في تقييد جديد على حرية النساء في أفغانستان، ذكر خطاب من وزارة الاقتصاد بحكومة "طالبان" أن الحكومة أصدرت أمراً، السبت 24 ديسمبر (كانون الأول)، لجميع المنظمات المحلية والأجنبية غير الحكومية بعدم السماح للنساء بالقدوم للعمل، في أحدث استهداف لحرياتهن في البلاد.
وأكد المتحدث باسم وزارة الاقتصاد عبدالرحمن حبيب الخطاب، وورد فيه أن النساء ممنوعات من الذهاب إلى العمل حتى إشعار آخر لعدم التزام بعضهن بقواعد الزي الإسلامي التي تحددها الحكومة لهن.
ولم يتضح حتى الآن إن كان الأمر يسري على وكالات الأمم المتحدة التي لها وجود كبير في أفغانستان.
ويأتي القرار بعد أيام من إصدار حكومة "طالبان" أمراً للجامعات بمنع الطالبات من الحضور، الأمر الذي أدى لانتقادات دولية قوية وأشعل بعض الاحتجاجات وأثار انتقادات شديدة داخل أفغانستان.
عسكرة الجامعات
منع حراس مسلحون، الأربعاء 21 ديسمبر، مئات الشابات من دخول حرم جامعات أفغانية غداة إعلان حكومة "طالبان" حظر التعليم الجامعي للفتيات.
وعلى رغم وعدها بحكم أقل تشدداً لدى استيلائها على السلطة العام الماضي، عززت حركة "طالبان" القيود على جميع النواحي التي تطاول حياة النساء، متجاهلة سخطاً دولياً.
وشاهد فريق ضم صحافيين من وكالة الصحافة الفرنسية مجموعات من الطالبات اللاتي تجمعن أمام جامعات في العاصمة كابول، وقد منعهن من الدخول حراس مسلحون فيما كانت البوابات مغلقة. وشوهدت مجموعات منهن، وقد ارتدين الحجاب واقفات على طرق مؤدية إلى الجامعات.
وقالت طالبة فضلت عدم الكشف عن اسمها، "قضي علينا، فقدنا كل شيء". وقالت سيتارا فرحمند (21 سنة) طالبة أدب ألماني في جامعة كابول "كل ما يريدونه أن تبقى النساء في المنزل وتنجبن الأولاد، لا يريدون لهن أكثر من ذلك".
كما عبر طلاب ذكور عن الصدمة إزاء القرار الأخير، وقاطع بعضهم في مدينة جلال آباد (شرق) امتحاناتهم احتجاجاً. وقال أحدهم طالباً عدم الكشف عن اسمه، إن "ذلك يعبر حقيقة عن جهلهم وقلة معرفتهم بالإسلام وحقوق الإنسان".
ومعظم الجامعات الخاصة والحكومية في أفغانستان مغلقة حالياً لبضع أسابيع في سياق العطلة الشتوية، علماً أن الحرم الجامعي يبقى مفتوحاً أمام الطلاب والموظفين.
وقال وزير التعليم العالي ندا محمد نديم، في رسالة موجهة إلى كل الجامعات الحكومية والخاصة، "أبلغكم جميعاً بتنفيذ الأمر المذكور بوقف تعليم الإناث حتى إشعار آخر".
قلق عميق
وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "قلقه العميق"، بحسب ما ذكر المتحدث باسمه، الثلاثاء.
وقال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم غوتيريش، في بيان، إن "الأمين العام يجدد التأكيد أن الحرمان من التعليم لا ينتهك المساواة في الحقوق للنساء والفتيات فحسب، بل سيكون أثره مدمراً على مستقبل البلاد".
كما دانت واشنطن القرار "بأشد العبارات". وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في بيان، "لا يمكن لطالبان أن تتوقع أن تكون عضواً شرعياً في المجتمع الدولي حتى تحترم حقوق الجميع في أفغانستان، هذا القرار سيرتب على (طالبان) عواقب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن جهتها استنكرت منظمة التعاون الإسلامي الحظر. واعتبر أمينها العام حسين إبراهيم طه أنه "سيسهم بشكل كبير في تقويض صدقية الحكومة القائمة"، كما دانت برلين هذا الحظر وقالت إنها ستطرح المسألة خلال اجتماع مجموعة السبع.
ويأتي الحظر بعد أقل من ثلاثة أشهر على السماح لآلاف الفتيات والشابات بإجراء امتحانات الدخول للجامعات في أنحاء البلاد، ومنهن من كانت تطمح للعمل في التدريس أو الطب في المستقبل.
وقال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، في بيان، "لنفكر بجميع الطبيبات والمحاميات والمعلمات اللاتي لم أو لن يشاركن في تنمية هذا البلد".
ومعظم الفتيات والشابات في أفغانستان ممنوعات من ارتياد المدارس الثانوية، مما يقلص بشدة عددهن في الجامعات.
قواعد جديدة
بعد استيلاء الإسلاميين المتشددين على السلطة في أغسطس (آب) العام الماضي، اضطرت الجامعات إلى تطبيق قواعد جديدة من بينها تخصيص فصول دراسية ومداخل تفصل بين الجنسين، كما سمح فقط للأساتذة النساء والرجال كبار السن بتعليم الطالبات.
وتطبق حكومة "طالبان" تفسيراً متشدداً جداً للشريعة، ويعارض الزعيم الأعلى للحركة هبة الله أخوند زادة وأوساطه التعليم الحديث، وخصوصاً للفتيات والنساء.
لكنهم يختليفون عن عديد من المسؤولين في كابول، وعن قاعدتهم، ممن كانوا يأملون السماح للفتيات بمواصلة تعليمهن بعد وصول الحركة إلى السلطة.
وقال قيادي في الحركة مقره شمال غربي باكستان مشترطاً عدم الكشف عن اسمه إن "القرار الأخير سيفاقم هذه الفوارق".
وفي تراجع قاس عن قرار سابق منعت "طالبان" في مارس (آذار) الفتيات من العودة إلى المدارس الثانوية في اليوم الذي كان يفترض فيه أن تفتح أبوابها.
وأكد عدد من مسؤولي "طالبان" أن حظر التعليم موقت لكنهم عددوا مجموعة من الأعذار للإغلاق، من نقص الأموال إلى الوقت اللازم لإعادة صياغة المنهج وفقاً للمعايير الإسلامية.
منذ الحظر تم تزويج عديد من المراهقات في سن مبكرة، إلى رجال أكبر سناً منهن بكثير يختارهم آباؤهن.
وقالت عديد من العائلات، الشهر الماضي، إن حظر التعليم يضاف إليه الضغط الاقتصادي، يعني أن تأمين مستقبل البنات من خلال الزواج أفضل من ضياع وقتهن في المنزل.
أقصيت النساء أيضاً عن عديد من الوظائف الحكومية، أو تدفع لهن مبالغ زهيدة من راتبهن للبقاء في المنزل، ومنعن من السفر من دون محرم وأجبرن على ارتداء الحجاب أو البرقع خارج المنزل.
الحرمان من المتنزهات
في نوفمبر (تشرين الثاني) منعت النساء من الذهاب إلى المتنزهات والملاهي وصالات الألعاب الرياضية والحمامات العامة.
ومنعت نساء أفغانيات من دخول المتنزهات في كابول، الأربعاء التاسع من نوفمبر، بعد أن قالت وزارة الأخلاق التابعة لحركة "طالبان" إنه سيتم فرض قيود على دخول النساء إلى المتنزهات العامة.
وأكد متحدث باسم وزارة الصلاة والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه سيتم تقييد دخول النساء إلى المتنزهات.
وفي متنزه بكابول يضم ألعاباً، مثل سيارات التصادم ودولاب الهواء (العجلة الدوارة)، لاحظ شهود من "رويترز" أن مسؤولي المتنزه صرفوا نساء عدة في وجود وكلاء من "طالبان" لمراقبة الوضع.
ومنذ عودة الحركة إلى السلطة في أغسطس (آب) 2021، تخضع النساء في أفغانستان لقيود متشددة تطاول تعليمهن وتنقلهن ولباسهن وعملهن.
نقطة شائكة
وكان حق جميع النساء في التعليم نقطة شائكة في المفاوضات مع المجتمع الدولي المتعلقة بتقديم مساعدات والاعتراف بنظام "طالبان".
وفي السنوات العشرين الفاصلة بين حكمي "طالبان"، سمح للفتيات بارتياد المدارس وتمكنت النساء من العمل في جميع القطاعات، علماً أن المجتمع لا يزال محافظاً.
وعادت السلطات إلى تطبيق عقوبات الجلد والإعدام علناً بحق نساء ورجال في الأسابيع القليلة الماضية، في إطار فرضها تفسيراً متشدداً للشريعة.