Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سمك مسكوف" وجبة عراقية متوارثة من السومريين 

بعثة أثرية إيطالية تكتشف طبق الطعام الذي يعود تاريخه لما قبل 4500 عام قبل الميلاد

جدارية تعود إلى ما قبل 4500 عام توضح العلاقة الخاصة بين السومريين والأسماك (اندبندنت عربية)

يردد العراقيون مثلاً شعبياً عند الأزمات والكوارث يقول إن "لا أحد يموت من الجوع"، وهي حكمة سومرية رددها الأجداد بسبب عيشهم حول الأنهار وجوار الأهوار والبحيرات وعيون الماء داخل المدن وحول القرى والشعاب، فيحتاج العراقي فقط إلى شبكة صيد صغيرة أو "فاله" وهي عصا من قصب البردي تحمل في رأسها قطعة حديدية مدببة، يصطاد بها السمك كي يشويه من دون عناء.

أول طبق مسكوف في العالم

أخيراً توصلت بعثة أثرية إيطالية تنقب في منطقة بالقرب من أور السومرية منذ ثمانية أعوام إلى اكتشاف أقدم طبق "سمك مسكوف" في التاريخ بموقع يدعى "تل أبو طبيرة" وهو اسم محلي لموقع أثري مهم، حيث أعلن عن الكشف رئيس البعثة العالم فرانكو دي أوغستينو من جامعة روما، بعد أن أمضى تسع سنوات في الموقع.

قال العالم الإيطالي "فوجئنا بالعثور على طبق طعام يحتوي على عظام سمك معد بطريقة السمك المسكوف المشهور في العراق حالياً، إذ يبدو من التحليل وآثار الحرق على بقايا العظام أن السمكة شقت من الظهر وطبخت شوياً، تماماً كما تشوى حالياً، وهي المرة الأولى التي يكتشف فيها طبق سمك بهذا الشكل، مما يؤكد أن كثيراً من عادات الطبخ ونمط الحياة والمعيشة متوارثة لدى العراقيين الحاليين عبر آلاف السنين".

والعراقيون هم الوحيدون الذين تفردوا بشق السمك من الظهر وليس البطن مثلما درجت عليه الشعوب الأخرى، ليسجل هذا الاكتشاف للبعثة الإيطالية أنها طريقة متوارثة من السومريين أقدم شعوب الأرض الذين عاشوا في الأهوار وعند حواف المياه.

الغذاء الرئيس

الباحث الآثاري عامر عبدالرزاق، مدير آثار ذي قار السابق والخبير في آثار الحضارة السومرية يقول لـ"اندبندنت عربية" إن "أهمية الموقع تكمن في أنه يعود لحقب أثرية مختلفة بدأت منذ فجر السلالات إلى نحو 3 آلاف عام قبل الميلاد، وفي الموقع عودة لعصر أور الثالثة من 2112-2006 قبل الميلاد، وفيه حقبة بابلية وعثر فيه على أختام أسطوانية وألواح تذكر الملك شولكي ابن الملك أورنمو مؤسس سلالة أور الثالثة، ووجد فيه ميناء يعد واحداً من أقدم الموانئ في العراق القديم".

ويعلق عبدالرزاق على قيمة اكتشاف طبق المسكوف العراقي الذي يعود لـ4500 عام، قائلاً "لا يخفى أن الأسماك هي الغذاء الرئيس لسكان بلاد الرافدين، بخاصة أن كل المدن العراقية تقع على ضفاف الأنهار، وهذا مثبت في الألواح المسمارية والأختام الأسطوانية التي تتمثل في قوارب الصيد المكتشفة، حتى إن عمامة الأمير كوديا 2442 قبل الميلاد أي قبل 4644 عاماً هي عبارة عن شبكة صيد، بل حتى اليشماغ العراقي في وسط البلاد وجنوبها مستوحى من شبكة الصيد الاعتيادية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف، "اكتشفت أن ثقالات الصيد في مواقع مختلفة عبارة عن أقراص من الفخار بشكل دائري توضع لإنزال الشبكة إلى الأسفل وأن أنواعاً كثيرة ومتنوعة من الأسماك تعلق بالشبكة ويتم سحبها، وهناك طرق متعددة لعملية شويها وأكلها من بينها أكلة (المسموطة) وهي أكلة عراقية بامتياز ومتواصلة حتى يومنا هذا".

لكن الأستاذ في جامعة ذي قار الباحث حامد مجيد الشطري يرى أنه "قبل اكتشاف طبق مسكوف أبو طبيرة بالقرب من أور، هناك نص أسطوري عن صياد اسمه أدابا يسبق هذا التاريخ، فقد دخل السمك كغذاء في التاريخ العراقي عبر العصور المتلاحقة، وهو الغذاء الأول في الناصرية ومعظم سكان الأهوار حياتهم مائية ويعتمدون على السمك وطيور الماء المنتشرة في بيئتهم وفي غذائهم اليومي".

ويضيف، "أما الشطوط والأنهار التي تحيط بمحافظة ذي قار، فتمتلئ بأسماك الكار الأصفر والشبوط والكطان والزوري صغير الحجم المعروف بلذته وإقبال الناس عليه، وكل هذه النوعيات تشكل الوجبة الأولى للأسرة العراقية منذ القدم، ولا يخلو بيت عراقي في الوسط والجنوب من تنور طيني يستخدم لشي السمك بواسطة المشبك الحديدي، أما المسكوف، فشاعت شهرته عند أهل بغداد، لا سيما شاطئ أبي نواس، كذلك سكان المحافظات الأخرى الذين أقبلوا عليه وهو يتطلب توفير الحطب الخشبي الذي يعوض عن أغصان الأشجار وأحياناً الفحم".

يؤكد الشطري أن شحة المياه في الأنهار جراء السدود التركية والإيرانية التي تحبس الماء عن العراق، دمرت الثروة السمكية، حتى إن وزارة الزراعة جلبت صنف السمك "السمتي" الذي ينمو في الأقفاص المائية أو البحيرات وبعض الشطوط.

المزيد من منوعات