Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح تصاعد الديون يدفع الاقتصاد التونسي إلى حافة الهاوية

المؤشرات بلغت 79.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الماضي وسط توجه للاقتراض الخارجي

خط التمويل السريع الذي حصلت بموجبه تونس على قرض بقيمة 750 مليون دولار لدعم الموازنة المتضررة بسبب جائحة كورونا أعاد المديونية إلى الارتفاع (رويترز)

عجزت تونس عن الخروج للأسواق المالية العالمية للاقتراض منذ سنتين باعتبار انحدار التصنيف الائتماني، وبلوغ الترقيم السيادي لها الى"CCC" لدى وكالة "فيتش رايتنغ" و"CAA1" لدى "موديز"، ويعود ذلك أساساً إلى تفاقم الديون، وقد بلغت نسبة الدين العام لتونس من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2021 نسبة 79.2 في المئة، وبلغ قائم الدين 104 مليارات دينار (34.66 مليار دولار) في نهاية عام 2021، ما انعكس على توقعات صندوق النقد الدولي الخاص بالآفاق الاقتصادية لبلدان الشرق الأوسط ووسط آسيا حيث توقع ارتفاع مستوى الدين في عدد من البلدان ومنها تونس حوالى أربع نقاط مئوية مقارنة بـ 2021، وقال الصندوق إن ذلك يأتي تحت تأثير انخفاض قيمة العملة المحلية على الدين المقوم بالعملة الأجنبية، وفسر خبراء تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" ارتفاع مستوى الدين العام بتأزم المالية العمومية، وعجز الميزان التجاري ووضعية ميزان المدفوعات، متوقعين تواصل العجز وارتفاع مستويات الدين بسبب الفوائد المترتبة عن نسق خلاص الديون والاتجاه إلى الاقتراض من جديد.

نسق تصاعدي

وتطورت نسبة المديونية من إجمالي الناتج المحلي في تونس من 52.6 في المئة عام 2015 إلى 59 في المئة عام 2016، وفي 2018 قفزت إلى 73.44 في المئة، وتراجعت في 2019 إلى 67.98 في المئة، ثم عادت إلى الارتفاع عام 2020 إلى 77.84 في المئة على الرغم من توقف اتفاق القرض الممدد مع صندوق النقد الدولي، إلا أن خط التمويل السريع الذي تحصلت بموجبه تونس على قرض بحجم 750 مليون دولار لدعم الموازنة المتضررة بسبب جائحة كورونا أعاد المديونية إلى الارتفاع، وتعاني تونس منذ أبريل (نيسان) 2020 من صعوبة الحصول على تمويلات خارجية، وأتى ارتفاع نسبة المديونية بين 2011 و2020 نتيجة الدعم الدولي الذي تلقته تونس بسبب عدم الاستقرار السياسي الذي شهدته، لكن تسبب في ارتفاع ديونها من دون إصلاح الاقتصاد المنهك على الرغم من التزامها بذلك أمام المانحين ما انعكس على الوضع الخارجي وتراجع دعم الممولين.

وبلغ قائم الدين العمومي نحو 107.8 مليار دينار (35.9 مليار دولار)، ما يمثل 85.5 في المئة من الناتج الداخلي الخام، في نهاية عام 2021 بحسب قانون المالية التعديلي لعام 2021، وارتفع قائم الدين العمومي بما يقارب 16 في المئة مقارنة بعام 2020، الذي بلغ 93 مليار دينار (31 مليار دولار) أي ما يعادل 77.8 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وبنحو 30 في المئة مقارنة بعام 2019، وهو 83.3 مليار دينار (27.7 مليار دولار) أي ما يعادل 68 في المئة من الناتج الداخلي الخام.

ووصل حجم الدين الخارجي إلى 62.8 في المئة ما يساوي 67.7 مليار دينار (22.5 مليار دولار) من إجمالي قائم الدين، وهو يتكون بنسبة 100 في المئة من ديون متوسطة وطويلة الأجل، والتي تتمثل نسبة كبيرة منها في القروض، وبشكل أكثر تحديداً ديون متعددة الأطراف 36 مليار دينار (12 مليار دولار)، وديون ثنائية 13.8 مليار دينار (4.6 مليار دولار)، بينما يمثل الدين الداخلي 37 في المئة من إجمالي ديون الدولة ويتكون من 96 في المئة من دين متوسط وطويل الأجل، وتتوزع هذه الديون على سندات الخزينة بقيمة 19.7 مليار دينار (6.56 مليار دولار)، وإيداعات بالخزينة العامة للبلاد التونسية بقيمة 10.9 مليار دينار (3.63 مليار دولار)، وقروض قدرها 7.7 مليار دينار (2.56 مليار دولار)، ومنها قروض بالعملات الأجنبية تقدر قيمتها بـ 4.7 مليار دينار (1.56 مليار دولار)، وتبلغ الديون بالعملات الأجنبية 64.5 في المئة، من إجمالي الديون في عام 2021 ومنها 55 في المئة باليورو، مقابل 69.6 في عام 2020 ونسبة 72.3 في المئة في عام 2019.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكشف تحيين تنفيذ موازنة 2022 لشهر يناير (كانون الثاني) من السنة الحالية للنتائج المسجلة لعام 2021 أن عجز الموازنة لم يتجاوز 7.5 في المئة في نهاية 2021 مقابل تقديرات بـ 8.3 في المئة في قانون المالية التعديلي، وأن حجم الدين العمومي بلغ في نهاية العام المنقضي 104 مليارات دينار (34.66 مليار دولار) أي ما يعادل 79.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي مقابل 107.8 مليار دينار (35.9 مليار دولار)، أي ما يعادل 85 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بالموازنة التعديلية.

الزيادة في خدمة الدين

وبلغت خدمة الدين في تونس 14.8 مليار دينار (4.93 مليار دولار) مع نهاية ديسمبر 2021، ما يمثل 11.37 في المئة من الناتج الداخلي الخام، وزادت خدمة الدين بنسبة 33 في المئة مقارنة بعام 2020 وبنسبة 54 في المئة مقارنة بعام 2019، وارتفعت نسبة خدمة الدين بالنسبة للناتج الداخلي الخام، من 5.14 في المئة عام 2015، إلى 6.87 في المئة عام 2017 ومن 7.83 في المئة عام 2019 لتصل إلى 11.37 في المئة عام 2021، وبلغ أصل الدين نحو 11.1 مليار دينار (3.7 مليار دولار) خلال عام 2021، منها الدين الخارجي ارتفع إلى 6.1 مليار دينار (مليارا دولار) وهو 55.6 في المئة من الأصل، ويتكون من قروض متعاقد عليها من السوق المالية العالمية 3.4 مليار دينار (1.13 مليار دولار)، وقروض من المؤسسات المالية المتعددة الأطراف بقيمة 1.6 مليار دينار (533 مليون دولار)، وقروض التعاون الثنائي مليار دينار (333 مليون دولار)، في حين بلغ أصل الدين الداخلي نحو 4.9 مليار دينار (1.63 مليار دولار).

أما فوائد الديون، فقد بلغت قرابة 3.7 مليار دينار (1.23 مليار دولار) في عام 2021، بانخفاض طفيف بنسبة 1.1 في المئة، مقارنة بعام 2020، وزادت الفوائد على الدين الداخلي في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت من 1.6 مليار دينار (533 مليون دولار) في 2019 إلى أكثر من 2.1 مليار دينار (700 مليون دولار) في 2020 و2021، بينما بقيت الفائدة على الدين الخارجي شبه مستقرة عند مستوى 1.5 مليار دينار (500 مليون دولار).

مغامرة

وتحول الخروج إلى الأسواق العالمية للاقتراض إلى مغامرة غير مطروحة في ظل هذا الوضع، فتونس مصنفة في ترقيم ائتماني سلبي ولا يمكن معها المجازفة التي يمكن أن ينجر عنها اقتراض بنسبة فائدة مشطّة أو عدم النجاح في الحصول على القروض ما يسيء إلى صورتها في الأسواق العالمية، وكشفت تونس في موازنة 2022 على حاجتها للاقتراض لتمويل الموازنة، وتقدر فرضية الاقتراض الخارجي بحوالى 20 مليار دينار (6.66 مليار دولار)، بعد أن أعلنت وزارة المالية عن عجز في موازنة عام 2022 قدره تسعة مليارات دينار (ثلاثة مليارات دولار)، وحاجيات تمويل خارجية لتسديد ديون بعنوان السنة الحالية بقيمة 10 مليارات دينار (3.33 مليار دولار)، بينما تتمثل التحديات الرئيسة أمام الاقتراض الخارجي اليوم في ارتفاع تكلفة الاقتراض بعد ما شهدته السوق من رفع في الفائدة بترفيع بنوك مركزية عالمية كبرى في أسعار الفائدة، علاوة على انتظار مآل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي لم تنطلق فعلياً إلى حد الآن وتواصل النقاشات التقنية المبدئية وفق ما أعلنت عنه وزيرة المالية سهام البوغديري.

بالتالي صعوبة الاقتراض بسبب عدم الاتفاق إلى حدّ الآن على برنامج إصلاحي لإعادة هيكلة الاقتصاد التونسي بالإضافة إلى التصنيف السلبي لتونس، وبخاصة في ظل ارتفاع المديونية وانعدام التمويل الخارجي والاتجاه الى السوق المالية الداخلية طوال سنتين، أمام ضعف النمو الاقتصادي المسجل الذي بلغ 3.1 في المئة عام 2021، وفي هذا الإطار، أتى توقع صندوق النقد بارتفاع نسبة المديونية بقيمة أربع نقاط مقارنة بعام 2021.

عجز الموازنة

ويعود تدهور الوضعية المالية في تونس وتفاقم المديونية إلى عجز الموازنة الذي أدى إلى ضغوطات على الاقتصاد التونسي، وفق الخبير الاقتصادي بسام النيفر إذ ناهزت قيمة القروض التي تسلمتها تونس بين عامي 2018 و2021 ما يقارب 18 مليار دينار (ستة مليارات دولار) اعتمدت لسدّ عجز الموازنة، لكن لم تتجاوز القروض الموجهة إلى الاستثمار 4.3 في المئة ، وتلقت تونس في السنوات الأخيرة من صندوق النقد الدولي سبعة مليارات دينار (2.33 مليار دولار)، ومن البنك الدولي 2.7 مليار دينار (900 مليون دولار)، والاتحاد الأوروبي ملياري دينار (666 مليون دولار)، كما تتمثل المعضلة في انخفاض مدة سداد الدين من سبع سنوات إلى خمس سنوات، وأدى الوضع الاقتصادي إلى التخفيض في مدة سداد الدين، كما اعتبر النيفر أن عام 2022 لن يكون صعباً بحكم انخفاض استحقاقات التسديد، لكن الأعوام الموالية ستكون منهكة بحكم ارتفاع المبالغ، ويبقى الأهم تعبئة موارد الدولة لسداد الديون الخارجية وتوقيع اتفاقية جديدة مع صندوق النقد الدولي.

واعتبر محمد صالح سويلم المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي أن توقعات صندوق النقد الدولي في محلها بشأن ارتفاع نسبة الدين بأربع نقاط مئوية من الناتج القومي الخام، فالنسبة لن تزيد على توقعات موازنة 2022 وهي 83 في المئة من الناتج القومي بزيادة أربع نقاط عن تحيين الموازنة السابقة وهو 79.2 في المئة من الناتج القومي الخام، ما يشير إلى استقرار المديونية، وتأتي الزيادة من دون النقصان انعكاساً لأسعار الصرف بسبب صعود سعر الدولار مقابل العملات وكذلك اليورو، كما تفسر بالزيادة المسجلة في حاجيات التمويل وفقاً لوضعية ميزان المدفوعات والميزان التجاري وحجم العجز، من جهة أخرى، تؤشر توقعات صندوق النقد الى إمكانية ارتفاع التمويل الخارجي بالحصول على قروض جديدة بما فيها القرض المنتظر من الصندوق الذي يقع الخوض في النقاش حوله مع الحكومة التونسية.

اقرأ المزيد