Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عرض سعودي تفاعلي يحث الجمهور على المشاركة

فازت المسرحية بجائزة العمل الأفضل والمتكامل في مهرجان شرم الشيخ وقدمت نظرة فلسفية

من مسرحية "سجناء أحرار" السعودية الفائزة في مهرجان شرم الشيخ (خدمة المهرجان)

أن تقدم فرقة عرضاً مسرحياً داخل بناء مسرحي (علبة أو قاعة) يرتادها جمهور اعتاد مشاهدة المسرح، فهذا أمر قد يكون سهلاً إذا ما كان عرض الفرقة جيداً ومستوفياً شروط المسرح، ولكن إذا خرجت الفرقة بعرضها إلى الشارع، وقدمته لجمهور تجمع بالصدفة، فالفرقة أمام اختبار صعب، أو بمعنى أدق أمام اختبار قاس.

يتطلب مسرح الشارع، ضمن ما يتطلب، وعياً مختلفاً لطبيعة هذا النوع من المسرح، فمواجهة جمهور ليس له علاقة بـ"أبي الفنون" تحتاج إلى حساسية خاصة في اختيار الموضوع الذي تناقشه، وجرأة من الممثلين القائمين بالعمل، وسرعة بديهة، وقدرات خاصة على الاشتباك مع الجمهور وإشراكه في العرض وجعله جزءاً منه. علاوة على وضع احتمالات عدة لردود فعل المشاهدين وكيفية التصرف حيالها، بل وحتى تغيير استراتيجية العرض، وفقاً لما تسفر عنه ردود الأفعال تلك، سلبية كانت أم إيجابية.

إنها تجربة، إجمالاً، محفوفة بالأخطار، وتتطلب من عناصر الفرقة درجة من الوعي والخبرة والمرونة تمكنهم من التعامل مع المواقف الطارئة وغير المتوقعة، وتمكنهم، وهذا هو الأهم، من تقديم عمل يمس من قريب أو بعيد الجمهور الذي يتوجهون إليه، وبطريقة فنية فيها من الإمتاع الفكري والجمالي ما يجذب إليهم هذا الجمهور ويحظون بتفاعله معهم.

تقدير لافت

أعضاء فرقة العرض السعودي "سجناء أحرار"، كانوا على وعي بكل ذلك، وشاركوا بقوة في الدورة السابعة لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، وقدموا عرضهم وسط جمهور متنوع الثقافات، من مصريين وعرب وأجانب، وحظي العرض بتقدير لافت، ومنحته لجنة التحكيم جائزة أفضل عرض متكامل. وقد سبق لمخرج العرض الحصول على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عندما شارك في الدورة السادسة للمهرجان، العام الماضي، بعرض "صخب بلا صوت".

"سجناء أحرار" قدمه "نادي جوقة المسرح" في السعودية، تأليف أحمد العنزي، إخراج تركي باعيسى، تمثيل حمد بن جنيدل ونمارق عادل ودنيا العنزي، أزياء سامية النعماني، إدارة مسرحية بدر الهويمل، مساعد مخرج بندر الزايد.

لدينا في العرض ثلاث شخصيات، فنان تشكيلي شاب، مصاب باضطراب في الشخصية، متردد، تأتيه هلاوس سمعية وبصرية، إضافة إلى زوجته الناقمة على أوضاعها معه، وأخته التي تحاول مساعدته، وتدخل في صراعات واشتباكات دائمة مع زوجته انتصاراً له.

اشتباك مع الجمهور

وبحسب العرض فإن الزوجة والأخت غير حاضرتين إلا في ذهن هذا الفنان، بحيث يقوم باستدعائهما، والتحاور معهما، وهو ما جسده المخرج بذكاء، من خلال حيلة فنية بسيطة، عندما تستبدل الفتاتان بملابسهما المنزلية ملابس مخططة تشبه ملابس السجناء، وكأنه يخبرنا بأنهما مسجونتان داخل ذهن هذا الفنان، تماماً كأفكاره المسجونة بداخله، والتي لا يستطيع تحريرها والتعبير عنها صراحة.

يبدأ العرض باشتباك الفنان مع المشاهدين بعد أن يعرفهم بنفسه كفنان تشكيلي يعتاش مما يرسمه من لوحات، ويحاول اجتذابهم إلى العرض عندما يتحدث إليهم كواحد منهم، يعرف أن معظمهم لديهم ما ينغص عليهم حياتهم: رئيس في العمل متغطرس، زوجة نكدية، زوج نرجسي، أم دائمة التقريع لأبنائها... ويخبرهم بأنه جاء إليهم لتمضية وقت لطيف يبعدهم عن همومهم ومشكلاتهم.

هكذا نجح العرض في ما يمكن اعتباره براعة الاستهلال، فالبداية من شأنها تذويب المسافة بين الممثل والجمهور، والاستحواذ على حواس هذا الجمهور حتى ينتبه إلى القضية التي يناقشها العرض. ولا يغفل، كذلك، عن تقديم بعض الأغاني والاستعراضات لكسر حدة الملل الذي قد يتسرب إلى جمهور غير مدرب على تلقي المسرح. كل ذلك كان بمثابة الشرك الذي ينصبه فنانو العرض، بذكاء، حتى لا ينصرف عنهم هذا الجمهور العشوائي الذي يشاهد العرض بالصدفة، وحتى يمرروا رسالتهم إليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإمعاناً في الاشتباك مع الجمهور يطلب الفنان من كل واحد منهم أن يقترح لوحة لرسمها، معلناً أنه سيعطيها له كهدية مجانية. ولأن الاختيارات كانت متعددة، ونظراً إلى رغبة الفنان في تلبية مطالب الجمهور والوفاء بوعده، تأتي اللوحة على قدر كبير من التشوه، وربما تكون هي لب العرض ومغزاه الفلسفي. أن يكون الفنان أو الإنسان عموماً نفسه، أن يستجيب لداخله لا لخارجه. فمأساة هذا الفنان هي ذلك السجن الذي يضع فيه أفكاره ولا يسعى إلى تحريرها وإطلاقها، وربما هذا ما أدى إلى فشله ونقمة زوجته عليه، ومحاكمته في نهاية العرض.

اختيار الممثلين

نجح المخرج في اختيار ممثليه وتدريبهم بشكل جيد على مواجهة الجمهور، بخاصة أن لدينا ممثلتين (نمارق عادل، ودنيا العنزي) لم ترهبهما مواجهة هذا الجمهور الغريب عليهما. وقد يكون ذلك من أفضل ما ميز العرض، فهما كانتا في اختبار صعب لكنهما لعبتا دوريهما كمتمرستين على أداء هذا النوع من المسرح، بخاصة في استخدام طبقات الصوت ومفردات الجسد من دون خجل أو ارتباك. ونجحت الممثلتان في نيل تقدير المشاهدين وإعجابهم، بفهمهما طبيعة مسرح الشارع من ناحية، وفهم كل منهما ووعيها بطبيعة الشخصية التي تؤديها من ناحية أخرى. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في المشادات والمباريات الكلامية بينهما.

أما الممثل حمد بن جنيدل فقد وقع عليه العبء الأكبر في إحياء العرض، فهو المحور الذي تدور حوله المسرحية، وهو الذي يقود أحداثها ويربط بين أجزائها ويضبط إيقاعها. وقد تمتع بحضور طيب، وسرعة بديهة، وقدرة على تجسيد دور فنان مضطرب الشخصية بشكل واع، يشير إلى قراءته النص قراءة جيدة، وتحليله الصحيح دوافع ومأزق الشخصية التي يؤديها، فضلاً عن خفة ظله وتأدية دوره بشكل طبيعي وربما تلقائي لكنه محسوب بدقة، من دون اللجوء إلى الاستظراف أو المبالغة.

"سجناء أحرار" عرض شارع لم يكتف فنانوه بتقديم فرجة مسرحية ممتعة على مستوى الصورة فحسب، بل قدموا أيضاً متعة فكرية على مستوى القضية المطروحة. فالعرض يقبل تعدد القراءات، متجاوزاً بذلك طبيعة مسرح الشارع التي تكون في الغالب بسيطة وغير مركبة، لتناسب جمهوراً عادياً يبحث عن التسلية فحسب.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة