Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ترفض الجزائر الانضمام إلى منظمة الفرنكوفونية؟

ليست بلداً عضواً بصفة رسمية إنما تعتبر دولة "مراقباً"

 صُنفت الجزائر ثالث دولة ناطقة باللغة الفرنسية بعد فرنسا والكونغو (أ ب)

مرة أخرى، غابت الجزائر عن الدورة 18 للقمة الفرنكوفونية التي عقدت في جزيرة جربة التونسية، على رغم تصنيفها بين أكثر الدول تداولاً للغة الفرنسية حول العالم.

وتنطلق الجزائر في امتناعها عن المشاركة في القمم التي تنظمها المنظمة الدولية للفرنكوفونية مما سماه البعض "الماضي الاستعماري"، الذي أصبح "يشكل عقدة لكل ما هو قادم من فرنسا".

والجزائر ليست بلداً عضواً في منظمة الفرنكوفونية بصفة رسمية، إنما تعتبر دولة مراقب، وكان حضورها في مؤتمرات الفرنكوفونية ضيفاً خاصاً أو ضيف شرف في كل مرة.

وكان كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس التونسي قيس سعيد قد وجها دعوة للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، لحضور الدورة، إلا أن الدعويين قوبلتا بالرفض، لتأكيد أن "موقف الجزائر لم يتغير".

وتجمع المنظمة الدولية للفرنكوفونية 88 دولة، بين 54 دولة عضواً، وسبع دول منتسبة، و27 دولة "مراقبا"، لكنها لا تضم الجزائر التي تنأى بنفسها عن الانخراط بشكل أو آخر في المنظمة.

وعلى رغم مشاركة الجزائر في قمم سابقة للفرنكوفونية منذ قمة بيروت عام 2002 ضيفاً خاصاً، فإنها لم يسبق لها الانتماء إلى هذه المنظمة منذ تأسيسها عام 1970.

خارج المنظمة

إصرار الجزائر على مقاطعة المنظمة لم تترجمه إحصاءات قام بها مرصد اللغة الفرنسية سنة 2010، وصنفت الجزائر ثالث دولة ناطقة باللغة الفرنسية، بعد فرنسا والكونغو، وهو الأمر الذي جعل قادة منظمة الفرنكوفونية وفرنسا بشكل خاص يوجهون دعوات مستمرة من أجل انخراط الجزائر عضواً رسمياً في المنظمة.

وفي مارس (آذار) 2017 أصدر مجلس الشيوخ الفرنسي تقريراً تساءل فيه عن مستقبل الفرنكوفونية في العالم وبقاء الجزائر خارج المنظمة.

واعتبر التقرير آنذاك بقاء الجزائر خارج المنظمة "مفارقة، في وقت يمثل البلد ثالث أكثر بلدان العالم استعمالاً للغة موليير".

وبحسب متابعين لا تزال الجزائر "تخوض معركة هوية للقضاء على إرث ثقافي كبير للاستعمار الفرنسي، بداية بتعريب التعليم في سبعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى مشروع جديد هذا العام بتدريس الإنجليزية للمرة الأولى في المرحلة الإعدادية من التعليم".

وكشف تقرير للمنظمة الدولية للفرنكوفونية لعام 2022 عن أن نحو 15 مليون جزائري (من بين 45 مليوناً) أي ما يمثل ثلث الشعب يتحدثون اللغة الفرنسية.

وأصدرت السلطات الجزائرية، في يناير (كانون الثاني) 1991 قانوناً يقضي بتعميم استخدام العربية في المعاملات كلها داخل القطاعات الحكومية، لكن تطبيقه بقي معلقاً لأسباب يقول معارضون إنها تعود إلى نفوذ ما يسمى "اللوبي الداعم لفرنسا" بالبلاد.

"نكسات حقيقية"

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة منظمة الفرنكوفونية في جزيرة جربة بتونس إن اللغة الفرنسية تواجه "نكسات حقيقية" في دول المغرب العربي.

وفي حديث على هامش القمة قال ماكرون "من الضروري أن نكون واقعيين، الفرنكوفونية تتوسع في بعض البلدان، ولكن هناك أيضاً نكسات حقيقية".

وأضاف "في البلدان المغاربية تستعمل الفرنسية بنسبة أقل مما كانت عليه قبل 20 أو 30 عاماً".

وأرجع ماكرون هذا التراجع إلى ما اعتبره "أشكالاً من المقاومة شبه السياسية"، إلى جانب سهولة استخدام اللغة الإنجليزية، مع صعوبة الوصول إلى الكتب الفرنسية بأسعار معقولة.

وتابع "يجب أن نستعيد جاذبية اللغة الفرنسية مرة أخرى من خلال إظهار أنه يمكننا التحدث بها كلغة تسهل التجارة مثلاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتعليقاً على تصريح الرئيس الفرنسي، يقول الباحث الجزائري في التاريخ، عامر رخيلة، إن إيمانويل ماكرون شخَّص حقيقة ما تعانيه الفرنكوفونية في الجزائر والقارة الأفريقية بشكل عام.

ويرى رخيلة أن موقف الجزائر من الانخراط في منظمة الفرنكوفونية "تجاوز حدود الرفض، ووصل إلى حد العداء لكل ما هو قادم من فرنسا"، معتبراً أن "موقفها سياسي بالدرجة الأولى".

وذكر الباحث أن الجزائر لديها محددات خاصة بسياستها الخارجية لا تحيد عنها، معتبراً أن "اللغة الفرنسية كانت أداة استعمارية لطمس مقومات المجتمع الجزائري طيلة عقود طويلة".

ويرجع المتحدث سبب فقدان اللغة الفرنسية مواقعها في الجزائر والدول الأفريقية إلى "التغيير الذي حدث في الطبقة السياسية في هذه البلدان، وتصاعد النزعة التحررية الرافضة لكل موروث استعماري".

ويقول عامر رخيلة إنه حتى المتحمسين لاستعمال اللغة الفرنسية في الجزائر بات لديهم تردد للتعبير بهذه اللغة، وهو دليل على تراجع استعمالها في الحياة اليومية.

ويشير الباحث إلى أن الجزائر كانت تتعامل، سابقاً، بليونة مع ملف الفرنكوفونية، لكن "مع مجيء الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون تغير موقف السلطات، وأصبح أكثر راديكالية".

ويضيف المتحدث أن المتغيرات الدولية والإقليمية وموقف فرنسا من الملفات في الدول العربية والأفريقية وحدها من تحدد إمكانية تغير موقف الجزائر من الفرنكوفونية.

تعددية

وتفضل التوجهات السياسية الجديدة في الجزائر الذهاب إلى تعددية لغوية تفتح أمام الجزائريين آفاق المبادلات العلمية والثقافية والاقتصادية مع أقطاب الاقتصاد العالمي، بدلاً من الانحسار في بوتقة الفرنكوفونية. وهو ما تعبر عنه مساعي السلطات في البلاد إلى إدراج تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية، مع تعميم استعمالها في المؤسسات الجامعية، كما تعرف وتيرة تعليم لغات أخرى على غرار الإيطالية وحتى التركية تقدماً كبيراً في الجزائر.

ويرجع متابعون إحجام الجزائر عن الانضمام إلى فضاء الفرنكوفونية إلى كونه "يندرج في إطار الاستعمار الجديد، الذي تتخذه فرنسا لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية، فيما يلقي الماضي الاستعماري بظلاله على أي احتمال لالتحاق البلاد بالمنظمة الفرنكوفونية".

إلى ذلك يقول أستاذ الفلسفة في إحدى جامعات في غرب الجزائر ميلود بلعاليه إن موقف الجزائر من الفرنكوفونية تاريخي بالدرجة الأولى، وامتداد طبيعي لرفض الاستعمار الفرنسي.

وأوضح بلعاليه أن رفض الجزائر الانخراط في نشاطات المنظمة الدولية للفرنكوفونية يعبر عن تخوف من تحول الفرنكوفونية إلى شكل من أشكال الاستعمار الجديد، بخلاف ما تعبر عنه المنظمة في نواميسها.

ويذهب إلى القول بـ"وجوب التفريق بين اللغة الفرنسية كرصيد ثقافي، والفرنكوفونية كأيديولوجية تهدد الهوية الوطنية"، مشيراً إلى أن القبول بالانخراط في المنظمة يعني بالضرورة القبول بالمشاريع التي تحملها، وهو ما ترفضه الجزائر.

وأشار ميلود بلعاليه إلى وجود أطراف -لم يسمها- داخل الجزائر، تغذي التوجه نحو انخراط البلاد في منظمة الفرنكوفونية بشكل أو بآخر للاستفادة من مكاسب معينة.

مسار

في المقابل، يرى الإعلامي والمترجم الجزائري موسى قاسيمي أن "اللغة الفرنسية لا تزال مستعملة في العديد إن لم نقل معظم القطاعات على غرار الإعلام والتربية والصحة وغيرها".

وقال قاسيمي إن "استعمال اللغة الفرنسية في الجزائر يرجع لعوامل عدة منها التكوين، إذ تعد الجزائر عدداً لا بأس به من المفرنسين، أي من تلقوا تكويناً بلغة موليير خلال الفترة الاستعمارية وبعدها بسنوات".

ويذهب موسى قاسيمي إلى القول إن اللغة الفرنسية لا تزال اللغة الحية الأولى في البلاد، إذ إن أحد قادة الانتفاضة وصفها بـ "غنيمة حرب"، كما أن عدداً من القطاعات لا تزال تستعملها في المراسلات الرسمية، ومعظم الوثائق الإدارية لاتزال تستخرج باللغة الفرنسية.

وبخصوص استعمال اللغة الفرنسية في قطاع الإعلام ذكر قاسيمي أن شريحة مهمة من المواطنين تتصفح الجرائد الناطقة بالفرنسية، على قلتها، مقارنة بالجرائد المكتوبة باللغة العربية، إضافة إلى أن الحصص والبرامج التي تبث على القنوات الإذاعية والتلفزيونية الحكومية الناطقة بالفرنسية لا تزال تلقى اهتماماً خاصاً من المشاهدين.

وفي ما يتعلق بالتوجه نحو استعمال اللغة الإنجليزية في الجزائر، يوضح الإعلامي موسى قاسيمي أن العملية تحتاج إلى وقت كبير وإمكانات، ولا يمكن التحول من استعمال الفرنسية إلى الإنجليزية بين ليلة وضحاها.

وأضاف أن التحول يعد مساراً طويلاً يبدأ بإدراج اللغة الإنجليزية في أطوار التدريس المختلفة، ومنحها مكانة بشكل تدريجي من خلال التركيز بشكل أساس على التكوين، وبعدها تشجيع الترجمة والمترجمين لترجمة الوثائق الإدارية وإقحامهم في العملية.

وخلص إلى القول إن عملية التحول تتطلب انخراط الجميع من سياسيين ولغويين، كما يتعين على القائمين وعلى رأسهم وزارتا التربية والتعليم العالي الاعتماد على معاهد اللغة الإنجليزية والترجمة لبلورة فكرة واسعة وشاملة لنجاح مثل هكذا برامج.

المزيد من متابعات