يستضيف البيت الأبيض، الثلاثاء، 50 قائداً من أفريقيا في قمة تعقد للمرة الأولى منذ عام 2014، تركز على "تعميق وتوسيع الشراكة الطويلة الأمد بين أفريقيا والولايات المتحدة وتعزيز الأولويات المشتركة"، وفق ما جاء في تصريحات المسؤولين الأميركيين إلى الصحافة المحلية. وفي حين لم تتم الإشارة من قريب أو بعيد إلى الصين، الشريك التجاري الأكبر للقارة السمراء، في جدول أعمال القمة المقررة أو البيانات الرسمية، فإنه من المتوقع أن تخيم بكين على الأهداف الأميركية من القمة.
وفي أغسطس (آب) الماضي، أصدرت إدارة الرئيس جو بايدن "الاستراتيجية الأميركية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء" التي حذرت من أن الصين تعتبر أفريقيا "ساحة مهمة لتحدي النظام الدولي القائم على القواعد وتعزيز مصالحها التجارية والجيوسياسية الضيقة وتقويض الشفافية والانفتاح وإضعاف علاقات الولايات المتحدة مع الشعوب والحكومات الأفريقية".
ولم يمض شهران حتى أصدر البيت الأبيض في أكتوبر (تشرين الأول)، "استراتيجية الأمن القومي الجديدة للرئيس بايدن" التي أشارت إلى الصين وروسيا صراحة باعتبارهما يشكلان تهديدات تحتاج الولايات المتحدة إلى ردعها.
وتصف واشنطن الصين بأنها "الدولة الوحيدة التي لديها نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وبشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق هذا الهدف"، وتصورها على أنها "التحدي الجيوسياسي الأكبر لأميركا".
استثمارات الصين في أفريقيا
الصين هي الشريك التجاري الأكبر لأفريقيا بحجم تجارة سنوية يبلغ نحو 187 مليار دولار، وفق بيانات عام 2020. وتشير البيانات الرسمية إلى أن التدفقات السنوية للاستثمار الأجنبي المباشر الصيني إلى أفريقيا بلغت 5.4 مليار دولار عام 2018، وعلى رغم تراجعه خلال جائحة كورونا فإنه عاود الارتفاع، بحيث بلغ 2.96 مليار دولار عام 2020 فيما قدر الاستثمار المباشر غير المالي بـ 2.66 مليار دولار.
وبلغت القروض الصينية المقدمة إلى أفريقيا 153 مليار دولار بين عامي 2000 و2019. والعام الماضي، توقعت "وكالة ماكنزي" الأميركية أن تصل قيمة الأرباح المالية التي تجنيها الصين من أفريقيا بحلول عام 2025 إلى 440 مليار دولار، أي بزيادة قدرها 144 في المئة.
كما يشير التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا الصادر في سبتمبر (أيلول) 2021، إلى بناء 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة أفريقية، وجذبت هذه المناطق 623 شركة باستثمارات إجمالية بقيمة 7.3 مليار دولار ووفرت أكثر من 46 ألف فرصة عمل للدول الأفريقية.
ومنذ عام 2000، أسست بكين منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) بهدف تعميق التعاون على صعيد التنمية الاقتصادية. ويعمل المنتدى بمثابة منصة مشتركة تسمح للمسؤولين الصينيين والأفارقة بصياغة المشاركة الصينية في دعم أهداف التنمية الأفريقية وغيرها من المبادرات.
وعلى مدى الأعوام الـ 22 الماضية، استخدم القادة الصينيون منتدى التعاون الصيني الأفريقي للإعلان عن تعهدات بتمويل التنمية في أفريقيا التي توسعت ضمن مشروع "مبادرة الحزام والطريق" الذي ينطوي على إنفاق تريليون دولار في مساعدات البناء والاستثمارات في أكثر من 100 دولة عبر آسيا الوسطى وأفريقيا وأوروبا.
ويعقد منتدى بكين حول التعاون الصيني الأفريقي الذي يعادل قمة واشنطن كل ثلاث سنوات، وكان آخرها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في العاصمة السنغالية داكار، حيث تعهد الرئيس الصيني شي جينبينغ الذي حضر النسخة الأخيرة عبر الفيديوكونفيرنس بزيادة قيمة الواردات من أفريقيا إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2025.
تيقظ أميركي واستراتيجية جديدة
يقر المراقبون في واشنطن بأن صانعي السياسة الأميركيين، على جانبي الطيف السياسي، باتوا أكثر قلقاً حيال دور بكين في أفريقيا، حيث تتعمق العلاقات الصينية - الأفريقية في مجموعة متنوعة من المجالات، وليس على صعيد العلاقات التجارية والاقتصادية فقط، بل أيضاً العسكرية والأمنية منها وفي مجال التكنولوجيا. ويلقون باللوم على أولئك السياسيين سواء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري لأنهم لم يعطوا الأولوية للبلدان الأفريقية عندما يتعلق الأمر بخطط السياسة الخارجية الأميركية، إذ افتقر تركيز واشنطن المحدود على أفريقيا إلى التنسيق وأصبح الوجود الأميركي غائباً، أو في أحسن الأحوال غير مستقر بسبب "النفوذ الصيني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ثم بات العمل على إعادة التوازن مع الدول الأفريقية ضرورياً لواشنطن في وقت تمر القارة بتغيرات ديموغرافية واقتصادية كبرى، فمن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان أفريقيا إلى 2.5 مليار بحلول عام 2050، مما يمثل أكثر من ربع سكان العالم. وبحسب مدير برنامج أفريقيا لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن جود ديفيرمونت، فإن "كل مشكلة عالمية سيكون لها بعد أفريقي". فمن تغير المناخ والاستجابات الوبائية إلى الحوكمة الإلكترونية، من المؤكد أن تلعب البلدان الأفريقية دوراً مهماً في مستقبل الشؤون العالمية.
ويقول الزميل لدى مركز التقدم الأميركي في واشنطن جوردان لينك إنه عندما كشفت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب النقاب عن استراتيجية جديدة لأفريقيا، قامت بتأطير القارة كمكان للمنافسة مع بكين بدلاً من تقديم رؤية إيجابية للعلاقات الأميركية - الأفريقية. ومع تدارك الخطأ، تسعى إدارة بايدن إلى إعادة تركيز وصياغة مبادرة إدارة ترمب "ازدهار أفريقيا"، وهي حملة لزيادة التجارة والاستثمار في اتجاهين مع الدول الأفريقية.
وفي أبريل (نيسان) 2021، عقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين اجتماعات افتراضية مع الرئيس الكيني أوهورو كينياتا وسكرتير مجلس الوزراء الكيني للشؤون الخارجية السفير رايشيل أومامو والرئيس النيجيري محمدو بوخاري ووزير الخارجية النيجيري جيفري أونياما لمناقشة الأهداف والاهتمامات المشتركة.
وتجادل الإدارة الأميركية أيضاً بأن روسيا تنظر إلى القارة السمراء على أنها بيئة تسمح للأوليغارشية المرتبطة بالكرملين والشركات العسكرية الخاصة بالتركيز على إثارة عدم الاستقرار من أجل مصلحتهما الاستراتيجية والمالية. وزاد القلق مع شعور إدارة بايدن بخيبة أمل لأن معظم دول أفريقيا رفضت اتباع الولايات المتحدة في إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، لكن من غير المتوقع أن يتحدث بايدن عن الخلافات علناً، بحسب وسائل إعلام أميركية.
التركيز على الهدف
وفي الأيام الماضية، قلل مسؤولو إدارة بايدن من قلقهم المتزايد حيال نفوذ الصين وروسيا في أفريقيا التي تضم أكثر من 1.3 مليار شخص، وبدلاً من ذلك حاولوا التركيز على جهودهم لتحسين التعاون مع القادة الأفارقة. وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارين جان بيير عندما سئلت عن الظل الذي ألقته الصين وروسيا على القمة، "هذه القمة هي فرصة لتعميق عدد من الشراكات التي لدينا في القارة الأفريقية. سنركز على جهودنا لتعزيز هذه الشراكات عبر مجموعة واسعة من القطاعات التي تمتد من الأعمال التجارية إلى الصحة والسلام والأمن، لكن تركيزنا سيكون على أفريقيا الأسبوع المقبل."
القمة الأميركية - الأفريقية هي الثانية منذ أن أطلق نسختها الأولى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عام 2014، معلناً التزامات وشراكات جديدة من القطاع الخاص في الاستثمار والشراكة مع البلدان الأفريقية في مبادرات تتضمن مجالات الطاقة والخدمات المالية وتغير المناخ والأمن الغذائي والرعاية الصحية من بين مجالات أخرى. ومن المتوقع أن تمنح قمة هذا العام الأولوية لقضايا مماثلة مع التركيز بشكل أكبر على التجارة الثنائية ومبادرات الاستثمار، بحسب بيان الاتحاد الأفريقي.
وفقاً لمسؤولي البيت الأبيض فإن القمة، وهي أكبر تجمع دولي في واشنطن منذ ما قبل انتشار جائحة كورونا، من المتوقع أن تتركز محادثاتها حول الفيروس وتغير المناخ وتأثير الهجوم الروسي على أوكرانيا في أفريقيا والتجارة وغير ذلك. ومن المقرر أن يلقي بايدن ملاحظات في منتدى أعمال أميركي - أفريقي ويعقد اجتماعات مجموعات صغيرة مع القادة ويستضيف عشاء القادة في البيت الأبيض ويشارك في جلسات أخرى مع القادة خلال الاجتماع.
وتقول وسائل إعلام أميركية إن بايدن أمضى معظم عاميه الأولين من توليه المنصب، محاولاً تهدئة المتشككين على المسرح الدولي في شأن القيادة الأميركية بعد أربع سنوات من سياسة ترمب الخارجية "أميركا أولاً". وتعد هذه القمة التي تعتبر متابعة لأول اجتماع من هذا القبيل عقده الرئيس أوباما قبل ثمانية أعوام، فرصة لبايدن لتهدئة المخاوف في أفريقيا لجهة ما إذا كانت الولايات المتحدة جادة في شأن تعزيز العلاقة.
وصرحت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية مولي في إلى الصحافيين بأن "الولايات المتحدة تمنح الأولوية لعلاقتنا مع أفريقيا من أجل مصالحنا المشتركة وشراكتنا في التعامل مع التحديات العالمية. نحن ندرك جيداً، مرة أخرى، تاريخ الحرب الباردة، نحن ندرك، مرة أخرى، التأثير الضار للاستعمار في أفريقيا، ونسعى بجد إلى تجنب تكرار بعض أخطاء تلك العصور السابقة."
وتقول الباحثة لدى مركز الدراسات الاستراتيجة والدولية في واشنطن كاثرين نزوكي إن الاستراتيجية الأميركية نحو أفريقيا تأتي في وقت حرج، إذ إن الثقة بالولايات المتحدة داخل القارة تتراجع. ومن ثم فإن تنفيذ الاستراتيجية بطريقة صحيحة، من شأنه أن يساعد واشنطن على استعادة علامتها التجارية في القارة السمراء.
وتشير إلى أن الاستراتيجية تستهدف دعم جهود التنمية المستدامة التي تبني المرونة عبر طيف واسع من الأمن الغذائي إلى المساواة بين الجنسين. علاوة على ذلك، ستستفيد الولايات المتحدة من الاتفاقات والمبادرات التجارية القائمة مثل "تمكين أفريقيا" و"رخاء أفريقيا" لتوسيع الاستثمار الأميركي في القارة.
ومن ثم، فإن التركيز على جعل المبادرات الحالية أكثر فاعلية خطوة مهمة في تحقيق الأهداف المنصوص عليها في الاستراتيجية. إضافة إلى ذلك، تدعو الاستراتيجية أيضاً الولايات المتحدة إلى إعادة تنشيط علاقتها مع الجيوش الأفريقية والشركاء الأمنيين لتشجيع السلوك "الفاعل والشرعي والمسؤول" بين هذه الجهات النافذة التي بدورها يمكن أن تدعم المجتمعات الديمقراطية والمفتوحة في القارة. لذا من الضروري أن تغير الولايات المتحدة انتظامها الأمني في أفريقيا لإعطاء الأولوية إلى المدنيين أولاً.
تجنب ملفي الديمقراطية وحقوق الإنسان
كان سجل حقوق الإنسان والديمقراطية أحد العناصر لتعزيز التوسع الصيني في أفريقيا، إذ تتبع بكين سياسة عدم التدخل في الشأن الداخلي والاكتفاء بالجانبين الاقتصادي والاستثماري فحسب، وهو الأمر نفسه الذي ربما تحاول واشنطن تجنبه بعض الشيء لتعزيز وجودها في القارة السمراء مجدداً بعيداً من الصدام. فتمت دعوة بعض القادة الأفارقة الذين طاولتهم انتقادات واشنطن في شأن الديمقراطية وحقوق الإنسان وأبرزهم الرئيس الإثيوبي آبي أحمد، على رغم أن بايدن أعلن في أواخر العام الماضي أنه يستبعد بلاده من برنامج تجارة أميركي، المعروف باسم قانون النمو والفرص الأفريقي، بسبب فشل إثيوبيا في إنهاء الحرب في منطقة تيغراي التي أدت إلى "انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وتفيد وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية بأنه تمت دعوة غينيا الاستوائية على رغم تصريح وزارة الخارجية الأميركية بأن "لديها شكوكاً جدية" حول انتخابات الشهر الماضي في الدولة الصغيرة الواقعة وسط أفريقيا. وبالمثل جرت دعوة زيمبابوي التي واجهت سنوات من العقوبات الأميركية والغربية بسبب سوء الإدارة وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد المستشري.
ويقول مراقبون إن الزعماء الأفارقة يتطلعون لأن يقدم بايدن بعض الالتزامات الرئيسة خلال القمة، بما في ذلك الإعلان عن أول زيارة له إلى أفريقيا جنوب الصحراء والجهود المبذولة لتعزيز اقتصاد القارة من خلال استثمارات القطاع الخاص والتجارة وغير ذلك. ربما الأهم من ذلك أنها ربما تكون فرصة لبايدن لإثبات أن أفريقيا هي أكثر من ساحة معركة في تنافسها الاقتصادي والعسكري مع بكين وموسكو.
يرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية لدى جامعة جوبا جنوب السودان أبراهام كول نيون "لا يزال ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها قوة عظمى من المنظور الأفريقي، لكن معظم القادة الأفارقة لا يريدون مواءمة تعزيزها للديمقراطية"، وأضاف "إنهم بحاجة إلى دعم أميركا وليس النظام الأميركي."