Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيكولوجية النصر والهزيمة في كرة القدم... "نكون أو لا نكون"

جوهر الروح الرياضية الأساسي هو "القدرة على تقبل الخسارة بشكل سليم بالتحلي بضبط النفس والشجاعة في المنافسة"

يحرك سلوك المشجعين في كرة القدم الحاجة إلى الانتماء (غيتي)

مع الترقب العالمي للاستعداد لتنظيم النسخ الـ22 من بطولة كأس العالم في قطر خلال الفترة ما بين 20 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 18 ديسمبر (كانون الأول) 2022، لا تغيب الاستعدادات النفسية أيضاً عن أول نسخة من كأس العالم تقام في الوطن العربي والثانية في قارة آسيا بعد النسخة الـ17 من المونديال التي أقيمت عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان بتنظيم مشترك بين الدولتين.

انطلاقاً من توحد الفرق المتنافسة في بداية المباراة وإعلانها التزام المبادئ العامة، وأهمها الروح الرياضية، تتراءى سحب المتعة بالنصر وهواجس الألم خوفاً من الهزيمة، وللشعورين ظروفهما الخاصة وفقاً لمنبعهما الذاتي وتأثير الجماهير المتنوعة بأساليبها المختلفة في خوض تجربة النصر أو الهزيمة في كرة القدم.

سر ارتباط كرة القدم بمفهومي النصر والهزيمة أنها انعكاس لسلطة خاصة تفرض قوانينها للحد من سلوكات العنف التي تتجاوز الملاعب إلى الشوارع والفضاء العام ويستلزم احترامها، وباعتبارها الرياضة الأكثر شعبية في العالم فإن كرة القدم حصلت على قدر كبير من الاهتمام والرعاية للارتقاء بها وأبرزها أداء اللاعبين الذي يتأثر بعنصر المنافسة التي تعد الوسيلة الأهم لتحقيق الفوز، وبما أنه لا يمكن إخراج المنافسة من كونها إحدى سمات القلق لدى اللاعب التي ترتبط بحاله الانفعالية الذاتية وتترجم شعوره بالخوف والتوتر بحيث لا يمكن التنبؤ بسلوكه خلال تعرضه للضغط النفسي، فإن هذا ما جعل الاهتمام بالجوانب كافة المرتبطة به والمؤثرة في أدائه الرياضي، محط اهتمام وفي مقدمتها الجوانب النفسية.

على رغم التطور الكبير الذي رافق كرة القدم على مستوى الأندية والتدريب والذي بفضله يمكن السيطرة على كثير من المؤثرات والسلوك خلال المنافسات، إلا أن الأمر الذي لم يصل إلى مرحلة السيطرة عليه بشكل كامل هو الجانب النفسي، إذ إن ما يصدر عن اللاعبين المتأثرين بمحيطهم الخارجي الذي يحمل توقعات كبيرة بفوزهم، يتطلب منهم مسؤوليات جسيمة يرافقها جهد عظيم يعرضهم لمزيد من الضغوط النفسية، أو أن يكون مستفزاً أحياناً، يجعلهم يواجهون مواقف يخفقون في السيطرة على أنفسهم خلالها.

تصورات اجتماعية

وتنصب فكرة ممارسة الرياضة أساساً على تحقيق أفضل النتائج بالفوز وتذهب كل الاستعدادات من تمارين بدنية ونفسية في هذا الاتجاه مهيئة اللاعبين لتحقيق هذا الهدف الذي لا يحتمل خياراً بديلاً وتسهم الأنشطة الرياضية المتعددة بما فيها كرة القدم، في ما يخطط له عادة بإكساب الفرد صحة نفسية سليمة عـن طريق التحرر من القلق والتوتر النفسي وتفريغ الانفعالات المكبوتة ولكن نظراً إلى التأثيرات الخارجية وما يعتمل داخل الفرد من حالات انفعالية، فإن القلق والتوتر يخلقان قوة طاردة لحال السلام النفسي المفترضة ويعوقان الخطوات الإيجابية المتوقعة.

الضغوط النفسية التي يتعرض لها لاعبو كرة القدم نتيجة لظروف المنافسة وحساسية المباراة وأهميتها، تؤثر في سلوك اللاعب أثناء المباراة وبعدها ويسهم في ذلك أيضاً سلوك الفريق المنافس والحكام والمشجعون. كذلك تؤدي هذه الضغوط إلى زيادة استثارة اللاعب التي بدورها تؤثر في سلوك بقية اللاعبين. لذلك فإن الكف عن التحفيز وزيادة وتيرة الانتقاد عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من شأنهما أن يسهما في ارتفاع مستوى العصبية والقلق لدى اللاعبين، إذ تعتمد نتائج الأداء في كثير من الأحيان على كيفية التعامل مع هذه الضغوط النفسية وهناك نقطة جوهرية تحيط بهذا التعامل هي الاعتقاد السائد بأن كرة القدم بالنسبة إلى اللاعبين رهان وفرصة لإثبات قدراتهم ومهاراتهم، وأي إخفاق أو هزيمة، فإن الحظ ليس له دور فيها وكوسيلة لتأكيد المكانة تصبح المباراة أي مباراة مسألة وجودية، "أن أكون أو لا أكون".

ومثل كثير من المواقف الحاسمة فإن مباريات كرة القدم تكشف عن شخصيات اللاعبين والمشجعين بالقدر الذي تتيحه المساحة لهم كمتنفس طبيعي. أما المشجعون، فإنهم في معظم الأوقات ينسون حقيقة أن أحد أهداف كرة القدم هو تقوية العلاقة بين الفريقين المتنافسين. في الواقع إن سلوك بعض المشجعين تحول من الغرض الأساسي وهو الدعم في الملعب إلى مواجهة مشجعي الخصم ومن خلال ذلك يتخيلون أنهم يحاربون من أجل وجود فريقهم المفضل ودفاعاً عنه وفي بعض الحالات يمتد التعصب الناتج من التنافس إلى مواجهات في الشارع، مما يسفر عن تحديات أخرى.

النفور من الخسارة

ولازمت عبارة "النفور من الخسارة" أدبيات النشاطات الرياضية، خصوصاً كرة القدم، إذ إن ديناميات التنافس تعود لها ويفسر سلوك اللاعبين والمشجعين على وقع تأثيرها، فعرفت بأنها "تحيز معرفي لدى البشر يصف الميل للخوف من الخسارة أكثر من تقدير المكسب. على وجه التحديد أظهرت الدراسات العلمية أن البشر يخشون الخسائر تقريباً ضعف تقديرهم للمكاسب" وأن "الهزيمة يبقى أثرها في النفس طويلاً على عكس الفوز الذي يمر سريعاً". وبالنسبة إلى مشجعي كرة القدم صيغ في تعبير قريب منه أن "الألم الذي يشعر به مشجعو كرة القدم بعد الهزيمة هو أكثر من ضعف متعة الفوز". ووفقاً لذلك يتخذ الناس إجراءات لتجنب الخسارة وقد يكون هذا القلق معيقاً أحياناً ويضيع فرص تحقيق مكاسب كبيرة. وتتجاوز الدعوة لتقبل الهزيمة هذه المشاعر إلى نقطة أعلى وهي الدعوة لما يطلق عليه "إدارة ما بعد الهزيمة".

وفي وقت من المفترض أن تكون خيبة الأمل نتيجة للهزيمة أقل تأثيراً مع وجود فريق متجانس باقتسام المشاعر السلبية، فإنه عند الهزيمة فقط يحس كل واحد بمسؤوليته الفردية عن الخسارة بشكل لا يتقبلها، بل ربما تتفاقم إلى إحساس بالذنب. وعند الهزيمة لا تغفل الأندية الرياضية مسائل بديهية مثل الاستعداد من خلال التدريب بتثبيت شخصية اللاعب إدارياً ونفسياً وتنمية ثقته بنفسه والتدرب على التعود على ظروف المباراة وما يحدث فيها من مفاجآت والتدريب للوصول بالأداء الرياضي فنياً وذهنياً وجسدياً إلى مراحل متقدمة وغيرها ولكن ربما تتلاشى كل هذه الجهود المبذولة، تحسباً لهذه اللحظة نتيجة لعوامل أخرى تضاعف من احتمال انفجار الأوضاع بما لا يمكن إصلاحه.

ولا يقتصر عدم تقبل الظروف السيئة على الهزيمة فقط، وإنما أيضاً طرحت للنقاش قضية تعرض بعض اللاعبين لإصابات جسدية وعلاقتها بما تتعرض له صحتهم النفسية من أخطار ربما تهدد صحتهم العقلية وهي بمعنى آخر تصور الوجه الآخر للهزيمة أو اللاجدوى، مما عزز من أهمية الطب النفسي الرياضي وضرورة الارتباط به والتأكد من مدى المعرفة النفسية للرياضيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دوافع التعصب

وينبع التعصب نتيجة للتفاعل السلوكي بين مشجعي فريق معين ضد الفريق المنافس نتيجة لعوامل عدة، تحيط بها كينونة الفريق وسمعته ومدى أهميته لتحقيق رضا داخلي بواسطة الدفاع عنه ورغبة في الحفاظ على الذات بالرد على أي سلوك آخر حتى لو أدى ذلك إلى نشوب حال من العنف والفوضى. وهو ترجمة للإحساس بالحب الأعمى لشيء ما ونفور من غيره بتجسيد الأنانية الضيقة وقد يصل إلى مرحلة الإيمان ببناء نظرة مثالية ونموذجية إيجابية أو سلبية، ولا يعتمد هذا الإيمان على أي نظرية أو حقيقة قائمة، بل يذهب عميقاً إلى الحد الذي تصعب معه أي محاولة للتصويب أو التغيير.

 باعتبار التعصب مظهراً من مظاهر القبلية والعشائرية فإنه يمكن أن تمارس أمور كثيرة سلبية من خلف الدافع الإيجابي للدعم والمساندة، إذ يصنف من قبل العلوم الاجتماعية بأنه "تعبير عن المساندة نتيجة لعدم تجانس العالم، وعليه فهو أحد أشكال التضامن بين الناس الذين يتفقون على شيء معين".

والعوامل المحركة للتعصب السلوكي كثيرة منها، أولاً، الحاجة إلى الانتماء فمعظم جمهور كرة القدم هم مشجعون لفرق معينة ضد غيرها، ونادراً ما يأتي شخص لمشاهدة مباراة لكرة القدم بدافع المتعة المجردة ويمكن أن يكون دافع الانتماء وطنياً أو إقليمياً أو رابطاً عاطفياً لهوية معينة لهذا الفرد بفريقه الذي يشجعه، ويدخل الترابط الاجتماعي والانتماء الجماعي من بين أكثر الأشياء المحفزة لمتابعة فريق رياضي معين.

وثانياً، الاعتراض، ويكون نتيجة لقرار آني أصدره حكم المباراة، فيرى مشجع معين أنه غير عادل، فيؤدي إلى تعصبه واستثارته وانتشار عدوى المعارضة لهذا القرار بين عدد من المشجعين، وربما يثير العنف والفوضى.

وثالثاً، يتعلق بالسمات الشخصية للاعب كالحال المزاجية السيئة وعدم تمتعه بالروح التنافسية نتيجة لتركيبته النفسية أو تنشئته التربوية أو أي عوامل أخرى، مما يحد من قدرته على تقبل الهزيمة وكل ذلك يجره نحو الاندفاع للتعبير بطرق عنيفة، أو كبت نفسي يكون فيه حاضراً للانفجار في أي وقت.

روح رياضية

مع كثير من الوقائع التي تلعب فيها وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والهتافات والإيماءات الاستفزازية من جمهور كرة القدم دوراً في خلق حال مناوئة لدعم المشاعر الإيجابية وتحول الشغف بفريق معين إلى تعصب، ومع السلوك السلبي لبعض اللاعبين عند تعرضهم لخسارة ما، هل تبدو "الروح الرياضية" يسيرة التحقق؟ مصطلح "الروح الرياضية" الذي شاع استخدامه في المنافسات الرياضية وأصبح ينطبق على الممارسات التي تتطلب منافسة ما في الحياة العامة، جوهره الأساسي هو "القدرة على تقبل الخسارة بشكل سليم وعدم الاستسلام لتأثيرها السلبي وذلك بالتحلي بضبط النفس والشجاعة في المنافسة".

وعليه نشأت فكرة السلامة النفسية لتجسيد مبدأ المنافسة الشريفة فتم التقليل من استخدام "فائز" مقابل "خاسر"، وصيغ بدلاً منه "فائز جيد"، مقابل "خاسر جيد". وبهذا التعديل البسيط وجد أنه يسهم في إحساس أعضاء الفريق بالأمان ويزيد من مقدرتهم على تحمل الأخطار التي يتعرضون لها، حتى لو ارتكبوا بعض الأخطاء البسيطة لأنها تكون بمثابة تجريب لأدوات جديدة وتعزز جواً من الإيجابية والثقة بالنفس وتوطيد العلاقات الجيدة بين اللاعبين وتكاتفهم كأساس لأي نصر محتمل. 

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات