Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رفع السرية عن وثائق اغتيال كينيدي يبقي الحقيقة غائبة 

حجب تفاصيل اتصال وكالة الاستخبارات المركزية بالمتهم الرئيس يعزز نظرية المؤامرة

لحظة اغتيال الرئيس الأميركي جون  كينيدي في ولاية تكساس عام 1963  (أ ف ب)

بعد إعلان البيت الأبيض رفع السرية عن 13 ألف وثيقة تتعلق باغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1963، شعر كثير من الأميركيين بالإحباط، بسبب فشل الرئيسين دونالد ترمب وجو بايدن في الامتثال لقانون صدر عام 1992 يلزم الحكومة والأجهزة الأمنية بالشفافية ورفع السرية عن جميع وثائق عملية الاغتيال التي تحل ذكراها الـ60 العام المقبل 2023. فلماذا يصر الرؤساء الأميركيون على إبقاء الغموض حول الحادث الذي صدم العالم ولم تتضح ملابساته حتى الآن، وما الذي تحمله ثلاثة في المئة من إجمالي الوثائق التي لم يتم رفع السرية عنها، وهل ستتكشف حقيقة المؤامرة المزعومة يوماً ما أم تظل غائبة؟

تأجيل بعد آخر

مع رفع السرية عن آلاف الوثائق المتعلقة باغتيال الرئيس الأميركي جون أف كينيدي، بأمر تنفيذي من الرئيس بايدن يكون 97 في المئة من جميع وثائق عملية الاغتيال التي وقعت عام 1963 أتيحت علناً للجمهور الأميركي لكن الإبقاء على 4300 وثيقة تشكل ثلاثة في المئة من هذه الوثائق محجوبة أو منقحة جزئياً أو كلياً لأسباب أمنية وفقاً لدار المحفوظات والسجلات الوطنية الأميركية المعروفة باسم الأرشيف الوطني الأميركي الذي يتحكم في وثائق اغتيال جون كينيدي، لا يثير فقط خيبة أمل الباحثين والخبراء، وإنما يعزز من نظريات المؤامرة التي ارتبطت باغتيال رئيس أميركي شاب في أوج الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي.

ورغم اعتراف البيت الأبيض رسمياً بأن المأساة الوطنية العميقة لاغتيال الرئيس كينيدي لا تزال تتردد في التاريخ وفي ذكريات كثير من الأميركيين الذين كانوا على قيد الحياة في ذلك اليوم الرهيب، وأن الحاجة إلى حماية السجلات المتعلقة بالاغتيال تضعف مع مرور الوقت، إلا أن ذلك لم يمنع إدارة الرئيس بايدن من تأجيل الكشف عن الوثائق الأكثر أهمية التي ستظل محجوبة حتى 30 يونيو (حزيران) المقبل، بحجة أنها تحتاج إلى مزيد من المراجعة في الأرشيف الوطني الأميركي.

وبموجب قانون سجلات جون كينيدي الذي أصدره الكونغرس الأميركي عام 1992 بسبب الغضب الناجم عن فيلم "جيه أف كيه" وهو الاسم المختصر لجون كينيدي، للمخرج أوليفر ستون، الذي يعزز نظرية المؤامرة، كان من المفترض أن يتم الإفراج عن جميع الوثائق المتعلقة بالاغتيال بحلول عام 2017، لكن دونالد ترمب الذي كان رئيساً في ذلك الوقت أرجأ النشر الكامل لجميع السجلات، وتركها في نهاية المطاف في أيدي الرئيس بايدن الذي كان قد وافق على القانون حينما كان سيناتوراً في مجلس الشيوخ، لكنه أيضاً أرجأ الإفراج الكامل إلى عام 2021 ثم مرة أخرى حتى منتصف الشهر الحالي، ومع ذلك ظلت أهم الوثائق محجوبة، التي يمكن أن تجيب عن الأسئلة الأكثر إثارة لدى الجمهور والباحثين بما في ذلك الاتصالات الحكومية الاستخباراتية مع لي هارفي أوزوالد المتهم الرئيس بالاغتيال، الذي قُتل بعد يومين فقط من الحادث على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام ووسط رجال الشرطة على يد جاك روبي، وهو صاحب ملهى ليلي ادعى أنه غاضب من اغتيال كينيدي.

القصة لم تتغير

وفيما يعكف كثير من الباحثين على استعراض وتدقيق آلاف المستندات التي تم رفع السرية عنها وقد تستغرق أسابيع، فإنه من المستبعد اكتشاف أدلة جديدة تحيط بالاغتيال أو تغير سياق القصة المعروفة حتى الآن، بما في ذلك المعلومات التاريخية حول عمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" ومكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" خلال الستينيات، وهو أمر من شأنه أن يضر باستعادة الثقة في عمل الحكومة كما يقول عديد من المشرعين ودعاة الشفافية.

وتظهر استطلاعات الرأي العامة منذ فترة طويلة، أن غالبية الأميركيين لا يصدقون النتيجة الرسمية للجنة وارن برئاسة رئيس المحكمة العليا آنذاك إيرل وارين. وخلصت في تقريرها النهائي إلى أن لي هارفي أوزوالد تصرف بمفرده عندما أطلق النار ثلاث مرات من مستودع كتب مدرسة في دالاس يوم 22 نوفمبر 1963 وهي الطلقات التي قتلت كينيدي وجرحت حاكم ولاية تكساس خلال تنقلهما مع زوجة الرئيس جاكلين كينيدي في سيارة ليموزين مكشوفة وسط المدينة.

ويقول لاري ساباتو وهو مدير مركز السياسة في جامعة فيرجينيا، ومؤلف كتاب "الرئاسة والاغتيال والإرث الدائم لجون كينيدي"، إنه على الرغم من كشف بعض الأمور الخفية فإنه لن يكون هناك شيء يغير من القصة التي حدثت في ذلك اليوم من عام 1963، مشيراً إلى أنه إذا كان الناس يبحثون عن دليل لدعم نظريات المؤامرة القائلة إن أوزوالد لم يتصرف بمفرده في قتل كينيدي أو أن وكالة الاستخبارات المركزية متورطة بطريقة ما فلن يجدوا ذلك هنا، لأن الحقيقة ليست في أن أوزوالد كان جزءاً من مؤامرة لقتل كينيدي وإنما في أن هذا الاغتيال كان من الممكن منعه إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي يقومان بعملهما.

تعزيز نظرية المؤامرة

ما يثير الانتباه هو أن وكالة الاستخبارات المركزية اعترفت في سلسلة من البيانات، الخميس الماضي، أن عديداً من سجلاتها التي تم نشرها في آخر دفعة لا تغير السجل التاريخي وليس لها تأثير في قصة الاغتيال أو التحقيق نفسه، حيث أعلن المتحدث باسم الوكالة في بيان أن المعلومات المتعلقة بزيارة أوزوالد إلى مكسيكو سيتي تم تضمينها في البيانات السابقة، وأنه لا توجد معلومات جديدة حول هذا الموضوع في إصدار 2022، كما حدد أيضاً أن 28 سجلاً في مجموعة جون كينيدي غير موجودة وهو ما يعتبره ساباتو اعترافاً من شأنه أن يغذي نظريات المؤامرة لأنه إذا كانت هناك مستندات أو وثائق مهمة تحتوي على معلومات أساسية، فهذا يعني أنها فقدت، وهذا يكفي لإقناع كل من له عقل تآمري بأنه هناك مؤامرة.

ويؤدي التأجيل المستمر لأهم الوثائق التي لم يكشف عنها إلى قيام كثيرين بنسج كثير من نظريات المؤامرة حول تفسيراتهم للأحداث، إذ يعتقد البعض أن أوزوالد، المتعاطف مع الشيوعية والمتزوج من روسية، جنده الزعيم الكوبي السابق فيدل كاسترو أو عملاء الاستخبارات الروسية بعد محاولات كينيدي إسقاط حكم كاسترو وفشل عملية "خليج الخنازير" عام 1961 وما تلا ذلك من أزمة الصواريخ الكوبية مع السوفيات في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1962، بل زعم آخرون أن خصوم كينيدي السياسيين وأصحاب المصالح يقفون وراء الاغتيال، ربما بدعم من الاستخبارات المركزية الأميركية أو مكتب التحقيقات الفيدرالي، اللذين يحتفظان بآلاف الوثائق التي لم يكشف عنها حتى الآن.

ومن بين الوثائق التي لا تزال مخفية 44 وثيقة تتعلق بعميل غامض لوكالة الاستخبارات المركزية يدعى جورج جوانيدس، كان يدير برنامجاً سرياً متعلق بكوبا، وأنه كان على اتصال مع لي هارفي أوزوالد قبل أقل من أربعة أشهر من حادث إطلاق النار على كينيدي، وفقاً لباحثين في مؤسسة ماري فيريل، التي تعد أكبر مستودع لسجلات اغتيال كينيدي في أميركا، التي رفعت دعوى قضائية ضد الإدارة الأميركية للكشف عن جميع الوثائق على الملأ، وبخاصة مع عدم تضمين عديد من سجلات جوانيدس في مجموعة الرئيس كينيدي بالأرشيف الوطني، وفقاً للدعوى القضائية، لذلك لم يتم الإفراج عن حصة الأسد من السجلات المشبوهة في الدفعة الأخيرة.

علاقة أوزوالد بـ"سي آي إي"

في المقابل يشكك مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية في عدد سجلات جوانيدس التي بحوزتهم، كما أشار بايدن إلى أن قانون كشف السجلات لعام 1992 يسمح باستمرار تأجيل الكشف عن المعلومات عند الضرورة للحماية من ضرر محدد يتعلق بالدفاع العسكري والعمليات الاستخباراتية أو إنفاذ القانون أو إجراء علاقات خارجية.

لكن القاضي جون أتش تونهايم الذي ترأس في الفترة ما بين 1994-1998 مجلس مراجعة سجلات اغتيال كينيدي الذي تم إنشاؤه وفقاً لقانون جمع السجلات لعام 1992، قال إنه سمع هذه الحجج في التسعينيات ولا يصدقها. وكتب إلى بايدن هذا الشهر خطاباً يحثه فيه على احترام روح القانون وأشار إلى برنامج جوانيدس، الذي وجه وراقب مجموعة مناهضة للزعيم الكوبي فيدل كاسترو تسمى (مجموعة الطلاب الثوريين) عام 1963، التي كانت على تواصل مع أوزوالد في نيو أورلينز خلال الأشهر التي سبقت الاغتيال، مما دفع البعض إلى التكهن في شأن التواطؤ المرتبط بوكالة الاستخبارات المركزية في قتل كينيدي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما كان أوزوالد يتفاعل مع مجموعة الطلاب الثوريين وأصبح معروفاً في العلن كناشط يدعم الرئيس كاسترو، صاغ البنتاغون خطة تسمى عملية "نورثوودز" لشن هجوم كاذب على الولايات المتحدة بهدف تحميل كوبا مسؤولية الهجوم وتبرير مواجهة عسكرية ضد كاسترو للتعويض عن فشل هجوم "خليج الخنازير" الذي دبرته الاستخبارات الأميركية قبل عامين.

وتسعى مؤسسة ماري فيريل إلى الحصول على سجلات عملية "نورثوودز" في الدعوى القضائية التي رفعتها ضد الإدارة الأميركية، إضافة إلى السجلات المتعلقة بخطط وكالة الاستخبارات المركزية لاغتيال كاسترو ومذكرة بتاريخ 30 يونيو (حزيران) 1961 من المؤرخ والمساعد الخاص لكينيدي آرثر شليزنغر جونيور يطالب فيها الرئيس جون كينيدي بإعادة تنظيم وكالة الاستخبارات الأميركية بعد فشل عملية خليج الخنازير.

أسئلة بلا إجابات

ويقول جيفرسون مورلي نائب رئيس مؤسسة ماري فيريل، إن فحص الوثائق التي رفعت عنها السرية تُظهر أن مذكرة شليزنغر لا تزال منقحة إلى حد كبير، مشيراً إلى أنه إذا لم تستطع وكالة الاستخبارات المركزية الكشف عن وثيقة مكتوبة قبل عامين من الاغتيال، تنتقد بوضوح أداء الوكالة، فعليك أن تشكك في حسن نيتها وفيما إذا كانوا يلتزمون بالقانون.

ووفقاً لمورلي فإن "السجلات وخداع وكالة الاستخبارات المركزية في شأن علاقات جوانيدس بأوزوالد تمتد لعقود، ولم تظهر إلا بعد أن بدأ قانون سجلات كينيدي في الكشف عن معلومات بشأنها". فيما قال تونهايم، إن الوكالة ضللت مجلس إدارته ولجنة تحقيق سابقة بالكونغرس في السبعينيات.

وبينما تقول "سي آي إي"، إنه لا ينبغي الإفراج عن ملفات جوانيدس لأنها لا تتعلق بأي شيء يتعلق بالاغتيال ولأنه لم يكن متورطاً، يشير تونهايم إلى أن هذا لم يكن صحيحاً على الإطلاق لأن معلوماته كانت وثيقة الصلة بالموضوع، مؤكداً أن عدم رفع السرية عن هذه الملفات يقود الناس إلى الاعتقاد بأن لديهم شيئاً يخفونه.  

ومنذ إطلاق النار على كينيدي اعتقد غالبية الأميركيين أن أوزوالد لم يكن الشخص الوحيد المسلح في مكان الاغتيال، وفقاً لاستطلاع رأي مؤسسة غالوب واستطلاع أُجري، الأسبوع الماضي، مع مؤسسة ماري فيريل أجراه خبير استطلاعات الرأي الديمقراطي فرناند أماندي الذي قال لشبكة "أن بي سي" الإخبارية، إن وكالة الاستخبارات المركزية تضع الرئيس بايدن في موقف سياسي سيئ يتعارض مع الغالبية العظمى للأميركيين، وإن المطالبة بمزيد من التأخير والتنقيح لوثائق عمرها ستة عقود حول أهم القضايا في التاريخ الأميركي كونها تتعلق بمقتل رئيس داخل أميركا، لا تثير شكوكاً إضافية فحسب، بل تقترب من الاعتراف الضمني من قبل الوكالة بأن شيئاً فاسداً للغاية يوجد في مقر "سي آي إي" في لانغلي بولاية فيرجينيا.  

غموض إضافي

وعلاوة على ذلك، اكتشف رئيس مؤسسة ماري فيريل، ريكس برادفورد، قبل 20 عاماً أن أول محادثة مسجلة بين الرئيس ليندون جونسون ومدير مكتب التحقيقات الفيدرالي آنذاك جي إدغار هوفر، تم محوها بشكل غامض بعد 22 ساعة من اغتيال الرئيس كينيدي، وهو أمر مثير للشكوك، بحسب ما يقول برادفورد، لأن قصة مكسيكو سيتي مهمة للغاية في اغتيال جون كينيدي.

ولهذا تسعى مؤسسته إلى الإفراج الكامل عن ملفات الموظفين وضابط العمليات في وكالة الاستخبارات المركزية مثل ديفيد أتلي فيليبس الذي روى قصصاً متضاربة حول زيارة أوزوالد للمكسيك، وجيمس والتون مور، ضابط العمليات البارز في وكالة الاستخبارات المركزية في دالاس، الذي أُبلغ بعودة أوزوالد إلى تكساس عام 1962 وقيل إنه أخبر أحد عناصر وكالة الاستخبارات المركزية أن أوزوالد غير ضار.

هل كان بإمكانهم إنقاذ كينيدي؟

وبينما تكشف الوثائق الجديدة التي تم رفع السرية عنها موجزاً تم إعداده في ديسمبر (كانون الأول) 1963 أن محطة مكسيكو سيتي التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، اعترضت مكالمة هاتفية أجراها أوزوالد في الأول من أكتوبر مع السفارة السوفياتية أثناء وجوده في المكسيك، تبين ولأول مرة أنه تم اكتشاف المكالمة من خلال عملية سرية للغاية مشتركة مع مكتب رئيس المكسيك، ولم يعلم بها مسؤولو الأمن وضباط إنفاذ القانون المكسيكيين، ما يؤكد أن الولايات المتحدة كانت تسيطر على سلسلة من الرؤساء المكسيكيين في ذلك الوقت.  

وإذا كان مركز التنصت المشترك ينتج في كثير من الأحيان معلومات عن اتصال المواطنين الأميركيين بالسفارة السوفياتية، التي يعاقب عليها القانون، وأن عملاء الاستخبارات الأميركية كتبوا أنهم في مناسبتين، اعتقلوا عناصر من القوات الأميركية كانت تحاول الانشقاق، يظل السؤال هو لماذا لم يتم التعامل مع أوزوالد على نفس النهج؟

وتساءل فيليب شينون، الصحافي السابق ومؤلف كتاب "التاريخ السري لاغتيال كينيدي"، عما إذا كانت الحكومة الأميركية كانت تعرف أي شيء عن خطة أوزوالد لقتل الرئيس، وما إذا كانت وكالة الاستخبارات المركزية تعلم أن لي هارفي أوزوالد يشكل خطراً وأنه ربما تحدث علنا عن نيته قتل الرئيس كينيدي، وإذا كانوا قد تصرفوا بناء على هذه المعلومات، هل كان بإمكانهم إنقاذ الرئيس؟

المزيد من تقارير