Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وصمة أم مفخرة... كيف ينظر التونسيون إلى عمل الطلاب؟

درة تسعى للشغل مصففة شعر وعائلتها تخشى استغلالها وسوار غير مسموح لها إلا بتعليم الأطفال وباحثون ينوهون بأهمية تنمية المهارات

حواء عدن حسن طالبة جامعية من الصومال بدأت في إنتاج أول تصميمات أزياء لها وتبيعها عبر مواقع التواصل الاجتماعي (أ ف ب)

في البلدان الغربية يعد العمل الإضافي أو بنصف الدوام، بخاصة الموجه إلى الطلبة، حلاً يعتمده أصحاب المحال والمطاعم والمقاهي لسد الحاجة إلى أيد عاملة، وكذلك يستفيد منه الطالب أو غيره لتحسين ظروفه المادية والتعويل على نفسه في ظل ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، لكن الأمر في البلدان العربية يبدو مختلفاً تماماً، إذ نجد طلاباً عرباً من الجنسين يغسلون الصحون في مطعم ببلد أجنبي، لكن لا يفعلون ذلك في بلدهم الأصلي خوفاً مما يعتبرونه وصماً يشوش على مكانتهم الاجتماعية.

تحسين الوضع المادي

درة المؤدب من الجنوب التونسي، طالبة في علوم التسويق، تقول إن التكنولوجيا المتطورة أتاحت لها العمل من منزلها في كل الأوقات من أجل تحسين وضعها المادي، وهي مغرمة بالتجميل، وتريد العمل مصففة شعر في أحد محال الحلاقة النسائية في أوقات العطل لكسب مهارات في هذا المجال، لكن عائلتها ترفض ذلك بدعوى إمكان استغلالها مادياً ومعنوياً وربما استضعافها، وأيضاً اعتبار هذه المهنة في محيطها المحافظ غير راقية ولا تتلاءم ومكانتها الاجتماعية.

أما الطالب مراد بلعيد فيقول، إنه يستغل أغلب أوقات فراغه في العمل لأن عائلته لا تستطيع توفير كل حاجاته، ولا يرى في ذلك عيباً أو إنقاصاً من مكانته، ويرغب بالعمل في مجال قريب من تخصص دراسته وهي الهندسة الإلكترونية، لكن عدم توفر الوظائف بنصف دوام أجبره على العمل في مهن مختلفة مثل البناء أو في المقاهي أو كبائع في بعض المحال.

لكن نضال يرى العكس تماماً فهو يستحي أن يشتغل في مهن يعتقد أنها غير ملائمة لمكانته الاجتماعية، ويتحسب لزملائه الذين قد يتنمرون عليه إذا اشتغل في مقهى أو في مجال البناء، قائلاً " أنا أحرص على صورة معينة أريد إظهارها للآخرين لأنال احترامهم".

نظرة المجتمع

من جهتها تقول سوار بناني طالبة الفلسفة، إن العمل الوحيد الذي تسمح به عائلتها في وقت الفراغ هو تدريس الأطفال وغير ذلك مرفوض تماماً، وفسرت سوار ذلك قائلة" هم يخافون من إمكان استغلالي وأيضاً يخشون نظرة المجتمع الذي يعتبر أن عمل الطلبة بخاصة الفتيات وصماً اجتماعياً ويقلل من قيمة الشخص"، لكن سوار تعتقد عكس ذلك، وترى أنه لا بد من تكريس ثقافة العمل لدى الناشئة وتعليمهم أن العمل بشرف مهما كان نوعه شيء عظيم يزيد من مهارات الشخص ويجعله إنساناً مستقلاً لا يعول على مساعدة الآخرين حتى وإن كانت عائلته.

وقلما تجد في تونس عروض عمل بنصف دوام للطلبة أو لغيرهم وغالباً ما يطلب أصحاب العمل دواماً كاملاً، لكن عالم الإنترنت أتاح عديداً من الفرص التي تتطلب مهارات عدة قد تنقص البعض.

في هذا الصدد تقول الباحثة في علم الاجتماع نعيمة الفقيه إن" ثقافة العمل الإضافي أو بنصف دوام غائبة في المجتمعات العربية عموماً وفي تونس خصوصاً"، وتفسر ذلك بـ"عدم توفر مواطن شغل، إضافة إلى أن أغلبية المجتمع العربي ترى أن الطالب الذي يعمل هو في الأصل محتاج، بخاصة أن أغلب الأعمال المتوفرة لا علاقة لها بتخصصاتهم العلمية، ويعتبرها المجتمع غير لائقة على غرار المطاعم والمقاهي ومرافقة الكبار أو الصغار أو أعمال البناء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن حسب تقديرها تقول الفقيه إن" التطور التكنولوجي فتح أبواب العمل في أوقات الفراغ للطلبة وغيرهم وذلك عن بعد وعبر الإنترنت"، وهنا تدعو الفقيه الشباب لاكتساب مهارات أخرى بعيدة عن تخصصاتهم العلمية على غرار إتقان اللغات وتقنيات الفيديو والتسويق وكيفية استعمال وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المهارات التي تمنح فرصاً أكثر".

من جهته يرى الباحث في علم الاجتماع مصطفى العوزي من المغرب أنه" عادة ما ترى شعوب العالم الثالث أن وقت فراغ الطلبة يجب أن يخصص للترفيه، عكس بعض المجتمعات الغربية التي لا ترى مانعاً في العمل"، معتبراً ذلك تفكيراً خاطئاً على اعتبار أن "وقت الفراغ هو كتلة زمنية تسهم في النمو الاقتصادي بشكل كبير، وعلى سبيل المثال في بلدان العالم المتقدم يستغل الأشخاص هذا الوقت في أعمال إضافية لزيادة الدخل، كما يسهم في تحقيق جزء من النمو الاجتماعي"، مستدركاً "ما نعتبره نحن وقت فراغ يعتبره غيرنا في البلدان الغربية وقتاً يجب استثماره".

وصم اجتماعي

يقول العوزي إن أغلبية الطلبة يستحون من الإفصاح بأنهم يعملون، "حيث العمل الإضافي في المجتمعات العربية ينظر إليه وكأنه نوع من الحاجة المادية ومن يمارسه يعد فقيراً"، مضيفاً" لا يفصح الأغلبية عن وضعهم المادي الحقيقي، بل يسعون إلى إظهار صورة غير حقيقية ويتحاشون إظهار صورة المحتاج أو الفقير مادياً" وتابع" مثل هذه السلوكيات أصبحت أكثر بروزاً في مواقع التواصل الاجتماعي حيث ينشر البعض صوراً في أماكن راقية سعياً منهم إلى تسويق صورة ذلك الميسور مادياً".

وينهي العوزي تحليله الاجتماعي حول تجنب الطلبة العرب ممارسة مهن إضافية قائلاً "يمكن القول بأن هنالك سببين، الأول نفسي بعدم إبراز الصورة الحقيقية عن وضعهم المادي، ثم سبب اجتماعي كون المجتمع ينظر إلى الطالب الذي يشتغل في وقت الفراغ على أنه فقير، وعادة ما تعتبر مجتمعاتنا الفقر وصماً اجتماعياً".

المزيد من العالم العربي