ارتفع خلال السنوات الأخيرة اتجاه العائلات التونسية نحو الهجرة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، إذ بلغ عدد الأسر التي وصلت إلى السواحل الإيطالية 700 أسرة.
وتسعى تونس بالتعاون مع الجانب الإيطالي إلى إيجاد حل من أجل وضع خطة لحماية الأسر من الهجرة غير النظامية، لكن تبقى النتائج غير مضمونة، خصوصاً أن بعض المراقبين يرون أنها مسحوق تجميل لمقاربات تعتمدها الحكومة الإيطالية لمكافحة الهجرة السرية.
وفي السياق ذاته اجتمعت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال الحاج موسى مع سفير إيطاليا لدى تونس فابريزيو ساجيو، وبحسب بيان نشرته الوزارة فقد تناول اللقاء أوجه التعاون القائم بين البلدين في المجالات المتصلة بالأسرة والمرأة.
كما خصص اللقاء لاستعراض الأهداف الكبرى للبرنامج الجديد للإدماج الاقتصادي والاجتماعي للأسر للحماية من الهجرة غير النظامية الذي أطلقته الوزارة في الـ 11 من ديسمبر (كانون الأول) الماضي لمناسبة اليوم الوطني للأسرة.
كما تطرق اللقاء إلى سبل التعاون المشترك لتنفيذ استراتيجية العمل التي تشمل الوقاية والتوعية ودعم القدرات والتمكين الاقتصادي للأسر من خلال إحداث موارد رزق، والتوجه إلى المدن والأحياء الفقيرة ذات الكثافة السكانية العالية لإشراك الشباب في نقاشات توعوية بالآثار السلبية للهجرة غير النظامية.
تمكين وإدماج
وأكدت الوزيرة التونسية انتهاج مقاربة وطنية تشاركية شاملة تجمع مختلف المتدخلين المعنيين لمعالجة ظاهرة الهجرة غير النظامية من مختلف جوانبها.، مشيرة إلى أن الوزارة رصدت الاعتمادات المالية الأولية لهذا البرنامج الوطني الذي سينفذ في مرحلة أولى بخمس محافظات تشمل صفاقس والمهدية وتونس والقصرين ومدنين.
وأوضحت أن البرنامج يستهدف الإحاطة والتمكين والإدماج من خلال المرافقة والتمكين الاقتصادي والاجتماعي لأفراد أسر الهجرة غير النظامية، خصوصاً الشباب والنساء والفتيات.
ولفتت الحاج موسى إلى أن الوزارة تعتمد المقاربة الاقتصادية في تنفيذ برامجها ذات البعد الاجتماعي، لا سيما خلال الظرف الاقتصادي الاستثنائي الذي تعيشه تونس بهدف النهوض بالفئات ذات الوضعيات الخاصة، وتمكين النساء والفتيات على غرار برنامج التمكين الاقتصادي للأسر ذات الوضعيات الخاصة، وبرنامج تمكين أمهات التلاميذ المهددين بالانقطاع المدرسي وبرنامج ريادة الأعمال النسائية والاستثمار.
من جانبه أعرب السفير الإيطالي عن دعمه واستعداده للشراكة بين بلده وتونس في مجال مقاومة الهجرة غير النظامية وتعزيز التمكين الاقتصادي للأسرة، داعياً إلى تبادل التجارب وتحديد الملامح الكبرى لخطة العمل لتحقيق النتائج المرجوة.
المعالجة الأمنية
يشار إلى أن دراسة ميدانية أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول جائحة "كوفيد-19" ونيات الهجرة لدى الأسر التونسية، كشفت عن أن 57.8 في المئة من الأسر المستجوبة ترى أن مستقبل أطفالها سيكون أفضل خارج البلاد.
وشملت الدراسة التي صدرت قبل سنة سبع محافظات تونسية من مختلف جهات البلاد بالاعتماد على عينة من 1400 أسرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن جانب آخر قال المتحدث الرسمي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، إن "السفير الإيطالي أجرى عدداً من اللقاءات مع وزراء تونسيين على غرار وزير الداخلية والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى وزيرة المرأة والأسرة، لبحث ملف الهجرة غير النظامية".
ويرى بن رمضان خلال تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "هذه اللقاءات تندرج في إطار مقاربة إيطالية تفضل أكثر المعالجة الأمنية لقضايا الهجرة"، وأضاف أن "البرنامج الذي تحدثت عنه وزارة المرأة غير واضح المعالم والأهداف والتمويلات"، لكن بحسب اعتقاده "يشكل جزءاً من البرامج الإيطالية المتعددة التي تنفذ في تونس، وهي برامج أثبتت محدوديتها خلال السنوات الأخيرة".
وفسر بن عمر أنها "في معظمها برامج تخصص تمويلات أكثر للجانب الأمني وترصد بعض التمويلات المحدودة للجانبين الاجتماعي والاقتصادي".
ترحيل قسري
وقال بن عمر "تبقى دائماً التساؤلات حول الأهداف غير المعلنة لهذه البرامج أو مثل هذه الاتفاقات"، موضحاً "اليوم لدينا مخاوف عدة من التعاون الثنائي بين تونس وإيطاليا في مسألة الترحيل القسري للعائلات، وهذا يشكل انتكاسة لعدم احترام القوانين الدولية والالتزامات الدولية خصوصاً من الجانب الإيطالي".
وفي السياق نفسه يرى بن عمر أن "معالجة الهجرة غير النظامية يجب أن تكون شاملة وتشمل أولاً مسألة الاستقرار السياسي الذي يعيد الأمل للتونسيين في المستقبل، وتشمل على وجه الخصوص الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لبرامج فاعلة وليست برامج محدودة، وتكون حبراً على ورق وتكون نتائجها ضعيفة على أرض الواقع".
وأضاف أن "الرغبة في الهجرة لدى العائلات التونسية ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، إذ وصلت 700 أسرة تونسية إلى السواحل الإيطالية عبر قوارب غير نظامية"، معتبراً أن الرقم مفزع، وأنه بحسب دراسات قام بها المنتدى فإن معظم العائلات الراغبة في الهجرة لديها صعوبات تتعلق بوضعية أبنائها، سواء كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة مثل المعوقين أو يحتاجون إلى مسارات علاجية طويلة على المستوى الصحي أو النفسي غير متاحة في تونس بسبب الأزمة التي تعيشها".
لكن بن عمر يؤكد أن المهتمين بملف الهجرة غير النظامية في تونس ينتظرون تنفيذ هذه البرامج وأن النتائج هي التي ستحدد نجاعتها، إلا أنه يشير إلى أنهم ليسوا متفائلين بنوعية هذه البرامج التي وصفها بـ "مسحوق تجميل للمقاربات الزجرية في علاقة بالهجرة غير النظامية".