Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف باتت السماء العربية "مسرحا للمسيرات"؟

تجوب سوريا والعراق واليمن وليبيا والمغرب والجزائر ومتخصصون: "تطيل الصراعات وتفاقم المخاطر"  

في ظل تنامي التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون دول عربية عدة فإن خطر استمرار الرهان على الطائرات المسيرة يتزايد (أ ف ب)

أعاد استخدام القوات الروسية الطائرات المسيرة في أوكرانيا بشكل مكثف في سياق الحرب التي تقودها موسكو منذ نحو عام، تسليط الضوء على هذا النوع من السلاح الحديث الذي جرى تجريبه في وقت سابق في عديد من مناطق النزاع، على غرار ناغورني قره باغ وسوريا وليبيا.

وشهد عديد من الأقطار العربية اللجوء إلى هذا السلاح أثناء فترات النزاع، ففي ليبيا زودت تركيا ميليشيات حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج بالطائرات المسيرة عام 2019 لدى مواجهتها مع الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر بعد شنه حرباً للسيطرة على العاصمة طرابلس.

وفي العراق طالما استخدمت الميليشيات الموالية لإيران الطائرات المسيرة في استهداف القواعد العسكرية الأميركية.

وفي سوريا تحتكم كذلك القوات المعارضة والتركية إلى هذا النوع من السلاح شأنها شأن القوات الروسية والحكومية، مما يعزز مكانة الطائرات من دون طيار في الصراع.

كما تستعمل تركيا هذا النوع من الطائرات في شن هجمات على الأكراد، سواء في سوريا أو العراق، الأمر الذي يسلط الضوء على ما فعلته المسيرات في بعض الدول العربية التي تئن تحت وطأة الأزمات.

لا تستثني منطقة

الثابت أن الطائرات المسيرة لم تعد تستثني أية منطقة في العالم، حيث يتم الاعتماد عليها في ساحات المعارك، سواء في أوكرانيا أو أفغانستان أو اليمن أو غيرهم.

يقول العميد المتقاعد من الجيش التونسي مختار بن نصر، إن "الطائرات المسيرة أصبحت موجودة في جميع ساحات النزاع، ولها استعمالات عدة نظراً إلى خفتها وسعرها المتدني، وهي تؤدي وظائف كثيرة، فبإمكانها التصوير والرصد وضرب الأهداف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتابع بن نصر، وهو رئيس المركز التونسي لدراسات الأمن الشامل، لـ"اندبندنت عربية"، أن "هذه الطائرات بالتالي موجودة بشكل كبير، وهناك دول أصبحت تصنعها وتطورها، مما يجعل ساحات القتال ترتكز عليها بشكل كبير، لأنها أقل كلفة من الطائرات التقليدية والصواريخ".

ويشدد على أن "روسيا استخدمت المسيرات الإيرانية بشكل مكثف، لكن عديداً من الدول تستخدمها للاستكشاف لا أكثر، لأنها طائرات متخفية لا يمكن اكتشافها بسهولة، وبخاصة أنها سريعة الحركة، وهناك نوع من المسيرات يمكن أن يقوم بعمليات على بعد آلاف الكيلو مترات".

ورأى بن نصر أن "الطائرات المسيرة تمثل سلاح المستقبل، وهي في تطور مستمر منذ أكثر من أربع سنوات، وسيكون لها دور محوري في الصراعات، سواء الحالية أو المقبلة".

شمال أفريقيا

لم تكن منطقة شمال أفريقيا في السنوات الأخيرة محصنة ضد دخول هذا النوع من الأسلحة إليها في خضم الصراع بين المغرب وجبهة البوليساريو، الانفصالية المدعومة من الجزائر، على الصحراء. وأبرمت الجزائر العام الماضي صفقة مع تركيا لتسلم عدد من الطائرات، في حين تراهن المغرب على الإمكانات الذاتية لتطوير المسيرات.

 

وفي ليبيا دعمت تركيا الميليشيات التي تسيطر على المنطقة الغربية بهذا النوع من الطائرات منذ عام 2019 بعد إبرام اتفاقات مثيرة للجدل مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج. وتعد طائرة "بيرقدار" المسيرة أحد أبرز الطائرات التي أقحمتها تركيا في الصراع الليبي، وأسهمت في تغيير المعادلة على الأرض.

كما يبدو أن تركيا، التي استفادت كثيراً من الربيع العربي الذي صعد بالإخوان المسلمين إلى دفة الحكم في تونس، قد وجدت في شمال أفريقيا سوقاً مهمة لترويج طائراتها المسيرة، حيث سبق أن أبرمت صفقات مع تونس لتسليمها هذا النوع من الأسلحة، في وقت واجهت البلاد تهديدات إرهابية متزايدة.

يقول بن نصر إن "المسيرات ستكون موجودة في كل مناطق النزاع، لأنها مثل أي سلاح، لكنها موجودة في شمال أفريقيا بقوة، حيث نراها في الجزائر وفي المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا ومالي".

ولفت إلى أن "هذه الطائرات تستخدمها دول أو تنظيمات في المنطقة، وتستهدف جمع معلومات أو الرصد أو مهاجمة أهداف محددة بطريقة دقيقة للغاية".

خطورة متصاعدة

في اليمن مكنت إيران الحوثيين من الطائرات المسيرة التي هاجموا بها السعودية مراراً، وكذلك الموانئ اليمنية والمنشآت الحيوية، كما استخدمت الميليشيات الموالية لإيران في سوريا والعراق أيضاً الأسلحة نفسها في الصراعات الدائرة هناك.

ويحذر متخصصون من أن سقوط هذا النوع المتطور من الأسلحة بيد كيانات غير حكومية قد يقود إلى تهديدات جدية لحركة تنقل السلع، وأيضاً إطالة أمد الصراعات التي تعرفها المنطقة العربية على غرار ما يحصل في اليمن أو ليبيا، حيث إن من شأن الطائرات المسيرة قلب المعادلات الميدانية.

العميد خالد عكاشة مدير "المركز المصري للدراسات الاستراتيجية" يقول إن "الطائرات المسيرة تمثل تطوراً في أنماط التسلح بشكل عام، وقد أثبتت جدارتها وكفاءتها في عديد من ساحات الصراع بالنسبة إلى الجيوش أو بعض الأجهزة الأمنية في مختلف الدول، بخاصة في مجال مكافحة الإرهاب وتأمين المنشآت الحيوية".

ويضيف عكاشة لـ"اندبندنت عربية"، أن "هناك تطوراً تكنولوجياً أدخلته الدول التي تقوم بإنتاج الطائرات المسيرة، فضلاً عن أن كلفتها المحدودة مقارنة بالأسلحة التقليدية، مما جعل المستقبل مفتوحاً أمام هذه التقنية الجديدة، مما يؤشر بقوة على أنها ستحتل مساحة ليست بالقليلة في صراعات المستقبل".

وشدد عكاشة على أنه "أخيراً استطاعت بعض الكيانات وليس الدول الحصول على هذا النوع من المسيرات التي استخدمتها في عملياتها الإرهابية، كما هي الحال في اليمن والعراق، وهي كيانات وجدت حلاً رخيص الثمن يمكنها من تطوير أدواتها، لذلك لجأت إلى هذا الأمر بشكل سريع، وتم رصده في عديد من المناطق".

عالم سري

وعلى مستوى التصنيع فإن تركيا وإيران تعدان أبرز دولتين تصنعان وتبيعان هذه الطائرات سواء لدول أو ميليشيات وفصائل مسلحة في دول مثل العراق واليمن وليبيا وسوريا.
ويعتبر الباحث السياسي العراقي عقيل عباس أن "استخدام الطائرات المسيرة في الشرق الأوسط مرتبط بما يسمى محور المقاومة أي إيران وسوريا وحلفائهما، واستخدمت مراراً في السنوات الأخيرة هذه الطائرات". ويؤكد أن "هذه الطائرات تستخدم بشكل كبير في اليمن والعراق، في إطار الخصومة الإقليمية الواسعة خصوصاً أن الدولة العراقية عاجزة عن السيطرة على الفصائل المسلحة ولا على استخدام هذه المسيرات". 
ويوضح عباس "هذه الطائرات المسيرة جزء من عالم سري لا نكتشف وقائعه إلا عند حدوث الحادث، عندما تستخدم مثلما يحدث الآن في أوكرانيا بعد ما زودت إيران روسيا بهذا النوع من الطائرات وتستخدمها روسيا الآن لضرب البنية التحتية الأوكرانية". 
 
تهديد الحوثي

عكاشة أكد أن "هناك خشية من أن تتسلل هذه التقنية إلى كيانات خارجة عن القانون مثل التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي يعطيها القدرة على إنتاج المخاطر"، مضيفاً أن "الطائرات المسيرة احتلت مكانة مهمة في المنطقة العربية، مما قد يزيد من خطر تنامي الصراعات، لا سيما أن الميليشيات مثلاً في ليبيا نجحت في إعادة الصراع إلى نقطة الصفر بفضل هذه الأسلحة".

وكان الجيش الوطني الليبي يتقدم صوب طرابلس في 2019 قبل أن تتدخل تركيا لمصلحة الميليشيات التي نجحت في نهاية المطاف في صد هجوم الجيش وتراجعه إلى سرت التي تربط شرق البلاد بغربها.

 

وقال عكاشة إن "امتلاك جماعة مثل الحوثي لهذا النمط من التسليح يجعلها شديدة الخطورة على دول الجوار والممرات الملاحية والمضائق البحرية، وهو ما ألقى بأعباء على الجيوش النظامية المعنية بتأمين مثل هذه الأماكن الحيوية".

ورأى أن "وصول هذه النوعية من السلاح يطيل من أمد الصراعات، ويفتح سقف المخاطر إلى مدى يجعل كلفة المواجهة عالية على الأطراف الأخرى، وقد توعدت الولايات المتحدة الميليشيات التي استخدمت هذا النوع من الطائرات ضد أهداف أميركية، الأمر الذي جعل الوضع في العراق أكثر اضطراباً".

وقال عكاشة إن "النموذج نفسه تكرر في ليبيا، حيث كانت المعارك تدور حتى دخلت الطائرات المسيرة فأحدثت نقلة نوعية في مسارها وأعادتها إلى نقطة الصفر من جديد".

مختبر المسيرات

وكانت منظمة "باكس" الهولندية ذكرت في تقرير نشرته، نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن الولايات المتحدة وتركيا وروسيا والقوات الحكومية السورية والفصائل المعارضة حولت البلاد إلى مختبر للطائرات المسيرة، حيث جرت تجربة ما لا يقل عن 39 نوعاً من هذه الطائرات منذ سقوط البلاد في الفوضى على إثر الانتفاضة ضد نظام الرئيس بشار الأسد.

وفي عام 2021 اكتسى استخدام الطائرات المسيرة خطورة لا مثيل لها عندما استهدفت مسيرة مفخخة منزل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في محاولة اغتيال نجا منها الرجل.

وتحول العراق منذ سنوات إلى ساحة للتنافس على النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران. وفي مطلع يناير (كانون الثاني) 2020، اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بضربة نفذتها بطائرة مسيرة بالعراق، في خطوة ردت عليها ميليشيات موالية لإيران في البلاد باستهداف القواعد العسكرية الأميركية بوابل من المسيرات.

وفي ظل تنامي التدخلات الإقليمية والدولية في دول عربية عدة على غرار ما تقوم به تركيا وإيران وروسيا وتركيا، فإن خطر استمرار الرهان على الطائرات المسيرة يتزايد. وتتدخل تركيا في كل من العراق وسوريا وليبيا، فيما لإيران موطئ قدم في سوريا والعراق واليمن عبر ميليشيات تدين لها بالولاء، كما تنخرط روسيا مباشرة في سوريا وبشكل آخر غير مباشر في ليبيا.

المزيد من تقارير