Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تراجع إسرائيل مواقفها تجاه السلام مع مصر؟

رغبة تل أبيب بتحقيق نقلة نوعية في مستوى العلاقات بانفتاح شعبي لن تتم في ظل تصدر الوجوه العنصرية المشهد الحزبي

يطرح الإعلام الإسرائيلي ما سماه سوء معاملة أجهزة الأمن في مصر للراغبين في السفر إلى إسرائيل (أ ف ب)

تعالت الأصوات في إسرائيل على المستويين السياسي والإعلامي وفي ذكرى مرور 45 عاماً على توقيع اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب للمطالبة بتوقيع معاهدة جديدة على أنقاض ما تم من المعاهدة القديمة التي استوفت شروطها طوال 45 عاماً من إقامة العلاقات، لكن المطالبات التي طرحت إعلامياً وسياسياً جاءت في سياقات عدة تدعو إلى معاهدة سلام مع الشعب المصري، وليس مع الحكومة المصرية وهو ما يشير وبقوة إلى التصور الإسرائيلي بأن السلام الحقيقي لم يتم، واستمر السلام الرسمي تحكمه ضوابط ومعايير محددة... فما الذي يجري في إسرائيل تجاه مصر؟

واقع مرتبك

ارتبطت المطالبات الإسرائيلية تجاه مصر بتوقيع معاهدة جديدة بحدث المونديال العالمي الذي لم تشارك فيه إسرائيل أصلاً لكنه حظي بتغطية إعلامية كبيرة وواضحة، وكان فرصة جيدة لاختبار مسارات السلام القديم والجديد التي قطعتها إسرائيل منذ توقيع معاهدة السلام مع مصر إلى إبرام اتفاقيات أبراهام، والتي مر عليها عامان، ومن ثم فإن التقييم العام لما تم يمكن أن يكشف كيف تعامل المواطن العربي مع نظيره الإسرائيلي ورفض التعامل معه في بطولة رياضية وليست سياسية، وكان السؤال الإسرائيلي الذي تردد على لسان سياسيين: لماذا فشلنا؟ وتنوعت الإجابات في أن ما تم بين إسرائيل والدول العربية كان على المستوى الرسمي فقط، في إطار تكرار سيناريو مصر إسرائيل/ الأردن إسرائيل، ومن ثم سيتكرر مع كل الشعوب العربية الأخرى بدولها التي أبرمت اتفاقيات سلام مع إسرائيل، أو لا تزال في الطريق، والمثير الزج بقوة في الحضور اللافت لفلسطين باعتبارها الفريق 33 المشارك في الفاعلية الدولية.

بوصلة الاتجاه

المشكلة إذاً كما تراها المصادر الإسرائيلية المتعددة أن مصر قد حددت البوصلة ورسمت المسار وضبطت الاتجاه في التعامل العربي الراهن والمنتظر مع إسرائيل، وهو ما سيجعل الدول العربية تركز على تحقيق المكاسب الاقتصادية جراء توقيع أي اتفاق سلام مثلما جرى بين القاهرة وعمان وتل أبيب حيث ترتبط العلاقات بمنظومة محكمة من الملفات المهمة للأطراف الثلاثة، منها استيراد الغاز من إسرائيل وتسييله في مصر واستمرار عمل الكويز بكفاءة بالغة، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى المطالبة بتطويرها وتعزيز مجالات تحركها، وعقدت في هذا الأمر سلسلة من اللقاءات الرسمية أخيراً بين الجانبين المصري والإسرائيلي، كما استمرت منظومة التعاون الاستراتيجي في إطار لجنة التنسيق المشتركة التي تعقد لقاءاتها بالتناوب بين البلدين، وقد نوقشت في تفاصيلها كثير من الملفات ومنها تعديل البروتوكول الأمني الوارد في نص المعاهدة التاريخية وغيرها، إضافة إلى استمرار تبادل المعلومات في شأن ملف الإرهاب وغيره، والرسالة أن الأمور تمضي في إطارها باستثناء بعض العثرات في الكشف عن مقابر لشهداء مصريين أو إعادة دورية لفتح ملف الأسرى والتعويضات، وغيرها من الملفات التي تطرح من أن لآخر، وتعالجها دوائر الاتصال السريع.

تجارب موحية

الأمر نفسه يجري مع الأردن، بخاصة مع استمرار استيراد الغاز المطلوب في الأردن وتنفيذ اتفاقية نقل المياه وإدارة ملف أرض الغمر والباقورة التي استردها الأردن بعد سنوات من تأجيرها لإسرائيل، وفقاً لبنود معاهدة وادي عربة، وغيرها من الملفات الشائكة وأهمها ملف الإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس، وخلافات دورية في شأن مطار رامون الإسرائيلي وانتقال المقدسيين، ويجري ذلك وسط معارضة حقيقية من جماعة الإخوان التي تتحين الفرصة للعمل والمعارضة واتهام الحكومة الأردنية بتقديم تنازلات للجانب الإسرائيلي.

ولهذا فإن الجانب الإسرائيلي يتابع تجربتي مصر والأردن متسائلاً حول ما القادم؟ وما الذي يمكن أن يتم وتسفر عنه تجربة السلام مع الدول العربية. والواضح أن من يسأل يعرف الإجابة، فلا يمكن أن يكون هناك سلام سياسي وسلام اقتصادي وسلام رسمي وسلام غير رسمي، فما تريده إسرائيل بالفعل سلام الشعوب، وهو لن يحدث في ظل استمرار إسرائيل في تكريس احتلالها الأراضي العربية ورفضها الدخول في مفاوضات حقيقية، بل ولم تقدم على طرح مشروع سلام طوال السنوات الأخيرة بل وقبلها وليس في أيدينا أي مشروع حقيقي، فيما قدمت الدول العربية، ولا تزال، مشروع المبادرة العربية وبمقتضاه يمكن أن تقيم إسرائيل علاقات عادية (دبلوماسية وقنصلية) مع سائر الدول العربية في حال انسحابها من كامل الأراضي المحتلة، وهو ما لم تفعله إسرائيل واستمرت الأراضي العربية محتلة منذ حرب 1967 إلى الآن، على رغم أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات عندما ذهب للقدس طالب باسترداد الأراضي العربية وليس فقط المصرية.

مقاربتان

وفي ظل ما يجري من واقع راهن للعلاقات المصرية العربية مع إسرائيل، فإن ما يطرح يركز على مقاربتين، الأولى: استخلاص خبرة تاريخ العلاقات المصرية - الإسرائيلية بالأساس لأنها مرآة لما هو قادم مع باقي الدول العربية التي تتابع بالفعل مسارات التحرك المصري داخلياً سواء على مستوى المواطن وعلى مستوى الدولة، وفي هذا ترى المقاربة -وهي الغالب- أن المطلوب حدوث نقلة نوعية في مستوى العلاقات ونقلها إلى مساحة مختلفة من واقعها الراهن، وهذا الأمر سيتطلب تحركاً إسرائيلياً مسؤولاً ومعالجة لجملة المواقف الإسرائيلية تجاه الجانب الفلسطيني، إذ إن الرؤية أنه لا توجد مشكلة حقيقية مع مصر وأن المشكلات تعالج بصورة جيدة وعبر وسائل ناجزة.

والمشكلة في الملف الفلسطيني المعقد أنه سيزداد تعقيداً في الفترة المقبلة لاعتبارات تتعلق بما يجري الإعداد له في برنامج الحكومة الجديدة، مما سيؤدي إلى مزيد من التوتر ليس فقط في الضفة الغربية، وإنما في قطاع غزة، بعد أن أصبح الأمر مرتبطاً بتداخل الجبهات، ومن ثم فإن الحل في مزيد من الإجراءات لإقناع المواطن العربي وليس فقط المصري بأن إسرائيل تمد يدها إلى الجانب العربي، وتعبر إلى مساحة أخرى من العلاقات.

المقاربة الثانية ترى أنه لا أمل في أي تغيير من هذه الزاوية، وقد سبق وحاولت العشرات من الشخصيات الإسرائيلية الانفتاح على مصر والعالم العربي وفشلت، فالقاهرة لم تفتح مركزاً أكاديمياً لها في تل أبيب وعزفت عن إتمام زيارات كبيرة، وأجرى وزير البترول فقط زيارات متتالية لاعتبارات تتعلق بتصدير الغاز، وإتمام عضوية إسرائيل في منتدى غاز المتوسط وتأكيداً لنمط العلاقات، واكتفت القاهرة بعلاقات بعيدة عن الإعلام، وتحسباً لرد الفعل الرسمي على ما يجري أو اتهام الحكومة شعبياً بالتطبيع مع إسرائيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كذلك بقي الاحتفاء من جانب واحد بذكرى إبرام معاهدة السلام، بالتالي فمن غير المتوقع أن تتطور العلاقات مع القاهرة، ولن تتحول معاهدة السلام إلى اتفاق شعبي حقيقي كما تريد إسرائيل في ظل هذه الأجواء غير المسبوقة من مستوى العلاقات، وبدليل عدم قيام أي رئيس مصري بزيارة إسرائيل (زارها الرئيس الأسبق حسني مبارك للمشاركة في جنازة إسحق رابين رئيس وزرائها الأسبق)، وعدم خروج مجالات التعاون السياسي والاستراتيجي لدائرة النور. والرسالة واحدة وتتمثل في التخوف من ردود الفعل الشعبية الرافضة لإسرائيل، بخاصة في النقابات ونوادي أعضاء التدريس والأكاديميين، والتي تتعامل فعلياً على أن إسرائيل كيان مغتصب ومحتل ولا أمل في قبوله بالإقليم في ظل الوضع الراهن.

ولهذا ليس غريباً أن يطرح الإعلام الإسرائيلي ما سماه سوء معاملة أجهزة الأمن في مصر للراغبين في السفر إلى إسرائيل. وقالت "يسرائيل هايوم" وكذلك القناة السابعة بالتلفزيون الإسرائيلي، إن مصر تمنع عملياً مواطنيها من زيارة إسرائيل ومناطق السلطة الفلسطينية، على رغم وجود معاهدة كامب ديفيد للسلام بين إسرائيل ومصر، واستمرار وضع السلطات المصرية صعوبات كبيرة على المواطنين الراغبين في زيارة إسرائيل، بطريقة تجعل عملية السفر مستحيلة.

ودخل التلفزيون الإسرائيلي على الخط، إذ اعتبر أنه في ظل هذه الظروف فلا عجب أن السياح ورجال الأعمال والزوار المصريين لا يأتون إلى إسرائيل على الإطلاق. فهناك صعوبة أخرى تواجه المصريين الراغبين في زيارة إسرائيل، وهي حقيقة أنه إذا أصبحت كلمة الزيارة معروفة في إحدى الدول العربية الأخرى التي ليس لها علاقات مع إسرائيل، فسيكون من الصعب جداً على من زار إسرائيل دخول تلك الدول العربية، وينطبق الشيء نفسه على إيران وأفغانستان ودول إسلامية أخرى، مع الإشارة إلى أن المسيحيين الأقباط الذين يبلغ عددهم نحو 16 مليوناً من أصل نحو 110 ملايين مقيمين في مصر، يتمتعون بإعفاء من هذه السياسة، ويمكنهم زيارة إسرائيل بسهولة أكبر لأسباب دينية ولأغراض الحج.

الواقع أن ما تشير إليه المصادر الإسرائيلية ليس جديداً ويأتي في إطار ضوابط تضعها مصر في التعامل وليس استهداف إسرائيل أو منع تطوير العلاقات، بدليل تعامل عرب 48 مع مصر والدخول والخروج منها وفق قواعد التعامل المصري. وأشارت القناة السابعة الإسرائيلية إلى أن "السلام البارد" مع مصر يتجلى بطرق أخرى، حيث إن الإسرائيليين الذين يرغبون في دخول شبه جزيرة سيناء بمركباتهم يعانون المضايقات عند المعبر الحدودي، ولا يسمح المراقبون المصريون عند المعبر بدخول الكاميرات الموصولة بالمركبة بما في ذلك الكاميرات العكسية القياسية - على أساس أنها قد تستخدم للتجسس.

الخلاصات الأخيرة

إن المطالبات الإسرائيلية بتدشين معاهدة سلام شعبي كلام مرسل وغير واقعي، ولا يوجد له مثيل في إطار علاقات الدول والشعوب، والمسألة كما تفهم في سياقها مرتبطة برغبة إسرائيلية عارمة في تحقيق نقلة نوعية في مستوى العلاقات، وتحقيق مكاسب حقيقية في الانفتاح المصري الشعبي المنشود، والذي لن يتم أبداً في ظل هذا الواقع الإسرائيلي وتصدر المشهد الحزبي في إسرائيل هذه الوجوه الموصومة بالإرهاب والعنصرية والفاشية، والتي حظرتها الحكومات السابقة رسمياً منذ سنوات، واليوم تسمح لها بالوجود، والعمل بل والحكم رسمياً بل وهز الاستقرار في ظل التصميم على اقتحام المسجد الأقصى، واستمرار الحفر بحثاً عن الهيكل والعمل على استئناف سياسة الاستيطان لفرض استراتيجية الأمر الواقع في مواجهة الجميع.

في ظل استمرار التعاون الرسمي مصرياً مع إسرائيل يبقى التأكيد أن حجم التبادل التجاري بين البلدين صغير نسبياً حيث يبلغ نحو 100 مليون دولار سنوياً، وللمقارنة، فإنه بعد نحو عام ونصف العام فقط من توقيع اتفاقية السلام مع دولة الإمارات وصل حجم التجارة بينها وبين إسرائيل إلى ما يقرب من 1.5 مليار دولار، وفي هذا السياق تخلص المقاربة الإسرائيلية بأنه لا أمل في بناء سلام شعوب مع مصر والدول العربية، وأن المشهد الحالي مرشح للاستمرار، في إشارة لا تغيب إلى أن الشعب المصري حدد البوصلة منذ سنوات وسيستمر.

المزيد من تحلیل