Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح القمة الفرنكوفونية بتونس في إعادة الفرنسية إلى مكانتها؟ 

احتجاجات جنوب البلاد ومحاولات للوصول إلى جزيرة جربة حيث يعقد الحدث والشرطة تطلق الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين

الرئيسان الفرنسي ايمانويل ماكرون والتونسي  قيس سعيد (أ ف ب)

تنطلق غداً السبت، 19 نوفمبر (تشرين الثاني)، في جزيرة جربة التونسية التي تلقب بجزيرة الأحلام، الدورة الـ18 من القمة الفرنكوفونية، في وقت تشهد فيه اللغة الفرنسية تقهقراً مستمراً لصالح لغات أخرى على غرار الإنجليزية في البلد الواقع شمال أفريقيا.

في المقابل، قال شهود إن الشرطة التونسية أطلقت الغاز المسيل للدموع، اليوم الجمعة 18 نوفمبر، لتفريق محتجين في جرجيس جنوب البلاد حاولوا الوصول إلى جزيرة جربة حيث ستعقد القمة. وتجتاح جرجيس، التي يربطها بجربة جسر طويل، احتجاجات منذ أسابيع على عدم استجابة الدولة التونسية لوفاة سكان محليين في غرق مراكب للمهاجرين.
وقال سليم زريدات، أحد المحتجين ووالد شاب فقد في مركب للمهاجرين "أردنا الاحتجاج وإيصال أصواتنا في جربة لكن جواب السلطة كان بالقوة وقمعنا... أردنا أن نوصل صوتنا بأن نطلب معرفة مصير أبنائنا". وتابع أن الشرطة أطلقت الغاز بكثافة وسقطت إصابات عدة.
وزريدات ضمن مجموعة من أقارب لأشخاص من منطقة جرجيس غرقوا قبل أسابيع في حوادث تحطم كثير من الزوارق التي يستقلها المهاجرون سعياً لعبور البحر المتوسط إلى أوروبا.
وذكر غسان بورقيبة، وهو محتج آخر "ما حصل هو فضيحة... لقد أطلقوا الغاز وهناك اعتداءات على الجميع بمن فيهم النساء".
القمة، التي أجلت مرتين لدواع قالت السلطات التونسية والمنظمة الفرنكوفونية إنها تعود إلى جائحة "كوفيد-19"، ستشهد حضور رؤساء ورؤساء حكومات دول أعضاء في منظمة الفرنكوفونية التي تضم 88 دولة على غرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو.
 
 
وقال المنسق الإعلامي للقمة الفرنكوفونية محمد الطرابلسي إن "89 وفداً أكد مشاركته السبت في القمة، منها 31 رئيس دولة وحكومة وخمسة نواب وزراء دول (رؤساء وزراء) وعدد مهم من وزراء الخارجية والوزراء المكلفين بالفرنكوفونية وعدد من وزراء آخرين وسفراء وسبعة أمناء عامين لمنظمات دولية وإقليمية (...) وهذه الأعداد قابلة للتغيير".

 

لا تفتح آفاقاً
 
في الوقت الذي ستعد فيه القمة مكسباً دبلوماسياً للرئيس التونسي قيس سعيد، الذي يقول معارضوه إنه فشل في تطوير دبلوماسية بلاده في ظل تدهور اقتصادي مستمر، فإن الفرنكوفونية تواجه وضعاً صعباً في المستعمرة الفرنسية السابقة.
ويرى خبراء أن الأمر لا يتعلق بتونس فحسب، إذ تراجعت اللغة الفرنسية على رغم الأهمية التي تكتسيها على المستوى الثقافي لصالح لغات أخرى أهمها الإنجليزية في العقود الأخيرة.
واعتبر وزير التعليم التونسي الأسبق ناجي جلول أن "الفرنكوفونية لم تستطع التحول إلى منظومة اقتصادية وثقافية، بقيت تجسد مجمعاً للمستعمرات الفرنسية القديمة فقط".
وتابع جلول في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "الفشل الثاني للفرنكوفونية في السنوات الأخيرة تجسد في تراجع دول كانت تمثل رمزاً ومعقلاً للفرنكوفونية مثل الجزائر عن اعتماد الفرنسية لغة ثانية، علاوة على تعنت باريس التي لا تريد التأقلم مع الوضع العالمي الجديد (...) عليهم الإقرار بأن اللغة الإنجليزية أصبحت اللغة الأولى، وتبقى الفرنسية فقط لغة ثقافة وغيرها في المرتبة الثالثة".
وشدد الوزير الأسبق على أنه "بالنسبة إلى تونس حتى الشباب يدرك اليوم أهمية الإنجليزية، 88 في المئة من البحث العلمي تقريباً باللغة الإنجليزية التي باتت تفتح آفاقاً للشباب عكس الفرنسية على رغم أهميتها (...)، حتى دول الخليج تعتمد الإنجليزية منذ سنوات، وحتى في فرنسا البحوث العلمية تتم باللغة الإنجليزية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

وكانت تونس من بين الدول التي لعبت دوراً مهماً في تأسيس منظمة الفرنكوفونية في مارس (آذار) 1970، حين أيد آنذاك الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة بقوة إنشاء منظمة للدول التي تعتمد اللغة الفرنسية، لكن نجم هذه اللغة أخذ في الأفول في العقود الأخيرة متأثراً بعديد من الدوافع.
وعلى رغم التحضيرات المكثفة، التي قامت بها السلطات التونسية لإنجاح القمة الفرنكوفونية مما يعكس أهمية الفرنسية في تونس، فإنه من الصعب الجزم بأن هذه المحطة ستغير من واقع هذه اللغة في بلد يتصاعد فيه الغضب تجاه باريس بخاصة لإرثها الاستعماري.
وهناك شبه إجماع في تونس على أن تردي واقع الفرنسية في البلاد، بعد عقود من الازدهار يعود إلى هذه اللغة في حد ذاتها التي تراجعت بخاصة في حقول العلوم وغيرها لفائدة لغات أخرى.
وتقول الأستاذة بالجامعة التونسية سلوى الشرفي إن "الخطأ هو خطأ فرنسا أولاً التي سقطت سقوطاً مريعاً في العلوم بما في ذلك العلوم الإنسانية"، لافتة إلى أن "الشباب التونسي ليس منقطعاً عن العالم بسبب ضعف اللغة الفرنسية، بالعكس غالبهم يأخذون دروساً في الإنجليزية ولا بأس بهم".

 

حقد على فرنسا
 
يفسر البعض تراجع الفرنسية في تونس إلى حقد لا يزال كامناً في النفوس ضد باريس، بسبب إرثها الاستعماري الذي تسبب في جراح يبدو أنها لم تندمل بعد، لا سيما في ظل استدعاء نخب سياسية على غرار الإسلاميين الماضي الاستعماري لفرنسا من أجل ضرب خصومهم الذين يعتبرونهم موالين لباريس.
ويقول المؤرخ التونسي، محمد ذويب في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن "هناك عدداً من التونسيين ما زالوا يحملون نوعاً من الحقد على فرنسا (...) هم لم ينسوا جرائمها الاستعمارية وهو ما جعلهم يقاطعون إلى اليوم كل ما هو فرنسي".
واستقلت تونس عن فرنسا عام 1956، لكن السجالات في شأن الماضي الاستعماري لباريس عادت بقوة بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، ومهدت لصعود تيارات إسلامية على غرار حركة النهضة وائتلاف الكرامة. 
 
 
وفيما امتنعت "النهضة" عن استهداف فرنسا بشكل مباشر بعد توليها الحكم، فإن ائتلاف الكرامة الذي يعد ذراعاً من أذرعها حاول إحراج باريس من خلال طرح مذكرة للتصويت في البرلمان التونسي المحلول لمطالبة فرنسا بالاعتذار علناً عما سماها جرائمها الاستعمارية، لكن اللائحة رفضت من قبل الغالبية في مجلس النواب السابق.
ويوضح ذويب أن "في هذه مفارقة في الواقع، فائتلاف الكرامة نفسه لديه نواب وقيادات يحملون الجنسية الفرنسية"، لكنه يعتقد أن "الفرنسية ستستمر في التراجع ليس بسبب هذا الجدل السياسي بل نظراً إلى تزايد قوة لغات أخرى مثل الصينية والهندية اللتين تمثلان دولتين قويتين اقتصادياً، ولأن اللغة هي أداة تخاطب وممارسة يومية وهي في ترابط بكل ما هو اقتصادي وسياسي وثقافي في العالم".  
ويرجح المؤرخ التونسي أن تنجح القمة الفرنكوفونية المزمع تنظيمها في بلاده، لكنه أوضح أنه "من الصعب أن تعيد اللغة الفرنسية إلى قوتها السابقة في تونس لاعتبارات تتجاوز تونس في حد ذاتها، فالأمر يتعلق باعتبارات دولية بلادنا ليست في معزل عنها، هناك أزمة يعيشها الاتحاد الأوروبي وتحالفات دولية جديدة بصدد الظهور والتشكل على غرار مجموعة بريكس". 

 

جدل التعريب
 
يعيد النقاش في شأن تراجع الفرنسية في تونس تسليط الضوء على حقبات أسهمت في تشكيل النظام التعليمي الحالي، في بلد يعد من أبرز البلدان المصدرة للكفاءات إلى دول الخارج ومن بينها فرنسا.
وشهدت فترة حكم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة جدلاً واسعاً حول حملة تعريب كان الأمين الشابي وهو أول وزير تعليم تونسي بعد الاستقلال يحاول قيادتها، فيما رفضها بورقيبة بشدة قبل أن يصل الوزير الأول الراحل محمد مزالي إلى رئاسة الوزراء في 1969 ليباشر ذلك بنفسه.
ويقول المحلل السياسي محمد صالح العبيدي إنه "بالفعل هناك سياقات تاريخية طبعت تراجع الفرنسية في تونس من بينها حملة التعريب التي بلغت أوجها في الثمانينيات".
ويشير إلى أن "المشكل يبقى أعمق في المقابل، بحيث يشهد العالم تحولات ثقافية ولغوية واقتصادية لا يمكن إجبار التونسيين بأي حال من الأحوال على التخلف عنها".
وعادة ما يواجه الفرنكوفونيون في تونس حملات تنمر على غرار وصمهم بـ"أيتام فرنسا" على رغم الاعتماد الرسمي اللغة الفرنسية ثاني لغة في البلاد، وهو ما يعكس على ما يبدو آثار حملة التعريب والأبعاد التي تأخذها السجالات في شأن الهوية في تونس.

 

مناقشة المسار الديمقراطي
 
على رغم أن تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول منظمة الفرنكوفونية يتصدر قمة جربة، فإن المنعطف الذي شهدته تونس العام الماضي عندما قلب الرئيس قيس سعيد الطاولة على خصومه سيطغى هو الآخر على المناقشات في القمة المرتقبة، حيث ستثير كندا هذا الملف.
ولطالما تردد أن كندا تسعى إلى تأجيل القمة الفرنكوفونية بسبب التطورات السياسية المتسارعة التي تعرفها تونس، وذلك وسط مخاوف تبديها أحزاب المعارضة من المسار الذي تعرفه بلادهم منذ 25 يوليو (تموز) 2021، حيث تقاطع غالبية مكونات المشهد السياسي الاستحقاقات التي أقرها الرئيس سعيد.
وسعت أحزاب معارضة إلى إحراج المشاركين في القمة عشية انعقادها، إذ طالب الحزب الجمهوري "الوفود المشاركة بعدم مناقشة حقوق الإنسان والديمقراطية في بلد تنتهك فيه الحريات".
وتشهد تونس أجواء مشحونة سياسياً مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية، التي تعتبر المحطة الثانية في خريطة طريق أطلقها الرئيس سعيد غداة إطاحته خصومه الإسلاميين الذين قادوا الحكم بعد ثورة 14 يناير (كانون الثاني). 
وفيما يتهمه خصومه بتنفيذ "انقلاب" والعمل على إرساء "ديكتاتورية جديدة" يعد سعيد وهو أستاذ قانون دستوري متقاعد بحماية الحقوق والحريات التي تمثل مكسباً نادراً من الثورة المذكورة.
 
اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي