Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلام اقتصادي... مستقبل العلاقة بين القاهرة وتل أبيب

تريد مصر التأكيد لواشنطن أنها لا تزال مركز الثقل الحقيقي والدولة الأكثر اقتراباً من إسرائيل

ترى القاهرة أن تنشيط العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية مهم لاعتبارات تتعلق بالبعد الاقتصادي (أ ف ب)

جاءت زيارة وزيرة التجارة الإسرائيلية، أورنا باربيفاي، إلى القاهرة، نهاية مارس (آذار) الماضي، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة لتطوير العلاقات المصرية في مجال الاقتصاد والاستثمار بين القاهرة وتل أبيب، ولتضع عنواناً جديداً للعلاقات المشتركة، وبعد 43 عاماً من إبرام معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية في 1979.

موقف القاهرة

ترى القاهرة أن تنشيط العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية الراهنة مهم لاعتبارات تتعلق بالبعد الاقتصادي بالأساس، وليس لاعتبارات سياسية، وهو ما ينقل رسالة بحرص القاهرة على تحقيق مكاسب حقيقية ومباشرة من إعادة التواصل بين القاهرة وتل أبيب في مرحلة مهمة متعلقة بالوضع الراهن للعلاقات العربية الإسرائيلية، ونجاح إسرائيل في توقيع اتفاقيات سلام مع بعض الدول، ما قد يخصم من مساحة العلاقات المصرية التاريخية مع تل أبيب.

من ثمّ، فإن تنمية وتطوير العلاقات تبعث برسائل مهمة مفادها أن التعاون المصري ناجح ومستمر، ولم يتوقف عند مساحة محددة، وقد يمتد إلى مجالات أخرى مرتبطة بتوسيع اتفاقية الكويز، بناءً على مطلب إسرائيلي تكرر في السنوات الأخيرة أكثر من مرة، وتحفظت على تفاصيله القاهرة، بالتالي فإن تطوير العلاقات سيتطلب لاحقاً الانتقال من منظومة العلاقات المستقرة إلى مرحلة أخرى من الملفات، التي لم يجر الاقتراب منها منذ سنوات.

والمعروف أن كانت مصر وقعت في ديسمبر (كانون الأول) عام 2004 بروتوكول المناطق الصناعية المؤهلة مع إسرائيل والولايات المتحدة، لتصدير المنتجات المصرية للسوق الأميركية من دون جمارك أو حصص محددة، شرط استخدام نسبة متفق عليها من المدخلات الإسرائيلية في هذه المنتجات.

كما اتفق البلدان خلال الشهر الحالي على تدشين خط طيران مباشر بين تل أبيب وشرم الشيخ، لتوسيع الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، ومن المتوقع بدء تسيير الرحلات الجوية عبر هذا الخط خلال الشهر الحالي. ووافقت إسرائيل على تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر عبر الأردن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعد هذا ثاني خط لتصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر تمت الموافقة عليه، بسبب الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي الإسرائيلي في مصر. ووفق تقديرات وزارة الطاقة الإسرائيلية، من المتوقع أن يصل تصدير الغاز عبر الخط الجديد من 2.5 إلى 3 مليارات متر مكعب خلال عام 2022، وقد يرتفع إلى 4 مليارات متر مكعب في السنوات المقبلة، علماً أن تصدير الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر بدأ عام 2020، وبلغ في ذلك العام نحو 2.17 مليار متر مكعب، وفي عام 2021 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 122 مليون دولار.

في هذا السياق، تسعي القاهرة للتعامل مع إسرائيل كدولة، وليس كحكومة فقط، على الرغم من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي وتعاقب زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى القاهرة، ما يفسّر سلسلة الاتصالات الراهنة التي تمت في أوساط الاقتصاديين، والتركيز على الاستثمار في مجال النفط وأمن الطاقة، وليس بهدف إجراء اتصالات سياسية.

حساب المكاسب

والحقيقة أن مصر لديها تطلعاتها المالية والاقتصادية التي تعمل عليها، وترتبط بتحقيق مكاسب حقيقية، وهو ما يتم من خلال توظيف الإمكانات المصرية الكبيرة وامتلاكها بنية متخصصة، وليس فقط محطتا التسييل في إدكو ودمياط، ومنّ ثم فإن مصر تتجه لتكون مركزاً للطاقة في الإقليم، وستدخل في شراكة حقيقية مع الجانب الإسرائيلي لنقل الغاز إلى مصر، ثم إعادة تصديره وفقاً لآليات السوق الدولية من منطقة شرق المتوسط إلى أوروبا، ما يؤكد أن القاهرة تغادر موقع المتابعة للاشتباك الحقيقي مع ما يجري في سوق النفط، تجارة واستثماراً، بعيداً من أحاديث التطبيع، وإقامة علاقات مع إسرائيل بصورة علانية، وعلى الرغم من اتهام القاهرة من دوائر متعددة بأنها تحاول استعادة الأرضية التي افتقدتها بدخول دول عربية على خط السلام الحالي مع إسرائيل، وبدء الاتجاه إلى تنفيذ أفكار السلام الاقتصادي في الإقليم.

تتابع القاهرة ما يجري من مشروعات تعاون إقليمي، وأهمها مشروع محطات الغاز المقترحة في حيفا وخارجها، وخطوط الغاز الجديدة وإعادة ربط الموانئ، والطرق وتحديد مسارات نقل البترول والغاز عبر شراكات دولية عربية، وهو ما يعني مصر بالأساس، لتأثيره الحقيقي على قناة السويس، وانتقال التجارة ومن وإلى الخارج، إضافة للمخطط الكبير المقترح حول خطوط السكك الحديدية من إيلات وأشدود وعسقلان إلى الخارج، والرسالة أن هناك مخططات ومشروعات تمس مصر، وتتطلب سرعة الحركة، وإعادة بناء رؤية للانخراط في سوق الغاز بصورة كاملة، والانتقال من الأقوال إلى الأفعال.

أولويات مطروحة

تتجه العلاقات المصرية- الإسرائيلية إلى مرحلة بناء حقيقي، ليس في حوارات الطاقة فقط، إنما لتكون القاهرة على مقربة من أولويات الإقليم ومصالحه المباشرة، فلا تزال هناك قضايا عالقة مع إسرائيل، إذ لم ترسّم مصر حدودها البحرية مع إسرائيل، كما لم ترسّم حدودها مع غزة، على رغم أنها رسّمت حدودها مع اليونان، ومن قبل قبرص، والرسالة هي: هل تقدم مصر على إجراء ذلك، وغلق ملف الحدود البحرية مع إسرائيل للتوجه إلى رسم الحدود مع قطاع غزة؟

لقد انتقلت القاهرة إلى مرحلة جديدة من إعادة تقييم حساباتها السياسية بصورة كبيرة إلى مرحلة أخرى أكثر واقعية، ترتبط بعمل ثنائي وجماعي، أي الانتقال لتطوير منظومة العلاقات الثنائية، سواء في اتفاقيات الكويز، والقوات المتعددة الجنسيات، والتعاون الأمني، واللوجيستي، وانتهاء بالنظر في الاتصالات الاستراتيجية بمقتضي كامب ديفيد، التي تجرى بصورة دورية بين الجانبين، أما العمل الجماعي فسوف يتم فيه التركيز بالأساس على آليات تفعيل المنظمة الإقليمية للغاز كعمل جماعي تسعى القاهرة للتماهي مع طرحه، وبالأخص مع إسرائيل واليونان وقبرص، وليس بخافٍ أن إسرائيل تسعى لتوطيد وجودها في إقليم شرق المتوسط، وقد دخلت في سلسلة من الاتفاقيات مع اليونان وقبرص، أهمها خط الغاز، الذي سيصل لأوروبا، والرسالة أن إسرائيل تريد ترتيب الأجواء، والعمل من خلالها في الفترة المقبلة، خصوصاً أن العلاقات عادت مع أنقرة بصورة جيدة، وجرى تطبيع العلاقات بين الجانبين، ومن ثم فإن إسرائيل تسعى للدخول بقوة على خط التعاملات الإقليمية، وعينها على مصر التي تستطيع تعويق، بل وإفشال ما سيجري إسرائيلياً، ما لم يتم الاتفاق بشأنه على المستوى الثنائي، وهو ما قد يزعج أطرافاً عربية أخرى.

تسعى القاهرة لاستعادة زمام الموقف السياسي والاستراتيجي في الساحة الفلسطينية، الأمر الذي جعل الجانب الإسرائيلي يتيقن من أن مصر قادرة على تحريك المشهد السياسي والأمني والاستراتيجي، ما يتطلب تحركاً مصرياً مقبولاً ومهماً يمكن البناء عليه والتعامل معه في جمع الأطراف المعنية، وهو ما جرى أخيراً في قمة العقبة، وعلى الرغم من تباين الرؤى والمواقف، فإن مصر أعادت طرح مقاربات حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

رسائل مباشرة

تريد القاهرة التأكيد للإدارة الأميركية على أنها لا تزال مركز الثقل الحقيقي، والدولة الأكبر والأكثر اقتراباً من إسرائيل، ومن ثمّ فإن الانفتاح الذي تأخر سنوات مع تل أبيب يجري الآن بعد أعوام من الابتعاد والاكتفاء بالقنوات الرسمية غير المعلنة، وفي المقابل، تريد إسرائيل تأكيد أنها باتت شريكاً تفاعلياً كاملاً في الإقليم، فهي عضو في منتدى غاز المتوسط والمنظمة الإقليمية، وطرف فاعل وعضو رسمي في التحالف البحري في مواجهة التهديدات الإقليمية، وعضو في التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، وتسعى لتكون عضواً في مجلس الأحمر وخليج عدن، وباتت طرفاً أصيلاً في القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، بالتالي صارت شريكاً مع الدول العربية التي تعمل في القيادة المشتركة، وتندرج في مسارح عملياتها.

سيناريوهات مطروحة

أمامنا إذن عدة سيناريوهات: الأول، وهو الأرجح، أن تتطور بنية العلاقات بين القاهرة وتل أبيب بصورة كاملة مع عدم المساس بالمنظومة القديمة، بل السعي للبناء عليها، الأمر الذي قد يدفع بفتح ملف توسيع الكويز والتقدم للقيام بأعمال مشتركة في بعض مسارح العمليات، والانتقال لتكون عضواً في النظام الأمني الشرق أوسطي المتعدد الأطراف، ولن تقترب إسرائيل من التقدم بطلب لمراجعة معاهدة السلام، فهذا الأمر ليس على مستوى الأولويات المطروحة، وإن كان سيتم التركيز على العمل في مجال أمن الطاقة ودعم الحركة المصرية في المتوسط، مع محاولة التنسيق لإدخال القاهرة كشريك مباشر في بعض الأطروحات الإسرائيلية في البحر الأحمر وخليج العقبة، وإعادة تأكيد أن بعض المشروعات الإقليمية لن تكون على حساب مصر، وهو خطاب إعلامي وليس سياسياً، في ظل ما يخطط في إسرائيل، وقد سبق وأعلن رئيس الوزراء، نفتالي بينيت، أنه جرى الاتفاق على إعفاء السيّاح الإسرائيليين المتوجهين إلى سيناء من الحصول على تأشيرة دخول.

وبصرف النظر عن نتائج ما يجري في الساحة الإسرائيلية، فإن هناك قناعات على كل المستويات مرتبطة بأهمية العلاقات مع مصر في ظل أي سيناريو مطروح، ومن ثمّ فإن تطوير العلاقات معها يبنى على أسس منهاجية حقيقية، ولن يتوقف عند مساحات محددة، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار، وليس فقط مناقشته من زاوية العلاقات مع دولة إقليمية وكفى، لأن العلاقات مع مصر تحكمها ضوابط ومعايير حقيقية تتجاوز إعادة تكرار موضوع التطبيع أو قيام مسؤولين كبار في تل أبيب بزيارة القاهرة، أو إعادة تكرار كلاسيكيات العلاقات التاريخية، فالبلدان في حاجة إلى بعضها البعض، حيث تقف قوات متعددة الجنسيات في سيناء، وحيث يتواصل التعاون الاستخباراتي، ويحرص البلدان على دعم الاتصالات المباشرة، ومن ثم فإن المرحلة المقبلة من التعاون في مجال النفط والغاز ستولّد مناخاً جديداً في مجالات متعددة ومهمة يجب على إسرائيل التأكيد عليها وعدم تجاوزها.

يبقي السيناريو الأخير، وهو مطروح في إطار لعبة المقايضات العليا بين البلدين، ودخول مصر في الملف الفلسطيني، وكذلك مسعى إسرائيل للدخول في ملف سد النهضة مع الاتجاه إلى الشريك الأميركي، ليكون متابعاً لما يجري في إطار السلام الإقليمي، الذي تم وسيتم بين الدول العربية وإسرائيل، ومن ثمّ فإن إسرائيل ستتجه إلى بناء مواقف مباشرة تجاه مصر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل