Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هاري وميغان"... الأمير الصغير بين عقدة الشقيق المثالي وذنب الأم المنبوذة

دوق ساسكس يقدم نفسه على أنه ضحية في المسلسل الوثائقي فهل لا يزال يعاني الهشاشة النفسية؟

يبدو أن هاري وجد بعض المزايا في ميغان التي تذكره بالأم التي تركته في فترة الارتباك والمراهقة (أ ف ب)

لطالما تحدثت النميمة الملكية عن توتر ما في علاقة الأميرين البريطانيين هاري وشقيقه الأكبر ويليام، والأمر بدا واضحاً بشدة بعد أن دخلت ميغان القصر الملكي في مطلع صيف 2018، حيث لم يكن هناك ود بينها وبين كيت ميدلتون، وهو ما تحدثت عنه وسائل الإعلام الإنجليزية.

لكن، الحلقات الست التي تضمنها وثائقي "نتفليكس"، وحملت عنوان "هاري وميغان"، تكشف أن ربما للقصة جذوراً أعمق، تتعلق بما يراه هاري تفرقة في المعاملة من كبار ساكني القصير بينه وبين ويليام لصالح وريث العرش بالطبع.

أطياف دوق ساسكس النفسية، التي تحدث عنها صراحة أكثر من مرة حينما أعلن أنه عانى الاكتئاب الطويل، وحاول التغلب عليه بالإفراط في شرب الكحول والعقاقير، تعود إلى فترة المراهقة، حينما فقد والدته الأميرة ديانا، وهو لم يزل في الـ13 من عمره، بينما كان هو الأقرب نفسياً إليها، وكان متعلقاً بها بشدة، ويشفق عليها من الضغط الإعلامي والعائلي، ومن وحدتها بسبب علاقتها المضطربة بوالده تشارلز الذي بات ملكاً، أخيراً، فيما بدا أنه تسيطر عليه دوماً تفاصيل حادثة وفاتها المروع في باريس عام 1997 حينما قضت نحبها على أثر مطاردة مصوري البابارتزي لها، وهي في السيارة مع حبيبها آنذاك عماد محمد الفايد.

وكشفت الحلقات الجديدة التي قيل عنها إنها بمثابة إعلان حرب، ولا تزال تحظى بهجوم واسع واتهامات بالكذب من كل حدب وصوب سواء من سامنثا الأخت غير الشقيقة لميغان ماركل أو من الإعلامي بيرس مورغان، وكذلك كثير من النقاد المتحيزين للنظام الملكي، كثيراً من الاضطرابات التي يحاول هاري التغلب عليها بصحبة زوجته.


صحة الأمير العقلية

هاري الذي كان قد سبق وقال إنه ترك العائلة الملكية والتجرد من المهام الأسرية حفاظاً على صحته النفسية والعقلية، حيث يريد ألا يتعرض لهذه المعاناة وتلك الضغوط التي تنبع من جراء الملاحقة الدقيقة لكل تحركاته مع أسرته الصغيرة وتنزع عنهم الخصوصية بل وتتقول عليهم بحسب ما أشار مراراً، اختار أن يشرح تلك الأزمة عن طريق عمل مدفوع الأجر كان هو بطله مع زوجته وطفليه اللذين كانا ضمن نجوم الحلقات التي تتراوح مدتها ما بين 40 و60 دقيقة، حيث ظهرا في فيديوهات خاصة للغاية من المنزل.

وفي عمل "نتفليكس" الجديد يبدو من اللحظة الأولى أن الأمير الوسيم الذي كان حلماً لكثير من الفتيات قبيل أن يعلن ارتباطه بميغان ماركل، مواليد 4 أغسطس (آب) 1981، يناقض نفسه تماماً، حيث يقول صراحة إنه يعيش بعيداً من موطنه إنجلترا، ويفتقد أصدقاءه والشعب هناك، لكنه أبداً لا يفتقد الإعلام البريطاني، متهماً "الميديا" بالتورط والتحريض ضد عائلته والمشاركة في معاناة والدته، ليكون التساؤل لماذا تفتح منزلك لوسائل الإعلام إذن؟ حيث ضجت السوشيال ميديا بتعليقات من تلك النوعية، فقد اختار هاري نفس الوسائل التي يحاربها منذ كان مراهقاً ومعلناً كراهيته لها، بل قرر إظهار ابنيه في لقطات منزلية، وهما في سن لا تسمح لهما باتخاذ قرار الظهور من عدمه.

المؤكد أن الدوق الذي حرص على أن ينزع عن كاهله العبء الأخلاقي بالتنويه الذي ظهر في بداية الحلقة الأولى، ويشير إلى أن العمل جرى إنجازه بحلول أغسطس 2022 أي قبيل رحيل جدته الملكة إليزابيث الثانية بأسابيع قليلة، وقع في فخ آخر، وهو أنه كان منخرطاً في التصوير بينما الملكة تعاني المرض في أيامها الأخيرة. الفيلم أكد أيضاً أن الأسرة الملكية رفضت طلبهم بالتعليق على الاتهامات التي جاءت بالعمل، بينما تتردد حالياً أنباء نقلاً عن مصادر مقربة من القصر بأن أحداً لم يطلب منهم التعليق.

 

لكن على كل حال أليس من حق الشاب الذي لطالما كان فريسة لصحف الفضائح التي تصوره غاضباً وعابثاً ولاهياً وغير جدير بلقبه، ويتشاجر مع المصورين وهو مخمور أن يحاول الحصول على بعض الهدوء وأن يضع حداً للضغوط؟ فليس للجميع نفس الطاقة والقدرة على تحمل تلك الأعباء، بخاصة أنه في كل خطوة يخطوها يجد من يصفها بالنزقة والمتهورة، بل إن بعض الأقلام اعتبرت أن قراره بالانتقال قبل عامين بمثابة "طريق تدمير الذات".

هاري قرر إيقاف كل تلك القسوة، لكن المفاجأة أن الانتقادات لا تزال تطارده بشكل أكثر شراسة حتى بعد أن اعتقد أن روايته لقصته مع ميغان من دون تدخل أي أطراف تخالفهم الرأي سوف تكون سبباً في تصحيح الصورة، وهو أمر بالطبع جعل فئات المتعاطفين تحاول أن تجد لها صوتها من خلال تغريدات متواصلة لدعمه.

توقيت عرض السلسلة جاء في وقت دقيق للغاية، حيث تابع المشاهدون لتوهم على "نتفليكس" أيضاً الموسم الخامس من مسلسل "التاج" الذي استعرض المعاناة القاسية التي عاشتها الأميرة ديانا جراء تعرضها للخيانة من تشارلز، وأيضاً لعدم وقوف أفراد الأسرة في صفها، وهو العمل الذي رغم جودته لكنه تعرض لبعض الانتقادات أيضاً.

وفي ما يتعلق بـ"هاري وميغان"، فالاتهامات في جانبها الأكبر كانت من نصيب ميغان ماركل التي من البداية شكل وجودها في القصر الملكي ثورة بالنسبة للبعض إنها "ممثلة- أميركية- سمراء"، إنها المتمردة التي لا تشبه أياً من أفراد العائلة المرضي عنهم في تصرفاتها، ومنذ انطلاق الحلقات قررت ميغان أن ترسل رسائل تحد صريحة لكل ما كانت تمثله العائلة التي استقلت عنها، واختارت أن تربي طفليها مع زوجها بعيداً من قيودها، لتظهر في المشاهد بمنشفة على رأسها لتجفف شعرها الذي غسلته لتوها، وهي التي عاشت لمدة عامين تمتثل لآخرين يختارون لها إطلالاتها من دون أن تملك حتى حق انتقاء لون طلاء أظافرها.

ابن ديانا وزوج ميغان

على مدار الحلقات التي صورت مقابلتها الرئيسة في منزل الثنائي بمدينة سانتا باربارا في لوس أنجليس بالولايات المتحدة الأميركية نرى أن ميغان ماركل هي البطلة، والمحاولات لا تتوقف في محاولة تصحيح صورتها، حيث يقر هاري أنها مظلومة، ولا أحد يعرفها على حقيقتها، وهي حالة تشبه كثيراً ما حكاه هاري، مواليد 15 سبتمبر (أيلول) 1984، عن والدته الليدي ديانا، التي لم تكن شخصيتها تتكيف بشكل جيد مع القيود الملكية الراسخة منذ 10 قرون، حيث لا يمل من مقارنة خصال ميغان بأميرة ويلز التي غادرت الحياة وهي في الـ36 من عمرها، كما تطرق لمقابلتها الشهيرة في برنامج بانوراما على "بي بي سي"، مؤكداً أنها تعرضت للخديعة، بينما هو وميغان لم يخدعهما أحد بل كل الأمور تمت بناء على طلبهما، وبإشرافهما ورغم العواصف التي خلفها حديثهما مع أوبرا وينفري حينما تحدثا عن تعرض الزوجة ذات الأصول الأفريقية للعنصرية، فإنهما أعاد الكرة مجدداً.

هاري الذي يصف نفسه خلال المسلسل الوثائقي المحدود بأنه "ابن ديانا"، كان الأكثر اضطراباً ومعاناة بعد وفاة والدته وانخرط في أنشطة جعلته هدفاً للصحافة الصفراء، أوضح أنه استقر في لوس أنجليس لأنه يشعر أن هذا المكان هو الأكثر ملاءمة، الذي كانت ستحبه والدته الراحلة أيضاً، إنها الطيف الأكثر حضوراً، ويستدعي تفاصيلها ليلصقها بزوجته، مبدياً قلقه بتلك المقاربة من ألا يتمكن من حماية ميغان، وإنقاذها، بالتالي حاول التدخل لإبعاد شبح مصير والدته عنهما، ومع ذلك فقد بدا وكأنه يبحث عن الأمومة في الزوجة الحنون، ويحاول أن يربط كل ما يدور بميغان بوالدته، ربما لأنه فقد الأم في سن صغيرة، وكان متعلقاً بها للغاية، وربما لغياب تأثير والده في حياته بشكل فاعل مثلما أشار هو في أكثر من موضع.

 

وبحسب دراسة علمية أجريت في جامعة تروكو بفنلندا، قبل سنوات، فإن أغلب الرجال بالفعل يحاولون البحث عن شريكات حياة أكثر قرباً في الصفات لأمهاتهن، وحتى في الملامح، بالتالي فإن هاري وجد بعض المزايا في ميغان التي تذكره بالأم التي تركته في فترة الارتباك والمراهقة، لذلك يتهمه عدد من المتابعين أنه ربما يضخم ما تعانيه ميغان ليجعلها تبدو أكثر شبهاً في حياتها بالليدي ديانا، عن طريق ترديده عبارة مفادها أنه يخشى أن يعيد التاريخ نفسه مع زوجته التي تحتويه.

إنه الابن صاحب الدعاية السلبية الأكثر إحراجاً بعلاقاته المتعددة وسهراته الصاخبة وشجاراته الموثقة، الذي كان يحاول التوفيق بين شخصيته التواقة للحرية ونظام عائلته القوي، لكنه كان يتعثر دوماً، بالتالي كانت الخلافات تسيطر على علاقته بأفراد الأسرة الذين وصفهم في الوثائقي القوي بأنهم يمارسون ما سماه "التلاعب المؤسسي" لتحقيق مرادهم وتشويه صورة من يزعجونهم.

ومن خلال تسلسل الحلقات نجد أن هاري يقدم نفسه دوماً على أنه ضحية، وأن هناك موجة من الغيرة نشبت بين أفراد الأسرة بعدما حقق هو وميغان شعبية كبيرة في بداية زواجهما. مشيراً إلى أنه تعرض لأذى كبير ووصل الأمر إلى أن شقيقه ويليام أصدر بياناً ووقعه باسميهما من دون استشارته، بينما ميغان اتهمت الأخ صراحة بالعمل ضدها في القضية التي رفعتها ضد "ديلي ميلي".

وشدد هاري على أنه تناقش مع ويليام في أكثر من نقطة تخص سير علاقتهما وفقد الأمل في أنه سوف يحصل منه على اعتذار أو توضيح، ليتضح سريعاً أن الأمور كلها تسير في طريق "شيطنة ويليام"، مقابل تبرئة الضحية التقليدي الذي يعاني منذ الصغر بسبب الأخ المثالي المحبوب الذي يستمع إلى التعليمات وينفذها بدقة ويحافظ على إرثه كملك منتظر.

الشقيق المدلل والحب المشروط

الشقاق بين الشقيقين زادت حدته بحسب ما تخبرنا الحلقات حينما بدأت تزداد جماهيرية الزوجين هاري وميغان، وتطغى على شعبية وليام وزوجته كيت ميدلتون، باعتبارهما الزوجين المفضلين للعائلة، وواجهة القصر في المستقبل، إذ قال هاري صراحة، إن القصر كان يكذب ليحمي صورة أخيه، ولم يبذل أي جهد ليقول الحقيقة في شأنه هو.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المعروف أن ويليام الذي يكبر هاري بعامين فقط هو الشخص الذي يجتهد ليحافظ على مؤسسة التاج الكلاسيكية كما هي ويعتنق قواعدها، وبالتالي فهو الأكثر تدليلاً، وهي أمور يتطرق إليها هاري بطرق متعددة خلال بوحه الكبير على "نتفليكس"، ليتضح أن الأمر مبعثه يعود إلى سنوات طويلة مضت.

يوضح أستاذ الطب النفسي الطبيب محمد المهدي، بعض الأمور المتخصصة التي يمكنها أن تفسر أزمة التنافسية بين الأبناء، حيث يقول إن مشكلة المقارنة بين الأبناء تزداد شراستها حينما يكون هناك تقارب في السن بين الطفلين، وأيضاً إذا كان أحدهما حساس بشكل مفرط ناحية أي انتقاد أو لفت نظر، والأمر قد يتفاقم ويظل معه لباقي سنوات عمره، ويتطور إلى ما يسمى اضطراب الشخصية الحدية، حيث يشعر الشخص الذي كان يرى فيه أبواه أو أحدهما أنه ليس على قدر توقعاتهم أنه طوال الوقت غير محبوب أو ضعيف الإمكانات، ليبقى الطرف الخاسر على الدوام، فمهما حقق من إنجازات يظل في قرارة نفسه يشعر بالدونية وعدم الاستحقاق، وذلك لأن صدمات الطفولة العاطفية آثارها تبقى طويلاً.

الهشاشة النفسية

الأمور بين ويليام وهاري مرت بأكثر من منعطف، حيث حاولا بالفعل أن يتعاونا لإبعاد نفسيهما عن الدائرة المشينة الخاصة بمجريات الأمور في القصر الملكي، التي يجدها هاري مجرد "لعبة قذرة" مشبهاً الاجتماعات بين الأفراد بأنها طلبات إحاطة لمتابعة سير التسريبات ضد بعضهم بعضاً، حيث تعاهدا بداية ألا ينخرط مكتبهما الإعلامي المشترك في لعبة إطلاق الإشاعات أو الكذب، لكنه عاد وقال إن ويليام تغير ولم يعد يبالي، وانفصل بمكتبه الإعلامي عنه، معلناً عن حزنه بأن يرى أخاه يلجأ إلى الشيء نفسه الذي لطالما كان مرفوضاً بالنسبة له.

 

ويمكن الإشارة إلى الاختلاف الكبير بين سيرة الشقيقين من البداية وطريقة تعاملهما، بخاصة أن ويليام كان مقرباً من جدته، ويقدس النظام الملكي ومسؤولياته منذ الصغر، فيما هاري كان يعلن تمرده بأكثر من صورة، لتأخذ العلاقة بينهما أساليب أكثر درامية في السنوات الأخيرة، فهاري يشدد على أنه لم يحصل أبداً على دعم المقربين منه، بل بالعكس تركوه وميغان طعاماً للذئاب بحسب وصفه، مشيراً مرة أخرى إلى كونه هو وميغان "ضحايا"، ومشدداً على ما تنازلت عنه زوجته لأجل الحياة معه في القصر، ومبدياً شفقته عليها بسبب تخليها عن حياتها ومهنتها لتعيش تحت طبقات من التعليمات، بعكس آخرين يتعايشون بسعادة مع كل تلك القيود، فطوال المشاهد هناك اتهامات مبطنة ومعلنة لأمير ويليز ويليام.

وهنا يواصل أستاذ الطب النفسي الطبيب محمد المهدي شرح أزمات الطفولة بين الإخوة، لا سيما تلك التي تنتج عن طريق الإشادة الدائمة بأحد منهما على حساب الآخر. ويضيف "يتشكل في هذا الوقت ما يسمى (المخ المصدوم)، فتصبح الشخصية شديدة الهشاشة والحساسية، لأنها تشعر بالفشل في المنافسة والمقارنة، ومع كل موقف سلبي يجتر كل التراث القديم، بل في بعض الحالات المتقدمة قد يشعر الشخص الذي يعتبر نفسه ضحية بأن كل من حوله يتآمرون ضده، وتتكون لديه الضلالات". الأمر في حالة الأمير هاري ربما يكون واضحاً في حديثه المتكرر عن أن أخاه الأكبر فضل المؤسسة عليه، وأنه صرخ في وجهه حينما كان يتناقشان في قرار ابتعاده عن القصر بعد أن حاضره في قواعد وأسس المؤسسة الملكية والتحديات التي تواجهها، ومساهمته الكبيرة في تهديد كيانها ليقول إن حب أخيه للنظام الملكي هو شيء متأصل فيه، ويشعر بالمسؤولية نحوه، وبدا هاري متأثراً حينما قال إنه بات يشعر ببرود تجاه عائلته التي تربى فيها، لأنه تأكد أن كل ما يهمهم كيف يظهرون للعامة وليس حقيقة شعورهم.

معاناة الطفولة: هل تجاهلتها العائلة؟

البعض يرى أن هذه الفجوة غذتها ميغان ماركل كذلك، فبحسب ما ظهر في الحلقات، فهي تبالغ في البكاء حينما تقدم نفسها على أنها ضحية، وأنها حاولت باستماتة نيل إعجاب الأسرة، لكن ما حصدته أنها باتت منبوذة، وهنا لا يتأخر هاري ليستدعي المشاعر المشابهة التي عانتها والدته من دون أن تحظى بسند ودعم، ويشدد مجدداً على أنه يتصرف هكذا ليحمي زوجته من مصير أمه. مشيراً إلى أن العائلة الملكية هي التي خسرت وجود امرأة مثل ميغان بين أفرادها وليس العكس، فهذا هو الهوس الذي يحركه ويحاول معه أنه يثبت أنه جدير بالثقة، رغم أنه لا تزال تسيطر عليه فكرة أن بعض المقربين منه يتآمرون ضده بخاصة في ما يتعلق بالأخبار السلبية التي تتسرب من القصر ضدهم، وبالحسابات التي تنشر خطاب كراهية ضده وزوجته عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن هل لو كان الأمير هاري يعاني بالفعل بعض أزمات الطفولة، فهل لم تكن تلتفت أسرته لمحاولة حلها مع متخصصين، بخاصة أنهم يمتلكون كل المقومات التي تجعلهم يهتمون بأمر كهذا في وقت مبكر، قبل أن تتفاقم المشكلات؟

يقول الطبيب النفسي محمد المهدي ببساطة، إن البشر هم البشر مهما كان مستوى الأسرة التي يعيشون في كنفها فقانون النفس البشرية واحد، "حتى لو كان لديهم متخصصون ينصحونهم، وللأسف وحتى مع درجة التعليم العالية هناك مفاهيم مغلوطة، فرغم أن النوايا تكون طيبة، لكن محاولة التحفيز بمقارنة الشقيقين من قبل الأهل، طريقة تهدم الشخصية فلا يعرف الشخص الأضعف كيف يعبر عن أزمته، ومن ثم لا يستجيب لتلك المحفزات، بل على العكس يزيد في العناد والمقاومة، ومهما فعل من إنجازات يشعر في داخله بالتقصير، وبأنه غير محبوب، ذلك لأن حب الأبوين ينبغي أن يكون بلا شرط، وفي حال وجود تلك الشروط يفتقد الابن الاستقرار العاطفي، ولا يحس أبداً بأنه محبوب منهما، بل لا يغادره هذا الإحساس قط، لأن البرمجة المخية والعقلية له ترسخت فيها تلك المفاهيم".

هناك تعقيدات كثيرة في مشوار هاري مع أسرته، بالكاد كشف مسلسل "نتفليكس" الوثائقي الذي بث على مرحلتين عن غطائها، بخاصة أن هناك شعوراً يتسلل تدريجياً إلى المشاهد بالتناقض في ما يحكيه هاري، وهي تناقضات على ما يبدو أنها لا تزال ضخمة، فلم ينجح في إخفائها تماماً، فالأمير الشاب أعلن عن ضيقه من النظام الملكي وقيوده، لكنه عاد وأبدى صدمته من إقدام العائلة على إلغاء الحراسة الخاصة به وبأسرته حينما غادروا إلى كندا رغم أنه هو من اتخاذ قرار عدم الاستمرار، بينما يريد أن يحظى بالمزايا.

هاري حاول باستمرار التشديد على مفاهيم، مثل التمرد والابتعاد وعدم الإذعان للتقاليد الصارمة التي تفسد العلاقات الإنسانية، وأنه دفع هو وعائلته ثمن كل هذا بما يكفي، كما تعرض لدعاية ممنهجة لتشويه صورته، بينما يمتلئ العمل بشهادات كلها لصالحه هو وميغان أبطالها هم أصدقاؤها المقربون ووالدتها، فبدا الأمر وكأنه دعاية إعلامية على نطاق واسع وأكثر مباشرة من أي تناول لحياتهم من قبل، لكنه أيضاً بدا حزيناً بصدق حينما أصبح في وقت من الأوقات الحفيد الممنوع من رؤية جدته بعد مؤامرة لم يكشف عن أطرافها بشكل مباشر، لكنه اكتفى بتأكيد الأحاديث الخاصة بينه وبين والده يتم تسريبها لتنشر إعلامياً.

في النهاية يحصل المشاهد على حكاية من منظور واحد، فهي حدوتة هاري وميغان كما يريدون هم روايتها، فبعد أن كان الفتى ينفر من المصورين ويعاديهم ويهرب من مطاردة الكاميرات مثلما قال مراراً، صنع لنفسه عالم البابارتزي الخاص به، ليواجه الأضواء والكاميرات على طريقته التي اختار كل تفاصيلها بعناية.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة