Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة إيران النووية والمصلحة الإسرائيلية

المواقف التصعيدية التي صدرت عن نتنياهو تكشف الخطوط العريضة لسياسات حكومته في التعامل مع طهران

سبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن قال إن وقف البرنامج النووي الإيراني هو أحد أهم أهداف سياسته الخارجية (رويترز)

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الأميركية ستيفن والت عبر مقالة نشرها في مجلة "فورين بوليسي" بتاريخ الرابع من يناير (كانون الثاني) الحالي تحت عنوان "تطلعات 2023 من خلال النظر إلى الماضي"، إنه "سبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن قال إن وقف البرنامج النووي الإيراني هو أحد أهم أهداف سياسته الخارجية، وهذا يعني دفع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نحو دعم إجراءات أكثر عدوانية. ربما تكون الحرب في الشرق الأوسط هي آخر ما يريده بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن في الوقت الحالي، لكن هذا لن يمنع نتنياهو وحلفاءه داخل الولايات المتحدة من الضغط من أجل قضيتهم هذه مراراً وتكراراً".

لا شك أن هناك اختلافاً واضحاً في الاستراتيجية والمنهج بين الحكومة الإسرائيلية السابقة بقيادة يائير لبيد والحكومة الحالية بقيادة نتنياهو بالنظر إلى التهديدات التي تواجهها تل أبيب في المنطقة وحجم تأثيرها في استقرارها ومشروعها الإقليمي، ويمكن القول إن التركيز الأساس لحكومة لبيد كان يتركز وينصب على البحث عن استراتيجيات التعامل مع التهديد المباشر أو الدائرة الجيوسياسية والجيوستراتيجية الأضيق والآتية من المحيط الجغرافي على الجبهة الجنوبية في قطاع غزة وعلى الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، من دون إسقاط أو تراجع الاهتمام بالدور الذي تلعبه الدائرة الجيوسياسية الثانية وحجم تأثيرها في إسرائيل، والتي تحتل إيران نقطة الارتكاز فيها سواء بالمباشر باعتبار أنها المنافسة الأولى لتل أبيب في منطقة غرب آسيا بامتدادها من منطقة القوقاز وصولاً إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط في الشرق الأوسط، أو لجهة أن إيران هي الفاعل الرئيس وصاحب الدور والتأثير الأول في الدائرة الجيوسياسية المباشرة والمحيطة بها.

وإذا كانت حكومة لبيد استطاعت تحييد الجزء الأساس واللاعب الأبرز على الجبهة الشمالية من خلال التوصل إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، والذي يمكن اعتباره بمثابة اتفاق تطبيع اقتصادي بين إسرائيل ولبنان بموافقة وقبول الخصم والعدو الأول لتل أبيب المتمثل في "حزب الله"، لما للأخير أيضاً الموارد النفطية والغازية الموعود باستخراجها من البحر، فإنها إلى حد ما استطاعت إرساء نوع من قواعد الاشتباك بينها وبين قطاع غزة باستطاعتها منع تطور أي حدث أمني إلى معركة مفتوحة بين الطرفين، في حين تركت التهديد الذي تشكله الساحة السورية بانتظار حلول في إطار سياقات سياسية متداخلة إقليمياً ودولياً، مع نوع من الاطمئنان النسبي بألا تشكل هذه الساحة مصدر خطر حقيقي على الأمن الإسرائيلي، وأن تسهم في تغيير قواعد الاشتباك بالتزامن مع شبه اعتراف بالأمر الواقع، وهو عدم نجاح العمليات العسكرية لسلاح الجو الإسرائيلي في منع "حزب الله" اللبناني من تطوير ترسانته الصاروخية مستخدماً المعبر البري والجوي السوري الذي يربطه بإيران.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع وصول الحكومة الجديدة بقيادة نتنياهو يبدو أن حال الـ "ستاتيكو" التي أنتجتها الحكومة السابقة مرشحة لنوع من التصعيد على جبهات بعيدة من الجبهة الجنوبية مع غزة والشمالية مع لبنان، فنتنياهو وقبيل إجراء انتخابات الكنيست الأخيرة أكد التزامه باتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، باعتباره رغبة وإرادة أميركية قبل أن يكون مصلحة إسرائيلية داخلية واقتصادية وأمنية وسياسية، إضافة إلى أنه أجرى اختباراً لجدية قواعد الاشتباك مع الفصائل الفلسطينية من خلال حصر عملية اقتحام المسجد الأقصى على حليفه المتشدد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

وإذا ما كانت حكومة لبيد استطاعت تفكيك أو تحييد تهديدات وأخطار الدائرة الجيوسياسية المباشرة (لبنان وقطاع غزة)، فإن الأجواء التي بدأت تتبلور من المواقف المعلنة لرئيس الوزراء الجديد تتجه إلى نوع من التصعيد مع الدائرة الجيوسياسية الثانية المتمثلة في إيران وبرنامجها النووي وإمكان إعادة إحياء الاتفاق النووي، إضافة إلى استكمال التصويب على الجزء السوري من الجبهة الشمالية وتحديداً ما يتعلق بالدور الذي يلعبه اللاعب الإيراني على هذه الساحة، ومساعي تحويلها إلى منصة لتهديد الأمن والاستقرار الإسرائيلي والتأثير في دوره الإقليمي.

المواقف التصعيدية التي صدرت عن نتنياهو تكشف عن الخطوط العريضة والاتجاه العام لسياسات حكومته في التعامل مع الموضوع الإيراني، وأيضاً حجم مخاوفه من إمكان عودة الحرارة إلى المسار التفاوضي بين إيران والمجموعة الدولية، وتحديداً واشنطن، لإعادة إحياء الاتفاق النووي أو التوصل إلى صيغة جديدة تكون بديلاً مرحلياً عن هذا الاتفاق، وهذا ما سيدفع نتنياهو إلى العمل مع حلفائه داخل الإدارة الأميركية أو الذين يتفقون معه في الموقف من إيران وطموحاتها لعرقلة أية محاولة قد تقوم بها إدارة البيت الأبيض للتوصل إلى اتفاق مع طهران مهما كان نوعه وحجمه، مما يجعل "أي إمكان التوصل إلى اتفاق جديد مهما كان نوعه للحد من البرنامج النووي الإيراني" يبدو بمثابة الحلم، بحسب تعبير والت في مقالته.

ومن هنا فإن المعطيات التي تقدمها المواقف المتشددة للحكومة الإسرائيلية الجديدة والتي تعتبر استمراراً وامتداداً لمواقف الحكومة الأسبق التي كان يترأسها نتنياهو أيضاً، تسمح بالاعتقاد والقول إن تل أبيب من الأطراف الدولية الأكثر استفادة من الأزمة والانسداد الحاصل في المفاوضات النووية بعد الحليفين "الاستراتيجيين" الروسي والصيني للنظام الإيراني.

وعلى رغم السلبيات المحتملة لعدم الاتفاق وبقاء إيران وأنشطتها النووية خارج الرقابة الدولية وبعيداً من إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما قد يمنحها الفرصة لتطوير هذه الأنشطة ورفعها إلى مستويات عالية ومتقدمة في ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم.

وفي وقت يقاوم النظام الإيراني طموحاته في التحول إلى قوة عسكرية نووية وامتلاك هذا السلاح، إلا أنه يدرك جيداً أن هذه الخطوة ستسقط كل الخطوط الحمراء لدى عواصم القرار الدولي بما فيها روسيا والصين، وستكون في مرمى الاستهداف الجدي من المجتمع الدولي، الصديقة والعدوة والمعتدلة، التي ستدفع مجلس الأمن الدولي نحو اللجوء إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة في مواجهة إيران، وتتخذه غطاء يعطيها الشرعية لأي عمل عسكري قد تلجأ إليه.

ومن هنا فإن عدم الاتفاق بين طهران والمجموعة الدولية، بخاصة واشنطن، لحل الأزمة النووية وعقد اتفاق جديد أو إحياء القديم، يشكل مصلحة للحكومة الإسرائيلية التي تعتقد أن إبقاء إيران في حال قلق دائم واستمرار العقوبات والحصار الاقتصادي يعرقلان مشاريعها الإقليمية ويعقدان آليات دعمها العسكري والمالي للجماعات الموالية لها على الساحة الإقليمية من باب المندب وصولاً إلى الداخل الفلسطيني ومروراً بمرتفعات الجولان السورية، والذي تضاف إليه الضغوط الأميركية التي تستهدف هذا الدور والنفوذ الإقليمي للنظام.

وتعتقد الإدارة الإسرائيلية أن إبقاء طهران تحت العقوبات يسهم في تأزيم الوضع الاقتصادي الداخلي مما يضع الحكومة والنظام في مواجهة مباشرة مع الشعب الإيراني المطالب بالتوصل إلى أي اتفاق يسمح بإعادة الدور الاقتصادي والحياتي إلى حاله الطبيعية.

ومن مصادر الارتياح الإسرائيلي لما تسببه العقوبات الاقتصادية أنها بدأت تسمع أصواتاً صريحة من المعارضة في الخارج وبعض الأصوات في الداخل تطالب بإنهاء حال العداء بين إيران وإسرائيل، لاعتقادها أن السبب الرئيس في ما يتعرضون له من عقوبات هو نتيجة للموقف العدائي الذي يعلنه النظام من تل أبيب.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل