Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفريقيا بين أزمات 2022 وتحديات 2023

تفرض الأزمات العالمية وتراجع القدرة العالمية على مد يد المساعدة أن يساعد الأفارقة أنفسهم

تحت مظلة تراجع مؤشرات المساعدات الإنسانية ونقص التمويل من الدول المانحة فإنه مع بداية عام 2023 يواجه 26 مليون شخص في شرق أفريقيا المعاناة الأكبر (أ ف ب)

واجهت القارة الأفريقية خلال العام المنصرم أزمات وتحديات كبرى سيشكل بعضها تحديات مستمرة خلال عام 2023 بينما قليل منها المتعلق ببعض الصراعات المسلحة ربما يحظى بتراجع في مستوى التوتر.

وقد تكون أكثر الأزمات حدة في أفريقيا هي المتعلقة بتراجع مؤشرات الأمن الغذائي كنتيجة رئيسة لظواهر تغير المناخ واستمرار بعض النزاعات المسلحة، وكذلك تصاعد ظاهرة الإرهاب. وقد يشكل ارتفاع مؤشر الديون في الدول الأفريقية جنوب الصحراء مؤشراً رئيساً آخر إلى تنامي حدة ظاهرتي الفقر والفقر المدقع. وربما يكون تحدي الفقر وتراجع قدرات دول جنوب القارة الأفريقية من بين دوافع الاستراتيجية الأميركية المعلنة في أغسطس (آب) الماضي في شأن دول جنوب القارة الأفريقية ولكن السؤال هو، هل مثل هذه الاستراتيجيات ستكون ناجعة خلال عام 2023 في التخفيف من حدة المشكلات الأفريقية، خصوصاً أن الحرب الروسية- الأوكرانية ما زالت مستمرة والتوقعات في شأن انتهائها تبدو ضئيلة بعدما اتضح أنها حال من حالات استمرار للصراع الغربي الشرقي المحتدم منذ ما يزيد على قرن من عمر البشرية.

عوامل الأزمات الأفريقية

انعكاس التغير المناخي على أفريقيا برز في حالات الطقس المتطرف كالفيضانات والعواصف الاستوائية والجفاف، فالظاهرة الأولى تسببت في مقتل المئات وتشريد الآلاف في جنوب السودان والنيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد، حيث ألحقت مياه الفيضانات أضراراً بأكثر من مليون شخص في هذه المناطق والدول.
وطبقاً لمؤشرات الأمم المتحدة في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فإن أكثر من 3.4 مليون شخص نزحوا في غرب أفريقيا ووسطها خلال عام 2022 كنتيجة لأسوأ فيضانات منذ 10 أعوام، إذ إنها شردت 1.3 مليون شخص بنيجيريا وأثرت في أكثر من 2.8 مليون آخرين، بينما أوقعت 300 قتيل في جنوب أفريقيا ودمرت عدداً من الجسور والطرق.

أما الجفاف، فظهرت نتائجه في تلف المحاصيل ونفوق الماشية التي تعد إحدى وسائل حياة ملايين الأفارقة. وطبقاً لتقديرات أطلقها برنامج الغذاء العالمي في ربيع 2022، فقد رصد معاناة حوالى 13 مليون أفريقي من أخطار المجاعة يتركزون في شرق القارة ولكن مع خريف العام نفسه ارتفع العدد ليلامس حاجز 20 مليون نسمة يعانون بالفعل الجوع، بينهم 7 ملايين في الصومال فقط وهو الرقم الذي تضاعف خلال نصف عام، وبطبيعة الحال أسهم الجفاف في نقص حاد في المياه وجفاف المراعي وهلاك الماشية وكلها معطيات كانت فاعلة ومؤثرة في نشوب صراعات قبلية على الكلأ والماء، بحيث سيطرت على بعضها ميليشيات مسلحة مثل "حركة شباب" المتشددة في الصومال، كما تسببت في نزاعات قبلية في كل من مالي والنيجر.

وتحت مظلة تراجع مؤشرات المساعدات الإنسانية ونقص التمويل من الدول المانحة فإنه مع بداية عام 2023 يواجه 26 مليون شخص في شرق أفريقيا المعاناة الأكبر، خصوصاً في مناطق مثل شرق إثيوبيا وشرق كينيا وجنوب الصومال وجنوب السودان. والأسوأ بالفعل هو ارتفاع معدلات الوفاة لتكون بمعدل أربعة أطفال واثنين بالغين من بين كل 10 آلاف شخص، وذلك مع وجود توقعات بمستويات متصاعدة من سوء التغذية بين الأطفال تحت عمر خمس سنوات.

المشهد الاقتصادي الإجمالي في أفريقيا تقدم بعض مفرداته تقارير البنك الدولي في شأن الحالة الاقتصادية الأفريقية بشكل عام، إذ إن معدل النمو بلغ 3.6 في المئة عام 2022، منخفضاً من معدل سابق عند 4 في المئة بسبب متحورات فيروس كورونا المستمرة وارتفاع معدلات التضخم العالمي وتعطل الإمدادات، خصوصاً الغذائية منها. ومما يفاقم الأوضاع في أفريقيا صعود الأسعار العالمية للسلع الأولية التي تزداد بوتيرة أسرع منذ بداية الصراع بين روسيا وأوكرانيا، بحيث تأثر 35 بلداً أفريقياً من أصل 55 بسبب الاعتماد على صادرات القمح والحبوب الأخرى وكذلك الزيوت من روسيا وأوكرانيا، كما أن 22 دولة تستورد الأسمدة منهما.
ومن تفاصيل هذا المشهد القاتم أيضاً، تأثر اقتصادات أفريقيا جنوب الصحراء بتراجع الأوضاع المالية العالمية وانخفاض التدفقات المالية الأجنبية بسبب ارتفاع أسعار الوقود والطاقة بشكل عام، كذلك المواد الغذائية، مما سيؤدي إلى زيادة معدل التضخم في مختلف البلدان الأفريقية، بما يضر بالمواطنين الفقراء والأكثر احتياجاً، لا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق الحضرية.
في هذا السياق المأزوم ربما تكون أهم التوقعات في شأن عام 2023 في أفريقيا تفاقم أزمة الديون التي تثقل كاهل الأفارقة بالفعل، فتكون مماثلة لتلك الأزمات التي شهدتها كل من أميركا اللاتينية اعتباراً من ثمانينيات القرن الماضي أو الأزمة الآسيوية في تسعينيات القرن ذاته، أو تلك المتعلقة بالأزمات المالية العالمية مثل أزمة 2007 - 2009 أو أزمة كورونا.
وطبقاً للمؤشرات الاقتصادية فإن إجمالي حجم ديون أفريقيا عام 2021 كان تريليون دولار، منها 702.4 مليون دولار لدول جنوب الصحراء التي تضاعفت اعتباراً من عام 2012، إذ إنها كانت لا تزيد على 380 مليون دولار فقط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


هل من نجاة للأفارقة؟

لعل الأوضاع الأفريقية المتفاقمة تفرض ضرورة النظر في حزمة من السياسات التي من شأنها أن تقلل من أخطار عام 2023 على الأفارقة وربما يكون من المطلوب الانتباه إلى هذه السياسات على كل المستويات الدولية والإقليمية والمحلية.

على الصعيد الدولي سيكون من المهم النظر وعلى نحو عاجل بجدية إلى الطلب الأفريقي المتواصل بتقليل أعباء الديون أو خدمتها في الأقل ورفعها عن كاهل الشعوب الأفريقية، كما أنه من المطلوب عدم التنصل من دعم موازنة برنامج الغذاء العالمي لمساعدة البشر بأفريقيا في مواجهة التحديات المتعلقة باستمرار حياتهم.

وفي هذا السياق ربما يكون تمويل "صندوق جبر الأضرار" الذي تم إقراره بصعوبة بالغة في مؤتمر المناخ الأخير "كوب 27" الذي عقد في شرم الشيخ بمصر من الأمور التي لا يجب التباطؤ فيها، إذ إن تعطل هذا التمويل يعني الاستمرار في تفاقم تداعيات تغير المناخ وفي تصاعد التوجه نحو الاقتراض، مما يعزز المعطيات الداعمة لاتجاه بعض الدول الأفريقية نحو التوقف عن سداد ديونها أو إعلان إفلاسها، وذلك في ضوء مؤشرات الركود العالمي وتباطؤ النمو على الصعيد الدولي، إضافة إلى تعقيد شروط الاقتراض بالنسبة إلى الاقتصادات الفقيرة والناشئة، وذلك بالتوازي مع ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وضغوط البنوك المركزية المحلية. وطبقاً للسالف ذكره سيؤدي ذلك إلى مزيد من الضغوط على وضع الاقتصاد الدولي.

على صعيد موازٍ، فإن إعادة النظر في سياسات وكالات التنمية الغربية التي تتجه غالباً في هندسة المساعدات نحو إفادة اقتصادات الدول المانحة أكثر مما تفيد اقتصادات الدول الفقيرة، تفاقم المشكلات ولا تحلها وتجعل الدول المتلقية للمساعدات تعيد النظر ربما في جدوى هذه المساعدات بما ينعكس سلباً على العلاقات مع الدول الأفريقية.

أما على الصعيد الإقليمي الأفريقي، فهناك مجالان من المطلوب التركيز عليهما خلال العام المقبل للحد من تفاقم الأوضاع الأفريقية السلبية وهما، أولاً التوجه نحو تنشيط التجارة البينية الأفريقية بالوسائل كافة والتساهل في مسائل التعريفة الجمركية بين دول القارة وتنشيط الجهود، خصوصاً من جانب الاتحاد الأفريقي نحو تفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية، وهذه كلها أمور من شأنها أن تعزز الموازنات العامة الأفريقية وتجعلها قادرة على مواجهة التحديات المتوقعة خلال عام 2023.

أما المجال الثاني، فهو تعظيم الاستثمار في الزراعة، بما يحقق الأمن الغذائي الأفريقي وذلك مع الانتباه إلى ضرورة أن يكون الاستثمار المحلي شريكاً في هذا التوجه طبقاً لقدرات كل دولة، مع التنبه أيضاً إلى أطماع الشركات متعددة الجنسيات التي غالباً ما تجعل عوائد استثمارها أعلى بكثير من فوائد أصحاب المورد الأساسي وهو الأرض. من هنا فإن بلورة أجندة أفريقية مشتركة في القطاع الزراعي الأفريقي تبرز من بين الأمور التي يجب الانتباه إليها في هذه المرحلة، ولا بد من أن تكون على مائدة اهتمامات مراكز البحث والفكر في أفريقيا.
وفي ظل محدودية الحيز المتاح في المالية العامة لغالبية الدول الأفريقية، فإنه يتعين على دوائر صناعة القرار في القارة السمراء أن ينظروا إلى ضرورة الاتجاه نحو تبني حلول وسياسات مبتكرة مثل تخفيض رسوم الاستيراد على الأغذية الأساسية بصورة موقتة أو التنازل عنها لينعكس ذلك على مستوى الأسعار التضخمية وكذلك التوسع في سياسات دعم الفئات الأكثر فقراً بهدف مساعدة مواطنيهم وأيضاً الإسهام في دعم حال الاستقرار السياسي.
إجمالاً ربما يكون عام 2023 من الأعوام المأزومة على الصعيد الأفريقي ومطلوب مواجهة التحديات فيه، إذ إن العبء الأكبر يقع على الأفارقة أنفسهم في إدارة هذه الأزمة بإرادة مستقلة عن حال تبعية تاريخية تقع في براثنها النخب، ومع الأسف أن من يدفع ثمنها هي الشعوب، خصوصاً الأجيال الشابة من الأفارقة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل