كان ثمة زمن قادت فيه بريطانيا العالم في ابتكارات صارت تُعتبر الصناعات الأفضل في العالم وأدّت إلى إيجاد الوظائف وتحقيق الازدهار.
لقد كان الأمر بهذه البساطة. ولكن خلال العقود الماضية، فقدنا بشكل مأساوي قدرتنا على التقدّم والبقاء في الريادة. وفي حال تمكّنا من رؤية فرصة مناسبة، فهي سرعان ما تتعثر بسبب نقص الاندفاع في القيادات العليا، فتعلق في جمود حركة الحكومة البريطانية والتعقيدات الإدارية، على رغم أننا نحظى ببعض أذكى العلماء والمبتكرين في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فلنأخذ الطاقة على سبيل المثال. نحن متفقون جميعاً على أننا لا ننتج ما يكفي منها لتلبية حاجاتنا الوطنية. في الوقت نفسه، إذا أردنا التعامل مع أزمة تغير المناخ وتحقيق هدف الوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية، يجب علينا الابتعاد عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. والحل يكمن في المصادر البديلة، النووية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة.
وعلى رغم ذلك، بعد أن كنا في المقدمة أصبحنا الآن متأخرين. في قاعة كالدر هول في كمبريا، افتتحنا أول محطة طاقة نووية في العالم لإنتاج الكهرباء المحلية. ولكن في الآونة الأخيرة، أُهمِل برنامجنا النووي، وصرنا حاضراً نفتقر إلى محطات الطاقة النووية.
والأمر سيان ينطبق على طاقة الرياح. في عام 2020، تفاخر بوريس جونسون بأن بريطانيا ستصبح "السعودية في طاقة الرياح [أي أكبر دولة من حيث إنتاج طاقة الرياح]". لكننا بتنا متخلفين بالفعل في تكنولوجيا توربينات الرياح وصناعتها، في المقابل، تقدمت الدنمارك بعزم وصارت الرائدة في هذا المجال عالمياً.
ولكن لدينا فرصة أخرى لإثبات أنفسنا وتدارك التأخير، فرصة سانحة، في انتظار أن يتم اغتنامها. وهي تكمن في الهيدروجين. في الواقع، تدرك الحكومة البريطانية ذلك وقد أعلنت عن نيتها بأن تصبح "الرائدة عالمياً في اقتصاد الهيدروجين". بيد أن ليام كوندون، الرئيس التنفيذي لشركة جونسون ماثي الصناعية، يقول إن المملكة المتحدة تماطل. ويوضح كوندون: "كانت المملكة المتحدة تحتل الصدارة [في دعم طاقة الهيدروجين]". ولكن في ما يتعلق بالسياسات الحكومية الرامية إلى تشجيع تطوير الهيدروجين، فقد أصبحت الولايات المتحدة في الطليعة. ويشير إلى "إجراءات [وعقبات] بيروقراطية" في المملكة المتحدة تقضي على أي فرصة للتقدم السريع. والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي تتفوق علينا: فالاتحاد الأوروبي يخصص مبالغ كبيرة من المال للهيدروجين، ويؤسس بنكاً للاستثمار في الهيدروجين بقيمة 3 مليارات يورو.
ويضيف كوندون أنه في المملكة المتحدة، "من غير المحتمل أن تتمكن أي شركة خاصة منفردة من بناء البنية التحتية... بل يجب أن يكون هناك دعم حكومي".
وحتى أتباع الحكومة يتذمرون. يُعتبر بن هوشن، عمدة تيز فالي، المثال النموذجي الذي يمثّل قيادة حكومة المحافظين المحلية الحديثة المشجعة للأعمال التجارية، وهو مناصر للهيدروجين، ويعتقد أن شبكة الغاز الحالية يمكن تكييفها حتى تصبح صالحة لاستخدام الهيدروجين الذي قد يمكّن المملكة المتحدة من الوصول إلى صافي انبعاثات الكربون الصفرية بشكل أسرع وأرخص مما هو متوقع حالياً. لكن هوشن اشتكى في مؤتمر حزب المحافظين هذا العام من "مشكلة أساسية" تتمثل في عدم فهم موظفي الخدمة المدنية لما هو مقصود (وبالتالي عدم فهم الوزراء أيضاً، وحصول عرقلة). وتابع هوشن: "لست مقتنعاً بأنه في الوقت الحالي، [التفكير موجّه] إلى المكان الذي يجب أن يكون فيه".
واستطراداً، يبدو أن الحكومة قد خصصت ميزانية للهيدروجين، وتتوقع خلق أكثر من 9 آلاف وظيفة عالية الجودة بحلول عام 2030، وسيرتفع هذا الرقم إلى 100 ألف وظيفة وستصل قيمتها إلى 13 مليار جنيه استرليني بحلول عام 2050. وفي الوقت نفسه، بحسب التقديرات الناتجة من التحليل الحكومي فإن 20 في المئة من استهلاك الطاقة في المملكة المتحدة بحلول عام 2050 يمكن أن يأتي من الغاز.
وعلى رغم ذلك، فمن الواضح أن كوندون وهوشن يريان طريقاً مسدوداً، وهو من النوع الذي أعاق تقدم بريطانيا سابقاً في مجالات أخرى، وليس في مجال الطاقة فحسب.
وتجدر الإشارة إلى أن المشاريع في بداية الطريق، وجاهزة للانطلاق. فلنأخذ مثلاً مشروع مركز الطاقة في ميناء بورتلاند في دورست. إن هذا المشروع الذي تملكه "يو كي إن" UKEn[شركة تخزين الطاقة في المملكة المتحدة] لديه إمكانات هائلة. في الواقع، يمكن بسهولة تطوير منشأة برية عملاقة لتخزين الغاز، باستخدام كهوف الملح الموجودة والتي تعتبر مثالية وطبيعية. وسيكون أكبر موقع لتخزين الهيدروجين في المملكة المتحدة. وفي الخارج، في القنال الإنجليزي، قد تقوم مزرعة رياح جديدة في إنتاج الهيدروجين المراد تخزينه. وهذا أمر ممتاز.\
لكن شركة "يو كي إن"، مثل غيرها في هذا القطاع، تعتمد على الحكومة من أجل قيادة الطاقة، من خلال وضع خطة البنية التحتية التي ستدعم وتضمن استثمار الهيدروجين وتشغيله. وحتى الآن، لا شيء يلوح في الأفق.
يبدو أن محادثات مؤتمر الأطراف في شأن تغير المناخ "كوب-27" ستنتهي قريباً بالكثير من التباهي المزيف (عذراً على التلاعب بالكلمات [في اللغة الانجليزية استخدم الكاتب تعبير "الهواء الساخن" hot air الذي يعني التباهي المزيف]) من قبل الحكومة البريطانية، ولكن لا توجد مبادرة حازمة في ما يتعلق بالهيدروجين. كالعادة، نحن نتكلّم بفصاحة عن الموضوع، ولكن هذا كل شيء [مجرد وعود فارغة]. المطلوب هو قيادة عاجلة من أجل ضمان تسليم البنية التحتية اللازمة لتشجيع إنتاج الهيدروجين وتخزينه وتوزيعه واستخدامه. نظراً لأن مستقبلنا جميعاً يعتمد على تحقيق صافي انبعاثات الكربون الصفرية، يجب أن يعتبر ريشي سوناك وزملاؤه ذلك أولويةً وطنية.
نحن بحاجة إلى جذب استثمارات طويلة الأجل من القطاع الخاص (إلى جانب طاقة الرياح والهيدروجين، إضافة إلى تخزين الميثان الذي يُعدّ مجالاً آخر جاهزاً للاستغلال). ويجب علينا إقناع نجومنا المتميزين الحاليين بالبقاء هنا والاستمرار في النمو وبلوغ مراحل متقدمة في المملكة المتحدة، وبطريقة موازية، إقناع النجوم الجدد بالتأسيس لمشاريع هنا. إنها لفضيحة أن شيئاً معروفاً مثل مركز ميناء بورتلاند، على سبيل المثال، لم يتم تطويره وتنفيذ مشروع فيه في الوقت الحالي.
يجب علينا مواجهة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كذلك، علينا كسر هذا النمط المتمثل ببدء شيء ما والسماح للآخرين بأن يتفوقوا علينا.
عندما يتعلق الأمر بالطاقة والهيدروجين، نعتذر مرة أخرى، نحن نسعى بشدة للحصول على الطاقة الحكومية.
© The Independent