Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انجازات لاغارد وفون دير لاين كبيرة ولكن هل تستطيعان انقاذ اوروبا؟

شقت السيدتان مسيرتين مهنيتين مذهلتين وحققتا انجازات كثيرة ولكنهما تتسلمان وظيفتيهما في زمن يتطلب جهودا جبارة

اثبتت كريستين لاغارد كفاءة عالية في قيادة صندوق النقد  الدولي، هل تتمكن من إنقاذ المشروع المالي للحلم الأوروبي؟ (وكالة رويترز)

في عيون النسويات المتأصلات اللواتي يتابعن الشأن الأوروبي، كان الأسبوع الماضي جيداً بالفعل. فبعد عقود من السيطرة الذكورية على اثنتين من بين أكثر المؤسسات الأوروبية نفوذاً، حظيت أورسولا فون دير لاين وكريستين لاغارد بدعم غير متوقّع من زعماء الكتلة  لترأس المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي تباعاً وخلافة جان كلود يونكر وماريو دراغي.

وعلى الرغم من أن تعيين لاغارد لم يُقرّ بَعد ويحتاج إلى موافقة رسمية، فيما تحتاج فون ديرلاين إلى دعم غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي، يتعامل الكثيرون مع الخطوتين على أنهما قضية منتهية، وتغنّى دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، وولايته شارفت على الانتهاء، بالقرار، قائلاً "تسعدني هذه الأخبار للغاية".

"فأوروبا امرأة قبل كل شيء. وأعتقد أن النتيجة هذه كانت تستحق الانتظار"، بحسب تعبيره.

حتى أنغيلا ميركل التي لا تتبنى شخصياً لقب نسوية لم تقوَ على الإحجام عن التعليق، فاعترفت بطريقتها المحافظة المعهودة "بالنسبة إلي، تولّي امرأة هذا المنصب للمرة الأولى مؤشرٌ جيد" في إشارة إلى فون دير لاين التي كانت ميركل قدوة لها.

وكان للسيدتين نصيبهما من الاصطدام بالسقف الزجاجي الذي يعيق التقدم وحتى إن لم تحطماه كلياً، نستطيع القول إنهما أحدثتا شقوقاً فيه على أقل تقدير.

بالنسبة إلى لاغارد التي وُلدت في باريس، فإضافةً إلى أنها أول امرأة تترأس صندوق النقد الدولي، كانت كذلك أول أنثى تتولى منصب وزيرة المالية على مستوى اقتصادات دول مجموعة الثماني. وهي في الأساس محامية وكانت أول امرأة تدير مكتب المحاماة الدولي "بايكر وماكينزي"، ويظهر اسمها باستمرار في كل القوائم الموثوقة التي تضم أسماء أكثر الشخصيات نفوذاً في العالم، بغض النظر عن الجنس.

أما وزيرة الدفاع الألمانية فون دير لاين، وهي غير معروفة بالقدر نفسه دولياً، فنشأت في بروكسيل وارتادت كلية لندن للاقتصاد. ومع أنّ السياسة تسري في عروقها نوعاً ما (إذ كان والدها موظفاً مدنياً بارزاً في الاتحاد الأوروبي خلال ستينيات القرن الماضي) لم تدخل هذا المضمار سوى في وقت متأخر نسبياً، وقد تخصصت في مجال الطب ولديها من الأولاد سبعة. 

وشغلت منصب وزيرة الشؤون الأسرية في ألمانيا بين عامي 2005 و2009 وكان دورها أساسياً في تحسين المخصصات المالية للوالدين ورفع حصة النساء من المناصب القيادية في الشركات، في بلد لا يزال يتمسك بشكل كبير بمعتقد أن دور المرأة الأساسي هو الرعاية، وهو موقف يتستر عليه بعناية. ودعت فون ديرلاين أخيراً إلى زيادة ميزانية القوات العسكرية الألمانية.

لدى السيدتين إذاً سيرة ذاتية مبهرة وفي جعبتهما ما يفيض من الإنجازات، ولكن من غير المؤكد أن تؤهلهما بالشكل الكافي لمواجهة المهام الجبارة التي عليهما الاضطلاع بها الآن.

يكمن التحدي الأساسي بالنسبة إلى لاغارد في تنشيط اقتصاد منطقة اليورو الراكد. فقد انتعشت الأسواق عندما وصل خبر احتمال توليها رئاسة البنك المركزي الأوروبي إلى مسامع التجار والمستثمرين، إذ سادت التوقعات بأنها ستستكمل مسار السياسات التي انتهجها دراغي في تحفيز النمو. ولكن مخزونها من الأدوات والوسائل لتحفيز النمو في المنطقة ودفعها نحو الازدهار مجدداً ليس وفيراً.   

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأثر عدد من العوامل، منها خليط حروب التجارة الدولية وتعاظم الغموض الجيوسياسي (ومن أسبابه بريكست على سبيل المثل لا الحصر) والنمو الاقتصادي العالمي البطيء، في منطقة اليورو خصوصاً في ألمانيا التي تعتمد على التصدير. وأثبتت لاغارد أنها مفاوضة متمرسة ودبلوماسية بارعة بعد نجاحها بإصلاح سمعة صندوق النقد الدولي التي لطّختها اتهامات غير مثبتة بالاغتصاب وُجهت إلى سلفها دومينيك ستراوس كان. ولكن ليس لديها خبرة رسمية في مجال إدارة بنك مركزي أو صوغ سياسة مالية وتنفيذها.

وحتى لو كانت خبيرة في هذه المواضيع، فالخيارات المتاحة أمامها محدودة للغاية، إذ بلغت أسعار الفوائد التي يمكن تقليصها لتحفيز النمو الاقتصادي، أقل معدلاتها. في متناولها اليوم إما أن تقلّصها أكثر أو أن تلجأ إلى إجراءات غير تقليدية - كالتيسير الكمي مثلاً - ولكن في وقت تبلغ الرقابة ذروتها وتفتقر هي إلى خبرات اقتصادية، لا بد من أن تتعرض لمساءلة حادة من جانب الإداريين المخضرمين في الاتحاد الأوروبي، ولا سيّما في حال اضطررنا إلى دخول مرحلة ركود جديدة.

في المقابل، بدأ التشكيك في ملاءمة فون دير لاين للمنصب، وبلغ أقصاه في مسقط رأسها، إذ رفض "الديمقراطيون الأحرار في ألمانيا"، وهم من مناصري قطاع الأعمال، هذا التعيين بصراحة، فقالوا إنها "ليست أفضل المرشحين". أما حزب الخضر، فسخر من تسميتها ووصفوها بأنها "صفقة من صفقات الكواليس التقليدية".  

يبدو أنّ أحد أهم أسباب الخلاف معها هو القرارات التي اتخذتها كوزيرة للدفاع تسلمت إدارة قوات عسكرية تعاني من شح التمويل. وهي وظيفة معروف أنها سيف ذو حدين، قطع المسيرة السياسية لكثيرين ممن شغلوا هذا المنصب قبلها.

ولطّخت سمعتها أيضاً اتهامات بالمحسوبية بعد تلزيم عقود عسكرية ضخمة لشركات استشارية من ضمنها ماكينزي، وهي شركة يملكها ابن صاحب عملها السابق. أما مزاعم سرقتها للمحتوى الفكري لإعداد أطروحة الدكتوراه التي قدمتها، فتم نفيها.

وسواء كانت السيدتان مؤهلتان لتولي منصبيهما أم لا، في زمنٍ تلوح فيه بريكست في الأفق ولا يُستبعد وقوع أزمة اقتصادية جديدة ويلوح خطر تفاقم حروب التجارة العالمية، فستتوليان، إذا تأكّد تعيين كريستين لاغارد الساحرة وأورسولا فون دير لاين الدمثة الأخلاق، مهمات لا تُحسدان عليها، إذ يقع على عاتقهما توجيه دفة القارة الأوروبية المتضررة خلال إحدى أقسى مراحل تاريخها. وتبدأ ولايتهما في اليوم ذاته وهو الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، أي بعد يوم على موعد خروج بريطانيا المحتمل من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.

إن تعبير "السقف الزجاجي" متعارف عليه عالمياً للدلالة على الحاجز غير المرئي الذي تصطدم به النساء خلال مسيراتهن المهنية بسبب جنسهن. وظهرت أخيراً نظرية "المنحدرات الزجاجية" القاضية بإسناد الأدوار القيادية إلى النساء حين تواجه المنظمات الصعاب بسبب الاعتقاد السائد بأنهن يتمتعن بدماثة خلق أكبر واعتدال وبمقدرة على التفكير المنطقي في الظروف كافة ويتحلين بمهارات التواصل الفعالة.

كتبت من قبل أنني أؤمن بتفوق النساء في المناصب القيادية خلال الأزمات مقارنة بالرجال. نقف في أوروبا اليوم على شفير هاوية، لذا يهمّني اختبار نظريتي. آمل في أن تستطيع حتى أكثر الناشطات النسويات صرامة أن يرَيْن أن الكفة قد تُرجح أي من الجانبين في هذه المرحلة. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء