Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ميزات الثورة الراهنة في إيران

إذا تجاوبت الفئات الرمادية بالمجتمع الإيراني مع دعوات الالتحاق بالثوار ستتغير الكفة لصالح المعسكر المناهض للسلطة

التظاهرات والإضرابات لم تهدأ في إيران على رغم القمع المفرط (أ ف ب)

اختلف المحللون في ما يخص وصف ما يجري من أحداث في إيران منذ الـ16 من سبتمبر (أيلول) الماضي، التي وصفتها في مقالات سابقة بأنها ثورة في بعض مراحلها، أي إنها انتفاضة ثورية، لكن ما ميزاتها وما تشابهاتها واختلافاتها مع الثورات العربية؟ وإلى أين وصلت هذه الاحتجاجات والتظاهرات والإضرابات التي لم تهدأ على رغم القمع المفرط وقتل مئات من الأطفال والنساء والرجال؟ وللرد على ذلك يجب أن نقتفي مسار الأحداث ونستمع إلى تصريحات المسؤولين الكبار بل والأطراف الأجنبية.

ولقراءة الوضع الراهن سنركز على التسريبات التي ظهرت في الآونة الأخيرة ومعظمها تم إثر حملة إلكترونية قامت بها مجموعة "بلاك ريوارد" على وكالة "فارس" التابعة للحرس الثوري. وجاء في أحد التسريبات وهو تقرير سري مقدم من نائب مدير الوكالة إلى الجنرال حسين سلامي قائد قوات الحرس الثوري، أن "الروس وضعوا نتائج رصدهم لأجهزة الاستخبارات الغربية التي تؤكد أن الشعب الإيراني يعيش في وضع ثوري".

التسريبات تظهر إرهاق قوات القمع

منذ انطلاق الاحتجاجات في مدينة سقز الكردية ومن ثم اتساعها إلى العاصمة وسائر المحافظات والأقاليم الإيرانية تتأرجح لغة المسؤولين بين التهديد والوعيد.

لقد هدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومسؤولون آخرون المحتجين، غير أن المرشد الأعلى علي خامنئي لم ينبس ببنت شفة إلا بعد مرور نحو شهر على الانتفاضة، إذ كان يتوقع أن تسيطر قوات الشرطة والباسيج على الوضع لكن لم يحدث ذلك. وبعد مرور نحو شهرين على التظاهرات والاحتجاجات ظهر القائد العام لقوات الحرس الثوري مهدداً المتظاهرين، مطالباً بأن تنتهي فوراً وفي اليوم نفسه. وعقب فشل كل التهديدات خرج علينا رئيس السلطة القضائية محسني ايجئي بفتح باب الحوار مع المحتجين وكررها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومسؤولون آخرون، غير أن الناس لم تأخذ كلام ايجئي ورئيسي بعين الجد واعتبروه محاولة لشراء الوقت لإخماد الانتفاضة.

في أول تسجيل مسرب أكد شكوهي المساعد الأمني لوزارة الاستخبارات أن "الانتفاضة فاجأتنا وشلت عمل النظام"، مؤكداً "أننا فشلنا في فهم ما يقوم به الشباب في المجتمع الإيراني". وكان هذا اعتراف بتأثير الانتفاضة بعد مرور نحو شهر ونصف على عمرها.

وقبل نحو أسبوعين وفي تسجيل مسرب آخر، يقول الجنرال قاسم قريشي في اجتماع سري مع مديري وسائل الإعلام التابعة للنظام إن المحتجين يستعدون لخوض ثورة طويلة الأمد، وأن قوات الشرطة والتعبئة (الباسيج) المكلفة قمع الانتفاضة مرهقة، ويؤكد المديرون أن إضراب الأسواق الكبرى – البازار – في يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي شمل 22 محافظة من أصل 31 منها طهران، ويعربون عن قلقهم إزاء فشل الحكومة في الحرب الإعلامية، إذ أكد لهم علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في اجتماع سابق معهم "لقد فشلنا بشكل كامل في الحرب المعرفية والإدراكية والإعلامية"، مضيفاً أن الدولة الإسلامية تواجه أزمة من الوزن الثقيل والناس غاضبون.

وبحسب التسريب الصوتي، فإن المرشد الأعلى علي خامنئي قال خلال لقائه مع قائد الشرطة الإيرانية حسين أشتري، "حذار أن تفقدوا الثقة في أنفسكم". وطالب مسؤولو وسائل الإعلام الرسمية في الاجتماع بزيادة رواتب القوات الخاصة للشرطة، مؤكدين "لا تأتينا أنباء جيدة من أوضاع قوات الشرطة، فهم متعبون ومستاءون، لا سيما بعد أحداث سيستان – بلوشستان".

وفي يوم السبت 27 نوفمبر الماضي تحدث خامنئي في حشد من قوات الباسيج حول دور هذه القوات داخل إيران وخارجها قائلاً: "لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون". وهذا يعني أن هذه القوات أرهقت في قمعها للاحتجاجات والإضرابات الواسعة في إيران وهو بذلك ينوي مقارنة وضعها المهزوم مع هزيمة قوات المسلمين في غزوة أحد ويعزز معنوياتهم.  

وعلى رغم التكتم على التصدعات التي حدثت في صفوف السلطة الإيرانية إلا أن التسريبات المذكورة تؤكد انتقادات صريحة وجهها خامنئي ومسؤولون آخرون للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني وقائد قوات الشرطة الإيرانية الجنرال حسين اشتري بسبب ضعف هؤلاء في القضاء على الانتفاضة. كما أنها أكدت اعتقال 115 عسكرياً شاركوا في الاحتجاجات قبل نحو شهر، وكذلك اعتقال أقرباء لبعض أئمة الجمعة ولمسؤولين عسكريين وسياسيين.

ميزات الانتفاضة الثورية

من المعروف أن إيران تشهد منذ عقود، عدم تكافؤ في التنمية الاقتصادية والسياسية والثقافية بين المركز، أي المناطق الفارسية، وبين المحيط، أي مناطق القوميات غير الفارسية، وقد ظهر ذلك جلياً في هذه الانتفاضة المستمرة لنحو ثلاثة أشهر، إذ نرى التظاهرات في مدن إقليم بلوشستان - ذات الأغلبية البلوشية السنية - تنطلق بعد صلوات الجمعة ومن المساجد إلى الشوارع ويقودها رجال دين سنة، فيما لا نرى ذلك في سائر مناطق إيران، بل ولا نراه حتى في إقليم كردستان الذي يضم أغلبية كردية سنية حيث تقود نضاله أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني ولم يكن لرجال الدين إلا دور ثانوي. وفي سائر مناطق إيران أيضاً لم تنطلق التظاهرات والاحتجاجات من المساجد بل تقام في الشوارع والحارات والجامعات ولا دور لرجال الدين فيها بل وقف معظمهم ضدها.

وفيما تقوم النساء في معظم مناطق إيران بحرق الخمار وحجاب الرأس كنموذج للفرض الحكومي، تتظاهر النساء في زاهدان عاصمة بلوشستان بالحجاب التقليدي وتردد هتاف "بالحجاب ومن دون حجاب، إلى الأمام للثورة"، وفيما لم نشهد أي هتاف ديني في معظم مدن إيران بل ونسمع هتافات علمانية تطالب بطرد رجال الدين من السلطة، نشاهد رجل دين يوصف بالمولوي عبدالحميد إسماعيل زهي – الزعيم الروحي لأهل السنة – على رأس الحركة السياسية المناوئة للحكومة في بلوشستان وإلى جانبه رجال دين وأئمة مدن أخرى في هذا الإقليم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فالحراك يتفاوت من منطقة إثنية إلى منطقة أخرى، إذ لا نشاهد حراكاً واسعاً في إقليم الأحواز لأسباب خاصة تتعلق بطموحات شعب هذا الإقليم العربي وتجاربه السابقة مع القومية المهيمنة، لكننا نشهد تظاهرات واحتجاجات في إقليم أذربيجان - ذي الأغلبية التركية الشيعية - على رغم أنها لم تصل إلى مستوى ما تقوم به بلوشستان وكردستان. فعلى سبيل المثال يصل عدد القتلى في إقليمي بلوشستان وكردستان نحو 50 في المئة من كل عدد القتلى في إيران خلال الأيام الـ80 الماضية من عمر الثورة، فيما لا يشكل الإقليمان إلا نحو 20 في المئة من سكان إيران.

ولا بد أن أشير إلى تأثير الحركة النسوية العالمية "أنا أيضاً"(#MeToo)  على الحركة النسوية الإيرانية، وهذا ما نراه في المركز أكثر من المحيط.

مقارنة بين الثورات في إيران والجزائر والسودان

لقد استغرقت ثورات الربيع العربي من 28 إلى 414 يوماً، وفي مجال المقارنة بين الثورتين الجزائرية والسودانية الأخيرتين من جهة، والثورة الإيرانية الراهنة من جهة أخرى، يمكن أن نشير إلى ميزات كل منها والفترة التي استغرقت حتى سقوط الأنظمة الاستبدادية فيها.

فبعد عام تقريباً من التظاهرات والإضرابات في الجزائر سقط عبدالعزيز بوتفليقة في العام 2020 بعد نحو 20 عاماً من الحكم الفردي الاستبدادي، غير أن التظاهرات في الجزائر كانت دوماً جماهيرية وحاشدة. وفي مثال ثورة السودان وبسبب تنوع البلاد العرقي والإثني، يماثل الوضع كثيراً ما يجري حالياً في إيران، إذ استغرقت الثورة السودانية ضد حكم عمر البشير نحو أربعة أشهر، أي من أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2018 إلى أوائل أبريل (نيسان) 2019. وتضم السودان عرقيات وشعوباً مختلفة كما هو في إيران، التي قام بعض منها بحركات مسلحة قبل وقوع الثورتين فيهما. ونظراً إلى بعض ميزات المجتمع الإيراني، بما فيه انبثاق النظام الإسلامي في إيران من أحضان ثورة شعبية قياساً بنظام عمر البشير الإسلامي المنبثق من انقلاب عسكري، يمكن أن نتوقع أن تكون الثورة في إيران أكثر تعقيداً بل وأن تستغرق عملية إسقاط أو تغيير النظام الإيراني أكثر مما استغرقته ثورة السودان التي لا تزال تصارع من أجل بلوغ الديمقراطية في البلاد.

كما يمكن القول إن نظام الجمهورية الإسلامية فقد شعبيته بشكل كبير ولم يتمتع بدعم الناس إلا بنسبة ضئيلة، ولا يشكل علي خامنئي وحفنة من رجال دين والقادة العسكريين الذين يحكمون إيران إلا عصابة أو مافيا تحكم بالحديد والنار. وفي الوضع الراهن هناك توازن للقوى بين معسكري السلطة من جهة والمنتفضين من جهة أخرى، ويراهن كل معسكر على إرهاق الطرف الآخر، لكن السلطة هرمة لا تستطيع تجديد نفسها بسهولة، بينما الشعب المنتفض يتجدد بقوة دائماً، والتعويل حالياً على الفئات الرمادية في المجتمع الإيراني، فإذا تجاوبت مع دعوات الالتحاق بصفوف الثورة، ستتغير الكفة لصالح المعسكر المناهض للسلطة.

المزيد من تحلیل