Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي يحول دون رد العراق على القصف الإيراني والتركي؟

ثمة أوراق أخرى بإمكان حكومة السوداني اللعب بها مع الجارتين الشمالية والشرقية على رأسها الملف الاقتصادي

أعلنت وزارة الخارجية العراقية أنها ستتخذ إجراءات دبلوماسية بمستوى عال (أ ف ب)

مع تجدد القصف الإيراني على المدن والبلدات الواقعة في إقليم كردستان العراق، يتجدد التساؤل في الشارع العراقي في شأن المواقف المتوقعة من الحكومة، وما إذا كانت ستقدم على اتخاذ خطوات أكثر جرأة في شأن انتهاكات طهران وأنقرة المتكررة أم تكتفي باتخاذ إجراءات شكلية قد "لا تتلاءم مع خطورة ما يجري".

وفيما وجهت الحكومة العراقية قطاعات عسكرية للتمركز على الحدود مع إيران وتركيا، فإنه لا يلوح في الأفق أي رد فعل إزاء ما جرى من قصف متكرر على أراضي إقليم كردستان.

ويقول متابعون سياسيون، إن كل الحكومات المتعاقبة في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، "لم تبد أي مواقف حازمة إزاء انتهاك سيادة البلاد، وكانت تكتفي في عديد من الأحيان بإصدار بيانات من دون التلويح باستخدام أي أوراق ضغط ضد الدولتين".

واكتفت الحكومة العراقية بإدانة القصف الإيراني الأخير على إقليم كردستان، إلا أنها لم تتخذ مواقف أبعد من ذلك، في المقابل بررت طهران عملياتها العسكرية بأنها تأتي بعد فشل جهود "إخراج الجماعات الإرهابية" من الأراضي العراقية.

وفي حين أعلنت وزارة الخارجية العراقية أنها ستتخذ إجراءات دبلوماسية بمستوى عال، فإن كثيراً من المتابعين يستبعدون ذلك، ويرجحون اكتفاء الحكومة بالبيانات الرسمية من دون اتخاذ أي موقف حقيقي.

وفي سياق المجتمع الدولي، لا يبدو الموقف مغايراً بشكل كبير. ففي حين دانت عديد من السفارات الغربية القصف الإيراني والاعتداءات المتكررة من طهران وأنقرة، إلا أنها لم تتخذ مواقف أعلى من ذلك، وهو الأمر الذي يعزوه مراقبون إلى عدم رغبة واشنطن أو الدول الغربية في فتح جبهات جديدة في ظل الانشغال بالأزمة الروسية- الأوكرانية.

وكان الحرس الثوري الإيراني، قال في بيان، إنه نفذ عملية عسكرية باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة لاستهداف مقار "جماعات إرهابية" في إقليم كردستان، مشيراً إلى أنه يستخدم تلك المقار لنقل السلاح إلى إيران، وهو ما يراه مراقبون محاولات غير مقنعة لتبرير القصف المتكرر الذي طال في عديد من الأحيان بلدات سكنية ومدارس وأوقع عديداً من الضحايا بين المدنيين.

آلاف "الانتهاكات" خلال السنوات الأخيرة

عمليات القصف التركية والإيرانية مستمرة منذ عام 2003، وتوسعت خلال السنوات الأخيرة حتى باتت تركيا تمتلك عشرات القواعد العسكرية، فيما تطلق كلتا الدولتين الصواريخ على مدن وبلدات مأهولة بالسكان في إقليم كردستان العراق تحت ذريعة مواجهة أحزاب كردية معارضة.

ولم تتوقف عمليات القصف الإيرانية على مواقع حدودية، إذ قصفت طهران مدينة أربيل مركز إقليم كردستان في مارس (آذار) 2022، بالصواريخ الباليستية، فيما أشار الحرس الثوري الإيراني حينها إلى أن القصف "استهدف مقراً للموساد الإسرائيلي"، و"هي تهمة لطالما استخدمتها طهران وأذرعها في تبرير أي انتهاكات سواء داخلية أو خارجية"، بحسب خبراء عسكريين.

كذلك بلغت انتهاكات تركيا للأراضي العراقية أكثر من 22 ألفاً منذ عام 2018، بحسب وزير الخارجية السابق فؤاد حسين. وتتذرع تركيا في تبرير هجماتها بوجود اتفاقية بينها وبين العراق، وهو الأمر الذي نفته وزارة الخارجية العراقية. وقالت إن الاتفاقية انتهى مفعولها عام 1985.

وخلال الفترة الأخيرة. تقول بغداد إن الانتهاكات التركية والإيرانية وصلت ذروتها مخلفة عديداً من الضحايا المدنيين، إذ استهدفت تركيا منتجعاً سياحياً في مدينة زاخو في إقليم كردستان مخلفة تسعة قتلى و33 جريحاً، فيما قصفت إيران نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي منطقة زركويز في محافظة السليمانية وكيسنجق في محافظة أربيل، مخلفة سبعة قتلى ونحو 24 جريحاً، إضافة إلى تسبب القصف في حالة من الهلع لدى سكان المناطق القريبة.

ضغوط داخلية تعرقل الرد

ويرى رئيس مركز للدراسات البحثية باسل حسين، أن "غياب الإرادة السياسية" يمثل السبب الرئيس في عدم تمكن بغداد من الرد على القصف الإيراني والتركي، مبيناً أن السمة الرئيسة للنظام السياسي باتت "فقدان وحدة صناعة القرار السياسي، ووجود علاقة بين فصائل وأشخاص سياسية وعسكرية والدولتين لا سيما مع الجانب الإيراني".

ويثير توقيت الهجمات الإيرانية الأخيرة عدداً من التساؤلات، إذ تأتي في الوقت الذي تعاني فيه سلطة المرشد علي خامنئي من مشكلات داخلية واسعة، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد أن طهران "تعمل على تصدير أزمتها إلى الخارج، كإحدى أدوات مواجهة أزمتها الداخلية المتمثلة بالتظاهرات المناوئة للنظام"، بحسب حسين.

ويرجح حسين بقاء الرد العراقي في سياق الحراك الدبلوماسي، الذي يتسم بـ"عبارات واهنة ضعيفة لا تتناسب مع حجم العمليات العسكرية التي تجريها تلك الدول".

"تهريب وسلاح ومطلوبون"

ويقابل الحديث عن رد مؤثر من قبل صانعي القرار السياسي في بغداد على الانتهاكات التركية والإيرانية المتكررة بسخرية وتهكم واسعين في الشارع العراقي، إذ يرى الصحافي أحمد الزبيدي، أن هناك "شبه اتفاق داخلي" على بقاء المناطق الحدودية تدار بتلك الطريقة لضمان استمرار أنشطة عدة على رأسها "تهريب النفط والمخدرات والسلاح وتنقل المطلوبين وعديد من الأنشطة الأخرى".

ويشير الزبيدي إلى أن أي رد فعل رسمي عراقي، حتى وإن كان ضمن السياق الاقتصادي، سيواجه بـ"ضغوط داخلية من ميليشيات وأحزاب موالية لإيران وتركيا"، مبيناً أن "أطراف السلطة لم تعد تتحرج من إيجاد الذرائع والمبررات للانتهاكات بحق السيادة العراقية".

ولطالما سوقت المنصات المقربة من أجواء الميليشيات الموالية لإيران أو الأحزاب القريبة من تركيا عديداً من المبررات للقصف التركي أو الإيراني، واستخدمت الذرائع ذاتها التي تروجها طهران وأنقرة، وعلى رأسها وجود "جماعات إرهابية أو مراكز استخبارات أجنبية تستهدف الأمن القومي لتلك الدول".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى الزبيدي أنه لا يمكن الحديث عن القصف الإيراني الأخير بمعزل عما يجري في الداخل الإيراني وموجة الاحتجاجات العارمة، لافتاً إلى أن طهران تحاول "تخفيف الضغوط الداخلية من خلال تصدير أزماتها إلى الخارج، وتصوير الاحتجاجات على أنها أنشطة لجماعات إرهابية وانفصالية".

ويبدو أن من بين أبرز موانع اتخاذ العراق أي موقف من القصف الإيراني الأخير هو "غياب الظهر الشعبي الساند لتلك الحكومة"، الأمر الذي يدفعها إلى "عدم المجازفة" في اتخاذ أي مواقف من شأنها تأليب طهران عليها في هذا التوقيت.

ويعتقد الزبيدي أن أي حكومة تنبثق من رحم الجماعات الولائية ستتخذ المواقف ذاتها، مشيراً إلى أن انشغال المجتمع الدولي بالحرب الروسية- الأوكرانية سيوفر مساحة مريحة لطهران في التمدد للسيطرة على مساحات أكبر "في الخريطة العسكرية على الحدود العراقية – السورية".

"الاقتصاد" عامل غائب في الضغوط

على الرغم من استبعاد مراقبين إمكانية رد بغداد عسكرياً على تلك الاعتداءات، فإن ثمة أوراقاً أخرى بإمكان حكومة السوداني اللعب بها مع الجارتين الشمالية والشرقية، على رأسها الملف الاقتصادي، بخاصة أن تركيا وإيران تحظيان بأكبر حجم تبادل تجاري مع العراق بعشرات المليارات سنوياً، إضافة إلى عديد من الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية الأخرى.

ويقول الأكاديمي والسياسي العراقي إحسان الشمري، إن ضعف العراق في الرد على الانتهاكات التركية والإيرانية ناتج من جملة عوامل، أبرزها "وجود أزمات داخلية مستمرة، وتباين في المواقف بين الفرقاء السياسيين، ووجود ولاءات للدول المعتدية داخل المنظومة السياسية العراقية".

ويضيف أن عدم قدرة العراق على "إنشاء شبكة علاقة دولية ضاغطة" يمثل هو الآخر سبباً في "عدم قدرة بغداد على تشكيل لوبي دولي مساند له بالضد من أي انتهاكات".

وتعد "الورقة الاقتصادية" عاملاً مهماً في تسليط ضغوط على طهران وأنقرة، كما يشير الشمري الذي يعتقد أن ضعف المناخ الإنتاجي في الداخل العراقي يجعل استخدام الاقتصاد كوسيلة ضغط أمراً صعباً للغاية.

و"تأتي الهجمات الإيرانية الأخيرة في ظل حكومة الإطار التنسيقي (الموالي لإيران)، الأمر الذي يسهم بشكل واضح في إحراج تلك القوى أمام الرأي العام العراقي" بحسب الشمري، الذي يلفت إلى أنه على الرغم من الإحراج "لم يقدم حلفاء طهران على أي تحرك في هذا السياق، بل إن بعض منصاتهم باركت التمدد الإيراني على حساب العراق ما يزيد من إحراج حكومة السوداني".

ويبدو أن طهران اختارت توقيت عملياتها العسكرية بعناية، إذ يرى الشمري أن صانعي القرار في إيران يدركون أن "السلطات العراقية الحالية لن تقدم على أي خطوة باتجاه مجلس الأمن، كما لوحت حكومات سابقة"، مبيناً أن طهران تحاول أيضاً تصدير إشكالاتها الداخلية في هذا التوقيت إلى أرض هشة كالعراق.

ويختم بأن ما يمكن توقعه من إجراءات عراقية لن يتعدى حدود "التنسيق بين بغداد والإقليم لإخراج هذه الجماعات من الأرض العراقية، وإمكانية تحرك السوداني باتجاه طهران للحصول على ضمانات بعدم حصول هجوم بري".

المزيد من تقارير