حين انتُخب جوزيف بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، توقف كثيرون أمام انتمائه العقدي والطائفي، لا سيما وأنه ثاني رئيس في تاريخ الولايات المتحدة ينتمي إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، تلك التي وصفها المؤرخ الأميركي الأشهر وول ديورانت، بأنها أهم مؤسسة بشرية عرفها التاريخ، وربما التمايز هنا مرده التراكمية المعرفية، والتسلسل البشري في القيادة منذ ألفي عام، وليس السبب في تقدير الأميركي هو المفهوم الروحي أو المذهبي.
مع حفل تنصيب بايدن كان الحبر الأعظم البابا فرنسيس يبعث بخالص أمنياته للرئيس السادس والأربعين للبلاد، راجياً أن يبني مجتمعاً على أساس القيم التاريخية للديمقراطية الأميركية، وعلى احترام حقوق وكرامة كل شخص، لا سيما الفقراء.
كتب فرنسيس لبايدن يقول: "أقدم لكم تمنياتي القلبية، وأؤكد لكم صلاتي لكي يمنحكم الله الحكمة والقوة في ممارسة وظيفتكم الرفيعة، وأتمنى أن يستمر الشعب الأميركي تحت قيادتكم في استمداد قوته من القيم السياسية والأخلاقية والدينية السامية التي ألهبت الأمة منذ تأسيسها".
بدا ساعتها أن فترة رئاسية جديدة، قد تشهد تصالحاً وتسامحاً، من واشنطن مع الفاتيكان، وبخاصة بعد أربع سنوات عجاف بسبب رفض فرنسيس للذهنية الأحادية للرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، والذي بدأ من عند أميركا قبل الجميع، وانتهى إلى جدار عازل مع الجيران، الأمر الذي ندد به خليفة بطرس.
غير أن تطورات مثيرة وسريعة جرت بها المقادير في المائة يوم الأولى بين الجانبين، باتت تهدد بقطيعة غير مسبوقة بين بايدن والبابوية، مع تأثيرات وتجاذبات على الكاثوليكية الأميركية، ودورها على صعيد السياسات الداخلية، وربما الخارجية.
عن الجذور الكاثوليكية في أميركا
في عجالة يمكن القول، إن الكنيسة الكاثوليكية الرومانية في الولايات المتحدة، هي روحياً جزء لا يتجزأ من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التي يترأسها بابا روما، وفي الداخل الأميركي تعيش أكبر جماعة كاثوليكية في العالم بعد البرازيل والمكسيك.
يصل تعداد كاثوليك الولايات المتحدة إلى قرابة الثمانين مليون نسمة، منتشرين في كافة الولايات، ويعتبر كاثوليك أميركا أنفسهم أحفاداً للأوربيين الذين وفدوا من إسبانيا والمملكة المتحدة خلال القرن التاسع عشر، حيث وفد المذهب الكاثوليكي مع كريستوفر كولومبوس خلال رحلته الثانية، وأقيمت منذ ذلك الحين كنائس أميركية في كافة أرجاء البلاد.
وبحسب موقع "شارك أميركا"، فإن الغالبية العظمى من أبناء الرعية الكاثوليكية في الولايات المتحدة، مكونة من البيض من غير الأميركيين (الواسب).
ويبدو واضحاً أن التركيبة السكانية للكنائس الكاثوليكية في الولايات المتحدة آخذة في التغير، مما يعكس تنوعاً أكبر بين السكان المهاجرين وغير المهاجرين.
كانت أول "إيبارشية" (كيان ديني يمثل تجمعاً لعدد من الكنائس المنتشرة في عدة مدن أو ولاية)، كاثوليكية في الأراضي التي أصبحت الآن ضمن الولايات المتحدة، قد شيدت في سان خوان، بورتريكو عام 1521، فيما تأسست أقدم بعثة كاثوليكية في عام 1566 في ولاية فلوريدا، وعرفت باسم سان أوغسطين.
أحد الأسئلة المثيرة للجدل في هذا الملف: هل هناك عداوة تاريخية للكاثوليكية في الولايات المتحدة الأميركية؟
ربما تكون لنا عودة ذات مرة إلى التساؤل المتقدم، سيما وأنه قضية عميقة تتقاطع بين الدين الشعبي للجمهورية الأميركية، والفكر الإمبراطوري لدى رجالاتها في سعيهم للسيطرة على مقدرات العالم، وهذا ما يجعل فكرة اتباع ملايين الكاثوليك الأميركيين لزعيم روحي غير أميركي، وخارج الحدود الجغرافية أمراً عسير القبول.
وفي حال الرئيس بايدن تحديداً هناك من يرى أن نائبته كمالا هاريس من ألد أعداء الكاثوليكية الأميركية في الداخل والخارج.
ويبقى التساؤل: ما الذي فعله بايدن حتى تقلب له الكاثوليكية الرومانية ظهر المِجن؟
بايدن ودعم حق النساء في الإجهاض
في الأسابيع الأولى لدخول بايدن البيت الأبيض، أعلن عن عودة المساعدات الأميركية للجمعيات الأجنبية التي تسهل حصول النساء على حق إنهاء اختياري للحمل، ووقع الرئيس الجديد مرسوماً لإنهاء "سياسة مكسيكو" التي تمنع على الولايات المتحدة تمويل أي منظمة غير حكومية دولية حتى وإن كانت تقدم فقط استشارة تتعلق بالإجهاض.
والمعروف أن عمليات الإجهاض قانونية في الولايات المتحدة منذ قرار المحكمة العليا في عام 1973، وإن كان لا يزال يشكل موضع انقسام كبير بين الأميركيين، مع وجود معارضة قوية جداً لدى الأوساط المتدينة.
والشاهد أنه على الرغم من أن المحكمة الأميركية العليا قبل خمسة عقود، اعتبرت أن الإجهاض يقع ضمن نطاق التعديل الرابع عشر لدستور الولايات المتحدة، ويعتبر في قلب "الحق في الخصوصية"، الذي يحمي حق المرأة الحامل في اختيار الإجهاض من عدمه، إلا أن المحكمة عينها قضت أيضاً بأن هذا الحق ليس مطلقاً، ويجب موازنته مع مصالح الحكومة في حماية صحة المرأة وحماية الحياة قبل الولادة.
والمعروف أن الرئيس السابق ترمب كان قد أعلن معارضته الشرسة للإجهاض، وفرض على مراكز التخطيط الأسري التمييز بين الاستشارات الطبية النسائية العادية وتلك المرتبطة بالإجهاض، وجعل الأخيرة واقعة تحت طائلة حرمانها من التمويلات الفيدرالية، وجرى تغريم ربع تلك المؤسسات.
كان قرار بايدن الحذر مرحباً به بلا شك عند أنصار الليبرالية المطلقة، وأصحاب الرايات الفاقعة المنادية بالليبرالية البواح، من عينة، سيرا سيبيل، رئيسة مركز الصحة والمساواة الجندرية، والتي صرحت خلال مؤتمر صحافي بسعادتها بسبب تخلي بايدن عن سياسة مكسيكو سيتي القاسية وذات الخلفية الاستعمارية الجديدة، على حد وصفها.
لكن في المقابل، يعمل المعارضون للإجهاض وحلفاؤهم الجمهوريون على الضغط في الاتجاه الآخر، فقد انتقد زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، تمويل الإجهاض في الخارج بأموال دافعي الضرائب.
هل كانت رؤية بايدن للإجهاض وحدها من تقف عائقاً دون علاقات جيدة مع الكرسي الرسولي، أم أن هناك عقبات أخرى يمكن أن تدفع بايدن خارج إطار الرعاية الروحية للكنيسة الكاثوليكية؟
دبلوماسية بايدن وحقوق الأقليات الجنسية
ضمن خطوط طول وعرض سياسة بايدن الخارجية، وبالتأكيد الداخلية، نقرأ كثيراً عن الدفاع عن حقوق الأقليات الجنسية، أي المثليين جنسياً، فقد وضع الرجل الذي وعد بانتهاج سياسة خارجية تحمل "القيم الديمقراطية"، الأميركية، حقوق الأقليات الجنسية في العالم بين أولوياته، أكثر من أي رئيس أميركي سابق، وبخلاف سلفه دونالد ترمب الذي كان قريباً جداً من تجريم الفعل عينه.
بايدن الذي يعتبر البعض رئاسته بمثابة فترة ولاية ثالثة لباراك أوباما، أعاد إطلاق مبادرة اتخذها عام 2011 أوباما من أجل "الترويج لحقوق أفراد مجتمع الميم في أنحاء العالم".
كتب بايدن في مذكرة رئاسية نشرت في أول فبراير (شباط) الماضي يقول: "إن جميع البشر يجب أن يعاملوا باحترام وكرامة، ويجب أن يتمكنوا من العيش من دون خوف، هم ومن يحبون".
وفي سياق إعلانه رفع عدد اللاجئين الذين ستستقبلهم الولايات المتحدة بعد ما شدد ترمب الإجراءات حيال المهاجرين خلال عهده، وعد بايدن خصوصاً بـ"حماية طالبي اللجوء المثليين والمتحولين ومزدوجي الميل الجنسي"، وطلب من حكومته مكافحة القوانين التمييزية في الخارج.
ولعل إدارة جو بايدن، هي الإدارة الأولى في تاريخ الإدارات الأميركية، ظاهرياً على الأقل، التي تتضمن وزيراً يجاهر ويفاخر بمثليته.
خلال جلسة تثبيته أمام مجلس الشيوخ كوزير للنقل، قدم بيت بوتجيج، مرشح بايدن، المثلي الجنس، الشكر لـ"زوجه" الذي حضر معه جلسة مناقشة ترشيحه من قبل مجلس الشيوخ، قائلاً إنه ممتن لما قدمه من تضحيات مكنته من أن يقوم بعمله على أكمل وجه.
بوتجيج وخلال الجلسة قال: "أود التقدم بالشكر لزوجي شاستين الموجود معي اليوم على دعمه، أنا فخورر به وأشكره لتضحياته التي قدمها، لكي أستطيع القيام بالعمل العام".
هل كان لكاثوليك الولايات المتحدة أن يتقبلوا مثل هذا الجنوح والشطط، بل الخطايا المميتة، كما يعرفها علم اللاهوت، في حق الشعب الأميركي؟
كيف ترى الكاثوليكية الإجهاض والمثلية؟
ربما يتحتم علينا قبل الخوض في ردود فعل المؤسسة الكاثوليكية الأميركية، التوقف ولو سريعاً أمام وجهة نظر الكنيسة الجامعة لكل من الإجهاض والمثلية.
باختصار غير مخل تعرف الكنيسة الإجهاض بأنه قتل طفل لم يولد بعد في داخل أحشاء أمه، وهذا يجري بشكل مباشر من قبل المجهضين، وبقبول الأمهات وأحياناً بضغط أو بتجاهل الآباء أو بعدم علمهم.
هذه الكارثة المستترة لا يعرف بها إلا أصحاب العلاقة وبعض الأطباء الذين يشتركون بصورة غير مباشرة عبر الإحالة للإجهاض.
ينشأ الميل للإجهاض عند نحو 70 في المئة من الأمهات بسبب معاناة من أزمات جسدية، روحية، نفسية، أخلاقية، اجتماعية، ويقتل الإجهاض نحو مليون ونصف المليون طفل في الولايات المتحدة كل عام.
من هذا المنطلق، أعلن البابا يوحنا بولس الثاني، في رسالته المعروفة باسم "إنجيل الحياة"، والتي صدرت عام 1995، ما يلي: "بالسلطة التي أولاها لي المسيح وخلفاؤه، وبالشراكة مع الأساقفة الذين حرموا الإجهاض غير مرة، وهم موزعون في كل أنحاء العالم، وأعربوا بالإجماع عن مواقفهم على هذا، أعلن أن الإجهاض المباشر المتوخى غاية أو وسيلة، هو خلل أدبي باهظ، بصفة قتلاً متعمداً لكائن بشري بريء".
اعتبر البابا الذي حمل لاحقاً مرتبة قديس في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، أن هذه العقيدة ترتكز على الشريعة الطبيعية وعلى كلام الله المكتوب، وقد ورثناها عن طريق التقليد الكنسي وتعلمها السلطة الكنسية العادية والجامعة.
ما الذي تعنيه هذه الرؤية؟
مباشرة ومن غير مواراة أو مداراة، اعتبار فعل الإجهاض خطيئة مميتة، وحرمان من ييسر شأنه من ممارسة بعض من أهم الطقوس الكنسية الكاثوليكية.
وبالقدر نفسه، حسمت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية موقفها- والمحسوم فعلياً منذ زمن بعيد- من المثلية الجنسية، باعتبار الأمر منافياً ومجافياً للناموس الطبيعي الذي شرعه الله منذ البدء، فقد خلقهما ذكراً وأنثى، وقال لهما نمِّيا وثمرا وكثرا واملآ الأرض، وعلى هذا الأساس فإن الكنيسة لا يمكن أن تعطي بركتها لما هو مخالف لما شرعه الله في الكتاب المقدس.
في هذا السياق بدأت المواجهة في الداخل الأميركي، والتي تتصاعد يوماً بعد يوم، بين بايدن من جهة والرئاسة الروحية الكاثوليكية من جهة ثانية، مع الأخذ في عين الاعتبار أن هناك مسيحيين بروتستانت ومسلمين في الداخل الأميركي، يشاركون الكاثوليك مواقفهم الرافضة للإجهاض والمغايرة للمثلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بايدن والحرمان من طقس التناول الكنسي
يعد هذا الطقس أحد أهم الطقوس في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، بل قمتها وأهمها، واليوم يجد الرئيس بايدن نفسه أمام خطر محدق به، أي حرمانه من الاقتراب من هذا الطقس، والذي لا يملك أي سلطة تجاه القائمين عليه، فسلطاتهم روحية مطلقة، مهما كانت مقدراته على الكرة الأرضية، بوصفه سيد البيت الأبيض، لا تحد.
نقرأ في الأسابيع الأخيرة عن جدل يدور داخل أوساط المؤسسة الكنسية الكاثوليكية الأميركية، حول توقيع عقوبات روحية على رئيس البلاد، بسبب قراراته الخاصة بالإجهاض، والتي يمكن أن تجعله مفروزاً خارج الدائرة الروحية ومحروماً من سر التناول أو "الإفخارستيا".
في مقدمة المناوئين لبايدن، رئيس أساقفة سان فرانسيسكو، بولاية كاليفورنيا، سالفاتور كورديليون، المناهض الشرس لحقوق الإجهاض، والذي يرى أن الشخصيات السياسية مثل بايدن لا ينبغي أن تحصل على حق التناول بسبب موقفها من هذه القضية.
في تصريح رسمي قال كورديليون "أود أن أقول لأولئك الذين يدافعون عن الإجهاض، هذا قتل. من فضلكم توقفوا عن القتل. أنتم في وضع يسمح لكم بعمل شيء حيال ذلك".
على أن الإشكالية تجعل من معركة الإجهاض عاملاً آخر ضمن عوامل تشظي وانقسام أميركا حول نفسها، وبخاصة بعد وجود أصوات كاثوليكية أخرى ترى غير ما يرى رئيس كورديليون.
أخيراً، وفي ظل النقاش الحاد، ارتفع صوت المطران الكاثوليكي، روبرت ماكيلري، من سان دييغو، بالقول في بيان له: "إن الحملة لاستبعاد بايدن وغيره من المسؤولين الكاثوليك ذوي التفكير المماثل، سوف تجلب عواقب وخيمة للغاية، لأنه بذلك قد تُستخدم الأسرار الكنسية، كأداة في الحرب السياسية، وهذا يجب ألا يحدث".
هنا تقول وكالة الأنباء الأميركية الشهيرة، "أسوشيتدبرس"، إن وجهتي نظر الأسقفين توضح "مدى الانقسام الذي يمكن أن تكون عليه هذه القضية قبل المؤتمر المقرر في 16 يونيو (حزيران) الحالي".
في ذلك اللقاء الذي يجمع أساقفة أميركا الكاثوليك جميعاً، ستتم دراسة وثيقة تعدها العقيدة التابعة للمؤتمر الأميركي للأساقفة، بهدف توضيح موقف الكنيسة من قضية الإجهاض التي أزعجت الكنيسة طيلة العقود الأخيرة، فيما يظل الرئيس بايدن على النقيض، مناصراً وداعماً للإجهاض بشكل علني.
الكاثوليكية... حوار مع بايدن أم حرمانه؟
لا تبدو الولايات المتحدة في حاجة إلى تعميق الشروخات في جدارها المجتمعي، والقضية هنا دوغمائية مطلقة، بمعنى أنها لا تقبل فلسفة المواءمات، وليست مسألة نسبية يستطيع المتنافسون التوصل بشأنها إلى حلول وسطية.
منذ اليوم الأول لوصول بايدن إلى البيت الأبيض والكنيسة الرومانية الكاثوليكية، بقيادة زعيمها الروحي البابا فرنسيس، تسعى جاهدة في إطار توحيد صفوف الأميركيين لصالح كرامة كل إنسان أميركي، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه.
لكن قضيتي الإجهاض الظاهرة في العلن، والمثلية الجنسية المتوارية في الصفوف الخلفية، تقضان مضاجع القيادات الكنسية الكاثوليكية الأميركية ومن ورائها عشرات الملايين من الأميركيين.
خذ إليك على سبيل المثال ما أضافه أواخر إبريل (نيسان) الماضي، رئيس الأساقفة، جوزيف نومان، من كانساس سيتي، إذ أكد أن "تبني هذا الموقف (الإجهاض) من قبل شخصية عامة شر أخلاقي خطير، لذلك من الضروري توبيخ بايدن علناً".
أضاف نومان: "لأن الرئيس بايدن كاثوليكي، فإن ذلك يمثل مشكلة فريدة بالنسبة لنا، هذا الأمر يمكن أن يخلق البلبلة، كيف يمكنه أن يقول إنه كاثوليكي متدين ويقوم بهذه الأشياء التي تتعارض مع تعاليم الكنيسة؟".
منذ عقود وبايدن يجاهر بإيمانه الكاثوليكي، وكثيراً جداً ما ظهر وهو ممسك بمسبحته حول يديه، في لفتة وإشارة تفهمها جموع الجماهير الكاثوليكية في قارات الأرض الست.
عطفاً على ذلك، فإن الرجل مواظب على حضور القداسات في ديلاوير مدينته بشكل منتظم، وبخاصة في أيام الآحاد، وحين كان نائباً لأوباما، حرص ألا تفوته أي من تلك الطقوس، ولهذا يصعب التشكيك في هويته الكاثوليكية، لكن توجهاته نحو الإجهاض والمثلية، تجعل من الصعب على الرئاسة الروحية الدينية الكاثوليكية الأميركية، قبوله كما هو على هذا الحال... ما الحل إذن؟
الفاتيكان ومحاولة درء الصراع الروحي
في الثاني عشر من مايو (أيار) الماضي، وفي محاولة لدرء التنازع بين الأميركيين الكاثوليك بعضهم البعض، ومع بقية أطياف وأطراف المجتمع الأميركي، وجه رئيس مجمع العقيدة والإيمان الكاردينال، لويس فرانشيسكو لاداريا، رسالة إلى رئيس مجلس أساقفة الولايات المتحدة المطران خوزيه غوميز، حذر فيها من إعطاء الانطباع بأن الإجهاض والموت الرحيم هما وحدهما المسألتان الخطيرتان المتعلقتان بالعقيدة الخلقية والاجتماعية للكنيسة الكاثوليكية، وشجع الأساقفة الأميركيين على إعادة قراءة مذكرة بهذا الشأن كتبها آنذاك الكاردينال راتزينغر (لاحقاً البابا بندكتوس السادس عشر).
ما الذي حوته الرسالة الفاتيكانية للجانب الأميركي؟
حثت رسالة مجمع العقيدة والإيمان قادة الكنيسة في الولايات المتحدة الأميركية على صب الاهتمام على الحوار والحذر والتوافق والوحدة، خلال المناقشات التي يجريها الأساقفة المحليون حول السياسات الوطنية، لا سيما المتعلق منها بالأشخاص الكاثوليك الذين يشغلون مناصب رسمية ويدعمون تشريعات تتيح الإجهاض والموت الرحيم وغيرهما من الشرور الأخلاقية.
في الرسالة عينها لفت الكاردينال لاداريا إلى أن المسألة نفسها طرحت على طاولة البحث خلال زيارة الأساقفة الأميركيين التقليدية للأعتاب الرسولية ولقائهم مع البابا فرنسيس.
في تلك المناسبة نُصح رعاة الكنيسة الكاثوليكية الأميركية بتنظيم حوار بين الأساقفة من أجل الحفاظ على وحدتهم إزاء الاختلافات القائمة حول موضوع كهذا مثير للجدل، وحذر مجمع العقيدة والإيمان آنذاك من مغبة أن تصبح السياسات الوطنية الأميركية عاملاً يهدد وحدة مجلس الأساقفة ولحمة أكبر كنيسة في الولايات المتحدة.
وفي الخلاصة، لماذا يخشى كثيرون من صدام داخلي أميركي- أميركي، بمسحة عقائدية، وبخاصة حين يكون الأميركيون الكاثوليك في جانب منها؟
باختصار غير مخل تبدو أهمية الكاثوليكية الأميركية، وكما قال المفكر الأميركي الكاثوليكي، جورج ويغل، ذات مرة، من كونها قوة إقناع معنوية، لا سيما وأنها تلعب دوراً متقدماً على صعيد زخم ودعم الإنتلجنسيا الأميركية.
تملك الكنيسة الكاثوليكية في الداخل الأميركي شبكة فاعلة ومؤثرة على صعيد الحياة العامة، وهي نموذج فريد من المؤسسات التعليمية والصحية والجمعيات الخيرية، منها نحو 230 جامعة وكلية منها جامعات نخبوية مثل جامعة جورج تاون وجامعة نوتردام وكلية بوسطن، ويدرس في الجامعات الكاثوليكية نحو مليون طالب، ويعمل فيها 65 ألف بروفيسور، إضافة إلى نحو 7 آلاف مدرسة ابتدائية، و1200 مدرسة إعدادية وثانوية.
تملك وتدير الكنيسة الكاثوليكية الأميركية 625 مستشفى في الداخل الأميركي، وبذلك تعتبر أكبر مؤسسة خيرية غير حكومية في البلاد، عطفاً على نحو 4 آلاف جمعية خيرية كاثوليكية لها تأثير فاعل من آلاسكا في الشمال إلى تكساس في الجنوب، ومن نيويورك شرقاً إلى كاليفورنيا غرباً.
هل ستنتصر الوحدة الأميركية الروحية بعد اجتماعات يونيو، أم أن النسيج المجتمعي الأميركي سوف يتعرض لصدمة جديدة على عتبة الخلافات العقائدية؟
غداً لناظره قريب.