Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتجاهل اليسار قنابل ماسك الإعلامية؟

"ملفات تويتر" تجبر مؤسسات الأخبار الليبرالية على إغماض أعينها

يواصل إيلون ماسك الترويج لملفات تويتر التي تتجاهلها بعض المؤسسات الإخبارية (أ.ف.ب)     

عندما تراقب صحيفة "نيويورك تايمز" أو "واشنطن بوست" أو أي وسيلة إعلام أميركية كبرى وتجدها حاضرة بكل حواس مراسليها وعدساتهم لتغطية حدث في بلدة أفغانية تبعد عن الولايات المتحدة آلاف الأميال، ووصف الظروف المقلقة التي تمر بها محطة زابورجيا النووية في أوكرانيا، فإنك لن تتردد في المراهنة على أن هذه المؤسسات الإخبارية لن يصعب عليها تغطية حدث يهز واحدة من أهم وسائل التواصل الاجتماعي الأميركية.

لكن الواقع يقول إنه رهان خاسر، فوسائل الإعلام الكبرى (Mainstream)، الليبرالية تحديداً، تتجنب منذ نحو ثلاثة أسابيع تقديم تغطية مكثفة لـ"ملفات تويتر" التي أزاح إيلون ماسك الستار عنها في مستهل الشهر الحالي. الصمت المريب دفع الملياردير الأميركي إلى استنكار تركيز إعلام اليسار وأعلامه على قصة الحظر الموقت الذي فرضه "تويتر" على حسابات صحافيين خالفوا بعض قواعد التطبيق، في الوقت الذي يتجاهل "ملفات تويتر" التي تضمنت مراسلات داخلية تكشف عن الانطباعية التي اتسمت بها قرارات إيقاف الحسابات وحقائق جديدة حول "الحظر الخفي"، إضافة إلى التواصل المكثف بين "تويتر" والحكومة الأميركية وشخصيات سياسية طوال العامين الماضيين.

لماذا التجاهل؟

"أولويات غريبة"، هكذا علق ماسك على التجاهل اللافت لقصة "ملفات تويتر"، التي لاقت ملايين المشاهدات واهتماماً واسعاً من قبل المغردين، في حين تجنبت صحف ومواقع محسوبة على اليسار مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، و"آي بي سي"، تغطية الوثائق الداخلية التي أتاحت للناس التعرف إلى عملية اتخاذ القرار في "تويتر"، والتواصل بين المنصة والـ"أف بي آي"، إضافة إلى كواليس واحد من أكثر قرارات الشركة جدلاً، وهو حظر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

اللافت أن شبكة "سي أن أن" ذات الميول اليسارية نشرت تحليلاً أكدت فيه تجاهل نظيراتها من وسائل الإعلام "ملفات تويتر" عنوانه "لماذا المؤسسات الإعلامية متشككة جداً في شأن مسرحية إيلون ماسك حول ملفات تويتر؟"، وفيه تساءل المراسل في شؤون المنصات الاجتماعية أوليفر دارسي عما إذا كان ما كشف عنه الملياردير الأميركي قنبلة إعلامية بالفعل.

وبرر الكاتب تردد معظم المؤسسات الإخبارية في تناول القصة بأن ما نشر حتى الآن لم يتضمن معلومات جديدة، عدا مراسلات توضح أمراً بدهياً، ألا وهو صعوبة تطبيق سياسات الإشراف على المحتوى، والفوضى التي يمكن أن تتسبب بها. وقال إن ما زاد شكوك وسائل الإعلام الكبرى هو رفض ماسك إطلاع كل وسائل الإعلام على "ملفات تويتر"، وإتاحتها لعدد محدود من الصحافيين، الذين اختارهم بنفسه لتغطية القصة.

وفي حين ذكر التقرير بأن تجاهل القصة يجنب وسائل الإعلام المشاركة تسويق وتضخيم قصة انتقى محتواها ماسك ليستخدمها في "حربه المعلوماتية"، إلا أنه لفت إلى التداعيات السلبية الناتجة عن نأي وسائل الإعلام الليبرالية والمتمثلة في ترك جهات غير موثوقة من وسائل الإعلام اليمينية لتحوير القصة بحسب أهوائها. وأشار الكاتب إلى أنه عندما بحث باستخدام عبارة "ملفات تويتر" في "غوغل"، وجد أن أهم ثلاث قصص كانت من "فوكس نيوز" و"نيويورك بوست" و"واشنطن إكزامنير".

أما بالنسبة إلى المحافظين فتجاهل "ملفات تويتر" ليس إلا امتداداً لانحياز وسائل الإعلام الكبرى ضدهم، وتساهلهم مع الديمقراطيين، إذ يستشهدون بحجب قصة كمبيوتر هانتر بايدن التي احتوت معلومات تربط الرئيس الأميركي بأنشطة نجله التجارية في الخارج، وما أعقبها من تشكيك في صدقية القصة من قبل صحف في مقدمتها "نيويورك تايمز"، قبل أن تعود لتنشرها لاحقاً بعد حسم الانتخابات لصالح بايدن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اعتراف متأخر

وبعد أيام من نشر أول سلسلة من "ملفات تويتر" لفتت "فوكس نيوز" إلى تجاهل القصة من قبل وسائل الإعلام الليبرالية وفي مقدمتها News NBC وCBS News وABC News وCNN.

إلا أنه وبعد نحو ثلاثة أسابيع، بدأت بعض الصحف الليبرالية مثل "نيويورك تايمز" تغطية "ملفات تويتر"، وتحديداً بعد نشر سلسلة الأسبوع الماضي، التي أظهرت أن "تويتر" كان على علم بحسابات سرية تابعة للجيش الأميركي تستخدم للدعاية وتعزيز مصالحه في الشرق الأوسط، إلا أن الموقع لم يوقفها وأبقى بعضها نشطة في انتهاك لقوانينه التي تحظر الحسابات الدعائية.

وفي حين التزمت وسائل إعلام الصمت حيال "ملفات تويتر"، درجت أخرى على تناولها بسلبية وشيطنة مسربها، إذ عنونت "أن بي آر" "إيلون ماسك يستخدم ملفات تويتر لتشويه سمعة الأعداء ودفع نظريات المؤامرة". ونقلت "سي أن أن" خبراً عن كيف دفعت "ملفات تويتر" مسؤولاً سابقاً في الشركة إلى مغادرة منزله بعد تلقيه تهديدات. وقالت مجلة "أتلانتك" إن ملفات إيلون ماسك التويترية ليست إلا طعماً، وإن آخر همومه الشفافية.

ما الجدير بالتناول؟

لكن مقالة "أتلانتك" تلك على رغم تناولها المقلل من أهمية "ملفات تويتر" فإنها تحتوي على أجزاء يمكن استخدامها كحجج تؤكد أن في تسريبات ماسك ما هو ضروري وجدير بالتناول الإخباري. يقول كاتبها تشارلي وارزل إن السلسلة التي نشرتها الصحافية باري وايس أتاحت له فحص جانب لطالما أراد استكشافه، وهو نظم الإشراف على المحتوى الداخلي في وسائل التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أن صور المراسلات الداخلية تظهر كيف يمكن للموظفين تمييز المستخدم في فئات مختلفة، كأن يتم تصنيفه بناءً على مخالفته قواعد الموقع، أو إدخاله في القوائم السوداء التي تحد من ظهور حسابه لدى مجتمع تويتر.

ونوهت المقالة بأهمية المراسلات الداخلية المفرج عنها، لأنها تظهر قيام "تويتر" بتقييد تغريدات حسابات ناشطين يمينيين. فبخلاف ادعاءات "تويتر" حول عدم تقييد ظهور الحسابات، أوضحت" ملفات تويتر" أن التطبيق فرض "حظراً خفياً" على حسابات بعض الشخصيات المحافظة من خلال خاصية "فلترة الظهور"، التي تحد من قدرة المستخدمين على قراءة تغريدات أصحاب الحسابات المقيدة، حتى لو كانوا من متابعيهم.

وأشارت المقالة إلى أن التطبيق اتخذ قرارات لرفع التفاعل مع تغريدات حسابات معينة من خلال "تضخيم" ظهورها، وهو ما يشير إلى القوة الهائلة التي تملكها منصات التواصل الاجتماعي، والتي تثير قلق الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. إلا أن الكاتب عاد ليقلل من أهمية "ملفات تويتر"، قائلاً إنها وضعت يدها على مشكلة مستعصية تقع في صلب اهتمام خبراء سياسات الرقابة على المحتوى منذ زمن طويل، وهي صعوبة تطبيق السياسات والنتائج الكارثية التي يمكن أن تؤدي إليها.

من جانبه، يرى الكاتب في موقع "فوكس" أندرو بروكوب أن "ملفات تويتر" تستحق التناول الإخباري في ضوء "القرارات السياسية الجدلية" التي اتخذتها الإدارة السابقة للشركة. وقال "من الضروري تقييم المستندات، وعدم التسرع في رفضها أو الدفاع عن إدارة تويتر السابقة، التي كان للتطبيق أثناء وجودها تأثير سياسي هائل"، معتبراً بعض القرارات "خاطئة"، و"مدفوعة بفكر جماعي ليبرالي"، ومنها حجب قصة كمبيوتر هانتر بايدن، وحظر ترمب، والتواصل مع إدارة بايدن للحد من انتشار المعلومات المضللة في شأن كورونا.

الثقة بوسائل الإعلام

ويأتي جدل تجاهل وسائل الإعلام الأميركية الكبرى "ملفات تويتر" في وقت تنحدر فيه ثقة الأميركيين في حياد المؤسسات الإخبارية، إذ أظهر استطلاع لشركة "غالوب" في 2018 أن 45 في المئة من الأميركيين يرون أن التغطية الإخبارية يشوبها قدر كبير من الانحياز السياسي، في زيادة قدرها 25 في المئة مقارنة بإحصاء سابق أجري في عام 1989. وكشف الاستطلاع عن أن غالبية الأميركيين غير قادرين على تسمية مصدر واحد ينقل الأخبار بموضوعية.

ويرى 69 في المئة من الأميركيين أن من أكبر أسباب الانحياز هو محاولة ملاك وسائل الإعلام التأثير في طريقة تناول الأخبار، في حين اعتبر 57 في المئة أن المؤسسات الإخبارية تتسرع في نقل معلومات خاطئة ظناً منها بأنها دقيقة.

وأخذت تصورات الأميركيين للانحياز في التقارير الإخبارية بالنمو إلى أن أصبحت وجهة نظر شائعة، وهو ما قد يفسر تراجع الثقة في وسائل الإعلام في العقود الأخيرة. وتعد هذه الاتجاهات بحسب الجهة المشرفة على الاستطلاع مربكة لمساعي "الحفاظ على ديمقراطية مستدامة وصحية"، إذ لا يزال الأميركيون يعتقدون على نطاق واسع أن وسائل الإعلام تلعب دوراً حاسماً في دعم الديمقراطية الأميركية.

المزيد من تقارير