Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توجس أميركي وأوروبي من التقارب الجزائري – الروسي

من المتوقع أن تثير العلاقات نقاشات حادة مع اقتراب موعد زيارة الرئيس تبون إلى موسكو خلال الأيام المقبلة

لقاء جمع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (أ ف ب)

 

لا تزال الحرب الروسية  - الأوكرانية تلقي بظلالها على المشهد الدولي العام ولعل الجزائر إحدى الدول التي وجدت نفسها في مواجهة وضع مقلق بسبب علاقتها مع موسكو، لا سيما بعد تحرك 17 نائباً أوروبياً لمراجعة اتفاق الشراكة الموقع معها.

رسالة أوروبية بعد أميركية

وبعد توجيه مجموعة من أعضاء الكونغرس رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تطالبه فيها بفرض عقوبات على الجزائر بسبب العلاقات المتنامية باستمرار مع موسكو، وقبلها نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي ماركو روبيو الذي دعا وزير خارجية بلاده إلى إدراج الجزائر ضمن قائمة "أعداء أميركا" واعتبر أن مشتريات الأسلحة بين موسكو والجزائر التي تعتبر من أبرز وأكبر مشتري السلاح الروسي، تصب في مصلحة تدفق الأموال إلى روسيا، مما يؤدي إلى زيادة تمكين آلة الحرب الروسية في أوكرانيا، انتقلت "العدوى" هذه المرة إلى القارة العجوز التي تحرك عدد من نوابها عبر رسالة إلى المفوضية الأوروبية يطلبون فيها مراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر التي صنفوها ضمن أربعة مشترين رئيسين للأسلحة الروسية، مما يجعلها تسهم في تمويل موسكو.

ووقع 17 نائباً أوروبياً رسالة تم توجيهها إلى كل من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ومفوض الشؤون الخارجية جوزيب بوريل، جاء فيها التالي، "نشعر بقلق عميق إزاء التقارير الأخيرة عن توثيق العلاقات بين الاتحاد الروسي والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وهو وضع يترجم إلى دعم سياسي ولوجستي ومالي لعدوان بوتين على أوكرانيا. الجزائر تعد من بين أكبر أربعة مشترين للأسلحة الروسية في العالم، وبلغت ذروتها في عقد أسلحة تزيد قيمته على 7 مليارات يورو عام 2021، وسيؤدي تدفق الأموال إلى روسيا مهما كان مصدره إلى تقوية آلة الحرب الروسية في أوكرانيا".

واعتبر النواب الأوروبيون أنه "إضافة إلى الدعم المادي لموسكو، فإن الجزائر توفر إسناداً سياسياً لروسيا عبر الامتناع عن التصويت على قرار الأمم المتحدة الذي يدين الحرب في أوكرانيا في الثاني من مارس (آذار) 2022، وبعد شهر واحد فقط انضمت الجزائر إلى سوريا و23 دولة عضواً أخرى في تصويت ضد استبعاد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة".

تجاهل علني وقلق خفي

وفي حين تتجاهل الجزائر مثل هذه الرسائل، في الأقل "علانية" إذ كان هناك تواصل بينها وواشنطن على خلفية الرسالتين الأميركيتين السابقتين، وفق ما كشف عنه مصدر جزائري مطلع لـ"اندبندنت عربية"، وتم الاستماع إلى السفيرة الأميركية السابقة وأيضاً الحالية، "يبقى انتقال الأمر إلى الاتحاد الأوروبي مثيراً للقلق لأنه يندرج في سياق الضغط والمساومة، ليس بسبب العلاقات مع موسكو التي ليست وليدة الحرب الروسية – الأوكرانية، وإنما لما قبل استقلال البلاد عام 1962 على خلفية مواقف ومبادئ رفضت الجزائر التخلي عنها، وكذلك لتوجهات جديدة اتخذتها الجزائر في ظل التحولات التي يعيشها العالم".

ومن المتوقع أن تثير العلاقات الجزائرية - الروسية نقاشات حادة على المستويين الأميركي والأوروبي مع اقتراب موعد زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى موسكو المرتقبة خلال الأيام المقبلة، لا سيما وسط الحديث عن التوقيع على وثيقة تعاون استراتيجي بين البلدين يشرف خبراء الطرفين على وضع آخر اللمسات عليها.

خيارات تفضيلية

في السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبدالوهاب حفيان أن مشروع العريضة الذي يعد في أروقة بروكسل من قبل بعض النواب، يتجه إلى تبني الرؤية التي تفرضها الحرب الأوكرانية - الروسية ووضع دول الاتحاد الأوروبي، بخاصة حين يتعلق الأمر بشريك استراتيجي في مجال الطاقة كالجزائر، إذ تمت إعادة ترتيب الأوراق والأولويات في ما يخص القضايا ذات الأهمية داخل الاتحاد الأوروبي، وبات ملف الطاقة الذي أصبح ملفاً استراتيجياً، ذا مجال تفاوضي كبير داخل القارة العجوز، مرجحاً "أن يشهد الاتحاد حالات من التشظي داخل هياكله وفي توجهاته بسبب هذا الموضوع، أي الطاقة، وسوف تظهر البراغماتية الأوروبية بشكل كبير في هذا المجال".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويواصل حفيان أن "الجزائر تملك لمواجهة مثل هذه الممارسات، خيارات تفضيلية وملفات تنافسية يمكن استغلالها في الظرف الحالي، إذ تعتبرها أوروبا شريكاً استراتيجياً وموثوقاً في مجال توريدها للطاقة، ولا ترغب أوروبا الرسمية في الأقل في إثارة المواضيع ذات الحساسية مع هذا الشريك مع استمرار الحرب الأوكرانية - الروسية، أو لغاية توافر بدائل أخرى".

استفهامات

لكن ما يطرح استفهامات، بحسب حفيان، هو دعوة هؤلاء النواب إلى مراجعة اتفاق الشراكة في حين كانت الجزائر تطالب بإعادة النظر في بنوده، وآخرها دعوة الرئيس تبون حكومة بلاده إلى إعادة تقييم اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي "بنداً بنداً وفق نظرة سيادية ومقاربة رابح ـ رابح"، مشدداً على ضرورة أن يراعي "مصلحة المنتوج الوطني لخلق نسيج صناعي ومناصب شغل".

واستجابت الجهة الأوروبية هذه المرة وكشف رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في 5 سبتمبر (أيلول) الماضي عقب محادثات جمعته بالرئيس تبون عن أن اتفاق الشراكة إطار "يجب أن يشمل تحسينات وفق الإرادة المشتركة من هنا وهناك لتحديد الأولويات خدمة لمصالح الطرفين"، وأضاف أن الجزائر والاتحاد الأوروبي لهما طموحاً مشتركاً لتحقيق الاستقرار والأمن والازدهار، مبدياً تفاؤله الشديد بتطوير شراكة أقوى وأصدق تفضي إلى نتائج ملموسة لمواطني الجزائر والاتحاد الأوروبي، واعتبر أن الجزائر والاتحاد الأوروبي يتقاسمان الطموح نفسه لإعطاء دفع جديد لنوعية العلاقات بينهما.

تحرك يمثل 2 في المئة

إلى ذلك، يعتبر أستاذ القانون الدولي اسماعيل خلف الله أن "تحرك نواب أوروبيين يأتي محاولة للتشويش أو الضغط على الجزائر، لكن في الحقيقة هو تحرك عكس المصلحة الأوروبية على اعتبار أن الاتحاد الأوروبي اليوم يحاول كسب علاقة مع الجزائر من أجل جعلها شريكاً بديلاً للطاقة الروسية"، مضيفاً أن "إعادة مراجعة اتفاق الشراكة، أظن أنها تصب في مصلحة الجزائر التي كانت تطالب في كل مرة بهذه الخطوة على اعتبار أن الاتفاق غير عادل ومجحف، لذا فإن المطلب يضر المصالح الأوروبية أكثر من الجزائرية".

ويواصل خلف الله أن هؤلاء النواب الـ17 لا يمثلون سوى جزء ضئيل من البرلمان الأوروبي أي حوالى 2 في المئة، بما أن عدد النواب يفوق 735 عضواً و"لا أظن أن المفوضية ستنظر إلى هذا الطلب الذي ربما يوتر العلاقة بين الجزائر وبروكسيل"، موضحاً أن "العلاقات الجزائرية - الروسية ليست جديدة بل عريقة ومن الطبيعي اقتناء الجزائر نحو 60 في المئة من ترسانتها العسكرية من موسكو وهو أمر سيادي يخص الجزائر وحدها ولا يحق لأي كان أن يتدخل في شأن سيادي". وأضاف أنه كما تتعامل الجزائر مع موسكو في مجال الأسلحة، توقع صفقات كبيرة مع الجانب الأوروبي وغيره أيضاً "لأن علاقات الجزائر على مسافة واحدة من الجميع في سياق تنويع الشركاء".

اتفاق الشراكة

اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي الموقع عام 2002 الذي دخل حيز التنفيذ عام 2005 يندرج في إطار مسار برشلونة الذي بادر به الاتحاد الأوروبي من أجل تطوير علاقات التعاون مع بلدان جنوب حوض المتوسط بهدف استحداث "منطقة للرفاهية المشتركة" على المدى الطويل. ومن أهدافه توفير إطار مناسب للحوار السياسي قصد السماح بتدعيم العلاقات والتعاون وتطوير التبادلات مع ضمان تطور العلاقات الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة بين الطرفين وتحديد شروط التحرير التدريجي لتبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال، إضافة إلى إنشاء منطقة للتبادل الحر للمنتوجات الصناعية والتحرير التدريجي للمنتوجات الفلاحية والصناعات الغذائية وغيرها.

ولعل أبرز ما أثار الجزائر مسألة التفكيك الجمركي التي جعلت دولة شمال أفريقية سوقاً للسلع الأوروبية في حين لا مكان للمنتوج الجزائري وفق ما ينص عليه اتفاق الشراكة، الأمر الذي فتح مشاورات غير رسمية لمراجعة التفكيك الجمركي للمنتجات الصناعية والامتيازات التعريفية الفلاحية وذلك طبقاً لقرار مجلس الشراكة الذي أبرم في لوكسمبورغ في 15 يونيو (حزيران) 2010 بهدف تأجيل موعد إنشاء منطقة التبادل الحر وإعادة الرسوم الجمركية بحسب الأحكام المنصوص عليها في اتفاق الشراكة بالنسبة إلى قائمة منتجات "حساسة" وحماية الإنتاج المحلي، لا سيما عبر تدابير مكافحة الإغراق وغيرها من الإجراءات.

المزيد من متابعات