Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من واشنطن إلى الفاتيكان خطوط سرية وخيوط دبلوماسية

مخططات مع الاستخبارات المركزية سرعت بانهيار الشيوعية... وخلافات البابا فرنسيس مع إدارتي ترمب وبايدن ذات أبعاد دينية وسياسية

بين أميركا والكنيسة الكاثوليكية علاقة تماثل وتنافر (أ.ب)

تستدعي العلاقة بين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والولايات المتحدة الأميركية مؤلفاً خاصاً، لتبيان أبعادها والتحديات التي واجهت الكاثوليكية تاريخياً في الولايات المتحدة.

في الولايات المتحدة المبدأ الذي يقول: "أميركا هي وطني، أعلى صوابٍ كانت أم على خطأٍ"، ينطبق أيضاً على الكنيسة: "الكنيسة هي كنيستي، أعلى صواب كانت أم على خطأ"؛ فالكنيسة ترتل جوقة واحدة، وإذا ما أراد أحدنا أن يؤثر في مسيرتها، ينبغي له أن يبقى في الجوقة ويتابع الترتيل؛ وهذا ما يفسر أن الممارسة الدينية هي أرفع بكثير في الولايات المتحدة مما هي عليه في بعض بلدان أوروبا.

بين الكنيسة والسياسة

تبدو الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة قد تم بناؤها بالفعل بفضل تضحيات المؤمنين، كما أن الشبكة التربوية الكبرى هذه تضم مدارس ابتدائية، وتكميلية، وثانوية عالية، وجامعات، تمنح الكنيسة تأثيراً مهماً جداً، ليس للمحافظة على الإيمان وحسب، بل لتكوين قادة البلاد.

إلا أن ذلك يطرح سؤالاً: أين يكمن السر، في نظر الذين هم غير أميركيين، في أن حزباً سياسياً كاثوليكياً لم يرَ النور بعد في الولايات المتحدة؟ ولماذا يبقى الكاثوليك في إطار النظام السياسي الثنائي الديمقراطي/ الجمهوري، حتى ولو أنهم يشعرون بقربهم على ما يبدو من الديمقراطيين؟

وفي كل الأحوال، فإن الكاثوليك في الولايات المتحدة مدركون أنهم كنيسة البلد الأقوى والأعظم في العالم، وهذا البلد على الأقل في هذه الفترة من التاريخ، وبدل أن يضع نفسه خارج العالم بموجب عقيدة الرئيس مونرو الشهير قد يجد في نفسه مسؤولية تأمين النظام في أي مكان في العالم، وذلك بواسطة وسائل لا يقبلها الأساقفة الكاثوليك الأميركيون على الإطلاق. وهذا ما يثير السجالات بين الكاثوليك أنفسهم، ومنهم من لا يقبلون بالدور الأميركي الحالي، ولا يوافقون، على سبيل المثال، القبول بنظرية الحرب العادلة والحرب الوقائية.

"مدينة فوق جبل"

في مؤلف "الصراع على الله في أميركا" لصاحبه جيكو ميللر فاهر نهولتز، نجد ما يمكن أن يعد نقطة افتراق بين التفكير الكاثوليكي للمسيح والمسيحية كما تراه وتؤمن به وتعيشه الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وما هو قائم في مخيلة الأميركيين أنفسهم؛ ولهذا لا تصدمنا المسيحانية السافرة بل الاقتباس المباشر من إنجيل القديس يوحنا حين يقول يسوع عن نفسه: "أنا نور العالم"؛ ذلك أن ما يقوله يوحنا عن يسوع، كان ينسبه بوش الابن إلى "أميركا المثل الأعلى" مباشرة، من خلال تشبيه "مدينة فوق جبل"، وهذا التماهي يكشف الكثير؛ فقد حول بوش الخلاص بواسطة يسوع المسيح، الذي يعلق المسيحيون عليه أملهم، إلى أميركا نفسها، الأمر الذي يكاد يلامس حدود الوثنية، على حد تعبير "جيكو موللر – فاهر نهولتز".

يحتاج التأصيل للكاثوليكية الأميركية إلى مساحات تتجاوز مقدرات هذه القراءة، غير أن إشارة ما لا بد من التذكير بها، تلك المتصلة بالعلاقات الثنائية الأميركية – الكاثوليكية في ثمانينيات القرن المنصرم، والحلف الذي جرت به المقادير وقتها من أجل مواجهة الشيوعية، وبطش الاتحاد السوفياتي بدول أوروبا الشرقية على نحو خاص، وذلك قبل نحو أربعة عقود وبالتحديد عام 1981.

"حروب الأشباح"

في تلك الفترة كان ساكن البيت الأبيض الرئيس رونالد ريغان الكاثوليكي الأب، وإن كان يعرف نفسه بأنه ينتمي إلى الطائفة "المشيخية" البروتستانتية، وإلى جانبه الرجل الذي سيكتب مع شريك آخر له علامات النهاية الشيوعية.

كان ذلك الشريك هو ويليام كيسي مدير الاستخبارات المركزية الأميركية، والذي يحدثنا عنه الكاتب والصحافي الأميركي ستيفن كول في كتابه الفائز بجائزة "بوليتزر" والمعنون "حروب الأشباح".

كان كيسي متميزاً بعقائده الشغوفة في عمق الإيمان المسيحي، وحماسته ضد الشيوعيين، وبدا مختلفاً عن عدد كبير من الضباط الذين خدموا معه في لانغلي؛ كان فارساً كاثوليكياً من فرسان مالطا، وتعلم على أيدي الآباء اليسوعيين. ملأت تماثيل العذراء مريم قصره، ميريكنول، في لونغ آيلند في نيويورك، وكانت مشاركته في القداس الإلهي أمراً طبيعياً يومياً، ولم يتوانَ عن تقديم نصيحة الإيمان والمعتقد الكاثوليكي لكل من طلبها منه، وما إن استقر في مقعد رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية، حتى بدأ يجمع مساعدات للعمليات السرية من خلال الكنيسة الكاثوليكية لتقديمها إلى محاربي الشيوعية في بولندا وأميركا الوسطى، وقد اخترق في بعض الأحيان القانون الأميركي؛ فقد آمن بشدة بأنه سيحد من تمدد الشيوعية، أو يعكسه من خلال توسيع نطاق الكنيسة الكاثوليكية وقوتها.

شدد كيسي، مثل ريغان على دور الإيمان المسيحي على نحو خاص في المهمة المعنوية لهزيمة السوفيات، إلا أنه كان عملياً أكثر من الرئيس؛ أرسل جواسيس إلى ما بعد خطوط العدو في الحرب العالمية الثانية، وأنشأ تجارة بفضل صفقات بارعة وقضايا قانونية عديدة، وقد أحاطت به في لانغلي مجموعة من تلاميذ هنري كيسنجر، أنصار السياسة الواقعية، كان كايسي كاثوليكياً مندفعاً، لم يسعَ إلى إقامة أي نزاع، إنما عمل على فرض القوانين من أجل الخير الأعظم، ذلك المصطلح الإيماني واللاهوتي الكاثوليكي المطلق.

الفاتيكان وأسوار الشيوعية

في تلك الأثناء كانت البابوية في روما قد شُغِلت ببابا هو الأول من نوعه، كارل فوتيلا أو يوحنا بولس الثاني، القادم من كاراكوفا في بولندا، ذلك البلد الذي سحقته ومحقته الشيوعية عبر عقود طوال.

خلال عقد الثمانينيات كان التعاون الخلاق بين الفاتيكان والبيت الأبيض يمضي قدماً، فتهدمت أسوار الشيوعية بداية من بولندا، وسقط الجدار الحديدي، وكان البابا الروماني الكاثوليكي بمعاونة صديقه كيسي المسمارَ الأول الذي دق في نعش الشيوعية والباقي جاء تباعاً.

حين جلس فرنسيس على كرسي القديس بطرس كانت الولايات المتحدة الأميركية تحت رئاسة باراك أوباما، الرجل الذي طاردته ظاهرة الإسلاموفوبيا طويلاً جداً في الداخل الأميركي، حتى بعد أن ترك مقعده الرئاسي، على رغم أنه حين قدم ولاء القسم لرئاسة البلاد، استخدم كتاباً مقدساً يعود للرئيس إبراهام لنكولن، في دلالة على أنه مسيحي مهما كانت طائفته.

خلال رئاسة أوباما أجرى فرنسيس واحدة من أنجح زيارات الأحبار الرومانيين الكاثوليك إلى الولايات المتحدة، زيارة بدأت بتجاوز الرئيس الأميركي للبروتوكولات الرسمية، وذلك عبر استقبال أوباما نفسه للبابا في مطار الوصول، الأمر الذي لم يحدث مع غيره من رؤساء العالم وزعمائه، كان ذلك في سبتمبر (أيلول) من عام 2015؛ أي بعد عامين من بابوية فرنسيس، وبات السؤال هل كان فرنسيس مرحباً به من عموم الأميركيين؟

بعيداً من الكاثوليك التقليديين والمؤمنين، كان اليمين الأميركي المحافظ غير راضٍ بالمرة عن البابا الروماني الكاثوليكي، ذلك الفقير الذي يهز أساسات البناء الرأسمالي للإمبراطورية الأميركية المنفلتة بحسب المؤرخ الأميركي الشهير بول كيندي... ماذا عن أهم النقاط التي دفع فيها فرنسيس اليمين الأميركي للجنون؟

خمسة تحديات

يمكن إجمال تلك التحديات في خمسة نتناولها باختصار كالآتي:

1 ـ احتضان علوم المناخ: في ذلك الوقت لم يكن فرنسيس قد خرج على العالم بوثيقته الشهيرة "كن مسبحاً"، التي تناول فيها حالة كوكب الأرض، وتغيرات المناخ، الأمر الذي دعا أصحاب المصانع، وجماعة ضغط الفحم، الملوث الأكبر للبيئة، إلى رفض توجهات البابا، فقد اشتكى على سبيل المثال النائب ستيف كينغ، من تدخل البابا قائلاً: هذا علم، وليس لاهوتاً، وبدوره قال السيناتور جيمس أنهوف: "أنا لست كاثوليكياً، ولكن عندي الكثير من الأصدقاء الكاثوليك، الذين يتساءلون: لماذا تورط البابا فجأة في هذا الأمر".

2 ـ ضد الرأسمالية: حذر فرنسيس كثيراً جداً من إعصار الرأسمالية إلى درجة اتهامه من قبل بعض الأصوات اليمينية بأنه بابا شيوعي، الأمر الذي دعا أحد كبار صحافيي "نيويورك تايمز"، الصحافية الأميركية ذائعة الصيت ديفيد بروكس إلى القول: "إن الجشع في سوق منظم من الممكن أن يؤدي إلى خلق روح المبادرة والابتكار الاقتصادي، ويخلص إلى أنه لا يبدو أن لدى "فرنسيس استراتيجيات عملية لعالم يسقط".

3 ـ بابا ضد التحلل الأخلاقي: نظر فرنسيس بعين الرحمة والرأفة للبشر، لا بوصفه دياناً، الأمر الذي يبتعد بعض الشيء عن النظرة التقليدية المحافظة، وإن شئت الدقة قل المتزمتة، مثل مثليي الجنس، والمطلقين أو المطلقات.

4 ـ التنديد بالعنف: منذ الساعات الأولى لحبريته، بات فرنسيس خنجراً في خاصرة صناع الأسلحة، وهم جماعة ضغط تكاد تمثل أحد أضلاع مثلث المجمع الصناعي العسكري الأميركي وقد أشار إلى أن سلوكهم يتنافى مع المسيحية، وأثار هذا الانتقاد سيلاً من غضب القاعدة اليمينية في أميركا التي تحب أسلحتها.

5 ـ الاعتراف بالفلسطينيين: هاج وماج تيار اليمين الأميركي ولا يزال، من مواقف الفاتيكان على نحو عام وفرنسيس على نحو خاص، من القضية الفلسطينية، ولا سيما أنه قام بزيارة عاطفية إلى الأراضي المقدسة، تضمنت الصلاة عند الجدار الفاصل الذي أقامته إسرائيل فوق الأراضي الفلسطينية، وتحت قيادته أيضاً لعبت حاضرة الفاتيكان دوراً في تنشيط الاعتراف بالسيادة الفلسطينية حول العالم، ما جعل اليمين الأميركي يستشيط غضباً من خليفة بطرس الجديد.

لكن على رغم ذلك استطاع فرنسيس أن يكتسب أرضاً غير اعتيادية في زيارته تلك للولايات المتحدة، وأن يربح قلوباً وعقولاً، بعضها بكى تأثراً من عمق كلماته، وترك منصبه الوظيفي، ربما لعدم اتساق ما يقوم به مع ما يؤمن به؛ كانت زيارة هادرة بمعنى الكلمة.

قبل أن يحل أوباما رئيساً لبلاده، كان طرح الحروب الاستباقية فكراً رائجاً، عمل المحافظون الجدد على الترويج له، وانطلقت من حناياه وثناياه حروب حول العالم.

ضد كل الأصوليات

في هذا الإطار كان فرنسيس يشدد على أن بناء مستقبل حر يتطلب محبة الخير العام، مضيفاً أن الجميع يعلم ما يمر به العالم اليوم من حروب واضطهادات، بعضها باسم الله، والكل يعلم أنه لا توجد أي ديانة تشجع على هذا الموضوع؛ وهنا يجب الحذر من التعصب والأصولية، ليس فقط الدينية، بل أي نوع آخر فيه.

في كلمته أمام الكونغرس، كان فرنسيس صوتاً صارخاً في برية الحياة الأميركية المليئة بالعنف، ولهذا استمعنا إليه يقول: "أن نكون في خدمة الحوار والسلام، يعني أيضاً أن نصمم حقاً على الحد من الصراعات المسلحة وعلى إلغائها –على المدى الطويل - في جميع أنحاء العالم".

ويومها تساءل فرنسيس مع نواب وشيوخ الشعب الأميركي قائلاً: "لماذا تباع الأسلحة للذين يخططون لإلحاق معاناة لا توصف بالأشخاص والمجتمعات؟ والجواب للأسف، كما نعلم كلنا، هو من أجل المال بكل بساطة، مال ملطخ بالدماء، وغالباً ما تكون دماء الأبرياء، وأمام هذا الصمت المخجل والمذنب، من واجبنا أن نواجه المشكلة، وأن نضع حداً للتجارة بالأسلحة.

الذين لديهم علم من كتاب بأحوال أميركا يدركون معنى فكرة "أميركا مدينة فوق جبل"، ذلك التعبير الإنجيلي، الذي تستعيره الأمة الأميركية، في محاولة من التماهي مع روح الكتاب المقدس لإظهار عظمتها.

غير أن خليفة بطرس، في ختام كلمته أمام الكونغرس، رأى: "أنه يمكن لدولة أن تُعَد عظيمة حين تدافع عن الحريات كما فعل لينكولن، وحين تعزز ثقافة تسمح للناس بأن تحلم بكامل الحقوق لإخوتهم وأخواتهم، كما سعى إليها مارتن لوثر كينغ، وحين تناضل من أجل العدالة وقضايا المظلومين كما فعلت دوروثي داي بعملها الدؤوب، ثمرة إيمان يصبح حواراً ويزرع سلاماً بأسلوب توماس مرتون التأملي".

جدران ترمب

غير أن فصلاً مغايراً من العلاقات الأميركية - الفاتيكانية، كان له أن يكتب بعد أن رحل باراك أوباما عن البيت الأبيض، وبوجه أدق قبل أن يمضي بعيداً؛ أي خلال الحملة الانتخابية الرئاسية التي سبقت الاقتراع عام 2016.

في ذلك الوقت كان فرنسيس يوجه انتقادات لاذعة للمرشح الجمهوري ترمب، مبيناً أن مواقفه من قضايا الجوار والهجرة والمهاجرين "ليست مسيحية"، ولم يقل البابا أبداً أن ترمب غير مسيحي.

كان فرنسيس يرى في خلال رحلته عائداً من المكسيك أن الشخص الذي يفكر في بناء الجدران في أي مكان ولا يهتم بإقامة الجسور، هو شخص لا يمكن أن تكون نواياه وتوجهاته مسيحية، على رغم أن البابا لم يقدم النصح للكاثوليك الأميركيين بانتخاب ترمب أو عدم انتخابه؛ والمثير أن استطلاعاً للرأي لوكالة أنباء "رويترز" في ذلك الوقت كان قد أشار إلى أن الجمهوريين الكاثوليك يؤيدون ترمب أكثر من الجمهوريين الآخرين.

لم يكن ترمب ليصمت، ولم يتأخر رده؛ إذ رأى أن البابا تجاوز دوره الروحي إلى عالم السياسة، واتهمه بأنه لا يفهم مشكلات أميركا، ولا مخاطر الحدود المفتوحة مع المكسيك.

استطاع ترمب أن يعزف جيداً على أوتار الخوف والإسلاموفوبيا والهول المرتقب من الجهاديين، وسخرها جميعاً للنيل من البابا، فيما عُد أسوأ فترة تراشق بين الكرسي الرسولي ومرشح للرئاسة الأميركية.

غير أن علامة استفهام طرحت ذاتها في الطريق: هل كان ترمب عدواً للمؤسسة الفاتيكانية؟.

مثير أمر ترمب؛ ذلك أن له تصريحات سابقة أبدى فيها إعجابه بتواضع البابا فرنسيس، وكانت اهتماماته كذلك قد انسحبت على المؤسسة ذاتها في عهد البابا بندكتوس السادس عشر، حين أعرب عن رفضه التام لقرار استقالة البابا، ويومها قال: "إن قرار البابا بالاستقالة غير مقبول، كان عليه التكيف؛ وهذا القرار يسيء إليه وإلى الكنيسة".

عشية انتخاب ترمب الصادم والمفاجئ للجميع قال الكرسي الرسولي: "سنرى كيف يتحرك الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأميركية؛ فعادة ما يقال عن الترشح للرئاسة أمر مختلف تماماً عن خوضها".

التصريح السابق جاء على لسان أمين سر دولة الفاتيكان (رئيس الوزراء) الكاردينال بيترو بارولين، الذي أشار إلى أن الاحتكاك الذي وقع بين ترمب والبابا في أثناء الحملة الانتخابية، حول مسألة الهجرة فُهِم على نحو خاطئ، وفي اليوم التالي، وخلال مشاركته في مؤتمر عقد في جامعة اللاتيران الحبرية بروما، قال بارولين "إنه يحترم إرادة الشعب الأميركي التي تم التعبير عنها في الانتخابات أملاً في أن تتمكن إدارة الرئيس الجديد من إرساء أسس السلام والرخاء في العالم كله".

لم يكن للبابا الروماني الكاثوليكي أن يصمت طويلاً، وما هي إلا ثلاثة أيام بعد فوز ترمب، حتى تحدث إلى صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية بالقول: "أنا لا أصدر أحكاماً على الناس والسياسيين، بل أريد أن أفهم فقط ما هي المعاناة التي تسببها أعمالهم للفقراء والمهمشين".

إشارة البابا كانت تنسحب، ولا شك، على الرئيس الجديد، وجل ما يهم البابا بحسب تصريحاته لـ "أيوجنيو سكالفاري"، هم "اللاجئون والمهاجرون"، وقد كان من الواضح جداً أن البابا يقظ لاتجاهات ترمب المثيرة أحياناً، والمسيئة في أحيان أخرى للمسلمين؛ إذ أشار إلى أن "جزءاً صغيراً من هؤلاء اللاجئين مسيحيون"؛ ما يعني أن غالبيتهم من المسلمين، لكن ذلك "لا يغير الأمر من ناحيتنا"، بحسب قول خليفة مار بطرس؛ فنحن "نشعر بالقلق لمعاناتهم ومحنتهم وتعدد أسبابها، ونحن نفعل كل ما بوسعنا لإزالتها".

بعد أداء الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قسم اليمين يوم الجمعة 20 يناير (كانون الثاني) 2017، وجه البابا فرنسيس له رسالة، تمنى فيها أن تبقى أميركا تحت إمرته تقاس باهتمامها بالفقراء وقلقها حيالهم.

في برقيته للتهنئة المرسلة إلى الرئيس الجديد قال الحبر الأعظم: "بمناسبة انتخابكم الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأميركية، أقدم لكم أحر أمنياتي، وأؤكد لكم أنني أصلي كي يمنحكم الله الحكمة والقوة في ممارسة هذه المهمة النبيلة".

ويومها أضاف خليفة بطرس، في رسالته إلى سيد البيت الأبيض، قائلاً إنه: "في حقبة تعاني خلالها عائلتنا البشرية من أزمات إنسانية خطيرة تتطلب أجوبة سياسية متبصرة وموحدة؛ أصلي كي ترشد القيم الروحية والأخلاقية الغنية التي صاغت تاريخ الشعب الأميركي قراراتكم، بالإضافة إلى التزام أمتكم بتعزيز الكرامة البشرية والحرية في العالم أجمع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مشهد مربك

تباينت مواقف الكنيسة الكاثوليكية في الداخل الأميركي جهة قرارات ترمب المربكة؛ فعلى سبيل المثال، ومنذ الأسابيع الأولى لحكمه؛ أي في فبراير (شباط) 2017، كان رئيس أساقفة سان فرانسيسكو الكاثوليكي سالفاتوري كورديليوني، يحذر من إجراءات الرئيس ترمب ضد الأجانب غير الشرعيين، معلناً أن الكنيسة تحرص على أن "يعرف المتضررون" حقوقهم.

في تلك الآونة ذكرت صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل"، أن كورديليوني وصف مشاعره إزاء إجراءات ترمب التنفيذية بشأن الهجرة بـ "القلقة".

ويومها أكد رئيس الأساقفة أن الكنيسة الكاثوليكية في الولايات المتحدة الأميركية سوف تحمي أولئك الذين قد يرحلون بسبب وجودهم غير الشرعي في الولايات المتحدة، وستحرص على أن يطلع هؤلاء الرعايا على ما لهم من حقوق تكفلها شرعة حقوق الإنسان، والمبادئ الإيمانية.

وعلى رغم الاختلاف في المشهد السابق، إلا أن الرجل عينه تحدث عن تشجيعه لدعم ترمب للمسيرة من أجل الحياة، في إشارة واضحة وجلية لرفضه مبدأ الإجهاض في الداخل الأميركي.

أدهش ترمب كاثوليك أميركا باختياراته أعضاء إدارته في أيامه الأولى في البيت الأبيض. كانت البداية من عند اختياره لنائبه مايك بنس، الذي لا يواري أو يداري إيمانه، والذي بدأ حياته كاثوليكياً ممارساً، وتحول إلى مبشِر بالإنجيل لاحقاً في دول أميركا اللاتينية.

على أن أخطر شخصية اختارها ترمب في أيامه الأولى، ضمن أعضاء إدارته، كان ستيف بانون مستشاره الرئاسي الاستراتيجي، بانون الكاثوليكي بامتياز، على رغم بعض آرائه اليمينية المتشددة؛ وفي أسابيع ترمب الأولى كان هناك اسم أميركي كاثوليكي مطروح بقوة للمحكمة العليا... ويليام برايور، الذي أظهر مراراً عدائية واضحة لحقوق المثليين وثنائيي الجنس، والمتحولين جنسياً، بل هو صاحب التصريح الشهير الخاص بسجن المثليين باعتبارهم مجرمين، وأن ما يفعلونه مناقض لـ "علاقة العائلة التقليدية"، التي هي قديمة وأساسية بقدر "حضارتنا كلها" على حسب تعبيره.

ومع حلول شهر مايو (أيار) من عام ترمب الأول، كان الموعد المنتظر؛ لقاء السحاب بين البابا والرئيس.

في الثالث عشر من مايو، أعلن البابا أنه يأمل في التوصل إلى أرضيات تفاهم مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يلتقيه في الفاتيكان في الرابع والعشرين من الشهر عينه، مؤكداً أنه لا يحكم أبداً على شخص قبل الاستماع إليه.

لم تحفل سنوات ترمب بعلاقات وثيقة مع الفاتيكان، ثم جاء من بعده جوزيف بايدن الكاثوليكي، الذي شجع الإجهاض وبارك المثلية، وهي ما يرفضها الكرسي الرسولي الأمر الذي يطرح التساؤل الختامي في هذه القراءة: هل بات فرنسيس حجر عثرة في طريق العلاقات الأميركية - الفاتيكانية؟

المزيد من تقارير