Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المخرج الإيراني أصغر فرهادي من مراكش: المشاعر لغة عالمية أولى

يتابع الحراك السياسي في بلاده وعلى يقين بأن التغيير سيحدث قريباً وأكد أنه يصور بأوروبا رغماً عنه

المخرج الإيراني أصغر فرهادي أثناء حديثه في الجلسة المخصصة له بمهرجان مراكش السينمائي الدولي (إدارة الإعلام بالمهرجان)

ضمن جلساته الرسمية، كان جمهور مهرجان مراكش السينمائي الدولي على موعد مع المخرج الإيراني صاحب جائزة الأوسكار أصغر فرهادي، فهو صاحب تجربة ملهمة، إذ قدم أول أعماله من خلال فيلم "الرقص في الغبار" (2003). وفاز فيلمه الثالث "ألعاب الأربعاء النارية" (2006) بجائزة هوغو الذهبية في مهرجان شيكاغو السينمائي الدولي، بينما فاز فيلم "عن إيلي" بجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج في مهرجان برلين السينمائي الدولي.

وفرهادي المولود في إيران عام 1972 نال فيلمه "انفصال نادر وسيمين" (2011) الإشادة من النقاد وعديداً من الجوائز في جميع أنحاء العالم، منها أوسكار أفضل فيلم بلغة أجنبية، ليكون بذلك أول مخرج إيراني يفوز بجائزة الأوسكار، وبعدها أخرج وكتب عديداً من الأفلام المميزة مثل "الماضي" (2013)، و"البائع" (2016)، الذي منحه جائزة أوسكار ثانية لأفضل فيلم بلغة أجنبية، وأخرج وكتب الفيلم الإسباني "الجميع يعرف" (2018) بطولة بينلوبي كروز وخافيير برديم ثم فيلم "بطل" عام 2021.

الوضع الإيراني السياسي

وعلى رغم أن الجمهور كان متطلعاً للحديث عن الأوضاع السياسية في إيران والحراك الجديد وتأثيره خلال اللقاء الذي عقده فرهادي عبر جلسة رسمية بالمهرجان، لكن المخرج الإيراني تجنب التطرق لتفاصيل سياسية شائكة، واكتفى بتأكيد أنه لا يغفلها ويتابع بمنتهى الاهتمام ما يحدث في بلده ولشعبه، أنه وعلى رغم حال الحزن التي تسيطر عليه بسبب الأحداث، إلا أنه على يقين بأن المستقبل سيحمل مفاجآت وتغيرات إيجابية، وأن النضال الإيراني الحالي سينجح في النهاية.

ورداً على اتهامه بالعمل خارج إيران في أفلام عدة بدول أوروبية، قال فرهادي إنه يفضل أن يصور في بلده وهي البيئة التي يتمنى أن ينتج فيها كل أعماله، لكن الظروف ليست دائماً مواتية لتنفيذ ذلك، ولهذا قرر أن يقدم أعمالاً في بيئات وثقافات ودول أخرى لأسباب عدة، أهمها إثبات أن حاجز اللغة ليس عائقاً أمام الإبداع، فمثلاً في فيلم "الجميع يعرف" الذي صوره في إسبانيا بإحدى القرى وكان باللغة الإسبانية، وأبطاله نجوم إسبان وعالميون مثل بينلوبي كروز وخافيير برديم، اختار أن يصور في قرية تشبه في روحها قريته التي تربى فيها بإيران.

يقول فرهادي إنه توصل إلى نتيجة مهمة وهي أن "البيئات والثقافات والدول قد تختلف، لكن تبقى المشاعر الإنسانية واحدة في كل مكان وزمان، وهناك صراعات وأزمات نفسية يعانيها الجميع في كل العالم، ولهذا فاللعب السينمائي على المشاعر الإنسانية لا يقف أمامه أي عائق، ويمكن أن يتفاعل كل إنسان مع أي مشاعر بشرية في أي مكان على الأرض وبأية لغة مهما كانت".

وأشار إلى أنه كمخرج يهتم بتعابير الوجه والصورة وهي لغة بحد ذاتها تسير في قنوات الشعور الإنساني لدى كل العالم، وهذه هي بحق اللغة العالمية.

الجميع يعرف

وكشف فرهادي في تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية" عن سر تقديمه الفيلم الإسباني "الجميع يعرف" الذي أثار بعض الانتقادات، قائلاً إن "هذا الفيلم تحديداً أعتبره بهويتي الإيرانية قريباً جداً مني ومن طبيعة شعبي، فنحن كإيرانيين لدينا حنين للماضي، وفي أحيان كثيرة لا أفكر إلا في الشغف الذي يحدثه الماضي فينا، وعندما بدأت في التفكير بقصة الفيلم تحدث معي صديق إسباني وقال لي مثلاً كوبياً أثر في بشكل كبير وغير توجهاتي وهو ’نحن لا نعلم أي ماض ينتظرنا‘، وهنا شعرت أن كل شخص قد يظهر له ماض يغير صورته البطولية والإنسانية، وبكل أسف الناس لا يسامحون على أي ماض، وفي فيلم ’الجميع يعرف‘ لعبت على نقطة هي كيف يؤثر فينا الماضي؟ وهل يمكن أن تظهر تفاصيل منه تغير كل حياتنا".

وتابع فرهادي "ربما في فيلمي ’بطل‘ الذي قدمته عام 2021 تعرضت لفكرة الماضي وتأثيره أيضاً في البطل، وإحساس الناس بالذنب الذي يتحول أحياناً إلى عقدة، وكيف تتحول أخطاء صغيرة إلى مآس كبرى، وطرحت فكرة عدم غفران الناس أخطاء صغيرة للآخرين مهما كانوا أبطالاً، وكيف تصنع بطولات وهمية لا أساس لها أيضاً، وربما لي طريقة معينة وتوجه نفسي في الفكر والإحساس ويسيطر علي الشعور بالحنين والتفكير الدائم في الأحداث السابقة".

وأضاف أنه صور فيلم "بطل" أثناء جائحة كورونا وعلى رغم الذعر الذي انتاب الناس من الكوفيد فكر هو بشكل آخر واستفاد من فترة الإغلاق بتحضير العمل بشكل مريح ووقت كاف، فبدلاً من تحضيره في شهرين استغرق سبعة أشهر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن تميزه الدائم بفكرة الصراع والتحولات الدرامية قال "أعبر في كثير من أفلامي عن فكرة الأزمات وكيف يتحول الأشخاص، وأهمية المشكلات والمواقف الصعبة لنكتشف حقيقة الآخرين. وأعتبر هذا الصراع هو العمود الفقري للفن، فلماذا أقدم شخصية بلا هدف أو أزمة؟ ما الذي يمكن أن يفيد المشاهد عندما يرى شخصيات عادية جداً لم يكتشف حتى أعماقها؟ لذلك أحرص في أفلامي على وضع أزمات قديمة وحديثة وصراعات تكشف عن الشخصيات وتحولها".

وبالنسبة إلى الثقافة الإيرانية الحالية قال فرهادي إن الشعب الإيراني متطلع جداً للفنون والآداب لدرجة أنه يشاهد المسرحيات الأجنبية ويحفظها سواء أوروبية أم أميركية أكثر من بلد العمل نفسه، مضيفاً "قدمت فيلم الزبون عن زوج وزوجة يعملان بالتمثيل وعندما يرحلان لإحدى الشقق الجديدة للإقامة يكتشفان أن الساكنة التي سبقتهما كانت عاهرة، ويأتي أحد زبائنها ليصطدم بالزوجين، وقد كان للقصة علاقة بمسرحية لآرثر ميللر واكتشف الجمهور ذلك بمنتهى السرعة والذكاء، ووضعوا علاقة بين فيلمي وميللر. وكطبيعة كل أفلامي كان هناك حتمية لحضور الماضي ورؤية انعكاساته، وإعادة تقييم الأمور بشكل آخر جديد".

أوسكار انفصال

وعن فيلمه "انفصال" الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي والمرشح لجائزة أفضل سيناريو، ويدور عن معاناة عائلة من المجتمع الإيراني، والمشکلات التي يفرضها الواقع الاجتماعي على تلك العائلة في ظل الظروف التقليدية السائدة فی إيران، من خلال زوجة تطلب الطلاق حتى تستطيع السفر والعيش في ظروف أفضل خارج البلاد، قال "حين كتبت الفكرة أدركت أنها محلية جداً وتخص المجتمع الإيراني، ومع ذلك لم أتردد فأنا من الأساس أحب أن أستغرق في مواضيع محلية، المهم أن تمس الإنسان بشكل كبير، ولم أتخيل رد الفعل الكبير والإيجابي الذي حدث بعد عرض الفيلم وترشحه للأوسكار وفوزه، وهذا يعني أن استراتيجيتي صحيحة في التعبير عن المشاعر الإنسانية بغض النظر عن اللغة والمجتمع والبلد، وكل هذا يصل بسهولة إلى كل شعوب العالم لأن المشاعر هي اللغة العالمية الأولى".

وتحدث فرهادي عن بدايته السينمائية، وأشار خلال جلسته الحوارية بمهرجان مراكش إلى أنها جاءت بالصدفة، حينما خرج من دون علم والده مع صديقه إلى إحدى القرى ليشاهد في قاعة العرض السينمائي الوحيدة أحد الأفلام لكنه وصل وكان الفيلم في منتصفه، وشغله ذلك كثيراً وصار يفكر ويتخيل ليلاً ونهاراً في المشاهد التي لم يرها وكيف يمكن أن تكون".

وتابع أنه في الماضي كان الانبهار بالجانب التقني هو جوهر علاقة المشاهد بالسينما، وكانت أشبه بعلاقة عمودية يفرض فيها المخرج رؤيته على الجمهور، لكنه لا يحبذ ذلك أبداً، ويعتبر أن هذا الوضع تغير تماماً بحيث أصبح المخرج والمشاهد على صعيد واحد متساو ومتكافئ جداً "ولا يجوز أن يفرض المخرج وصايته وآراءه على الناس الذين يفهمون جيداً أيضاً وبمنتهى الذكاء".

واختتم حديثه مشدداً على أنه من غير اللائق لمخرج أن يفرض على الجمهور وجهة نظر من دون إشراكه في عملية إصدار الأحكام، ولهذا فهو كمخرج ينسحب تماماً من موقع إصدار الأحكام ويترك السلطة للمتفرج كاملة.

المزيد من ثقافة