Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

8 أيام انتظار في قسم الطوارئ: داخل أزمة الرعاية النفسية والعقلية في بريطانيا

من تقديم المشورة مروراً بالرعاية المجتمعية وصولاً إلى أقسام الطوارئ، خدمات الصحة العقلية والنفسية التابعة لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" في المملكة المتحدة على حافة الهاوية - والمرضى هم الذين يعانون. كم هو قريب انهيار هذا النظام؟

عدد المرضى الذين ينتظرون أكثر من 12 ساعة في أقسام الطوارئ بلغ أربعة أضعاف الرقم الذي كان عليه قبل سنتين (رويترز)

يواجه مرضى الاضطرابات العقلية والنفسية في المملكة المتحدة صعوبات متزايدة من أجل الحصول على المساعدة على جميع مستويات "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" NHS ، بدءاً بالأرقام القياسية لحالات التأخير "غير المقبولة" في إحالة المرضى إلى الجهة المختصة اللازمة، وصولاً إلى اضطرارهم إلى الانتظار حتى ثمانية أيام في أقسام الحوادث والطوارئ A&E قبل حصولهم على سرير في المستشفى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا وتكشف أرقام اطلعت عليها "اندبندنت" أن عدد المرضى الذين ينتظرون أكثر من 12 ساعة في أقسام الطوارئ يبلغ أربعة أضعاف الرقم الذي كان عليه قبل سنتين.

في المجتمعات المحلية، هناك ما يزيد على 16 ألف شخص بالغ و20 ألف طفل ممن يحتاجون إلى تلقي الرعاية اللازمة من "هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، ولكنهم عاجزون عن الوصول إلى خدمات أساسية كل شهر.

كما أن نحو 80 في المئة من الأشخاص المؤهلين للاستفادة من الاستشارة النفسية في  هيئة الخدمة الصحية يتركون في الانتظار طوال أكثر من ثلاثة أشهر قبل إعطائهم موعداً آخر، علماً أن العلاج يبدأ عادة في هذه المرحلة.

يقول قادة الخدمات الصحية في بريطانيا إن "قلقاً كبيراً يعتريهم" جراء النقص في الموارد المتاحة للتعامل مع ارتفاع الطلب، محذرين من أن أزمة المعيشة التي تجتاح البلاد ستفاقم حدة هذه المشكلة.

فراش على الأرض في قسم الطوارئ

ذهبت مونيكا سميث إلى قسم الحوادث والطوارئ في لويسهام الشهر الماضي بعدما ساءت حالها الصحية العقلية والنفسية إثر نفاد أدويتها وعدم حصولها على مزيد.

تقول الشابة ذات 32 عاماً: "قيل لي، ’لم نجد أي أسرة شاغرة، لا سرير متوفراً في البلد برمته أو المنطقة بأكملها، لذا ستحصلين على سرير في قسم الحوادث والطوارئ، ونأمل في أن يتوفر لك سرير في الصباح‘".

بدأت مونيكا بالهلوسة فقدم لها المختصون دواء يهدئ من روعها، ولكن في الصباح لم يكن قد توفر أي سرير بعد. قالت إن الأطباء حاولوا إعادتها إلى المنزل، لكن خدمات الدعم الخاصة باضطرابات الصحة العقلية والنفسية تفقدت حالتها ثلاث مرات خلال الأيام التالية، وارتأت في كل مرة أنها مريضة جداً.

عوض ذلك، بقيت مونيكا في ملحق قبالة قسم الحوادث والطوارئ برفقة مرضى آخرين يعانون حالات عقلية ونفسية. حيث أشارت: "كنت أتمدد على ما يشبه الفراش ، فراش للصحة العقلية والنفسية على الأرض من دون سرير." ومر نحو ثمانية أيام قبل نقلها من قسم الحوادث والطوارئ إلى جناح في مستشفى.

ارتفاع عدد حالات الانتظار لأكثر من 12 ساعة في قسم الحوادث والطوارئ

"مستشفى ساوث لندن آند مادسلي" South London and Maudsley  التابع لـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية"، التي تقدم خدمات الصحة العقلية والنفسية في المنطقة، أشارت إلى الطلب المتزايد على الأسرة، لكنها في الوقت نفسه أكدت على زيادة قدرتها الاستيعابية. من ناحيتها أوضحت مستشفى "ليوشام وغرينيتش" Lewisham and Greenwich Trust  أن لا خيار لديها سوى إبقاء المرضى في قسم الحوادث والطوارئ أثناء انتظار الأسرة.

والحال أن صدى فترات الانتظار الطويلة التي يقاسيها مرضى الصحة العقلية والنفسية يتردد في مختلف أقسام الطوارئ في أنحاء البلاد. حيث تكشف بيانات داخلية لدى "هيئة الخدمات الصحية والوطنية" أنه في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، اضطر مريض واحد من كل أربعة مرضى يعانون اضطرابات في الصحة العقلية والنفسية إلى الانتظار أكثر من 12 ساعة في قسم الحوادث والطوارئ قبل خضوعهم للفحص الطبي اللازم، وهي نسبة أعلى بأشواط مقارنة مع المرضى الذين ينتظرون الحصول على رعاية جسدية طارئة.

حتى أن فترة الانتظار للحصول على سرير قد تكون أطول بكثير، ففي سبتمبر (أيلول) نشرت "الكلية الملكية لطب الطوارئ" تقريراً أبلغ فيه أطباء عن فترات انتظار استمرت 15 و20 يوماً.

في حديث إلى "اندبندنت"، قالت وزيرة الصحة العقلية والنفسية في حكومة الظل، الدكتورة روزينا ألين خان، أن "أحداً لا يجب أن يجد نفسه عالقاً في أزمة الصحة العقلية والنفسية في أقسام الطوارئ لأنه عاجز عن تلقي العلاج الضروري. من دون الوصول إلى العلاج في الوقت المناسب، لا تزداد الأمراض العقلية والنفسية إلا سوءاً".

تخطى عدد فترات الانتظار البالغة 12 ساعة خمسة آلاف حالة في أغسطس (آب)، بعدما كانت أدنى من ألف و500 حالة قبل عامين، على رغم أن العدد الإجمالي لدخول قسم الطوارئ بقي مستقراً إلى حد ما.

وكشفت سافرون كوردوري، التي تعمل في هيئة "مزودي الخدمات الصحية الزطنية"NHS Providers ، التي تمثل رؤساء المستشفيات، عن أن "قادة الهيئة يشعرون بقلق بالغ إزاء التفاوت المستمر بين القدرة الاستيعابية من جهة والطلب على خدمات الصحة العقلية والنفسية من جهة أخرى، مما ينتج منه غياب فرصة العلاج في البيئة المحلية المناسبة، والانتظار الطويل غير مقبول".

وقالت كوردوري إن وقع أزمة المعيشة، بما تنطوي عليه من تفاقم الضغط النفسي والديون والفقر، قد أدى فعلاً إلى زيادة بنسبة 72 في المئة في الطلب على المؤسسات الصحية .

صراع من أجل تشخيص الحالة

تفاقمت الأزمة بشكل أكبر نتيجة عدم قدرة الخدمات الصحية المحلية على التدخل قبل أن تصبح الحالات خطرة إلى حد ضرورة الخضوع لرعاية طارئة.

نيل أنتوني مورفي من مانشستر، الذي كان كبير الممرضين في خدمات الصحة العقلية والنفسية المجتمعية قبل تقاعده في يونيو (حزيران)، ذكر بأن فرق الخدمات المحلية كانت تعمل على "مواجهة المشكلات الطارئة والخطرة"، من خلال التعامل مع مرضى في حال سيئة جداً والذين لا تنفع معهم الخدمات القصيرة الأجل، والمعروفة بـ"آي أي بي تي"IAPT  (أي تحسين الوصول إلى العلاجات النفسية)، ولكنهم في الوقت نفسه لا يستطيعون تلقي الرعاية من الكوادر المعنية بالصحة النفسية المحلية.

وقال مورفي إن "كوادر الصحة النفسية المحلية ليست إسفنجة قادرة على امتصاص كل شيء. تتدهور حال المرضى فتصل إلى مرحلة الإحالة إلى الخدمة العقلية والنفسية، علماً أنها في وضع ضعيف جداً، من ثم تعلم أنك على قائمة الانتظار. ستزداد مشكلتك سوءاً وينتهي بك المطاف في أزمة نفسية... لذلك يقال لهؤلاء المرضى إن قسم الحوادث والطوارئ المكان الوحيد الذي يسعكم اللجوء إليه".

زادت الإحالات إلى الخدمات الصحية المحلية بنسبة 30 في المئة منذ بدء جائحة "كورونا"، وفق "هيئة الخدمات الصحية الوطنية".

كما أظهرت بيانات حصلت عليها "اندبندنت" أنه، منذ مارس (آذار) الماضي، لم تحقق "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" أهدافها الخاصة بعدد المرضى الذين يجب أن يتلقوا الرعاية من فرق الصحة العقلية المحلية التابعة لـ "أن أتش أس" التي تقدر بـ16 ألف مريض شهرياً. أما بالنسبة إلى الأطفال، فكان الهدف يبلغ وسطياً 20 ألف مريض.

بيد أن العدد الفعلي للمرضى الذين لا يتلقون رعاية ربما يكون أعلى لأن البيانات لا تقدم معلومات مفصلة توضح العدد الإجمالي للإحالات التي تتلقاها شهرياً.

بالنسبة إلى عديد من المرضى الذين يحتاجون إلى استشارة نفسية أو عقلية لدى "أن أتش أس"، فهذا يعني أنهم ربما تلقوا مكالمة هاتفية أولية أو أكثر قليلاً خلال ما يزيد على ثلاثة أشهر. لكن في المقابل هنالك آلاف من المرضى كل شهر ممن لم يحصلوا حتى على تلك المكالمة.

أزمة تؤثر في كل بقعة من البلاد

ناتاشا التي تبلغ من العمر 19 عاماً، علماً أنه اسم وهمي، تواجه صعوبات كثيرة تحول دون استفادتها من الرعاية الصحية العقلية والنفسية لدى الفرق المحلية المختصة في شرق إنجلترا منذ تشخيصها بالاكتئاب الشديد والقلق في سن 13 عاماً، كما علمت "اندبندنت" من والدتها. في العام الماضي، تبين أنه من غير المستطاع تقديم أي علاج لها لأنها قد أكملت فترة العلاج الوحيدة المتاحة.

بعد محاولة ناتاشا الانتحار في وقت سابق من العام الحالي، قيل لوالدتها إن سيارة إسعاف لن تصل قبل مرور ثماني ساعات. تسترجع الأم هذه التجربة المريرة قائلة: "أخبرت الطبيب العام، لا أعرف إلى أية جهة ألجأ طلباً للمساعدة. لم يتغير شيء منذ عام 2017. ينتابنا رعب من أن ينتهي الأمر بابنتي محتجزة في المستشفى بموجب قانون الصحة العقلية، أو أسوأ من ذلك، كأن تمر بلحظة تتألم فيها حقاً مرة أخرى، وتعجز على التعامل مع مشاعرها".

على رغم ذلك، لم تحظ ناتاشا بأية فرصة للحصول على تشخيص جديد ومراجعة الأدوية التي تقول والدتها إنها في أمس الحاجة إليها.

نقص التمويل والموظفين

خلف قوائم الانتظار المتزايدة هذه والإخفاق في تحقيق الأهداف نقص في الموارد وموظفين استنفدوا طاقتهم إلى أبعد الحدود.

وفق مذكرة إحاطة داخلية خاصة بـ"هيئة الخدمات الصحية الوطنية" تعود إلى أغسطس (آب) الماضي، طلب من قادة الرعاية الصحية توخي الحذر من أن نسبة إشغال الأسرة داخل مؤسسات خدمات الصحة العقلية والنفسية بلغت 96 في المئة، وهي أعلى كثيراً من المستويات "الآمنة". حوالى 70 في المئة من المرضى الذين ينتظرون مغادرة المستشفى عجزوا عن ذلك بسبب النقص في الرعاية المناسبة التي يجب أن يتلقوها في منازلهم.

وفي ما يتعلق برعاية الأطفال، حذرت المذكرة من أن الخدمات لم تلب سوى 27 في المئة من الطلب في العام الماضي، في حين وصفت إمدادات الأسرة بـ"المحدودة جداً". الملفت أن ثلث الأسرة غير المتوفرة كان مرده إلى غياب الموظفين.

شون دوغان، من "اتحاد خدمات الصحة الوطنية" NHS Confederation، الذي يمثل مستشفيات خدمات الصحة العقلية والنفسية التابعة للهيئة قال: "الإقبال على تلقي المساعدة من خدمات الصحة العقلية والنفسية في أعلى مستوياته على الإطلاق، ويستمر في الارتفاع بسرعة، وبسبب الآثار الجانبية التي تطرحها الجائحة على الصحة العقلية والنفسية يتعرض السكان لضغوط شديدة ويعملون فعلاً فوق طاقتهم في مجالات عدة".

وأضاف: "لقد حان الوقت لأن تتنبه الحكومة إلى هذا الضغط التي يثقل كاهل خدمات الصحة العقلية والنفسية في الوقت الذي لم يتوقف فيه القادة وموظفيهم عن فعل ما في وسعهم مع استمرار الطلب على الخدمات بالارتفاع."

اعترفت "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" أن سبب الضغط كان "مزيجاً من تفاقم غياب الموظفين، ومشكلات إحالة المرضى إلى الرعاية الاجتماعية، وارتفاع أعداد من يحتاجون إلى مساعدة عقلية ونفسية بسبب الجائحة".

لكن متحدثاً رسمياً أشار إلى تخصيص 150 مليون جنيه استرليني لبناء بدائل لدخول المستشفى على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وأشارت وزارة الصحة والرعاية الاجتماعية العام الماضي إلى إنفاق مبلغ إضافي قدره 500 مليون جنيه استرليني على إيجاد حلول لفترات الانتظار الطويلة وتوسيع نطاق العلاجات القائمة على التحدث إلى الاختصاصي النفسي.

كذلك دعا قادة الرعاية الصحية والجمعيات الخيرية الحكومة البريطانية إلى الالتزام بنشر استراتيجيتها الخاصة بالصحة العقلية والنفسية لمدة 10 سنوات مع خطط لتلبية احتياجات التوظيف في مختلف أنحاء القطاع.

وقالت فيكي ناش، من منظمة "مايند الخيرية للصحة العقلية والنفسية" Mind، إن الأرقام التي كشفت عنها "اندبندنت" كانت "مؤشراً صادماً على مدى اقتراب نظام الصحة العقلية لدينا من الانهيار".

وأضافت ناش: "لدى هذه الخدمات الفرصة لتغيير مجرى الأمور قبل أن يصل شخص ما إلى مرحلة حرجة، والإعراض عن ذلك يعني أن مزيداً من الناس سيحتاجون إلى دعم مكثف، علماً أن خدمات الصحة العقلية والنفسية للمرضى الداخليين ليست دائماً في وضع يسمح لها بتقديم هذه المساعدة في الوقت المناسب".

وختمت ناش: "لا يمكن أن تبقى خدمات الصحة العقلية والنفسية التابعة لـ’هيئة الخدمات الصحية والنفسية‘ على حالها في ما يتصل بنقص التمويل والموظفين. وفق الأرقام، يبدو أنها ليست قابلة للاستمرار. على حكومة المملكة المتحدة أن تتخذ الإجراءات اللازمة الآن، قبل أن تصبح المشكلات في نظام الصحة العقلية لدينا غير قابلة للإصلاح".

© The Independent

المزيد من صحة