Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"فيتش" تضيف أعباء جديدة على اقتصاد مصر

يرى محللون أن ارتفاع كلفة الاقتراض أبرز التداعيات والأمر ليس مخيفاً

تدرس القاهرة استحداث مؤشر جديد للجنيه المصري مقابل سلة من العملات والذهب (رويترز)

عمقت وكالة التصنيف الدولية "فيتش" من أوجاع الاقتصاد المصري مع تغيير نظرتها المستقبلية للاقتصاد المحلي من "مستقرة" إلى "سلبية" على رغم الإبقاء على التصنيف الائتماني للقاهرة عند B+، في تقرير صدر أخيراً، وخفض النظرة المستقبلية يعني أن الوكالة قد تعمد في المستقبل إلى خفض تصنيف الديون السيادية لمصر إذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي للبلاد.

"فيتش" أرجعت هذا التغيير إلى تدهور وضع السيولة الخارجية لمصر، مع عدم القدرة على النفاذ إلى أسواق السندات الدولية لارتفاع كلفة الإصدار وهو ما يجعلها عرضة لظروف عالمية معاكسة، في وقت تشهد الميزانية ارتفاعاً في عجز الحساب الجاري، وتواجه القاهرة جدولاً مزدحماً من أقساط الديون وفوائدها حتى يونيو (حزيران) 2023 وعلى مدار عام 2024.

والنظرة المستقبلية السلبية للاقتصاد المصري لم تكن توقعات "فيتش" وحدها، فقبل ستة أشهر، عدلت مؤسسة "موديز" أيضاً نظرتها المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، بينما أبقت على تصنيفها الائتماني عند مستوى B2 في مايو (أيار) 2022.

وتآكل الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر بقيمة ثمانية مليارات دولار أميركي في ثمانية أشهر كان إحدى النقاط التي استندت إليها الوكالتان في التقييم إلى جانب تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي بنحو 55 في المئة منذ فبراير (شباط) 2022، علاوة على توقعات تشير إلى استمرار البنك المركزي بسياسة التشديد النقدي وتحريك أسعار الفائدة، ما يدفع معدلات التضخم المرتفعة بالفعل إلى مستويات أعلى.

وهبط احتياطي القاهرة من العملات الأجنبية من 40 مليار دولار في فبراير إلى 32 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ستة مليارات دولار مطلوبة في 2022-2023

وأشارت "فيتش" إلى أن "أصول البنك المركزي بالعملات الأجنبية غير الاحتياطية لا تزال أقل من مستوياتها الطبيعية بعدما هبطت من تسعة مليارات دولار في فبراير إلى نحو ملياري دولار نهاية الشهر الماضي.

وحول سعر الصرف لفتت الوكالة الدولية إلى أن اعتماد سعر صرف مرن للعملة المحلية في نهاية الشهر الماضي أضعف الجنيه مقابل الدولار الأميركي بنحو 30 في المئة مقارنة بمستويات عام 2021 متوقعة أن يؤدي ذلك لارتفاع التضخم على أساس سنوي إلى 17 في المئة في 2023، تهبط إلى 12 في المئة 2024، وأوضحت أن التحدي التمويلي في مصر يتفاقم بسبب استحقاقات الدين الخارجي التي تبلغ نحو ستة مليارات دولار في السنة المالية الحالية، وتسعة مليارات دولار في السنة المالية المقبلة، باستثناء الديون الثنائية مثل ودائع دول مجلس التعاون الخليجي، التي من المرجح أن يتم تجديدها.

وأشارت إلى أن الحكومة المصرية حددت ستة مليارات دولار في شكل تمويل خارجي للسنة المالية الحالية من دون اللجوء إلى الأسواق الدولية، ولفتت إلى أن ذلك سيغطي احتياجات مصر التمويلية في السنة المالية الحالية بافتراض بعض العائدات من تدفقات المحافظ لغير المقيمين و10 مليارات دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر المدعوم بخطة الحكومة للطروحات للمستثمرين، ومعظمها من دول مجلس التعاون الخليجي.

واتفقت آراء المحللين على أن تقارير وكالات التصنيف الدولية كاشفة لأزمة وليست منشِئة لها، لكنهم اختلفوا في تقدير التداعيات السلبية اللاحقة لتخفيض "فيتش" وتأثيره على حجم الاقتراض الخارجي والديون.

لا يخفى على أحد

ورأى رئيس مجلس إدارة "البنك التجاري الدولي - مصر" شريف سامي أن "تغيير النظرة المستقبلية لوكالة فيتش تجاه مصر ومن قبلها وكالة "موديز" يعبر عن وضع حالي لا يخفى على أحد بما فيها السطات المصرية".

وفي مايو 2022، أبقت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني تصنيفها لمصر عند B2 ، لكنها غيرت نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، واعتبرت في تقرير أن هذا التغيير يعكس المخاطر الجانبية المتزايدة لقدرة مصر على امتصاص الصدمات الخارجية في ظل شروط التمويل العالمية المشددة التي تزيد من مخاطر ضعف التدفقات النقدية.

وعن حلول السلطات المصرية لأزمة الاقتصاد رأى سامي أنها "تبنت مبادرات عدة منها طرح الرخصة الذهبية لجذب استثمارات، وتعمل في الوقت الحالي على استقرار سعر العملة وبرامج تمويل طويلة وبرامج لطرح أصول عامة للبيع أو المشاركة مع القطاع الخاص وتدبير عجز الميزان التجاري والحساب الجاري"، وعن تجاهل "فيتش" توصلت القاهرة إلى اتفاق مع مسؤولي صندوق النقد الدولي لدعم السيولة الدولارية، ورأى رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي - مصر أن "اتفاق مصر مع الصندوق للحصول على تمويل لا يزال في طور الإجراءات ولم تحصل مصر على الشريحة الأولى، لذلك لم تعتمد الوكالة الدولية على ذلك الاتفاق".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولم تأخذ "فيتش" في الاعتبار توصل مصر لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، في 27 أكتوبر، بما يتيح حصولها على تسهيل ائتماني ممتد بقيمة ثلاثة مليارات دولار، مع إمكان الحصول على تمويل إضافي قدره مليار دولار عبر "صندوق المرونة والاستدامة" الذي أنشئ حديثاً من قِبل صندوق النقد الدولي، وعلى حزمة تمويلية خارجية إضافية تبلغ نحو خمسة مليارات دولار من مؤسسات تمويل دولية وإقليمية عدة بشروط ميسرة.

ارتفاع كلفة الاقتراض

من جهته، توقع المحلل في أسواق المال إيهاب سعيد، تداعيات سلبية على اقتصاد مصر بعد تغيير النظرة المستقبلية لـ"فيتش"، وقال إن "التأثير السلبي الأكبر هو ارتفاع كلفة التمويل والاستدانة مع ارتفاع الفائدة على السندات الدولية التي تصدرها مصر في الأسواق الدولية وارتفاع كلفة التأمين على السندات المصرية وتكلفة الاقتراض بشكل عام في ظل استمرار ارتفاع مؤشر الدولار وعدم تراجع البنك الفيدرالي الأميركي عن سياسة التشديد النقدي وهو يمثل صعوبة كبيرة في تدبير العملات الأجنبية"، ودعا سعيد محافظ البنك المركزي المصري إلى الإسراع في استحداث مؤشر جديد للجنيه يعتمد على سلة من العملات إلى جانب الذهب.

وتدرس القاهرة استحداث مؤشر جديد للجنيه المصري مقابل سلة من العملات والذهب بعدما أقرت بخطأ الاعتماد على ربط الدولار الأميركي بالجنيه المصري، على رغم أنه ليس الشريك التجاري الأول لمصر بعد أن هبطت العملة المصرية إلى أقل مستوياتها تاريخياً مقابل العملة الأميركية لتسجل في الوقت الحالي نحو 24.40 جنيه مقابل كل دولار.

في غضون ذلك، تراجعت أسعار السندات المصرية المقومة بالدولار الأميركي في الأسواق الدولية، خلال الأشهر القليلة الماضية، تزامناً مع اندلاع الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، ويعني "انخفاض سعر السندات المصرية في الأسواق الدولية، أن قدرة مصر على الاقتراض من تلك الأسواق أصبحت محدودة أو أن تكلفتها مرتفعة".

وفي سبتمبر (أيلول) 2021، باعت مصر سندات دولية قيمتها ثلاثة مليارات دولار بعائد تراوح بين 5.8 في المئة و8.75 في المئة، لكن انخفاض أسعار السندات في الوقت الحالي يعني أن من يحملها قد يحصل على عائد يصل إلى 12.1 في المئة و14.6 في المئة على السندات استحقاق 2025 و2047 على التوالي، بالتالي يؤثر ذلك الارتفاع في تكلفة الاقتراض المستقبلي لمصر.

لا يعد مخيفاً

في المقابل، رأى نائب رئيس هيئة الرقابة المالية السابق مدحت نافع أن "النظرة السلبية لفيتش مع تقييم B منفرد ليس بالأمر الجيد، لكن في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية عالمياً لا يعد ذلك مخيفاً للمستثمر"، قائلاً "أرجو أن يكون التقييم قد تم قبل إنهاء مصر التفاوض مع الصندوق وصدور تعهدات المركزي والحكومة بالإصلاحات النقدية والمالية وأن يكون الإفصاح عن التقييم فقط هو الذي جاء لاحقاً".

اقرأ المزيد