Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مأزق بوتين والغرب و"سبات" الدب الروسي

يطلب علناً "تشكيل نظام عالمي تعددي لموكسو دور كبير فيه"

غزا الرئيس الورسي فلاديمير أوكرانيا بداعي مواجهة تحدي الغرب لروسيا عبر توسيع "الناتو" (أ ف ب)

المؤرخ البريطاني الكبير أرنولد توينبي تميز، من بين أمور عدة، بالتركيز على ظاهرتين، أولاهما أن "مواجهة التحدي" هي التي تؤدي إلى التقدم والتطور في حياة الشعوب والدول، والثانية أن "الحكم الانتحاري" هو من أسباب انهيار الإمبراطوريات. وليس الرئيس فلاديمير بوتين غريباً عنهما. فهو اجتاح أوكرانيا بداعي مواجهة تحدي الغرب لروسيا عبر توسيع "الناتو"، قائلاً إن الهجوم عليها كان "مسألة حياة أو موت، مسألة وجود بالنسبة إلى الأمة الروسية". وهو، بعد انكشاف أخطائه في التقدير حيال قوة جيشه وحال الجيش الأوكراني والخلافات في الغرب ومدى التزامه مساعدة كييف، يبدو كمن يندفع خارج "قوانين" الحرب لممارسة نوع من "الحكم الانتحاري". كيف؟ يقول علناً إنه سيبادر إلى تبني استراتيجية الضربة النووية الوقائية. ويدمر بشكل منهجي كامل البنية التحتية للطاقة والمياه لدفع المدنيين الأوكرانيين إلى اليأس ورفع الأعلام البيض في صقيع شتاء بلا كهرباء ولا غاز وتدفئة وماء. ويعود من جديد للحديث عن أمرين، تفاوض لإنهاء الحرب وهدنة في الشتاء إذ يصعب تحرك الدبابات والآليات في الوحل، بحيث يذهب الدب الروسي إلى "سبات الشتاء" كما يفعل الدب القطبي بحكم الطبيعة. لكن دون الأمرين عقبات ومصاعب وموانع كثيرة.

"مهمة مستحيلة"

ذلك أن التفاوض في مثل هذه الحرب، كما يقول الخبراء الاستراتيجيون، مهمة مستحيلة إذا كان الدافع إليه هو انتصار جزئي أو مرحلي لهذا الطرف أو ذاك، ومهمة ممكنة إذا وصل الطرفان إلى التعب والإرهاق والعجز عن التقدم أو التراجع في ستاتيكو خطر. ولا شيء يوحي بأن الطرفين يعترفان بالوصول إلى مثل هذه الحال، فضلاً عن أن شروط كل طرف لبدء التفاوض هي عملياً نوع من إغلاق الباب. موسكو تريد من كييف الاعتراف بضم شبه جزيرة القرم واستقلال جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك والتزام عدم الانضمام إلى "الناتو" ونزع السلاح والحياد. وكييف تريد الانسحاب الروسي الكامل واستعادة كل الأرض والأسرى وضمانات أمنية من الدول الكبرى إلى جانب الأمن الغذائي. ولا مجال لأن يقبل أي طرف شروط الطرف الآخر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والواقع أن الغرب الذي يكرر التزام المساعدات الأمنية والعسكرية والمالية لأوكرانيا، كما روسيا التي تحتاج إلى أسلحة من إيران، هو في مأزق مزدوج فوق دمار أوكرانيا وعذاب شعبها ولجوء قسم كبير منه إلى الدول الأوروبية. بوتين يريد من الغرب التسليم له بما تسميه فيونا هيل وأنجيلا ستنت من مؤسسة "بروكينغز"، تغيير "السردية التاريخية للمئة سنة الأخيرة، لا فقط منذ نهاية الحرب الباردة"، ويطلب علناً تشكيل نظام عالمي تعددي، لروسيا دور كبير فيه. وليس ذلك ممكناً بحرب في أوكرانيا، لأن تشكيل نظام عالمي يتطلب حرباً كبيرة شاملة. والغرب الأميركي والأوروبي يتحدث عن إلحاق "هزيمة استراتيجية" بروسيا، أو أقله "إضعاف روسيا إلى درجة عدم القدرة على فعل أنواع مما فعلته في أوكرانيا"، بحسب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أو ثلاثية مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، "أوكرانيا مستقلة حرة، روسيا ضعيفة ومعزولة، وغرب أقوى وأكثر توحداً وتصميماً". وهذا لا يتحقق بحرب بالوكالة في أوكرانيا بل بحرب شاملة.

أسئلة الجمهور

قبل سنة، كان يقال إن إسرائيل هي صاحبة الاحتلال الوحيد الباقي في القرن الـ21. اليوم صارت روسيا صاحبة الاحتلال الثاني في هذا القرن. والمفارقات كثيرة، الغرب يدعم إسرائيل ويقاتل روسيا. والفلسطينيون الذين يقاتلون الاحتلال الإسرائيلي والنظام الإيراني وميليشياته وكل اليساريين المعادين لإسرائيل واحتلالها يدعمون احتلال بوتين لأوكرانيا. ميدفيديف الذي كان يراه العالم "معتدلاً" بالقياس على صديقه بوتين، صار الصوت المتطرف جداً الذي يريد حرباً تدمر أوكرانيا وتهزم الغرب. وألمانيا التي أرادت علاقات جيدة مع بوتين، المسؤول الثاني في الكرملين الذي يتكلم الألمانية بعد لينين، كما جاء في كتاب بعنوان "الألماني في الكرملين"، صارت رأس الحربة في دعم أوكرانيا.

وليس أمراً عادياً أن يلغي بوتين مؤتمره الصحافي السنوي عشية العام الجديد، خوفاً من أسئلة الجمهور كالعادة في مثل هذا المؤتمر.

المزيد من تحلیل