Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف ستؤثر الحكومة المنقسمة في أميركا على العملية التشريعية؟

انسحاب السيناتور سينيما من الأغلبية الديمقراطية قد يكون شوكة في خاصرة حزب الرئيس

السيناتور عن ولاية أريزونا كريستن سينيما خلال مشاركتها في إحدى جلسات الكونغرس في 3 آغسطس الماضي (أ ب)

فجرت السيناتور الديمقراطية كريستن سينيما مفاجأة، الجمعة التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بإعلانها الانشقاق عن الحزب الديمقراطي واختيار أن تكون مستقلة، فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لسيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، وإلى أي مدى يمكن أن تغير هذه الخطوة موازين القوة في المجلس، وهل من المتوقع أن تتأثر العملية التشريعية بشكل عام في ظل حكومة أميركية منقسمة لا يسيطر عليها حزب واحد، أم أن التجارب التاريخية تقول غير ذلك؟

تطور صادم

في الوقت الذي احتفل فيه الديمقراطيون باحتفاظ السيناتور رافاييل وارنوك بمقعده في مجلس الشيوخ خلال جولة إعادة الانتخابات في ولاية جورجيا، ليضمنوا بذلك أغلبية مطلقة في المجلس المكون من 100 مقعد، خرجت السيناتور الديمقراطية كريستين سينيما عن ولاية أريزونا، لتعلن عبر تغريدة لها وفي وسائل الإعلام، أنها ستنسحب من الحزب الديمقراطي وتسجل نفسها كمستقلة، بعد سنوات من دعمها للمؤسسة الديمقراطية.

وعلى الرغم من تأكيدها أن هذا التحول لن يغير من مبادئها أو سلوكها، واتفاقها مع زعيم الأغلبية الديمقراطية تشاك شومر على احتفاظها بدورها في لجان المجلس، إلا أن الخطوة وتوقيتها اعتبرا تطوراً صادماً أثار شكوكاً لدى الديمقراطيين، بأن السيناتور سينيما قد تميل إلى التصويت بطريقة محافظة أكثر وتخدم أجندة الشركات المؤثرة في ولاية أريزونا، وهو ما قد يصبح شوكة في خاصرة الديمقراطيين، بخاصة وأن اعتراضاتها الغامضة على الأجندة التشريعية للرئيس جو بايدن لعبت دوراً رئيساً في عرقلة أو تخفيف أهداف السياسة الديمقراطية، التي كانت تتطلب موافقة جميع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ المنقسم 50-50 بين الحزبين الأميركيين الكبيرين خلال العامين الماضيين، وبخاصة اعتراضها على تغيير آلية التعطيل في المجلس لتمرير قانون حقوق التصويت.

لا تغيير في ميزان القوى

ومع ذلك، من غير المرجح أن تغير خطوة سينيما ميزان القوى في مجلس الشيوخ، لأنها تأتي بعد أيام من فوز الديمقراطيين بأغلبية 51 مقابل 49 مقعداً للجمهوريين، وهذا يعني أنه في حال امتناع سينيما عن التصويت، فسيمر التشريع المقترح، وفي حال انحيازها إلى الجمهوريين، فسيتطلب الأمر استدعاء نائبة الرئيس كامالا هاريس لكسر التعادل في الأصوات، وتمرير التشريع أو الموافقة على تثبيت مسؤوليين تنفيذيين أو قضاة فيدراليين رشحهم الرئيس بايدن.

ويبدو أن السيناتور سينيما التي أصبحت عام 2018 أول ديمقراطية من ولاية أريزونا تُنتخب لعضوية مجلس الشيوخ منذ 30 عاماً، وكذلك أول عضوة في مجلس الشيوخ ثنائية الجنس في تاريخ الولايات المتحدة، اختارت الاستقلال عن الحزب، بعدما أدركت أنها تواجه تحدياً محتملاً خطيراً من اليسار في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في عام 2024، ولأنها قد تخسر هذه المنافسة، فضلت أن تكون مستقلة كي تضع الديمقراطيين في موقف صعب إذا قاموا بترشيح مرشح ديمقراطي ضدها مثل النائب روبن غاليغو، لأنهم يعلمون أن ترشحها كمستقلة سيؤدي إلى تقسيم أصوات يسار الوسط وتأكيد فوز المرشح الجمهوري.

وعلى أمل أن يتنحى الديمقراطيون عن إقصائها، فإنها تقدم حجة لكيفية بقاء كل شيء على ما هو عليه الآن دون أن تضطر إلى مغادرة مجلس الشيوخ، لكن رغم هذه الخطوة الاستراتيجية الذكية لتحييد تهديد اليسار، فإن الطريق إلى الأمام لا يزال غير واضح، فقد يكون لدى سينيما كل الأسباب التي تجعلها تبدأ في الميل أكثر إلى اليمين إذا نظرت إلى الجمهوريين على أنهم جزء من ائتلافها المحتمل لإعادة انتخابها على أنها مستقلة، وهذا بدوره قد يجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى الديمقراطيين لأنهم يعملون بأغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، بخاصة وأنه وكلما زاد الضجيج الذي يمكن أن تحدثه في العامين المقبلين في الاصطفاف إلى جانب الجمهوريين في التشريعات الحاسمة، زادت احتمالية جذبها للناخبين الجمهوريين المعتدلين في انتخابات عام 2024، على الأقل من الناحية النظرية.

حكومة منقسمة

لكن رغم التداعيات المحتملة لخطوة السيناتور سينيما، تبلور إحساس عام في المشهد السياسي للكونغرس المقبل، رقم 118، بأن الحكومة المنقسمة التي نتجت عن احتفاظ الديمقراطيين بالسيطرة في مجلس الشيوخ، بينما يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب، من شأنها أن تثير كثيراً من المخاوف حول جمود تشريعي نظراً إلى الأولويات السياسية المختلفة للحزبين الرئيسَين، حيث يتوقع مراقبون كثر أن يمرر كل حزب مشاريع قوانين في الغرفة التشريعية التي يسيطر عليها، التي لا تحظى بفرصة تذكر في الغرفة الأخرى، وبالتالي لن تكون هناك فرصة حقيقة لأن يصبح قانوناً.
ومن الناحية المنطقية، يعني هذا وجود هيئة تشريعية أقل إنتاجية من تلك التي يسيطر فيها حزب واحد له جدول أعمال موحد على كل من المجلسين والرئاسة، لكن البعض يرى أن الحكومة المنقسمة مثل ما ستشهده الدورة التشريعية المقبلة، لن تؤدي إلى نتائج تشريعية مختلفة كثيراً عن الحكومة الموحدة لأسباب عدة.

قليل من التشريعات

السبب الأول في أن الحكومة المنقسمة ليست أقل إنتاجية من الحكومة الموحدة هو أن "الحكومة الموحدة ليست منتجة للغاية في المقام الأول، لأنه من الصعب تمرير القوانين حتى عندما يسيطر نفس الحزب على المجلسين والرئاسة"، بحسب ما يقول ماتيوس هاريس أستاذ العلوم السياسية في جامعة بارك الأميركية.  

ويعود ذلك إلى أن معظم التشريعات تمرر في مجلس الشيوخ فقط إذا حصل التشريع على 60 صوتاً اللازمة لكسر آلية المماطلة أو التعطيل، وهو حاجز لم يقترب أي من الحزبين من تجاوزه لتحقيق ما يسمى "الأغلبية المانعة للتعطيل" منذ عام 2010، عندما احتل الديمقراطيون 60 مقعداً لفترة وجيزة قبل وفاة تيد كينيدي سيناتور ولاية ماساتشوستس وانتخاب الجمهوري سكوت براون لهذا المقعد، وبالتالي لم تتمكن الحكومات الموحدة من تمرير التشريعات غالباً إلا عندما تحظى بدرجة معينة من دعم حزب الأقلية.

طريقة معقدة لتجاوز الأقلية

ومع ذلك فإن هناك طريقة لفرض تمرير التشريعات عندما لا يرغب حزب الأقلية في مجلس الشيوخ في تمريرها، وتتمثل بما يُسمى "تسوية خلافات الموازنة" وهي عملية لا تخضع لآلية المماطلة أو التعطيل التي تقتضي موافقة 60 عضواً، وتسمح بتمرير التشريع بالأغلبية البسيطة، ولكنها عملية معقدة ولا يمكن استخدامها إلا للأشياء التي تغير الإنفاق (الأموال التي تدفعها الحكومة الفيدرالية) أو الإيرادات (الأموال التي تأخذها الحكومة الفيدرالية) كما يجب استخدامها مرة واحدة كل عام وألا تتعارض مع عدد من الشروط.

واستخدم الحزبان آلية "تسوية خلافات الميزانية" مرات عدة حيث استخدمها الديمقراطيون لتمرير قانون خفض التضخم هذا العام، كما تم استخدامها لتمرير حزمة إغاثة "كوفيد-19" في وقت مبكر من إدارة بايدن، واستُخدمت أيضاً في إدارات سابقة مثل إدخال بعض التغييرات في قانون الرعاية الصحية لعام 2010، واستخدمها الجمهوريون لتمرير تخفيضات ضريبية في عام 2017، وكذلك في محاولتهم الفاشلة لإلغاء قانون الرعاية الصحية "أوباما كير" خلال رئاسة دونالد ترمب، بسبب اعتراض ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين وهم جون ماكين وليزا موركوفسكي وسوزان كولينز الذين اصطفوا إلى جانب الديمقراطيين، وهذا عامل آخر يؤكد أنه لا ضمانة بأن يكون حزب الأغلبية موحداً طوال الوقت.  

دعم الأقلية ضروري

وبالنظر إلى التشريعات الجديدة التي تم إقرارها من المجلسين بين عامي 2011 و2020، نجد أن الغالبية العظمى التي أجازها مجلس النواب (نحو 90 في المئة) وتلك التي أجازها مجلس الشيوخ (نحو 75 في المئة) أيدتها أغلبية أعضاء حزب الأقلية، كما يتضح أيضاً أن التشريعات الأكثر أهمية التي تكتسب صفة تاريخية، كانت تحظى عادة بدعم معظم أعضاء حزب الأقلية في مجلس واحد على الأقل، وعلى سبيل المثال، تم تعديل وتنقيح اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) عام 2020 بدعم ساحق من الحزبين في مجلسي النواب والشيوخ، كما تم إقرار مشروع قانون الدفاع الذي أنشأ القوة الفضائية في عهد الرئيس ترمب بنفس الدعم من الحزبين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تجاوز الالتزام الحزبي

وعلاوة على ذلك، قد توفر الحكومة المنقسمة فرصاً لاختراقات تشريعية يتجاوز خلالها بعض الأعضاء قاعدة الالتزام الحزبي في التصويت وذلك بسبب اعتبارات أخرى تتعلق بالتوجه المحلي للدوائر الانتخابية للأعضاء في المجلسين، حينما يحتاج المشرعون إلى الاستجابة للناخبين في منطقتهم.

ووفقاً لتحليل صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد فاز الجمهوريون في مجلس النواب في 10 من أكثر المناطق تنافسية، بما في ذلك خمسة في ولاية نيويورك وحدها، لكن "مؤشر كوك" الذي يقيس مدى ميل المنطقة لصالح حزب أو آخر، يصنف بعض هذه المناطق على أنها تميل لصالح الحزب الديمقراطي، ما قد يعطي هؤلاء الأعضاء الجمهوريين في الكونغرس سبباً لتجاوز الخط الحزبي أحياناً والتصويت مع الديمقراطيين، وهو أمر ينطبق أيضاً على المشرعين الديمقراطيين الذين تميل مقاطعاتهم إلى الحزب الجمهوري.

عقاب الناخبين للمشرعين

وتشير الأبحاث التي أجريت على ممثلي الدوائر المختلطة، إلى أنه بينما تسعى الأحزاب إلى الحفاظ على جبهة موحدة، فإن الناخبين قد يعاقبون أعضاء الكونغرس الذين يلتزمون بخط الحزب بشكل وثيق، ما يوفر حافزاً محتملاً لكسر قاعدة الالتزام الحزبي. وعلى سبيل المثال، عانى المشرعون الديمقراطيون في المناطق ذات الميول الجمهورية الذين صوتوا لصالح قانون الرعاية الميسرة أو مشروع قانون التنظيم المالي أو مشروع قانون التحفيز، وجميع أولويات الحزب الديمقراطي، في الانتخابات النصفية عام 2010، وحصلوا على حصة تصويت أقل من أولئك الذين صوتوا ضد هذه التشريعات، وفي كثير من الحالات، خسر هؤلاء المشرعون مقاعدهم.

وقد تكون الانشقاقات أكثر احتمالاً في ظل القيادة الضعيفة، وليس من المؤكد حالياً معرفة مدى قوة رئيس مجلس النواب الجديد وقدرته على إحكام السيطرة على الأغلبية الضئيلة من أعضاء الحزب الجمهوري، وبخاصة أولئك الذين يأخذون في اعتبارهم آراء ناخبيهم وميولهم.

إنجازات الحكومة المنقسمة

هناك أمثلة عدة على الإنجازات التشريعية الكبيرة التي تم إقرارها خلال فترات الحكومات المنقسمة، حيث أنتجت هذه الحكومات قانون إصلاح الرعاية الاجتماعية في تسعينيات القرن الماضي، وقانون إصلاح الضمان الاجتماعي في الثمانينيات، إضافة إلى إقرار قانون المساعدة والإغاثة والأمن الاقتصادي الخاص بفيروس كورونا بأغلبية ساحقة في مجلس الشيوخ من الجمهوريين والديمقراطيين في شهر مارس (آذار) 2020 خلال حكم الرئيس ترمب.

وإضافة إلى ذلك، كانت هناك أوقات أخرى استفادت خلالها الحكومات الموحدة بإقرار التشريعات بدعم ضئيل من حزب الأقلية، وكان من بينها قانون الرعاية الميسرة والتخفيضات الضريبية خلال حكم ترمب أيضاً، لكن ذلك لا ينفي أن الانتصارات التشريعية التي يوافق عليها الحزبان هي الأكثر شيوعاً.

تبعات أخرى

وفي حين لا تتوافر تباينات كبيرة في إقرار التشريعات الأكثر أهمية في عهد الحكومات المنقسمة مقارنة بالحكومات الموحدة، إلا أنه ربما تكون هناك تداعيات مختلفة لسيطرة الحزب الجمهوري على مجلس النواب أكثر من المخاوف بشأن الجمود التشريعي، فقد تحدث الجمهوريون في مجلس النواب بالفعل عن استخدام سلطاتهم في الغرفة للتحقيق مع عدد من الأشخاص المستهدفين، على رأسهم هانتر بايدن نجل الرئيس الأميركي. وتلوح في الأفق مواجهة حول الحد المسموح به لسقف الديون، فقد يستخدم الحزب الجمهوري تهديده بالتخلف عن سداد ديون الحكومة الأميركية لفرض تخفيضات في الإنفاق، وهو خلاف استمر على مدى السنوات الـ10 الماضية.

المزيد من متابعات