Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كلفة الإمبريالية... السقوط بالعجز عن الدفع

الحرب العالمية الثانية قادت إلى سقوط إمبراطوريات وحرب أوكرانيا مرشحة لإنهاء الطموحات الإمبريالية

التحولات سريعة ولا حدود لكلفة المشاريع الإمبريالية والإقليمية في نوع من اللانظام العالمي الحالي (أ ف ب)

في عام 1940 قال وزير الخارجية الياباني يوسوكا ماتسوكا في اجتماع لكبار المسؤولين إن اليابان تستطيع أن تبحث عن عودة إلى التعاون مع أميركا وبريطانيا، لكن فقط بشروطهما، وهذا يعني العودة إلى "يابان صغيرة"، بحسب تعبير وزير الحرب ثم رئيس الوزراء الجنرال هيديكي توجو.

لكن ذلك لم يكن مقبولاً من قادة اليابان فشنوا حرباً كان معظمهم يؤمن أنه سيخسرها. وكان ما كان من الهجوم على بيرل هاربر، ورد أميركا بدخول الحرب العالمية الثانية وهزيمة المحور الألماني - الياباني الإيطالي. فلا مهرب من دروس التاريخ، وإن كان بعضهم يرفض التعلم، ويتصرف كأنه مستثنى من أحكامها. وأوضح ما في تلك الدروس أن القوى الكبرى والإمبراطوريات وقوى الهيمنة الإقليمية تتعرض للسقوط عندما تعجز عن تمويل مشاريعها الإمبريالية وتعاني ضعفاً اقتصادياً في المتروبول، وهي الحال التي وصل إليها الاتحاد السوفياتي، واليوم حال روسيا ونظام الملالي في إيران ورئاسة رجب طيب أردوغان في تركيا. وحتى أميركا بدأت العمل على أساس أنها تعاني مشكلة مع تمويل نفوذها في العالم.

أما الرئيس فلاديمير بوتين فإنه يندفع في مغامرة خطيرة متصوراً أن أحلامه الإمبريالية لن تصطدم بالواقع الصعب، ذلك أن "روسيا لم تتكيف مع فقدان الإمبراطورية كما فعلت بريطانيا وفرنسا"، بحسب روبرت كاغان من "مؤسسة بروكنغز". والعقبة في وجه استعادة روسيا نفوذها الضائع هي أميركا، كما يقول. وما أغرى بوتين هو أنه "لعب بذكاء على رغم ضعفه، ولعب الغرب بغباء على رغم قوته، فربح الرئيس الروسي في مغامرات محدودة بجورجيا والقرم وسوريا، لكنه وقع في الخطأ الكبير في حرب أوكرانيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فالغرب استعاد ذكاءه وفتح خزائنه وترساناته العسكرية أمام كييف. وموسكو مرتبكة في تمويل المغامرة ومواجهة العقوبات على اقتصادها المعتمد على بيع النفط والغاز. وليس من السهل أن يربح بوتين، الذي لا يستطيع أن يخسر، والخسارة الصغيرة كما الربح الصغير بداية الخسارة الجيوسياسية الكبيرة، بصرف النظر عن اتهامات بوتين للغرب بأنه يستخدم أوكرانيا "أداة لإضعاف روسيا وتفتيتها".

ملالي إيران وصلوا إلى ما سماه كريم سادجادبور في "فورين أفيرز" مواجهة "الثمن الكبير للهيمنة الإقليمية". فالاستراتيجية، بحسب جون لويس غاديس، هي "تنظيم الطموحات اللامحدودة مع الإمكانات المحدودة". وإيران فعلت العكس، استثمرت كثيراً من إمكاناتها المحدودة في طموحاتها اللامحدودة. والحال في طهران اليوم، التي تتعرض لثورة شعبية منذ أشهر، تشبه الحال في العواصم التي تقول إنها تحكمها، وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء. فالاقتصاد ضعيف جداً في طهران وفي هذه العواصم، والعملة الوطنية تنهار أمام الدولار. والاستمرار في تمويل الهيمنة الإقليمية بات صعباً بمقدار ما صار محل اعتراض في الداخل. و"التهديد الكبير للاستراتيجية الإيرانية الكبرى يأتي من الداخل، حيث الفقر وغضب الناس وشعارهم في التظاهرات (انسوا سوريا وحزب الله وفكروا فينا. إنهم يكذبون بالقول إن عدونا أميركا. عدونا هنا)"، كما يلاحظ سادجادبور.

الرئيس أردوغان مد رجليه إلى أبعد من بساطه: طموحات النفوذ في القوقاز، طموحات للتوسع في سوريا والعراق، طموحات للتلاعب بليبيا ونفطها، طموحات لبناء علاقات ممتازة مع بوتين من دون الخروج من "الناتو". لكن الكلفة المالية والسياسية للهيمنة صارت باهظة بالنسبة إليه. وهو اليوم يهرول في تقديم التنازلات لإسرائيل ومصر والنظام السوري والسعودية والإمارات العربية المتحدة، بحيث ينقلب على سياساته وخطابه بنسبة 180 في المئة.

التحولات سريعة، ولا حدود لكلفة المشاريع الإمبريالية والإقليمية في نوع من اللانظام العالمي حالياً. فالحرب العالمية الثانية قادت إلى سقوط إمبراطوريات وتحرير شعوب ثم نظام القطبين الأميركي والسوفياتي، وحرب أوكرانيا مرشحة لأن تقود إلى إنهاء الطموحات الإمبريالية في نظام عالمي جديد.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل