Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الانقراض السادس" يحذر من كارثة تنتظر الحياة على الأرض

مع ارتفاع الحرارة اختفت الظروف المناخية التي عرفتها المعمورة طبيعة وبشرا

أخطار التحول المناخي (موقع الأمم المتحدة)

اقتلع البشر غابات شاسعة عن عمد للحصول على الطعام، وعلى نحو أقل تعمداً نقلوا الكائنات الحية من قارة إلى أخرى وأعادوا تشكيل الغلاف الحيوي Biosphere في غضون ذلك، كان يجري تحول أكثر حدة وغرابة، فمع اكتشاف مخزونات الطاقة تحت الأرض بدأ البشر في تغيير تركيب الغلاف الجوي، وهذا بدوره أدى إلى تغيير المناخ وكيمياء المحيطات. تكيف بعض النباتات وبعض الحيوانات عبر الانتقال، فتسلقت الجبال وهاجرت تجاه القطبين، لكن أعداداً كبيرة منها – في البداية بالآلاف، ثم بمئات الآلاف، وقد يصل العدد في النهاية إلى الملايين – وجدت أنفسها وقد تقطعت بها السبل، فارتفعت معدلات الانقراض وتغير نسيج الحياة. وهكذا باتت الحياة على الأرض مهددة بانقراض جماعي جديد، ولكن هذه المرة بيد الإنسان الحالي الذي يعتقد أنه تسبب في انقراض سلفه، إنسان نياندرتال، قبل نحو 300 ألف سنة. ووفق ما يقوله أحد العلماء فإننا بما نفعله تجاه أشكال الحياة الأخرى، كمن يقطع فرع الشجرة الذي يجلس عليه.

فيما تؤكد إليزابيث كولبرت Elizabeth Kolbert ما نال عنه سفانتي بابو Svante Paabo جائزة نوبل في الطب لعام 2022، وهو أن الذي يميزنا عن إنسان النيندرتال هو مجموعة صغيرة من الاختلافات، ولكن هذه الاختلافات – وفق ما ورد في كتاب كولبرت "الانقراض السادس: تاريخ لا طبيعي" - هي التي صنعت كل الفرق المتجسد أساساً في "القدرة على تمثيل العالم بالعلامات والرموز والقدرة على تغييره، وهذا يتضمن في واقع الحال القدرة على تدميره أيضاً، ص288.

تاريخ لا طبيعي

 

ويعد كتاب "الانقراض السادس: تاريخ لا طبيعي" للصحافية الأميركية المتخصصة في شؤون البيئة إليزابيث كولبرت (ترجمة أحمد عبدالله السماحي وفتح الله الشيخ - سلسلة "عالم المعرفة" – الكويت والمركز القومي للترجمة - مصر)، أحد أهم الكتب التي تناولت ذلك الخطر الداهم الذي يهدد بفناء كل مظاهر الحياة على كوكب الأرض. صدر هذا الكتاب بلغته الأصلية عام 2014، وهو نتاج جولات قامت بها مؤلفته في مناطق عدة من العالم، وقد بدأت بقاعة التنوع البيولوجي في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي، حيث توجد قطعة معروضة مثبتة في الأرض، وهذه القطعة موضوعة حول لوحة مركزية تبين أنه كان هناك خمسة أحداث انقراض رئيسة منذ تطور الحيوانات المعقدة، أي من 500 مليون سنة. ووفقاً للوحة نفسها، فإن تغير المناخ العالمي وأسباب أخرى ربما يكون من ضمنها حدوث اصطدامات بين الأرض وأجسام من الفضاء الخارجي هي التي كانت مسؤولة عن هذه الأحداث. وتضيف تلك اللوحة، "نحن الآن في خضم الانقراض السادس الذي يوجد له – هذه المرة – سبب واحد وهو تغيير البشرية للمشهد البيئي"، ص297، 298. وعلى رغم جهود العالم لاحتواء آثار ذلك التغيير وما يمثله من خطر وجودي، فإنه في تزايد مطرد، ولعل ذلك سيكون على رأس ما ستتناوله قمة المناخ التي انطلقت، الأحد 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، في منتجع شرم الشيخ تحت عنوان "لحظة فارقة" وتأمل الأمم المتحدة أن تنتهي بعد أسبوعين من انطلاقها باتفاق تاريخي لخفض انبعاثات الكربون.

من صنع الإنسان

 

ما يؤكده كتاب إليزابيث كولبرت هو أن الانقراض السادس سيكون هو الوحيد من صنع الإنسان، "في النهاية سندمر أنفسنا بسبب ما نقوم به من تغيير في المشهد البيئي. فبعد أن حررنا أنفسنا من قيود التطور، فإن البشر لا يزالون يعتمدون على النظم البيولوجية والجيوكيماوية للأرض. ومن خلال تعطيل هذه النظم – عبر اجتثاث الغابات الاستوائية المطيرة وتغيير تكوين الغلاف الجوي وتحميض المحيطات، فإننا نعرض بقاءنا للخطر"، ص299، وهذا يفسر استهلال كولبرت كتابها بأن "الجميع ليسوا سوى أجزاء من كل واحد عظيم/ الطبيعة جسده، والله روحه" (من قصيدة "مقالة عن الإنسان" لألكسندر بوب). ذهبت كولبرت في إحدى جولاتها إلى متنزه مانو المقام فوق إحدى قمم جبال الإنديز في دولة بيرو، وهو إحدى البؤر العظيمة للتنوع الحيوي في العالم. هناك يمكن للمرء أن يجد نوعاً واحداً من أصل كل تسعة أنواع من الطيور الموجودة على الكوكب. وهناك أكثر من ألف نوع من الأشجار. اصطحبها في هذه الجولة مايلز سليمان Miles Silman الأستاذ في جامعة ويك فورست المتخصص في الحفاظ على البيئة، خصوصاً في الغابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بدأ سليمان تخصصه بالتفكير حول كيفية تكون مجتمعات الغابات وما إذا كانت تميل إلى البقاء مستقرة بمرور الزمن، وقاده ذلك إلى البحث في الطرق التي تغير بها المناخ في المناطق الاستوائية في الماضي، وكان من الطبيعي تماماً – كما تقول كولبرت – أن يدفعه ذلك إلى البحث في كيفية التنبؤ بالتغير المناخي في المستقبل. وقد ألهمته الحقائق التي توصل إليها بتأسيس سلسلة من القطاعات المشجرة في مانو. وإذا كان الاحتباس الحراري سيتسبب في اختفاء الجليد من القطب الشمالي في غضون نحو 20 عاماً من الآن، مما قد يتسبب في انقراض حيوانات عدة، منها الفقمة الحلقية والدب القطبي، فإنه سيكون بحسب سليمان ذا تأثير مماثل في المناطق الاستوائية، بل يرى سليمان أن هذا التأثير سيكون أكبر، والأسباب التي تؤدي إلى ذلك هي أكثر تعقيداً إلى حد ما، لكنها تبدأ بحقيقة أن المناطق الاستوائية هي في الواقع المكان الذي يقطنه معظم الأنواع. تعتبر إحدى النظريات أن سبب وجود أنواع أكثر في المناطق الاستوائية يعود إلى أن ساعة التطور هناك تدق بشكل أسرع. ومثلما يستطيع المزارعون إنتاج محاصيل أكثر في السنة في المناطق القريبة من خط الاستواء، فإن الكائنات يمكنها إنتاج أجيال أكثر، وكلما زاد عدد الأجيال، ازدادت أرجحية بزوغ أنواع جديدة.

الاحتباس الحراري

في عام 2004 قررت مجموعة من العلماء استخدام قانون العلاقة بين النوع والمساحة للتوصل إلى تقدير أولي عن خطر الانقراض الذي يسببه الاحتباس الحراري. في البداية جمع الفريق بيانات عن النطاقات الحالية لأكثر من ألف نوع من النباتات والحيوانات، ثم ربطوا هذه النطاقات مع الأحوال المناخية الداخلية. وفي النهاية تصوروا سيناريوهين متباعدين تماماً. في أحدهما افترض أن كل الأنواع خاملة، وتشبه كثيراً أشجار البهشية في متنزه مانو ومع ارتفاع درجات الحرارة بقيت في مكانها، وهكذا، في معظم الأحوال، تقلصت المساحة المناسبة مناخياً التي كانت متاحة لها، وفي كثير من الأحوال وصل هذا التقلص إلى الصفر. والتنبؤات المبنية على سيناريو "عدم الانتشار" هذا، كانت تدعو إلى التشاؤم. وفي حال جرى الإبقاء على ارتفاع درجات الحرارة عند الحد الأدنى، فإن تقديرات فريق البحث كانت تشير إلى أن ما بين 22 في المئة و31 في المئة من الأنواع سيكون مصيرها الانقراض بحلول عام 2050. أما في حال وصل ارتفاع درجات الحرارة إلى المستوى الذي كان يعتبر في ذلك الوقت الحد الأقصى المحتمل – وهو رقم يبدو متدنياً جداً الآن – فإنه بحلول منتصف هذا القرن، سيختفي ما بين 38 في المئة و52 في المئة من الأنواع. وفي السيناريو الثاني الأكثر تفاؤلاً، تصور أن الأنواع عالية الحركة. وفق هذا السيناريو كان في إمكان المخلوقات، مع ارتفاع درجات الحرارة، استعمار أي مناطق جديدة تتوافق مع الظروف المناخية التي تتكيف معها. مع ذلك، فإن عديداً من الأنواع لم تجد مكاناً تذهب إليه.

سمات مكلفة

 

فمع ارتفاع حرارة الأرض اختفت ببساطة الظروف المناخية التي كانت معتادة عليها (وتبين أن الجزء الأكبر من "المناخات المختفية" يقع في المناطق الاستوائية). وقد رأت الأنواع الأخرى أن مواطنها الأصلية تتقلص، لأن تعقب المناخ كان يحتم عليها التحرك نحو الأعلى، في حين أن المساحة على قمة الجبل أقل كثيراً مما هي عند قاعدته. وباستخدام سيناريو "الانتشار العالمي"، وجد فريق البحث الذي يقوده كريس توماس/ عالم الأحياء في جامعة يورك، أنه في حال لم يتجاوز ارتفاع درجات الحرارة الحد الأدنى المتوقع، فإن ما بين تسعة في المئة و13 في المئة من الأنواع سيكون مصيرها الانقراض بحلول عام 2050. وفي حال بلغ ارتفاع درجات الحرارة الحد الأقصى، سترتفع تلك الأعداد إلى ما بين 21 في المئة و32 في المئة. وبعد أخذ متوسط السيناريوهين والنظر إلى تنبؤ ارتفاع درجات الحرارة على المدى المتوسط، توصل الفريق إلى أن 24 في المئة من كل الأنواع ستتجه نحو الانقراض.

وكما يرى سليمان فإنه لكي تتحمل النباتات درجات حرارة أعلى هناك أشياء كثيرة يمكنها القيام بها، إذ يمكنها صناعة بروتينات خاصة، كما يمكنها تغيير أيضاً، وأشياء من هذا القبيل، لكن التفاوت الحراري يمكن أن يكون مكلفاً. فنحن لم نعهد درجات حرارة كتلك التي يتنبأ بحدوثها في غضون ملايين السنين. وعليه فالسؤال هو، هل احتفظت النباتات والحيوانات عبر المدة الهائلة من الزمن – فقد جاءت ورحلت أجيال من الثدييات بكل تشعباتها خلال هذه الفترة – بهذه السمات التي يمكن أن تكون مكلفة؟ إذا كان ذلك صحيحاً، ربما تكون هناك مفاجأة سارة لنا، لكن ماذا لو أنها لم تفعل؟ ماذا لو أنها فقدت هذه السمات المكلفة، لأنها عبر عدة ملايين من السنين لم تقدم لها أي ميزة؟ قال سليمان، "إذا كان التطور سيسير وفق الطريقة التي يسير بها عادةً، فإن سيناريو الانقراض – ونحن لا نسميه انقراضاً، بل نتحدث عنه بوصفه "استنزافاً حيوياً"، وهو تعبير ملطف لا بأس به – حسناً إذاً، سيبدو أن الأمور تتجه نحو الكارثة".

اقرأ المزيد

المزيد من كتب