Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عهد إميل لحود (1998-2007)... قوة الوصاية السورية وضعفها (3 – 5)

العلاقة الصعبة مع الحريري وصولاً إلى الاغتيال الكبير وخروج الجيش السوري من لبنان

لطالما كانت العلاقة بين رفيق الحريري وإميل لحود أشبه بتعايش قسري (أ ف ب)

خمسة رؤساء للجمهورية تعاقبوا على السلطة في لبنان بعد اتفاق الطائف الذي أقر في 22 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1989. منذ ذلك التاريخ لم تنتظم الحياة السياسية والرئاسية. بدأ الفراغ مع حكومة العماد ميشال عون وتكرر في آخر عهد الرئيس إميل لحود ثم الرئيس ميشال سليمان، وها هو يتكرر مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. هذه السلسلة تتناول العهود الرئاسية بعد الطائف في لبنان. هذه الحلقة عن عهد الرئيس إميل لحود.

"سيطرة" سورية

عندما اتخذ القرار في سوريا بأن يكون قائد الجيش إميل لحود رئيساً للجمهورية كان الهدف تثبيت السيطرة الدائمة والموثوقة على الوضع في لبنان في مواجهة أية قوة أخرى، ولتحقيق توازن مع القوة التي حققها رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري بعد دخوله إلى الحكم في عام 1992. ولكن ما غاب عن بال النظام كان أن هذا العهد سيشهد انسحاب آخر جندي سوري من لبنان في عام 2005 وبدل أن يكون نقطة ارتكازه للسيطرة على لبنان تحول إلى نقطة ضعفه وسبباً في عودته إلى دمشق ونقطة النهاية للتدخل السوري في لبنان الذي بدأ في عام 1975. هذه العودة التي كانت مؤشراً إلى انتقال العنف إلى سوريا واهتزاز نظامها ابتداء من عام 2011.

انتخبوا أميل لحود

في الخامس من نوفمبر (تشرين الأول) 1998، استقبل الرئيس السوري حافظ الأسد الرئيس اللبناني إلياس الهراوي وأبلغه أنه اتخذ القرار بأن يكون قائد الجيش العماد إميل لحود رئيساً للجمهورية، استناداً بحسب ما قال له إلى استطلاعات الرأي العام التي أتت لمصلحته. كان هناك شعور مسبق بأن الأسد يريد لحود مذ طلب التمديد له في قيادة الجيش مع التمديد للرئيس الهراوي الذي ربما كان لا يزال يعتقد أنه من الممكن أن يتم التمديد له مرة ثانية. في ذلك التاريخ كان بدأ يظهر في دمشق أن محور بشار الأسد يشدد قبضته على الحكم في ظل والده، ويحتاج إلى سند قوي في لبنان غير مشكوك بولائه.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1998، انتخب لحود رئيساً للجمهورية عندما أعطاه 118 نائباً أصواتهم في المجلس النيابي، وفي 24 نوفمبر (تشرين الثاني) تسلم السلطة من الهراوي الذي غادر القصر الجمهوري في بعبدا إلى منزله. وخلال أيام قليلة ستقع المواجهة الأولى بين لحود والحريري. حدد الرئيس الجديد موعداً للاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة، فنال الحريري 83 صوتاً وأعطى 31 نائباً لرئيس الجمهورية حق تسمية من يريد. رفض الحريري هذا التفويض واعتبره مخالفاً للدستور. كانت تلك حجة لإحراجه وإخراجه، فاعتذر عن قبول التكليف وطلب إعادة الاستشارات. كان على موعد مع لحود في القصر الجمهوري لإبلاغه هذا القرار رسمياً، ولكن وهو في الطريق أذيع أن لحود قبل الاعتذار ودعا إلى جولة استشارات جديدة. حصل اللقاء بين الرجلين وخرج الحريري من دون الإدلاء بأي تصريح. لم تكن تلك الجولة إلا البداية في الاشتباك الذي سيستمر بين الرجلين اللذين مثلا محورين في السلطة المؤيدة لدمشق والمتعايشة معها.


تجربة فاشلة

شكل لحود على رأس قيادة الجيش، عامل الضبط السوري لرفيق الحريري. ما حصل بينهما بعد عام 1998 كانت له مقدمات منذ عام 1992 عندما ترأس الحريري أولى حكوماته. كان المطلوب من رفيق الحريري أن يشكل رافعة اقتصادية للوصاية السورية من دون أن يتدخل في الأمن والسياسة ولكنه فعل. صحيح أنه لم يشارك في انتخابات عام 1992 النيابية، ولكنه في انتخابات عام 1996 كشف عن اتجاهه السياسي المتصاعد في تكوين شعبية خاصة به عندما شكل لوائح انتخابية، وإن كان قبل أن يكون فيها مرشحون للنظام السوري الذي أقلقه هذا الأمر. يمكن أن يقبل بأن يكون الحريري رئيساً للحكومة ولكن لا يمكنه أن يقبل به زعيماً سياسياً للسنة في لبنان. من هذه القاعدة انطلق الحريري ليكسر القاعدة التي أراد النظام السوري أن يحجزه في شروطها.
لم يخرج الحريري من رئاسة الحكومة إلى الاستراحة السياسية بل إلى المواجهة. ملاحقة عدد من أنصاره أمام القضاء شكل عامل قوة له. العامل الثاني كان فشل الحكومة التي ترأسها الدكتور سليم الحص في الحكم، وانتهاءها إلى فشل كبير في إدارة الملفات الداخلية خصوصاً المالية. كان رهان لحود مع النظام السوري أن يستطيع الحص مع حكومته برموزها الموالية للنظام أن يشكلوا البديل عن الحاجة إلى رفيق الحريري ورافعته الاقتصادية، ولكن الرهان كان خاسراً وبقوة كبيرة. على مدى عامين، أعاد الحريري تنظيم قاعدته استعداداً للانتخابات النيابية التي عول على العودة للحكم من خلالها. برعاية وتدخل سوري وبعمل حثيث من أركان عهد لحود الأمنيين والسياسيين تم تفصيل قانون جديد للانتخابات قسموا فيه الدوائر الانتخابية بناء على استنتاجات تؤكد لهم كسر الحريري مع حليفه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. ولكن النتائج جاءت عكسية. أطاح الحريري وجنبلاط بما كانا يسميانه "الودائع السورية" على لوائحهما. أكثر من ذلك سقط رئيس الحكومة سليم الحص وفاز الحريري مع لائحته في بيروت، وفازت اللوائح الموالية له في صيدا وطرابلس والبقاع. هكذا بعد إخراجه قسراً من رئاسة الحكومة وجد الرئيس لحود نفسه أمام خيار مر ووحيد وهو العودة لرفيق الحريري، ولكن هذه المرة من موقع القوة غير مدين له بالتعيين ولا للنظام السوري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


التعايش القسري مع الحريري

عاملان أثرا في نتائج هذه الانتخابات: الأول انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني في 25 مايو (أيار) 2000، واحتفال "حزب الله" بأنه حقق "انتصار التحرير". والثاني وفاة رئيس النظام السوري حافظ الأسد وتولي ابنه بشار الرئاسة محله، الأمر الذي جعل هذا النظام يمر بمرحلة انتقالية ربما كانت حسابات انتخاب لحود مرتبطة بها حتماً. إلى هذين العاملين، يضاف عامل ثالث وهو النداء الذي صدر عن المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك نصرالله صفير وفيه دعوة مباشرة إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان، لأنه "آن الأوان" لذلك بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي.
ثمة نقطة مهمة في قانون انتخابات عام 2000، وهي أنه جعل ولاية مجلس النواب أربعة أعوام وثمانية أشهر بدل أربعة أعوام فقط. لماذا؟ لأن المسألة كانت مرتبطة بالتفكير المسبق بالتمديد للرئيس لحود اعتقاداً بأن هذا المجلس سيكون بأكثريته موالياً لسوريا ويمكنه أن يمدد للحود من دون عناء يذكر. ولكن المسألة لم تكن بهذه السهولة.
برز بشكل واضح الربط بين رفيق الحريري ومحور عبدالحليم خدام وحكمت الشهابي في سوريا. إذا كان خدام استُخدم كنائب لرئيس الجمهورية لانتقال السلطة بطريقة دستورية من الأب إلى الابن، فإن الشهابي أخرج من رئاسة أركان الجيش السوري في عام 1998 لحجب تأثيره في هذا الجيش. ولكن على رغم ذلك استطاع الحريري أن يلعب دوراً أساسياً في تكريس قيام معارضة داخلية للنظام السوري رفضاً لتحكمه بكل الأمور في ظل رئاسة لحود. أمر آخر ساعد في المواجهة هو الخلافات التي نشأت بين رجالات العهد في الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية.

محور الحريري - جنبلاط - صفير

بدا واضحاً أن هناك نقاط التقاء بين الحريري وجنبلاط والبطريرك صفير. إذا كان الحريري متردداً ومتحسباً لرد الفعل السوري فإن جنبلاط كان الأسرع في التلاقي مع ما ذهب إليه نداء المطارنة الموارنة لجهة تأييد إعادة انتشار الجيش السوري. وعلى رغم حملة التخوين والتهديد التي تعرض لها لم يتأخر في بلورة هذا التوجه في المصالحة التاريخية مع البطريرك صفير خلال زيارته إلى عالية والشوف في أغسطس (آب) 2001، وكانت محطتها الأساسية في لقاء قصر المختارة الذي اعتبر انقلاباً في التوازن الداخلي الذي حاول النظام السوري تثبيته من خلال لحود. صحيح أن دور الحريري لم يظهر في هذه المصالحة ولكن الشكوك من حوله زادت. الرد على هذه المصالحة جاء من خلال عملية أمنية استهدفت مناصري حزب القوات اللبنانية بشكل أساسي، لأنه كان القاعدة الحزبية والشعبية التي استندت إليها هذه المصالحة. لذلك تم تنفيذ حملة اعتقالات طاولت عدداً من مسؤوليه ومناصريه، إضافة إلى توقيفات طاولت بشكل أقل مناصري العماد ميشال عون. ولكن أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 في الولايات المتحدة قلبت المعادلات وأخرت الاستحقاقات. تحسباً لانعكاسها على سوريا والمنطقة، اختار جنبلاط الانكفاء بانتظار العاصفة الأميركية التي هبت على أفغانستان عام 2001 ثم على العراق بعد سنتين. بعد وصول القوات الأميركية إلى الحدود السورية استعاد جنبلاط حركته باتجاه بكركي و"القوات اللبنانية". كانت تأسست برعاية البطريرك صفير نواة المعارضة في لقاء قرنة شهوان الذي جمع المعارضين المسيحيين والتقى مع وليد جنبلاط ورفيق الحريري من خلال شبكة شخصيات أسست لمعارضة أوسع التقت في "أوتيل البريستول" وصارت تشكل حال عدم استقرار لعهد لحود. ضعف النظام السوري وتطويقه انعكس أيضاً ضعفاً على أدواته في الحكم في لبنان، وهذا ما شجع المعارضة على المضي قدماً في إعلاء الصوت والتعبير عن المواقف ورفض إملاءات المخابرات السورية في عنجر التي كانت انتقلت قيادتها من اللواء غازي كنعان إلى اللواء رستم غزالة. تم الاشتباه أيضاً بأن كنعان ينسق مع الحريري ويسهل له فتم نقله إلى دمشق منذ عام 2001.

الخيارات الحاسمة

عام 2004 كان حان وقت حسم الخيارات. اعتقد النظام في سوريا أن تغيير الرئيس في لبنان سيؤدي إلى تغييره أيضاً في ظل التهديد الذي تعرض له. لذلك اتخذ القرار بالتمديد للحود على قاعدة أن الوقت ليس وقت التجربة مع رؤساء غير مجربين في علاقتهم مع سوريا ولو كانوا من حلفائها والمحسوبين على خطها، لذلك لم يقبل هذا النظام حتى بالوزير القريب منه سليمان فرنجية الذي شكل نقطة ارتكاز مسيحية داعمة له في وجه الحريري وجنبلاط والبطريرك صفير. ولكن الرأي العام العالمي كان بدأ يتطلع إلى لبنان أيضاً في ظل رئاسة الرئيس جورج بوش الابن في واشنطن. كان هناك اتجاه لحسم الوضع في لبنان لذلك أصدر مجلس الأمن الدولي في الثاني من سبتمبر 2004 القرار 1559 الذي طلب انتخاب رئيس جديد للجمهورية ونزع سلاح "حزب الله" وسحب الجيش السوري من لبنان. هذا القرار رفضه النظام السوري و"حزب الله" فتم التمديد للحود في الرابع من سبتمبر. قبل ذلك كان الرئيس السوري بشار الأسد استدعى الحريري وهدده ،وهدد جنبلاط بأنه سيحطم لبنان على رأسيهما إذا لم يتم التمديد. وافق الحريري مرغماً بينما لم يوافق جنبلاط.

اغتيال الحريري

في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) بعد التمديد جرت محاولة اغتيال الوزير مروان حماده القريب من الحريري وجنبلاط. نجا من المحاولة ولكن الرسالة كانت واضحة لجنبلاط والحريري. مع بدء الولاية الممددة للحود تم إجبار رفيق الحريري على الاعتذار عن تأليف الحكومة، وتم تكليف رئيس الحكومة الراحل عمر كرامي بهذه المهمة بعد ثمانية أعوام على اتهام الحريري بأنه كان وراء إسقاط حكومة كرامي في الشارع. تلك الحكومة التي جمعت معارضي الحريري كانت لتغطية قرار كبير تم اتخاذه. في 14 فبراير (شباط) 2005 تم اغتيال الحريري.
كان هناك اعتقاد أنه وقف وراء القرار 1559 بسبب علاقته مع الرئيس الفرنسي جاك شيرك وأن اغتياله يوقف مفعول القرار التنفيذي لجهة سحب الجيش السوري. وكان هناك اعتقاد أيضاً أنه يجب التخلص منه قبل انتخابات مايو (أيار) 2005 حتى لا يحصل على أكثرية نيابية معارضة مع جنبلاط والبطريرك صفير والمعارضة المسيحية في ظل التهديد الذي يتعرض له النظام السوري و"حزب الله". ولكن النتائج جاءت عكسية. في الخامس من مارس (آذار) أعلن رئيس النظام السوري قرار سحب جيشه من لبنان. في 14 مارس (آذار) حصلت "انتفاضة الاستقلال" و"ثورة الأرز" المعارضة للنظام السوري و"حزب الله".  في 26 أبريل (نيسان) اكتمل الانسحاب السوري. في السابع من مايو (أيار) عاد العماد ميشال عون من فرنسا بعد ابتعاده القسري على أساس اتفاق عقده مع لحود والنظام السوري مهد لتحالفه مع "حزب الله" في السادس من فبراير (شباط) 2006. في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) جرت الانتخابات وحصلت قوى "14 آذار" على الأكثرية التي سمت فؤاد السنيورة لتأليف الحكومة. توالى مسلسل الاغتيالات. في 26 يوليو (تموز) خرج سمير جعجع رئيس حزب "القوات اللبنانية" من السجن الذي دخله منذ أبريل (نيسان) 1994 وكرس تحالفه مع قوى 14 مارس (آذار).


"حرب تموز" وعملية "7 أيار" 2007

تحول لحود منعزلاً ومعزولاً في قصر بعبدا بانتظار انتهاء ولايته مع اتهامه بأنه سهل عملية اغتيال الحريري وغطاها. بدا وكأن بقاءه في القصر لم يعد إلا مسألة وقت. ولكن "حزب الله" لم يكن ليرضى بالتوازنات الجديدة. خاض حرب يوليو (تموز) 2006 ضد إسرائيل التي انتهت بإصدار مجلس الأمن الدولي القرار 1701 الذي نص على وقف إطلاق النار وأكد على القرار 1559 وعلى استعادة سلطة الحكومة اللبنانية على كامل أراضيها. ونتج من هذه الحرب وعن هذا القرار اتهام "حزب الله" للحكومة ولقوى "14 آذار" بالتآمر عليه. ولم يكتف بذك بل حاصر مع "التيار الوطني الحر" حكومة الرئيس السنيورة واحتلوا وسط بيروت ولكن الحكومة لم تستقل، وتابعت مسألة تشكيل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري التي صدر القرار 1757 بإنشائها في 30 مايو (أيار) 2007، وفي الوقت نفسه بقي لحود في قصر بعبدا من دون التمكن من إجباره على الاستقالة.
انقضى منتصف ليل 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، ليشرق فجر اليوم التالي على القصر خالياً من الرئيس الجديد ومن الرئاسة بعدما غادر لحود القصر من دون احتفال، بينما مناصرو "حزب الله" وحليفه "التيار الوطني الحر" يحاصرون السراي الحكومي. ستة أشهر استمر الفراغ قبل أن ينتخب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية ويدخل إلى قصر بعبدا.

المزيد من تحقيقات ومطولات