهزيلة مؤشراً سلبياً لمشروع الرئيس قيس سعيد الذي يحتكر السلطات في البلاد منذ عام 2021.
وقال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي في مؤتمر صحافي "أطلب من الحركة السياسية والمدنية أن نضع اليد في اليد لكي نحدث التغيير، وهو رحيل قيس سعيد والذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة".
ويرى مراقبون أن بصيص الأمل الوحيد لتجاوز الأزمة السياسية في تونس يتمثل في "مبادرة الإنقاذ" التي أطلقها "الاتحاد العام التونسي للشغل" و"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" و"الهيئة الوطنية للمحامين" و"المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، يوم الجمعة الماضي، من أجل تقديم مقترحات ستعرضها على سعيد للخروج من الأزمة.
وقال الشابي في هذا الصدد "أتوجه للاتحاد العام التونسي للشغل وعمادة المحامين ورابطة حقوق الإنسان، وأقول لهم نحن في مركب واحد، والحل يكون في قيادة سياسية جديدة". ووصف الانتخابات البرلمانية الجارية "بالمسخ والفشل الذريع" لسعيد، مضيفاً "لن نعترف بها".
معارضة منقسمة
غير أن المعارضة لا تزال منقسمة إلى ثلاث كتل مختلفة التوجهات، هي "جبهة الخلاص الوطني" التي يتزعمها حزب النهضة، والحزب الدستوري الحر بقيادة عبير موسي، والأحزاب اليسارية.
ولم تشهد مكاتب الاقتراع، أمس الأحد، إقبالاً على التصويت حتى إغلاقها عند الساعة السادسة مساءً (05.00 ت غ).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي مركز اقتراع محاذٍ لمبنى البرلمان بمنطقة باردو، صوت العشرات خلال الساعتين الأوليين من مجموع مسجلين يزيد على ثمانية آلاف ناخب، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وتنافس 262 مرشحاً على 131 مقعداً في البرلمان الجديد (من أصل 161)، خلال انتخابات تمثل المرحلة الأخيرة من خريطة طريق فرضها الرئيس سعيد، وأبرز ملامحها إرساء نظام رئاسي معزز على غرار ما كان عليه الوضع قبل الثورة التونسية.
ولم يختلف المشهد كثيراً في محافظات البلاد، حيث خلت مكاتب الاقتراع من الطوابير التي عهدتها في انتخابات ما قبل عام 2021.
وتفرد سعيد بالسلطة في 25 يوليو (تموز) 2021، عبر تجميد أعمال البرلمان، وحله لاحقاً، وإقرار دستور جديد إثر استفتاء في الصيف الماضي أنهى النظام السياسي القائم منذ 2014.
وبرر الرئيس قراره، آنذاك، بتعطل عجلة الدولة على خلفية صراعات حادة بين الكتل السياسية في البرلمان.
صلاحيات محدودة
وسيكون للمجلس النيابي الجديد عدد قليل جداً من الصلاحيات، إذ لا يمكنه على سبيل المثال عزل الرئيس، ولا مساءلته. ويتمتع الرئيس بالأولوية في اقتراح مشاريع القوانين. ولا يشترط الدستور الجديد أن تنال الحكومة التي يعينها الرئيس ثقة البرلمان.
وقدر الخبراء أن تكون نسبة الامتناع عن التصويت مرتفعة، معربين عن مخاوف من أن تنحرف البلاد عن مسار الانتقال الديمقراطي بعد أن كانت مهداً لتجربة فريدة في المنطقة.
ونددت منظمات تراقب عملية التصويت على غرار "مراقبون" بعدم مدها بإحصاءات المكاتب من قبل الهيئة، قائلة في بيان إن ذلك "يعد مساً صارخاً لمبدأ الشفافية وإتاحة المعلومة، مما يضعف من الثقة في العملية الانتخابية".
ورأى الباحث في "مركز كولومبيا" يوسف الشريف أنه "بالنظر إلى عدم الاهتمام التام للتونسيين" بالحياة السياسة، فإن "هذا البرلمان لن يتمتع بشرعية كبيرة. وبفضل دستور 2022 سيتمكن الرئيس القوي من الهيمنة عليه كما يشاء".
ودأبت أحزاب المعارضة على تنظيم تظاهرات للتنديد بقرارات سعيد منذ أن أقرها. ويلاحق القضاء عديداً من نشطائها.
أزمة اقتصادية
ويترافق الغليان السياسي في تونس مع مأزق اقتصادي فاقمه تعثر المفاوضات الحاسمة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بنحو ملياري دولار.
ورسم المحلل السياسي حمادي الرديسي صورة قاتمة عن حال تونس، قائلاً إن "الوضع الاقتصادي مأسوي، والبلاد على وشك الانهيار".
ومن مظاهر الأزمة الاقتصادية تباطؤ النمو إلى أقل من ثلاثة في المئة، وارتفاع البطالة إلى أكثر من 15 في المئة، فيما تزداد مستويات الفقر الذي دفع 32 ألف تونسي إلى الهجرة بحراً نحو إيطاليا بشكل غير قانوني عام 2022.