Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جزر الكناري... "قوارب الموت" في المغرب نحو قبلة جديدة

تشديد الحراسة الأمنية على سواحل "المتوسط" يدفع عصابات التهريب إلى تنظيم الهجرة عبر "الأطلسي"

يرى باحثون أن السياسات الأوروبية لمكافحة الهجرة غير النظامية أبانت عن محدوديتها ولم تؤت ثمارها (أ ف ب)

شيئاً فشيئاً بدأت "بؤرة" الهجرة غير النظامية من شمال المغرب إلى جنوبه، بسبب تشديد الحراسة الأمنية في الشمال، وبعد أن كانت الهجرة السرية أو (الحريك) بلغة المغاربة، تتم عبر القوارب التي تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط في شمال المغرب لبلوغ السواحل الإسبانية، تحولت وجهة "المهاجرين السريين" نحو المناطق الجنوبية من البلاد لتجريب قوارب الهجرة صوب جزر الكناري (جزر الخالدات) التابعة لإسبانيا.

هجرة جماعية

كانت آخر محاولة للهجرة السرية انطلاقاً من الجنوب المغربي في اتجاه "الفردوس الإسباني" ما أقدم عليه قبل أيام قليلة زهاء 80 شاباً من مشجعي نادي "رجاء بني ملال" لكرة القدم "ستار بيوز" بركوب قارب انطلاقاً من شاطئ مدينة أغادير جنوب المملكة.

ووثقت مقاطع فيديو بثها بعض أعضاء "ألتراس" فريق "بني ملال" (وهي إحدى المدن التي تعاني التهميش الاقتصادي) على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد من رحلتهم التي انطلقت من سواحل أغادير صوب "جزر الكناري"، على متن قوارب خشبية عدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل واقعة الهجرة السرية لمشجعي الفريق الكروي، سبق للسلطات المغربية أن أوقفت 37 شخصاً بتهمة تنظيم الهجرة غير النظامية، وحجزت زوارق مطاطية وتجهيزات للملاحة البحرية بمدينة العيون جنوب البلاد، التي باتت منطلقاً لقوارب الهجرة السرية صوب "جزر الكناري" في المحيط الأطلسي.

بلغة الأرقام، أوقفت السلطات المغربية 32733 مرشحاً للهجرة غير النظامية، من ضمنهم 28.146 ينحدرون من جنسيات مختلفة، كما فككت 92 شبكة إجرامية تنشط في هذا المجال، علاوة على حجز 193 قارباً و156 محركاً بحرياً و61 ناقلة استخدمت في تنظيم عمليات الهجرة السرية.

نحو "الكناري"

في هذا الصدد يعلق محمد سعدي باحث وأستاذ بجامعة وجدة، بالقول إن أعداداً كبيرة من المهاجرين غير النظاميين غيروا طريق رحلتهم من شمال المغرب إلى جنوبه، وعيونهم متجهة نحو حلم الوصول إلى "جزر الخالدات"، مبرزاً أنه "طريق جديد مليء بقصص موت عديد من الشباب والأطفال والنساء وعائلات بأكملها من جنسيات أفريقية مختلفة، أغلبيتهم مغاربة وسنغاليون وماليون".

ويعود سعدي إلى بداية القصة في 28 أغسطس (آب) 1994، عندما وصل أول قارب يحمل مهاجرين غير نظاميين إلى "جزر الخالدات"، مضيفاً أن عام 2006 شهد وصول عدد كبير من المهاجرين خصوصاً عبر سواحل السنغال وموريتانيا وغامبيا نحو هذه الجزر، في ما عرف إعلاميا بـ"أزمة الكايوكوس" (Cayucos) وهي قوارب صيد خشبية سنغالية تستعمل للعبور.

 

واسترسل المتحدث "عام 2020 شكل بداية تحول نوعي في جغرافية معابر الهجرة من خلال تكريس الساحل الشمالي الغربي لأفريقيا بصفة عامة، خصوصاً جنوب المغرب وموريتانيا كوجهة جديدة ورئيسة للعبور، حيث سجلت تدفقات كثيفة للمهاجرين، مما حدا بالاتحاد الأوروبي إلى تقديم دعم مالي عاجل يصل إلى 43.2 مليون يورو (46.07 مليون دولار) لإسبانيا من أجل تدبير الوضع الضاغط في الجزر على مستوى الاستقبال والإيواء والخدمات الأساسية.

ويكمل سعدي أنه "على رغم تسجيل انخفاض طفيف في عدد المهاجرين إلى الجزر في 2022، إذ بلغ زهاء 16 ألفاً، فإن هذا المعبر لا يزال قاتلاً وخطيراً، وفي أغسطس 2021 دقت المنظمة العالمية للهجرة ناقوس الخطر بخصوص تزايد غير مسبوق في عدد الوفيات خلال محاولات العبور إلى الجزر، خصوصاً بين الأطفال والنساء".

أمننة الهجرة

عزا سعدي هذا التحول في "هجرة القوارب" من الشمال إلى الجنوب إلى تشديد المراقبة على السواحل الشمالية في المغرب من جهة، وتطوير الشبكات الإجرامية للاتجار وتهريب البشر خبراتهم وأساليب عملهم واستعمالهم تقنيات وآليات جديدة كالزوارق المطاطية السريعة.

ولفت سعدي إلى أن ارتفاع عدد محاولات الهجرة نحو جزر الكناري القريبة من السواحل المغربية الجنوبية وتزايد عدد الضحايا مؤشر واضح على فشل التدبير العالمي لقضايا الهجرة غير النظامية، وفشل السياسة الأوروبية القائمة على "أمننة الهجرة" وتحميل مسؤولية إدارة الحدود إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي.

وذهب الباحث إلى أن السياسات الأوروبية لمكافحة الهجرة غير النظامية أبانت عن محدوديتها ولم تؤت ثمارها، ولا بد من تعاون دولي شامل لمواجهة تحديات الهجرة"، مشدداً على ضرورة التفكير في بدائل شاملة تقوم على التنمية وتعزيز التضامن والشراكة مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان، كما أن من الصعب على المغرب أن يعمل وحده على وقف موجات الهجرة غير النظامية من دون تكاتف جهود الاتحاد الأوروبي.

تشديد الحراسة

من جهته يقول محمد بن عيسى الناشط المتخصص في ملفات الهجرة ورئيس مرصد "الشمال" لحقوق الإنسان" إن أبرز أسباب تحول دينامية الهجرة من شمال المغرب إلى جنوبه هو الحراسة الكبيرة التي تضربها السلطات الأمنية حول الحدود الشمالية للمملكة.

واستطرد بن عيسى أن هذه المراقبة تعززت بشكل كبير بعد تحسن العلاقات المغربية - الإسبانية، وهو ما يتجلى في تعزيز نقاط المراقبة والدوريات الأمنية المكثفة وحملات إيقاف المهاجرين الذين يوجدون في الغابات المحيطة بمدينتي سبتة ومليلية.

وأورد بن عيسى عاملاً آخر يتمثل في تفكيك العشرات من خلايا الاتجار في البشر، التي كانت تنشط في المنطقة، وهو ما أنعش حملات التهريب في المناطق الجنوبية للمغرب نحو "جزر الكناري"، كما تنشط فيها شبكات التهريب على رغم المخاطر المحيطة بالمهاجرين السريين.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي