Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعلم اللغات "هوس" العائلات التونسية

توجه نحو اكتساب الأطفال الإنجليزية والفرنسية منذ سنوات الدراسة الأولى

دعوات لإعادة إصلاح المنهج الدراسي المعتمد تماشياً مع التطور الذي يعيشه العالم (أ ف ب)

تتجه العائلات التونسية إلى تعلم اللغات التي قد تفتح لهم آفاقاً واسعة، وسارع أغلبها لا سيما في المدن الكبرى، إلى تسجيل أبنائها منذ سنوات الدراسة الأولى في حصص تعلم اللغات، خصوصاً الإنجليزية والفرنسية، على الرغم من أن المنهج العمومي للتعليم في تونس يهتم بتعليم هاتين اللغتين، إلا أن البعض يعده غير كاف.

ويقول مراد الشايب، أب لطفلين، إنه على الرغم من مجانية تدريس اللغات في المدارس الحكومية، فإنه من الأفضل تسجيل طفله في مدرسة فرنسية، "يكون فيها تعليم اللغة الفرنسية بشكل مكثف وبطرق أنجع"، ويواصل قائلاً "يهمني أيضاً أن يتعلم أطفالي اللغة الإنجليزية التي أصبحت اللغة الأهم في سوق الشغل اليوم، وهي اللغة التي تفتح آفاقاً واسعة بأفضل الجامعات في العالم".

وإن يبدو مراد ميسور الحال، فإنه لم يخف تكبده مصاريف كبيرة لصالح المدرسة الأجنبية.

من جهتها تقول منال المرسني إنها سجلت ابنتها ذات التسع سنوات لتعلّم اللغة الإنجليزية في مركز تابع لسفارة بريطانيا في تونس، معتقدة أنه "الأفضل على الإطلاق حتى يتعلم الطفل اللغة الإنجليزية بطريقة صحيحة"، وهي تعتبر أن تعلم اللغات يجعل فرص النجاح أوسع في سوق العمل أو في استكمال الدراسة خارج البلاد.

نقلة نوعية

وللتعرف أكثر على ظاهرة "هوس" بعض العائلات التونسية بتعليم أبنائها اللغات، تقول إيمان بن دعدوش مختصة في علم اجتماع المدرسة، "نعيش نقلة نوعية وتحولات كبيرة في المجتمع التونسي"، موضحة "اليوم نعيش في مجتمع العولمة والحداثة".

وتواصل دعدوش تحليلها الظاهرة قائلة "المجتمع التونسي مر بمسار كامل من التغيرات شمل المؤسسات التربوية والعائلية، وهما مؤسستا التنشئة الاجتماعية اللتان دخلتا في منطق المنافسة في ظل مجتمع العولمة والحداثة والتواصل الاجتماعي"، وتضيف "هذا المجتمع التنافسي سيفرض علينا أنماطاً جديدة للعيش والتدريس"، مفسرة "من أجل التعايش في هذا المجتمع الجديد على كل عائلة الدخول في منطق المنافسة، وتعلم اللغات يدخل في إطار هذا التسابق الذي تفرضه العائلات على الأبناء، بهدف الحصول على حظ أوفر في المجتمع تحت ما يسمى بتكافؤ الفرص".

لكن الإشكال في هذا التسابق على تعلم اللغات بحسب دعدوش، أنه "يسهم في ظهور طبقات اجتماعية متفاوتة"، موضحة "يوجد عائلات لديها الإمكانات لتعليم أبنائها اللغات منذ سنوات المدرسة الأولى، وعائلات أخرى غير قادرة على ذلك، إن كان السبب مادياً أو جغرافياً لبعدها عن مراكز التدريب أو المدارس الأجنبية، التي توجد أكثر في المدن الكبرى"، وتضيف المختصة في علم اجتماع المدرسة، "مجتمع المنافسة مبني على الطبقات الاجتماعية كل حسب إمكاناته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصعد الارتقاء

من جهته، يقول عامر الجريدي المختص في اللسانيات، إن "التحصيل المعرفي والعلمي والمهاري يمرّ عبر اللغة، وإن اكتساب الشاب أكثر من لغة بصفة جدّية يجعل منه كهلاً مقتدراً منتجاً".

وأضاف "فتعليم وتعلّم اللغات أساس التأهيل الاجتماعي والمواطني والمهني ومصعد الارتقاء والتفوق والاندماج"، إذ "تقر نظريات اكتساب اللغة في اللسانيات بقدرة الطفل على اكتساب ثلاث لغات، وتثبت التجربة أن التلميذ المبتدئ قادر على اكتساب أكثر من لغة في الوقت نفسه منذ السنة التحضيرية أي السنة التي تسبق دخوله المدرسة".

ويواصل الجريدي "على منهج التعليم العمومي منح تعليم اللغات المكانة التي تستحق باعتماد المناهج التعليمية التي تمكّن منها بنجاعة. وهذا يرتبط (في حال تونس مثلاً) بجدّية الفاعلين التعليميين (وزارة الإشراف، النقابات، المجتمع المدني، الإعلام...) في وضع رؤية مجتمعية للتربية وللتعليم وللمدرسة معاً، يقوم بها الجميع، وفي التخطيط الاستشرافي والاستراتيجي لجدول زمني على عشر سنوات في الأقل"، معتبراً أنه "من دون ذلك يبقى التعليم العمومي يتخبّط، ويواصل التعليم الخاص استقطاب التلاميذ المحظوظين اجتماعياً ومالياً".

المسار الإصلاحي

ويذكر أن التعليم العمومي في تونس يعتمد تدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية منذ السنتين الثالثة والرابعة الابتدائيتين، عكس المدارس الخصوصية والأجنبية التي تدرسها منذ السنة الأولى. ويمنع على المدارس الخاصة تعليمها منذ السنة الأولى، التي لا تطبق تعليمات الوزارة بسبب رغبة العائلات في تعليم أبنائها اللغات منذ بداية المسار الدراسي".

في هذا الصدد، يقول مسؤول في وزارة التربية والتعليم التونسية، رفض الإدلاء باسمه بسبب واجب التحفظ، إن "المنهج العمومي التونسي خير من تعليم الأطفال في سنوات متأخرة مقارنة بالتعليم الخاص والمدارس الأجنبية"، ويعلل ذلك بأن الوزارة رأت أن هذا في صالح التلميذ الذي يجب أن يتعلم أولاً لغته الأم أي العربية بعدها يتعلم لغات أخرى بالتدرج.

لكن يرى المسؤول أيضاً أنه من المفروض أن يتم إعادة إصلاح هذا الأسلوب المعتمد تماشياً مع التطور الذي يعيشه العالم، والتفكير في تدريس الأطفال منذ السنة الأولى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.

وانتقد المسؤول سياسة الدولة ومنهج وزارة التربية في المسار الإصلاحي التعليمي، الذي يصفه بأنه "متأخر عشرين سنة بسبب الصراعات السياسية التي نعيشها".

ويقول إنه "يوجد صراع داخل وزارة التربية بين من يرى ضرورة تدريس اللغات من السنة الأولى الابتدائية ومن يرى أن تبقى الأمور على حالها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير