Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

2022 الأكثر "دموية" على الفلسطينيين والإسرائيليين

يرى مراقبون دوليون أن دوامة العنف المتصاعدة منذ أشهر في الضفة الغربية قد تصل إلى نقطة الغليان

30 إسرائيلياً على الأقل بين جنود ومستوطنين قُتلوا منذ بداية عام 2022 (اندبندنت عربية(

على أعتاب عام جديد، تختتم الضفة الغربية واحدة من أكثر سنواتها دموية منذ الانتفاضة الثانية. فمنذ مطلع عام 2022، شهد الفلسطينيون تصعيدات أمنية وسياسية مع الجانب الإسرائيلي ذات منعطفات خطرة، أدت إلى مقتل 168 فلسطينياً بينهم 33 طفلاً، في نحو 2000 عملية أمنية وعسكرية شنها الجيش الإسرائيلي في شمال الضفة، تركزت معظمها خلال الأشهر الأخيرة في مدينتي جنين ونابلس، بخاصة مع ولادة ظواهر مسلحة جديدة مثل "عرين الأسود" و"كتيبة جنين"، إلى جانب تنفيذ فلسطينيين مئات العمليات ضد أهداف إسرائيلية، وصف بعضها بالنوعية والجريئة.

ووفقاً لمصادر إعلامية إسرائيلية، فإن 30 إسرائيلياً على الأقل بين جنود ومستوطنين، قتلوا منذ بداية العام الحالي، وأصيب مئات آخرون في هجمات فلسطينية مختلفة، وهو العدد الأعلى من القتلى الإسرائيليين منذ عام 2016.

ارتفاع مقلق

وسجل جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" 300 هجوم إطلاق نار ضد مستوطنين وجنود، مقارنة بـ91 فقط عام 2021، في حين زعم الجيش أنه أحبط أكثر من 380 عملية، وضبط 680 قطعة سلاح مهربة منذ بداية 2022، غالبيتها أميركية، وأن جزءاً من الأسلحة المنتشرة بالضفة بنادق صيد، "جرى تحويلها لبنادق قادرة على إطلاق الرصاص بعد أن كان رشق الحجارة هو المسيطر والمهيمن"، وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، التي كشفت عن أن الجيش الإسرائيلي الذي "استيقظ متأخراً" لا يملك رقماً أو تقديراً لعدد هذه الأسلحة المنتشرة بين أيدي الفلسطينيين في الضفة الغربية.

قائد لواء جفعاتي العقيد أريئيل غونين، قال في إحدى شهاداته: "شهدنا اشتباكاً كاملاً، تخلله تبادل لإطلاق النار، واقتحام ثلاثة مبان وإطلاق صواريخ على البناية التي تحصن فيها المسلحون، فيما جاء آخرون لمساعدتهم، وأطلقوا النار على القوات الإسرائيلية من فوق أسطح المنازل في البلدة القديمة من نابلس، وبعد انتهاء المعركة، ودخول الجنود المبنى، عثروا على عديد من الأسلحة والعبوات الناسفة، مما أكد معلوماتنا عن زيادة في استخدام الأسلحة في المنطقة، وأن الوضع الأمني العام ما زال متوتراً، وخطر وقوع مزيد من الهجمات سيبقى قائماً".

وأضاف "في تقديري سيكون هناك وقت طويل لنكون فيه مشغولين بملاحقة منفذي ومخططي الهجمات، وستكون هناك دائماً حوادث مسلحة، ومحاولات لتنفيذ عمليات، وهذا لن يختفي في يوم واحد".

واقع متدهور

وبحسب البيانات والأرقام المحلية في الضفة الغربية، نفذ الفلسطينيون منذ بداية العام، 653 عملية إطلاق نار و36 عملية طعن و14 عملية دهس، و377 عبوة ناسفة وزجاجات حارقة، وقد أدى ارتفاع ظاهرة العمليات الفلسطينية عام 2022، لظهور تصريحات إسرائيلية اعترفت بوجود فجوات أمنية خطرة منحت الفلسطينيين القدرة على تنفيذ عملياتهم، وسط خيبة أمل من الواقع السياسي والأمني المتدهور، الأمر الذي دفع بالمنظومة الأمنية الإسرائيلية لرفع حال التأهب القصوى وتكثيف عملياتها العسكرية ضد الفلسطينيين.

ويخشى إسرائيليون وفق تحليلات عسكرية، أن الهجمات الأخيرة التي نفذها فلسطينون داخل المدن والبلدات الإسرائيلية وفي مستوطنات الضفة الغربية، ستكون بمثابة مصدر إلهام لهجمات فردية أخرى، وتنظيم شبكات محلية إضافية، على غرار "عرين الأسود" في نابلس، قد تؤدي جميعها لهجمات إضافية على المدى القصير، وذلك على رغم أنها مجموعات أقل حجماً، وعلى نطاق أضيق، على حد تعبير مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز جامعة تل أبيب، "إلا أن تلك المجموعات باتت تشكل أحد أخطر التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل".

وشددت التقديرات الإسرائيلية التي تم استعراضها في الجلسة المغلقة للجنة البرلمانية للخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على أنها "تواجه موجة تصعيد أمني متفاقم"، وعبرت عن قلقها من حقيقة أن عديداً من منفذي العمليات الأخيرة ضد الجيش والمستوطنين في الضفة، هم من حملة تصاريح العمل داخل إسرائيل، وقالت إن ذلك "يتطلب استعداداً وتفكيراً مختلفين".

وتزامن هذا التصعيد مع مرور الشارع الفلسطيني في واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية، وانغلاق الأفق لحلها، إذ يتقاضى موظفو السلطة الفلسطينية منذ عام تقريباً 80 في المئة فقط من قيمة رواتبهم.

وشهد الدين العام ارتفاعاً واضحاً خلال العام الماضي تزامناً مع جائحة كورونا واستمرار اقتطاعات الحكومة الإسرائيلية من أموال الضرائب الفلسطينية، وتراجع الدعم الخارجي، وهو ما تسبب بعدم قدرة الحكومة الفلسطينية على الإيفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين. وقد أظهرت بيانات وزارة المالية الفلسطينية أن دين السلطة العام وصل إلى قرابة 12.5 مليار شيكل (3 مليارات و700 مليون دولار) .

وقد أشارت أجهزة أمن إسرائيلية في وقت سابق، إلى أنها ترصد "انضمام عناصر في أجهزة الأمن الفلسطينية إلى الفعل المسلح ضد الجنود والمستوطنيين"، معتبرة أن العوامل الأساسية لهذه "الظاهرة" هي "تأثرهم من بيئة العمل، وعدم تقاضيهم أجورهم ومعاشاتهم، إضافة إلى العوامل الأيديولوجية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

طريق مسدود

ووفقاً لاستطلاع رأي جديد أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، يؤيد 72 في المئة من الفلسطينيين إنشاء مزيد من المجموعات المسلحة في الضفة الغربية على غرار جماعة "عرين الأسود" التي تعمل ضد إسرائيل. وقالت أغلبية واضحة ممن شاركوا في استطلاع الرأي، إنهم يؤيدون تشكيل جماعات مسلحة لا تأخذ أوامر من السلطة الفلسطينية ولا تنتمي إلى قوات الأمن التابعة لها. وأظهرت نتائج الاستطلاع انخفاض التأييد لحل الدولتين إلى 32 في المئة فقط بين الفلسطينيين، فيما قال 69 في المئة ممن شملهم استطلاع الرأي، إن حل الدولتين لم يعد ممكناً بسبب التوسع الاستيطاني.

وتعقيباً على هذه النتائج، يقول الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين، "يدرك الفلسطينيون أن الخيارات التي تبعث من قبل السلطة الفلسطينية وصلت إلى طريق مسدود، وأن الرهان على إمكانية إقامة دولة فلسطينية عبر المفاوضات قد انتهى وسقط، خصوصاً بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، التي بينت أننا أمام مرحلة جديدة ومختلفة بشكل جذري. لذلك نشهد هذا التطور ونشوء ظواهر جديدة تطمح لإعادة تشكيل الحقل الوطني الفلسطيني، لاسيما لدى جيل الشباب الذي يرى بأنه قادر أيضاً على ابتداع أشكال جديدة من العمل السياسي والمقاومة، والعمل على تحويل المعادلة من خسائر كبيرة في صفوف الفلسطينيين، إلى خسائر مؤلمة في صفوف الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنين".

في المقابل يبين "مؤشر السياسة الإسرائيلية الخارجية لعام 2022"، الذي أجراه معهد متفيم (المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية)، أن الجمهور الإسرائيلي (اليهودي) يبدي تحفظاً واضحاً مما يسمى "الحلول الكبيرة"، التي تعني المسارات الكبيرة والشاملة لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، أو حتى أية تسوية طويلة الأمد في قطاع غزة. ويبدي الجمهور الإسرائيلي بحسب المعهد، تشككاً عميقاً في إمكانية "أن يشكل حل الدولتين استراتيجية قابلة للتطبيق اليوم".

وقد أظهر استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الذي يجريه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، تراجع التأييد بين اليهود والعرب لحل الدولتين، إذ قال 31 في المئة فقط من اليهود إنهم يؤيدون ذلك، فيما توقع 64 في المئة من اليهود المستطلعة آراءهم "اندلاع انتفاضة ثالثة".

رخصة سلاح

وفي أعقاب ازدياد العمليات التي نفذها فلسطينيون داخل بعض المدن والبلدات الإسرائيلية خلال عام 2022، وارتفاع التوتر الأمني في المنطقة لأعلى المستويات، طرأ ارتفاع حاد في عدد طلبات الإسرائيليين للحصول على تراخيص حيازة السلاح بصورة قانونية، وقد أظهرت معطيات صادرة عن وزارة الداخلية الإسرائيلية أنه منذ مارس (آذار) 2022، وحتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تقدم 35 ألف إسرائيلي بطلبات لحمل السلاح، إضافة إلى نحو 200 ألف مدني إسرائيلي (غير مجندين) يحملون السلاح، وأكثر من مليون إسرائيلي يحملونه ضمن الخدمة العسكرية بشكل ثابت. وبحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية، فإن عام 2022 كان محطة فارقة للإسرائيليين وللنساء اليهوديات في المستوطنات على وجه الخصوص، بما يتعلق بحمل السلاح، إذ أظهرت المعطيات أن خمسة في المئة من مجمل الطلبات لترخيص حمل السلاح، كانت لنساء يهوديات.

تحذيرات أممية

ويرى مراقبون دوليون أن دوامة العنف المتصاعدة منذ أشهر في الضفة الغربية قد تصل إلى نقطة الغليان، إذ أظهرت معطيات صادرة عن الجيش الإسرائيلي أن عملية "كاسر الأمواج"، التي نفذها لكبح العمليات الفلسطية منذ مارس الماضي، أسفرت عن ارتفاع الهجمات والعمليات المسلحة، وضاعفت حالات الاعتقال في صفوف الفلسطينيين. وبحسب هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية (مستقل)، فإن الجيش الإسرائيلي اعتقل منذ بداية 2022 نحو 5500 فلسطيني، من بينهم 750 صبياً ومراهقاً، ما زال 150 منهم داخل السجون، وهو ما دفع إلى ظهور دعوات حقوقية دولية بإدراج الجيش الاسرائيلي في "القائمة السوداء". وقد دفعت الأمم المتحدة لإيفاد مبعوثتها للأطفال ومناطق الحرب فيرجينيا غامبا لزيارة إسرائيل، ولقاء كبار مسؤوليها السياسيين والعسكريين، عقب تحذيرها من قتل الأطفال الفلسطينيين، وبخاصة بعد أن قال الجيش الإسرائيلي إنه يعتقد "باحتمالية كبيرة" أن شرطياً من حرس الحدود أطلق النار بطريق الخطأ وقتل الطفلة جنى زكارنة (15 سنة)، التي عثر عليها ميتة على سطح منزلها في جنين مع إصابة بالرأس بطلق ناري بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من المدينة.

وقد دان ثلاثة خبراء في الأمم المتحدة ما وصفوه "القوة المفرطة التي تستخدمها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين". وأضاف الخبراء في بيانهم الذي نشر في الـ16 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، "نذكر إسرائيل بأنه في انتظار تفكيك احتلالها غير القانوني، يجب معاملة الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة كأشخاص محميين، وليسوا أعداء أو إرهابيين".

من دون سيادة

هذا ويذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، صوتت بأغلبية ساحقة في الـ16 من الشهر الحالي على قرار يؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. في المقابل، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو في مقابلة مع الإذاعة العامة الوطنية الأميركية NPR "عن أن السلام الذي يسعى إليه مع الفلسطينيين سيكون على أساس منحهم صلاحيات لحكم أنفسهم، لكن من دون سيادة ومع وجود الأمن بيد إسرائيل".

وفي 12 ديسمبر جدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، التأكيد على تمسك بلاده بحل الدولتين بقوله "ما زلنا نعتقد أن حل الدولتين القائمتين على أساس خطوط 1967 مع مقايضات متفق عليها، ما زال أفضل طريقة لتحقيق هدفنا المتمثل في أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون جنباً إلى جنب في سلام وأمن".

المزيد من تقارير