Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تونس تتجه لتغيير قانون الاستثمار لترميم جاذبيتها المهزوزة

إجماع من المتخصصين على أهمية مراجعة الإجراءات وسط تراجع المشاريع في القطاع الصناعي

أعلن وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد أن العمل جار حالياً مع القطاع الخاص وجميع الفاعلين الاقتصاديين لبحث سبل تطوير وتبسيط قوانين الاستثمار في تونس (أ ف ب)

تعمل الحكومة التونسية في الوقت الراهن على مراجعة جذرية لعدد من القوانين ذات البعد الاقتصادي لجعل الاقتصاد التونسي أكثر مرونة وحيوية والدفع به لاستعادة مستويات محترمة من النمو يكون من خلالها قادراً على توفير مواطن شغل، وبخاصة التأسيس لمناخ استثماري جاذب للمستثمرين الأجانب والمحليين الذين عزفوا عن الاستثمار في بلاد اقتصادها منهك وعليل عمقت التعقيدات الإدارية والقوانين الاقتصادية المجحفة "أمراضه".

ومن أهم مؤشرات اهتزاز الثقة في موقع تونس كوجهة استثمارية بقاء الاستثمارات الخارجية المتدفقة على تونس متواضعة، فحسب بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي (حكومية)، فقد استقطبت تونس أواخر سبتمبر (أيلول) من هذا العام 507 ملايين دولار.

معطى آخر يدل على أن مناخ الأعمال في البلاد صار معطلاً من خلال تراجع نيات الاستثمار في القطاع الصناعي الذي يمثل أحد أهم أعمدة الاقتصاد التونسي بنسبة 11.2 في المئة إلى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي مقابل تدحرج بأكثر من 20 في المئة في النصف الأول من 2022.

وبلغت نيات الاستثمار ما قيمته 1796 مليون دينار (598 مليون دولار) مع تسجيل تراجع في عدد المشاريع المزمع بعثها في القطاع الصناعي بنسبة 13.7 في المئة لتبلغ 1881 مشروعاً إلى أواخر أكتوبر من السنة الحالية مقابل 2179 مشروعاً في الفترة ذاتها من العام الماضي.

ضغط من المستثمرين والباعثين

ويأتي اعتزام البلاد تغيير قانون الاستثمار على رغم تعديله بصفة جذرية في 2017 استجابة لضغوط المستثمرين والباعثين الذي عبروا عن تذمرهم باستمرار من بعض مجالات تطبيق قانون الاستثمار التي أضحت مكبلة للمبادرة ومقيدة لحرية الاستثمار. وفي كل المناسبات والأحداث الاقتصادية، يصر الفاعلون الاقتصاديون على وجوب إدخال تعديلات على قانون الاستثمار لمواكبة التطورات العالمية، وبخاصة لتحسين مناخ الأعمال وجعله أكثر جاذبية.

بحث سبل تطوير وتبسيط قوانين الاستثمار

وأعلن وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيد أن العمل جارٍ حالياً مع القطاع الخاص وجميع الفاعلين الاقتصاديين لبحث سبل وتطوير وتبسيط قوانين الاستثمار في تونس من خلال إنجاز دراسة دولية واستبيان مع المعنيين بالأمر للنظر في أفضل الممارسات الخاصة بمجال الاستثمار. وأكد لـ"اندبندنت عربية" على هامش اختتامه ندوة بالعاصمة تونس، أن هناك توجهاً نحو تعزيز اقتصاد المعرفة وإعطاء وزن أكبر للبحث والتجديد، قائلاً "إن البلاد لا بد من أن ترتقي في سلم القيمة المضافة وأن توظف مكسب التعليم والكفاءات العالية". وكشف أن هناك عملاً حثيثاً نحو تحديث قانون الاستثمار وتطويره علاوة على الشروع في إعداد مشروع جزء ثان من قانون يخص الشركات الناشئة الذي عرف نجاحاً في جزءه الأول بطلب من الباعثين الشبان من أجل تطويره والاستفادة منه، ولاحظ الوزير التونسي أن الدراسة الخاصة بقانون الاستثمار تم الانتهاء منها وستتم في مرحلة لاحقة مناقشتها مع الوزارات المعنية، وبخاصة مع المنظمات الوطنية.

يشار إلى أن تونس قامت بتنقيح مجلة الاستثمار وتحويلها إلى قانون الاستثمار الذي دخل حيز التطبيق في مارس (آذار) 2017، ولكن على إثر مرور خمس سنوات اتضح، بطلب من المنظمات الوطنية والفاعلين الاقتصاديين، أنه يتعين إجراء تعديلات وتنقيحات على هذا القانون مواكبة للتطورات الاقتصادية العالمية ولتحسين جاذبية تونس علاوة على مواكبة المجالات الجديدة في الاقتصاد العالمي على غرار إزالة الكربون والتعويل أكثر على البيئة والحوكمة والطاقات المتجددة.

مناخ أعمال أكثر نجاعة

من جانبه، أفاد المدير العام لوكالة النهوض بالصناعة والتجديد (حكومية) عمر بوزوادة أن هناك شبه إجماع على أن تونس بحاجة إلى مناخ أعمال يتحسن أكثر لجذب الاستثمار الخارجي، واعتبر أنه لا بد من تغيير على طريقة إنجاز القوانين بمبادئ جديدة ترتكز على المراقبة البعدية ومراجعة القوانين المتشعبة والتخفيف منها باتجاه التقليص من هذا العبء التشريعي، وأنه من الضروري مواكبة العقليات ومتطلبات الأجيال الجديدة من الباعثين على مستوى ريادة الأعمال والمبادرة الخاصة. وأكد أنه لا يمكن أن تسيير منظومة الاستثمار والمبادرة لهذه النوعية من المشاريع المجددة بالطرق الكلاسيكية وبقوانين سابقة لم تعد مواكبة لتطورات الاستثمار. وقال إن المطلوب سن إجراءات جديدة تحفز أكثر وأيضاً سن قوانين سهلة والتقليص قدر الإمكان من التراخيص والتوجه نحو الرقمنة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى بوزوادة أن مسالك تغيير قانون الاستثمار يجب أن ترتكز على إصدار دليل الإجراءات للحصول على المنح والحوافز إلى جانب تحسين أداء منظومة الإحاطة بالمستثمرين. ومن ضمن توصياته، تحرير ممارسة الأنشطة الاقتصادية، ودعم حرية الاستثمار، واعتماد مقاربة تشاركية بين القطاع العام والخاص، وتحرير وفتح القطاعات الواعدة للمستثمرين الأجانب علاوة على تفعيل استراتيجية إزالة الكربون وتفعيل الاستراتيجية الوطنية الصناعية للتجديد 2035.

تحسين مناخ الأعمال

وأبدى رؤساء المؤسسات المنضوية في الحجرة التونسية- الفرنسية للتجارة والصناعة تفاؤلاً حذراً بخصوص توقعاتهم لسنة 2022 وانتعاش النشاط الاقتصادي، لا سيما الاستثمار خلال سنة 2023، وفق ما أظهره "بارومتر الظرف الاقتصادي 2022 - 2023" الصادر منذ يومين.

وشدد معظم رؤساء المؤسسات، المعنيين بالبحث، على أن استعادة الثقة وانتعاش النمو يبقيان رهين دعم الاستقرار السياسي وتحسين مناخ الأعمال، باعتبارهما شرطين أساسيين لتعزيز ثقة الفاعلين وتوفير رؤية أفضل لتحقيق الاستفادة الأمثل من ظاهرة إعادة تموقع المؤسسات الذي بدا يتمظهر في أوروبا.

وتباينت آراء الشركات المعنية بالبحث في ما يتعلق بعوامل تنافسية تونس كوجهة للأعمال، وعبرت المؤسسات عن خشيتها خلال الأشهر الـ12 المقبلة من أربعة عوامل مؤثرة تتمثل في عدم الاستقرار السياسي (34 في المئة) وتدهور مناخ الأعمال (24 في المئة) وعدم استقرار الوضع العالمي (20 في المئة) وتراجع الطلب وتغير الإطار الجبائي (11 في المئة).

مناخ استثماري غير ملائم

المتخصص في الشأن الاستثماري وصاحب مكتب الاستشارات خليل العبيدي قال، إن مناخ الاستثمار في تونس غير ملائم وجاذب مرجعاً ذلك إلى وجود أسباب خارجية وداخلية. وأوضح أن تونس تأثرت بالأزمة الصحية من انتشار جائحة فيروس كورونا بركود الاستثمارات العالمية، مشيراً إلى أنه عندما بدأت تونس تستعد للتعافي تدريجاً من الأزمة الصحية حلت الحرب الروسية– الأوكرانية، وأمل استقطاب الشركات الأوروبية المنتصبة في أوكرانيا وروسيا. ولكن مجيء هذه الشركات لم يكن بالكثافة وبالعدد المطلوبين لتقتصر العمليات على نشاطات توسعة فقط.

وعن الأسباب الداخلية، لخصها العبيدي في ثلاثة محاور أولها عدم استقرار الوضع السياسي للبلاد في السنوات الأخيرة ما جعل المستثمرين الأجانب وحتى المحليين يتريثون أكثر في الاستثمار في تونس. وتمثل المحور الثاني في عدم استقرار القوانين ذات البعد الاقتصادي، لا سيما القوانين الضريبية التي أدخلت اضطراباً على حسابات الشركات الأجنبية والتونسية التي تضطر سنوياً إلى تغيير المسائل الضريبية. أما المحور الثالث فيتثمل في الإجراءات الإدارية المتشعبة والمعقدة التي أرهقت المستثمرين على رغم مطالبتهم في كل المناسبات بوجوب تبسيط الإجراءات الإدارية.

تغيير قانون الاستثمار ضروري

وعلى رغم الضمانات والتحسينات والحوافز التي أتى بها قانون الاستثمار لعام 2017، فإن العبيدي رأى أن من الضروري إدخال تحويرات على هذا القانون. وعن توجهات تنقيح قانون الاستثمار التونسي، لفت إلى أن التغيير الضروري والعاجل يجب أن يشمل تبسيط الإجراءات الإدارية التي تظل عائقاً كبيراً أمام المستثمرين إضافة إلى إلغاء عديد من التراخيص المكبلة للاستثمار وتعويضها بكراسات شروط والتوجه أكثر نحو تحرير الاستثمار ومجاراة التوجهات العالمية في الغرض.

وقال العبيدي، إن الجانب المؤسساتي مهم جداً لتحسين مناخ الأعمال من خلال جعل هياكل الدعم والتأطير أكثر فاعلية وجدوى في تدخلاتها كاشفاً أن قانون الاستثمار الحالي نص على تقارب وإدماج هذه الهياكل لكن ذلك لم يحصل حتى الآن.