ملخص
خلال الأشهر الأربعة الماضية توالت حوادث طائرات "بوينغ" لكنها لم تقتصر على طراز "ماكس 737" بل شملت طرزاً أخرى من إنتاج الشركة.
لعقود طويلة كان شعار "إذا لم تكن بوينغ، فلن أذهب" بمثابة شهادة على ثقة الركاب والجودة والسلامة التي توفرها عملاق صناعة الطائرات الأميركية، لكن سريعاً بدأت الأمور تتدهور منذ مطلع العام الحالي مع توالي حوادث الطيران التي كان بطلها طائرات "بوينغ 737 ماكس".
بدأت سلسلة الحوادث هذه في يناير (كانون الثاني) الماضي عندما انفصل أحد أبواب طائرة تابعة لشركة "ألاسكا إيرلاينز" الأميركية بعد إقلاعها، مما دفع بدول عدة حول العالم لإيقاف تشغيل طائرات "بوينغ 737 ماكس 9"، وهو ما أدى بدوره إلى إلغاء عشرات الرحلات الجوية.
حوادث عديدة وضحايا
جاءت الحادثة فيما شهدت شركة الطيران العملاقة في السنوات الأخيرة أعطالاً فنية عدة بعد تحطم طائرتين من طراز "737 ماكس". وأدت هذان الحادثتان اللتان تسببتا في مصرع 346 شخصاً في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 ومارس (آذار) 2019، إلى بقاء الطائرة "737 ماكس" على الأرض لمدة 20 شهراً، قبل السماح لها من جديد بالتحليق.
ولم تسمح إدارة الطيران الفيدرالية بعودة هذه الطائرة للخدمة إلا بعد إجراء تعديلات على نظام التحكم في الطيران، الذي تسبب في الحادثتين آنذاك.
لكن خلال الأشهر الأربعة الماضية توالت الحوادث التي لم تقتصر على "ماكس 737"، بل شملت طرزاً أخرى من إنتاج الشركة. ففي شهري يناير ومارس الماضيين وقعت ست حوادث بمعدل ثلاث في كل منهما تعلقت بتحطم أجزاء من الطائرة أو مشكلة في المحرك أسفرت عن خروج نيران منه أو انفصال إطارات الطائرة أثناء الهبوط أو الإقلاع وصولاً إلى تسرب الأوكسجين، إضافة إلى حادثة في فبراير (شباط) الماضي عندما تعرضت إحدى طائرات "بوينغ" لتلف في الجناح.
وخلال أبريل (نيسان) الماضي، اضطرت طائرة "بوينغ" تابعة لخطوط "ساوث ويست" الأميركية، إلى العودة لمطار دنفر الدولي بعد وقت قصير على إقلاعها عندما انخلعت قلنسوة المحرك وبدأت بضرب طرف الجناح أثناء الإقلاع.
وسجلت طائرات بوينغ ثلاث حوادث خلال يومين فقط في الأسبوع الثاني من شهر مايو (أيار) الجاري، شملت طرازي "737" و"767". ففي الثامن من الشهر نفسه، هبطت طائرة "بوينغ-767" اضطرارياً واصطدمت بأرضية مدرج مطار إسطنبول الدولي في تركيا، بسبب تعطل نظام الهبوط.
وفي اليوم التالي، أي التاسع من مايو الجاري، خرجت طائرة ركاب من طراز "بوينغ-737" عن المدرج خلال إقلاعها من مطار داكار الدولي في السنغال، مما تسبب في إصابة 11 شخصاً وإغلاق المطار لمدة 12 ساعة. وفي اليوم نفسه، تعرضت طائرة "بوينغ-737" لحادثة أثناء هبوطها بمطار في أنطاليا التركية، إثر انفجار الإطار الأمامي للطائرة أثناء الهبوط.
لا تقتصر المخاوف المتعلقة بالسلامة على طائرات "ماكس"، فالأسبوع الماضي أعلنت إدارة الطيران الاتحادية الأميركية إجراء تحقيق جديد في شأن شركة "بوينغ" بعد أن كشفت الشركة عن أن بعض موظفيها تخلوا عن فحص طائراتها المخصصة للمسافات الطويلة من طراز "787 دريملاينر"، إذ ستحقق الإدارة الحكومية فيما إذا كانت عمليات التفتيش اللازمة أجريت وتنظر في مزاعم تزوير في السجلات الخاصة بالفحوصات المطلوبة.
ولاحظ موظف في "بوينغ" انتهاكاً لمتطلبات التفتيش وأبلغ الإدارة، بحسب ما كتب مدير "برنامج 787" سكوت ستوكر في رسالة بريد إلكتروني إلى القوى العاملة، ثم اكتشفت الشركة أن "عديداً من الأشخاص" في المصنع في ولاية ساوث كارولينا الأميركية لم يجروا الاختبارات المطلوبة، لكنهم لاحظوا أنه تم تسجيل العمل على إنه مكتمل في الوثائق. وأكدت الشركة المصنعة أنها أبلغت إدارة الطيران الاتحادية على الفور بالانتهاك.
حوادث وفاة غامضة
أزمات "بوينغ" المستمرة منذ سنوات لم تقف عند إجراءات السلامة وحوادث الطيران، إذ تخضع الشركة لتحقيقات ومراقبة مكثفة من الحكومة الأميركية، بعد اتهامات موظفين سابقين للشركة بالقيام بممارسات سيئة، لكن ثمة حوادث وفاة غامضة زادت القلق والجدل حول "بوينغ". ففي مارس الماضي، عثر على موظف سابق في الشركة ميتاً داخل سيارته جراء إصابته بطلق ناري في رأسه، وذلك بعد أيام قليلة من الإدلاء بشهادته في دعوى قضائية ضدها.
كان جون بارنيت الذي عمل مهندس مراقبة الجودة لدى "بوينغ" لأكثر من ثلاثة عقود، معروف بإثارة المخاوف حول معايير إنتاج الطائرات بالشركة. وكشف في عام 2019، بعد عامين من تقاعده، عن أن شركة "بوينغ" سارعت إلى إخراج طائراتها من طراز "787 دريملاينر" من خط الإنتاج وإدخالها في الخدمة، كما أجرى عديداً من المقابلات الصحافية تحدث فيها كيف قدم شكوى داخلية إلى الشركة غير أنها لم تتخذ أي إجراء، مما دفعه إلى إعلان الأمر حرصاً على السلامة العامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعد شهرين فقط على الوفاة الغامضة لبارنيت، توفي جوشوا دين مدقق الجودة السابق في شركة "Spirit AeroSystems" الموردة الرئيس لشركة "بوينغ" وأحد أوائل المبلغين عن عيوب التصنيع في طائرة "ماكس737"، بعد "صراع مع عدوى مفاجئة وسريعة الانتشار"، وفق ما نشر بوسائل الإعلام. ففي حين لم يكن دين البالغ من العمر 45 سنة، يعاني أي أمراض، فإنه أصبح في حال حرجة قبل أسبوعين من وفاته، إذ ذكر أنه أصيب بعدوى بكتيرية تسببت في فشل في الأعضاء.
الشركة تقر
في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أقر المتحدث الرسمي باسم شركة "بوينغ" بأن حادثة "ألاسكا إيرلاينز"، وما تلاه جنباً إلى جنب مع النتائج الأخيرة التي توصل إليها العملاء "توضح أننا لسنا في المكان الذي يجب أن نكون فيه".
وأكد أن الشركة تتخذ إجراءات فورية لتعزيز ضمان الجودة وضوابطها. ومع ذلك، لم يتطرق المتحدث باسم الشركة إلى حادثتي وفاة بارنيت ودين، وما يثار من شبهات في شأن تورط الشركة في الأمر، في رده على أسئلتنا.
وقال المتحدث باسم عملاق صناعة الطائرات الأميركية، إن "السلامة هي جوهر هوية الشركة وما نفعله كفريق عمل. الناس في جميع أنحاء العالم يسافرون على منتجاتنا كل يوم، وليس هناك ما هو أكثر أهمية من سلامتهم". وأشار إلى أن الشركة اتخذت خطوات مهمة في السنوات الأخيرة لتعزيز أساس نظام إدارة الجودة (QMS) وطبقات الحماية الخاصة به.
وسرد المتحدث باسم "بوينغ" أهم الإجراءات التي تسعى الشركة إلى اتخاذها في سبيل إصلاح الضرر الذي وقع بصورتها، إذ تخطط لمزيد من عمليات الفحص وتكثيف عمليات تدريب فرق الجودة ومراجعة عمل شركة "سبيريت"، قائلاً "نخطط لإجراء عمليات فحص إضافية طوال عملية البناء في بوينغ وسبيريت. ستوفر هذه الفحوص مزيداً من التدقيق إضافة إلى آلاف عمليات التفتيش التي يتم إجراؤها اليوم عبر كل طائرة من (طراز 737)، وستعتمد على المراجعات التي قمنا بتنفيذها للكشف عن حالات عدم المطابقة المحتملة".
وأشار إلى أنه منذ عام 2019، تمت زيادة عدد مفتشي الجودة في الطائرات التجارية بنسبة 20 في المئة، فيما تخطط الشركة للقيام بمزيد من الاستثمارات في وظيفة الجودة. وتابع أن فريق "بوينغ" يفحص حالياً تركيب "سبيريت" لسدادة باب الخروج الأوسط والموافقة عليها قبل أن يتم شحن قسم جسم الطائرة إلى "بوينغ"، مضيفاً "نقوم أيضاً بفحص أكثر من 50 نقطة أخرى في عملية بناء (سبيريت) وتقييم خطط البناء الخاصة بها وفقاً للمواصفات الهندسية".
"سبيريت" تنتج أجساماً معيبة
ومجدداً أثار مدير الجودة السابق لدى شركة "سبيريت إيروسيستمز" سانتياغو براديس المخاوف حول طائرات "737 ماكس"، كاشفاً في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" الخميس الماضي عن أن أجسام الطائرات التي توفرها "سبيريت" لشركة "بوينغ" طالما كانت تغادر المصانع بعيوب خطرة.
وقال الموظف الذي عمل لمدة 12 عاماً بالشركة، إنه معتاد على اكتشاف عيوب "ما بين 50 إلى 100 أو 200" في جسم الطائرة - الجسم الرئيس للطائرة - التي كان من المقرر شحنها إلى "بوينغ"، لدرجة أنه "كاد أن يصاب برهاب الطيران".
رفض المتحدث باسم بوينغ التعليق على أسئلة "اندبندنت عربية" في شأن شهادة براديس وعما إذا كانت الشركة تعلم بعيوب التصنيع هذه، وطلب التواصل مع شركة "سبيريت" في ما يتعلق بهذه الادعاءات، لكنه أوضح في رسالة بريدية منفصلة أن شركة "بيونغ" اتخذت إجراءات مهمة لتحسين جودة أجسام الطائرات التي تنتجها شركة "سبيريت".
وأوضح أنه في الأول من مارس الماضي، نقلت "بوينغ" فرق الفحص وإعادة التشغيل لمصنع شركة "سبيريت" في ويتشيتا، ومنذ ذلك الحين سمح فقط بشحن أجسام الطائرات التي يتم فحصها بالكامل، قائلاً "أدى هذا الإجراء إلى تقليل حالات عدم المطابقة بنسبة 80 في المئة".
وأشار إلى مناقشات أجريت في مارس الماضي لاستحواذ "بوينغ" على شركة "سبيريت"، قائلاً "لقد عملنا بشكل وثيق مع شركة (سبيريت إيروسيستم) وقيادتها لتعزيز جودة الطائرات التجارية التي نبنيها معاً. نؤكد أن تعاوننا أدى إلى مناقشات أولية حول لجعل (سبيريت إيروسيستم) جزءاً من (بوينغ) مرة أخرى".
وتابع "نعتقد أن إعادة تكامل عمليات التصنيع الخاصة بشركتي (بوينغ) و(سبيريت إيروسيستم) من شأنه أن يزيد من تعزيز سلامة الطيران وتحسين الجودة وخدمة مصالح عملائنا وموظفينا ومساهمينا"، ومع ذلك أشار إلى عدم وجود ضمان بالتوصل إلى اتفاق في شأن عملية الاستحواذ.
من جانبها ذكرت شركة "سبيريت إيروسيستم" في بيان أنها "لا تتفق بشدة" مع مزاعم براديس الخاصة بإرسال أجزاء معيبة من الطائرات لشركة "بيونغ"، وقال متحدث باسم الشركة، التي لا تزال أكبر مورد لـ"بوينغ"، "نحن ندافع بقوة ضد ادعاءاته".
ووفق المحققين في حادثة طائرة "ألاسكا إيرلاينز"، فإنه تم تركيب الباب في الأصل بواسطة شركة "سبيريت"، لكن تمت إزالته لاحقاً بواسطة فنيي "بوينغ" لتصحيح التثبيت الخاطئ. ودفعت هذه الحادثة الجهة التنظيمية الأميركية (إدارة الطيران الفيدرالية) إلى إطلاق عملية تدقيق لممارسات الإنتاج في الشركتين. ووجدت حالات متعددة حيث فشلت الشركات في الامتثال لممارسات مراقبة التصنيع.