Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسكو تخوض مرحلة جديدة في أوكرانيا بقيادات "مغايرة"

تعيين غيراسيموف قائداً للقوات الروسية استعداداً لعمليات عسكرية واسعة النطاق

جنود أوكرانيون يقفون بالقرب من دبابة على خط المواجهة في منطقة لوغانسك (أ ف ب)

فاجأت موسكو الأوساط الداخلية والخارجية بقرار عسكري جديد، وهي التي كان استقر خيارها خلال الأشهر القليلة الماضية عند سيرغي سوروفيكين قائداً عاماً لعمليات قواتها المسلحة في أوكرانيا.

أعلن سيرغي شويغو وزير الدفاع الروسي عن تعيين فاليري غيراسيموف رئيس أركان القوات المسلحة قائداً عاماً للقوات المسلحة الروسية، بديلاً لسلفه سيرغي سوروفيكين، الذي كان تولى هذا المنصب في 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

على رغم كل ما شهدته فترة تولي سوروفيكين هذا المنصب من تقدم على صعيد المواجهة مع القوات الأوكرانية، فإن ما وقع أيضاً من قصور وتراجع مثلما حدث مع انسحاب القوات الروسية من خيرسون، ألقى بظلاله الرمادية على مسيرة العمليات، وعلى مواقعه على خريطة القيادات العسكرية لروسيا.

مكانة خاصة

ثمة من يقول إن القائد الجديد فاليري غيراسيموف يحظى بمكانة خاصة لدى المستوى الأعلى للسلطات السياسية والعسكرية في روسيا، منذ جاء إلى هذا المنصب متكئاً على ما حققه من إنجازات مع الرئيس فلاديمير بوتين في الحرب الشيشانية الثانية منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، وحتى مطلع القرن الحالي، وبما بذله من جهد وما حصده من إنجازات على صعيد تطوير القوات المسلحة، إلى جانب سيرغي شويغو منذ تعيينه وزيراً للدفاع الروسي في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.

استهل القائد العام للقوات الروسية الموحدة في أوكرانيا، الذي صار يجمع بين هذا المنصب ومنصبه السابق، رئيس أركان القوات المسلحة، نشاطه بدعم موقعه الجديد، بما أصدره من قرارات حول تعيين سوروفيكين قائداً عاماً للقوات الجوية والفضائية، ونائباً له مع اثنين آخرين هما الجنرال أوليغ ساليوكوف من موقعه قائداً للقوات البرية، والعقيد ألكسي كيم نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية.

توسيع نطاق المهام

أما عن الأسباب التي تقف وراء اتخاذ وزير الدفاع الروسي قراره الذي صدر تحت عنوان "رفع مستوى قيادات القوات الروسية الموحدة"، فإنها تتباين بقدر تباين الجهة المنوط بها الشرح والإيضاح، ومنها وزارة الدفاع الروسية التي سارعت إلى تفسير ذلك بقولها، إنه يرجع إلى "توسيع نطاق المهام التي تم حلها في سياق تنفيذه، وضرورة تنظيم تفاعل أوثق بين أنواع القوات المسلحة وفروعها، وذلك فضلاً عن تحسين نوعية جميع أنواع الدعم وفاعلية القيادة والسيطرة لتجمعات القوات".

 

ولعل ما تعزوه وزارة الدفاع الروسية في تفسيرها لإصدار مثل هذا القرار، إلى ما وصفته بـ"ضرورة تنظيم تفاعل أوثق بين أنواع القوات المسلحة وفروعها"، يبدو أكثر منطقية على ضوء مع ما سبق واعترفت به مصادر روسية كثيرة لدى تفسير ما أصاب التحركات الأولى من قصور نسبته آنذاك إلى تعدد القيادات، وعدم التنسيق في ما بينها.

وذلك ما جاء الإعلان عنه في معرض ما صدر من تفاسير لاحقة، واكبت اتخاذ شويغو وزير الدفاع الروسي قراره حول تعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين قائداً لمجموعة القوات المشتركة في منطقة العملية العسكرية الخاصة، وهو الذي كان يشغل منذ عام 2017 منصب القائد الأعلى للقوات الجوية.

تعديل تنظيمي

غير أن هناك من يقول إن القرار الأخير يتضمن بين طياته تعديلاً "عسكرياً تنظيمياً" يستهدف دعم الإشراف والتنسيق بين المجموعات القتالية، وإحكام السلطات وتركيزها بين يدي قائد عام، يملك كل ما تستلزمه المواقف من صلاحيات، بما يعيد إلى الأذهان مواقف مشابهة لما كان عليه الحال إبان أولى سنوات الحرب العالمية الثانية التي شهدت جمع المارشال غيورغي جوكوف رئيس الأركان العامة بين مهام منصبه ومنصب القائد العام للقوات المسلحة السوفياتية منذ عام 1941 وحتى انتهاء الحرب في عام 1945.

ومن هنا تقول المصادر الروسية إن الجنرال فاليري غيراسيموف يجمع بين سلطات مهامه في رئاسة الأركان، وما كان بين يدي الجنرال سيرغي سوروفيكين من سلطات القائد العام للقوات الروسية الموحدة للعمليات في أوكرانيا منذ أكتوبر من العام الماضي، وحتى تاريخ صدور قرار وزير الدفاع في يناير (كانون الثاني) الحالي.

زيادة كفاءة صنع القرار

ولمزيد من إيضاح ما وراء هذا القرار، أشار الخبير العسكري إليكسي ليونكوف في مقال نشرته صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" واسعة الانتشار إلى أن "تعيين فاليري غيراسيموف قائداً للمنطقة العسكرية الشمالية سيساعد على زيادة الكفاءة في صنع القرار والتنسيق المتزامن لتحركات القوات بالجبهة وتوفير المعدات".

أما عن تعديل صلاحيات ووضعية الجنرال سيرغي سوروفيكين، الذي لطالما علقت عليه مجموعة القوات الروسية الموحدة على الجبهة، كثيراً من آمال التقدم على صعيد تنفيذ المهام الموكلة إليه، قال ليونكوف إن "صلاحياته لم تكن تغطي النطاق الكامل للمهام الضرورية لإجراء ناجح للعملية".

ومن هنا جاء قرار تعيين رئيس هيئة الأركان العامة قائداً عاماً للقوات الموحدة، لما في ذلك من أهمية خاصة تساندها ما يملكه من كامل الصلاحيات، فضلاً عن حقيقة أنه صار بهذه الصلاحيات، في غير حاجة إلى أية موافقات إضافية من أجل اتخاذ قرارات ذات طبيعة عملياتية.

عمليات واسعة النطاق

ولعل ذلك كله يعني ضمناً، وحسب ما خلص إليه خبراء عسكريون، ومنهم ليونكوف، أن "القرار الأخير قد تم اتخاذه استعداداً لعمليات عسكرية واسعة النطاق ستكون في أشد الحاجة إلى قيادة رئيس هيئة الأركان العامة، بما سيكون متوافراً لديه من معلومات محدثة حول جميع جوانب أنشطة القوات المسلحة لروسيا الاتحادية، وهو ما يمكن معه تفادي سلبيات وقصور كل أوجه البيروقراطية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وثمة من يقول في هذا الصدد إن القرار الأخير يمكن أن يعني بالتبعية دليلاً على تحول جديد صوب استعداد القوات الروسية لعملية عسكرية كبرى تحت قيادة رئيس الأركان، تستهدف تفعيل ما سبق وكشف عنه سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية حول ضرورة استعادة بقية أراضي "المناطق الأوكرانية الأربع" التي انضمت إلى روسيا في مطلع أكتوبر الماضي، بموجب نتائج ما جرى من استفتاءات شعبية هناك في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي.

ومن هذا المنطلق، أعلن أندريه كلينتسيفيتش رئيس مركز دراسة الصراعات العسكرية والسياسية أن "تعيين غيراسيموف رئيساً للمنطقة العسكرية هو إشارة جيدة جداً"، تعني ضمناً إمساك أعلى الشخصيات القيادية بكل مقاليد الأمور في إطار العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وبما ينجم عنها من مسؤولية شخصية تجاه المعارك العامة المخطط لها لفترة الشتاء.

وفي هذا الصدد تحدثت وكالة أنباء  REGNUM عن أهمية ما جرى اتخاذه من قرار تعيين ثلاثة من كبار القيادات العسكرية نواباً للقائد العام، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف وهم: القائد العام للقوات الجوية سيرغي سوروفيكين، والقائد العام للقوات البرية الجنرال أوليغ ساليوكوف، ونائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية العقيد ألكسي كيم، بما يكفل توسيع نطاق المهام التي جرى تحقيقها في إطار العملية الخاصة، في الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة أيضاً "إلى تنظيم تفاعل أوثق بين أنواع وفروع القوات المسلحة".

كذلك نقلت صحيفة "أزفيستيا" توضيحات للخبير العسكري فلاديسلاف شورايجين خلال حديثه في 12 يناير الحالي، قال فيها إن تعيين رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية فاليري غيراسيموف قائداً لمجموعة القوات المشتركة "يزيد بشكل خطير من وضعية العملية العسكرية الخاصة".

كلمة مهمة

وأضاف شورايجين أنه "ينبغي أن يكون مفهوماً أن رئيس الأركان العامة في هيكل الكوادر القيادية العسكرية الروسية، هو الشخص الثاني بعد القائد الأعلى للقوات المسلحة"، بل وفي بعض القضايا يتولى ما هو أعلى من مهام وزير الدفاع، ويجب ألا ننسى أن رئيس الأركان العامة له الحق في إعطاء تعليمات في شأن القضايا العسكرية ليس فقط لوزارة الدفاع، لكن أيضاً لوكالات إنفاذ القانون الأخرى، وخلص شورايجين إلى اعتقاده أن "هيئة الأركان العامة لديها أيضاً كلمة مهمة في شراء الأسلحة والمعدات العسكرية".

 

أما عن المهام التي من المرتقب إيكالها إلى كل من نواب رئيس الأركان الثلاثة، فإنها ستكون وحسب تقديرات شورايجين، على النحو التالي: القائد العام للقوات البرية أوليغ ساليوكوف سيكون مسؤولاً عن تنظيم تدريب الأفراد، بينما يتولى نائب رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة لروسيا الاتحادية ألكسي كيم مهمة وضع الخطط القتالية، على أن يواصل سيرغي سوروفيكين قيادة القوات بشكل مباشر في مناطق "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا.

ومن هنا، وحسب كثير من المؤشرات، فإنه يمكن القول إن الفترة القريبة المقبلة لا بد وأن تشهد تحولاً في اتجاه التصعيد القتالي بهدف استعادة مزيد من الأراضي بـ"المناطق الأوكرانية الأربع" حتى الحدود الإدارية التاريخية التي سبق وأشار إليها بوتين في كلمته التي استهل بها مراسم الإعلان عن ضم هذه المناطق إلى روسيا، وذلك استعداداً لأي مفاوضات مرتقبة مع الجانب الأوكراني، على رغم مما صدر من تصريحات عن دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين تقول إنه "لا توجد آفاق لمفاوضات سلام مع أوكرانيا".

وضع حد للنزاع العسكري

أما عن تضارب المواقف وتباين التصريحات التي صدرت وتصدر عن مختلف القيادات الروسية والأوكرانية في شأن جدية المواقف واحتمالات إجراء مثل هذه المباحثات، فإنها جميعاً لا بد وأن تنتهي باتفاق حول ضرورتها لوضع حد للنزاع العسكري القائم، الذي ثمة من يقول، ومنهم الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إن نهايته لا بد وأن تحل في وقت لاحق من العام الحالي.

وكانت مصادر وزارة الخارجية الروسية كشفت عن احتمالات هذه المباحثات "مباشرة بين الجانبين ومن دون وسطاء"، لأن هذا سيكون الخيار الأفضل، نظراً إلى أن "الوسطاء الغربيين غالباً ما يسعون إلى تحقيق أهدافهم الخاصة"، بحسب تصريحات ألكسي بولشوك، مدير إدارة بلدان "رابطة الدول المستقلة" بوزارة الخارجية الروسية، في حديثه إلى وكالة أنباء "تاس".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل