Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف انطفأ وهج التفاؤل بحكومة نجلاء بودن في تونس؟

تواجه الانتقادات من معارضين وموالين بعد مرور عام في السلطة

شاعت أجواء من التفاؤل عند تعيين بودن رئيسة للحكومة العام الماضي لا سيما في الأوساط الحقوقية والنسوية (أ ف ب)

في وقت تستعد فيه تونس لتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة ستفرز خريطة سياسية جديدة، وهو الاستحقاق الذي تقاطعه قوى سياسية بارزة، تتصاعد الانتقادات للحكومة برئاسة نجلاء بودن بعد مرور عام على توليها الحكم.

ولم تعد الانتقادات للحكومة تقتصر على المعارضة التي ترفض الاعتراف بالمسار الذي دشنه الرئيس قيس سعيد منذ 25 يوليو (تموز) 2021، بل امتدت حتى للأحزاب الموالية للرئيس التونسي التي لا تبدي أي رضا عن بودن وطاقمها الحكومي.

وكانت منظمة "أنا يقظ" غير الحكومية انتقدت بشدة حكومة بودن في وقت سابق، معتبرة أنها "أفشل حكومة منذ ثورة 14 يناير (كانون الثاني) عام 2011، ولم تحقق أي وعد لها".

حكومة قاصرة

عند تعيين بودن رئيسة للحكومة في تونس العام الماضي أشاع ذلك أجواء من التفاؤل لا سيما في الأوساط الحقوقية والنسوية والأحزاب الموالية للرئيس سعيد باعتبار أنها خطوة جريئة، إذ تعد بودن أول امرأة تتقلد منصب رئيس الحكومة.

لكن الأمر لم يعد كذلك الآن بعد أن باتت بودن وحكومتها في مرمى انتقادات المؤيدين لمسار 25 يوليو قبل المعارضين له، في ظل تأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي وغيره من المشكلات التي تواجهها تونس اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

زهير حمدي الأمين العام لحزب "التيار الشعبي" الموالي لسعيد، اعتبر أن "حكومة بودن لم تنجح في تنفيذ ما تقتضيه المرحلة، لأنها هي في حد ذاتها حكومة قاصرة عن أداء مهماتها، وليس لديها برنامج ورؤية سياسية واضحة بين مكوناتها وأعضائها وحتى رئيستها".

وأضاف حمدي لـ"اندبندنت عربية"، "هي حكومة تسيير أعمال أكثر منها حكومة مرحلة صعبة من تاريخ تونس، إذ تقوم بتسيير أوضاع البلد من دون رؤية أو برنامج واضحين يمكن محاسبتها عليهما".

وكان حزب "البعث" دعا الرئيس التونسي الإثنين إلى "تصحيح مسار 25 يوليو وتقييم أداء حكومة بودن التي فشلت في كل ما هو اجتماعي واقتصادي، الأمر الذي جعلها عاجزة عن تنفيذ تطلعات التونسيين" وفق تعبيره.

كما دعا عدد من الأحزاب المؤيدة لسعيد في وقت سابق إلى تعديل وزاري، لكن ذلك يبقى هدفاً صعب المنال لا سيما في ظل مساعي تونس للحصول على تمويل جديد من صندوق النقد الدولي، الذي يضع الاستقرار السياسي شرطاً من شروطه.

واستبعد زهير حمدي أن يجري سعيد تعديلاً وزارياً، قائلاً إن "اللحظة لم تعد ملائمة، وقد كان من المفترض أن تتم العملية في وقت سابق لوضع رؤية سياسية واضحة للحكومة على أن يكون لأعضائها قدرات سياسية وجرأة في اتخاذ القرار، لكننا الآن على بعد خطوات من الانتخابات التي تبقى لها الأولوية من أجل المرور إلى الوضع الدائم".

من المسؤول؟

في الجهة الأخرى تحمل قوى المعارضة مسؤولية فشل حكومة بودن للرئيس قيس سعيد الذي يحتكر أغلب الصلاحيات منذ 25 يوليو 2021 عندما اتخذ إجراءات أطاح من خلالها البرلمان السابق والحكومة السابقة برئاسة هشام المشيشي.

وقال الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" المعارض عصام الشابي، إن "من الإجحاف تقييم حكومة نجلاء بودن ونسبة كل ضعف في الأداء إليها، والحقيقة أنها أضعف حكومة في تاريخ تونس فهي غائبة غياباً كاملاً عن القضايا الحقيقية للتونسيين، وليس لديها رؤية لإصلاح الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي".

وتابع الشابي لـ"اندبندنت عربية" أن "المسار هو مسار الرئيس سعيد وهذه حكومته التي تعكس رؤيته وتوجهاته بمقتضى الأمر الرئاسي 117 الذي تم تشكيلها وفقاً له، وهذا الفشل الذريع يتحمل مسؤوليته هو نفسه"، لافتاً إلى أن "سعيد تعمد رسم خطة لتغيير النظام السياسي بالاعتماد على أجهزة الدولة، وهو ما جعل حصيلة الحكومة الحالية كارثية".

وتشهد تونس أزمات حادة حتى قبل تولي بودن مهماتها رسمياً، إذ أدى الركود الاقتصادي وتداعيات فيروس "كوفيد – 19" إلى موجة من الاحتجاجات التي تزامنت مع سجالات سياسية قوية في البرلمان المنحل بين حركة "النهضة" وخصومها.

وعن ذلك يقول الشابي "صحيح أن تونس كانت تعيش أزمة، لكنها اليوم على شفا الانهيار، ومنظومات الإنتاج في حال متردية، وأمننا الغذائي يعاني صعوبات كبيرة، وقطاعا التعليم والصحة يتم التخلي عنهما، وللمرة الأولى في تاريخ تونس يتخلف 400 ألف طالب عن العودة للدراسة".

لغز صندوق النقد

كانت حكومة بودن توصلت إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء للحصول على تمويل جديد قدره 1.9 مليار دولار على أربع سنوات، في خطوة بدت لافتة في توقيتها لا سيما أن هذا الاتفاق قد يعبد الطريق للمساعدات الثنائية من الدول المانحة التي كانت تنتظر رسائل إيجابية بأن تونس قادرة على تنفيذ إصلاحات توصف بالصعبة.

لكن ذلك لم يشفع لحكومة بودن التي وجدت نفسها في مرمى اتهامات أحزاب المعارضة والموالاة على حد سواء، بخاصة أنها لم تنشر بنود الاتفاق مع الصندوق وسط مخاوف من التفويت في منشآت عمومية أو تسريح موظفين عموميين.

من جهته أبدى عصام الشابي تخوفه من أن الحكومة الحالية في تونس تمضي قدماً نحو تنفيذ ما سماه "إملاءات صندوق النقد"، مشيراً إلى أن "الحكومة بصدد التستر والتكتم على الاتفاق لأنها واعية بأن هناك التزامات ستقطعها على نفسها من قبيل رفع الدعم عن مواد وسلع أساسية والتفويت في مؤسسات عمومية، وهي خيارات لم تشرك التونسيين في اتخاذها أو حتى تطلعهم عليها".

وتابع الشابي أن "المفاوضات مع الصندوق ضرورية لكن بأي تعهدات؟ وما انعكاساتها على حاضر ومستقبل البلد؟ فحكومة قيس سعيد ترفض بوضوح إطلاع التونسيين الذين هم أصحاب الحق ومن سيتحملون تبعات هذا الاتفاق على مضمونه، بالتالي فإن البلاد اليوم بعد أكثر من عام على تشكيل الحكومة تواجه تهديدات جدية بانفلات الأوضاع".

وكان الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية القوية في البلاد) وجه انتقادات حادة للتوجه الذي تقوم به الحكومة تجاه المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، رافضاً بشدة التفويت في المؤسسات العمومية التي يواجه بعضها شبح الإفلاس.

تغييرات جذرية

في المقابل ترى أوساط سياسية تونسية أن حكومة بودن لا يمكنها تحمل المسؤولية بشكل كامل، بخاصة أنها وجدت تركة ثقيلة من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في بلد عرف لعقد كامل تجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين ومعارضيهم، مما أدى إلى تهميش الاقتصاد بشكل كبير.

قال الناشط السياسي نبيل الرابحي، إن "العشرية الأخيرة اتسمت بالعبث السياسي، ونحن نتحدث عن استكمال مسار ثوري بدأ في 2011، بالتالي يجب أولاً القضاء على اللوبيات الاقتصادية والسياسية، وثانياً استرجاع الأموال المنهوبة، وثالثاً استكمال العملية السياسية بتأسيس جديد".

وشدد على أن "هناك منوالاً اقتصادياً جديداً يتألف من الشركات الأهلية والاقتصاد التضامني والتشاركي والشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، وهي عوامل ربما ينتج منها تطور في الاقتصاد التونسي مستقبلاً".

وثمن الرابحي التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد، قائلاً إن "المبلغ غير مهم، ولكن المهم أن المؤسسات المالية الدولية المانحة تعتبر هذا الاتفاق ضمانة، ومن يتحدث عن غموض في الإصلاحات مخطئ لأنها واضحة، ومنها التقليص من كتلة الأجور وليس تسريح الموظفين، ومراجعة منظومة الشركات العمومية كل على حدة، والرئيس حسم منظومة الدعم ليذهب إلى مستحقيه فقط".

لكنه استدرك بالقول إن "ما يمكن أن نلوم عليه حكومة بودن هي الطريقة التي تتواصل بها مع التونسيين، إن أكبر ضعف لدى هذه الحكومة هو السياسة الاتصالية".

المزيد من تقارير