Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخطوطات موريتانيا... ذاكرة مهددة بالاندثار

البعض يفضل الاحتفاظ بها في صناديق خشبية عتيقة وفي ظروف غير ملائمة على أن يسلموها للمكتبة الوطنية في نواكشوط

تقدر إحصاءات المعهد الموريتاني للبحث العلمي عدد المخطوطات بقرابة 40 ألفاً موزعة بين مكتبات المدن الأثرية (اندبندنت عربية)

نذر سيد محمد عابدين سيدي (60 عاماً) حياته لاقتناء المخطوطات التراثية الموريتانية ومنذ بواكير شبابه وهو منقطع للبحث عن هذه الكنوز الثقافية وصيانتها وجمعها في مكتبة بيته الواقع في مدينة وادان التاريخية في أقصى الشمال الموريتاني.

في هذه المكتبة، يحتفظ عابدين سيدي بأقدم نسخة من المصحف الشريف دخلت موريتانيا في القرن الثامن الهجري، وعلى الرف المقابل لمكتبه يستقر مخطوط المسعودي "مروج الذهب" الذي كتب في القرن الرابع الهجري على جلد غزال نادر.

ويقول عابدين سيدي لـ"اندبندنت عربية" "أمتهن مهمة الحفاظ على تراث مدينة وادان التاريخية، وأحتفظ بمخطوطات المدينة التي ورثناها عن أجدادنا، وهي مخطوطات قديمة نصارع من أجل الحفاظ عليها وتأمينها من التلف أو الضياع، كما أن تحديات تجار المخطوطات تشكل هاجساً لأصحاب المكتبات الأهلية، الذين يخشون على كنوزهم الثقافية من أن تطالها عمليات الشراء ما يهدد ذاكرة وادان وموريتانيا".

ذاكرة مهددة

تقدر إحصاءات المعهد الموريتاني للبحث العلمي عدد المخطوطات الموريتانية بقرابة 40 ألفاً، موزعة بين مكتبات المدن الأثرية الكبرى الموريتانية في وادان وشنقيط وتيشيت وولاته.

ويرى رئيس قسم التاريخ والحضارة في جامعة نواكشوط العصرية أحمد مولود أيده الهيلالي، أن أكبر تحد يواجه التراث المخطوطي في موريتانيا "أنه تراث عائلي وليس وطنياً، كما أن العقليات أسهمت في ضياعه، فبعض ملاك هذه المخطوطات يفضلون الاحتفاظ بها في صناديق خشبية عتيقة وفي ظروف غير ملائمة للحفظ، من أن يسلموها للمكتبة الوطنية في نواكشوط، كما أن بعض الأهالي باعوا عدداً من هذه المخطوطات بكل بساطة".

ويذكر الهيلالي "خطة سبق للحكومة الموريتانية في منتصف السبعينيات أن قامت بها للحفاظ على المخطوطات، تمثلت في إقناع بعض ملاك المخطوطات بإيداع مخطوطاتهم في المعهد الموريتاني للبحث العلمي، مقابل أن يشتري المعهد لهؤلاء الملاك كتباً عصرية في شتى مجالات المعرفة، وأن يستردوا مخطوطاتهم متى أرادوا ذلك، وبعدها قام المعهد بترميم هذه المخطوطات النادرة".

السياحة الصحراوية تنقذ المخطوط

وقد منحت السياحة الصحرواية، التي تزدهر في مناطق المدن القديمة التي توجد فيها المخطوطات التراثية حياة جديدة لهذه الكنوز الثقافية بفعل حركة السياح المتعطشين لمشاهدة هذه الوثائق التاريخية، التي تؤرخ حياة مجتمعات الصحراء.

ويقول الهيلالي "ابتدع سكان مدينة شنقيط طريقة جديدة لبعث الروح في مخطوطاتهم تمثلت في فتح خزائن للتحف المخطوطة، تعرض مخطوطات في مجال علم الفلك والرياضيات التي تلفت انتباه السياح. وتحولت هذه الوثائق إلى مصدر يدر دخلاً على أصحاب المكتبات مقابل رسوم الدخول التي يدفعها السياح الشغوفون بأسرار شعوب هذه المنطقة.

وتحولت محطة زيارة هذه المكتبات إلى جزء ثابت في أجندة أفواج السياح الذين يزورون موريتانيا كل عام. ويقول الدليل السياحي محمد عالي "نعتمد في إعداد برنامج الرحلة على محطة المكتبات، فهي المحطة المفضلة لأغلب السياح القادمين من غرب أوروبا، ويزورون مكتبات وادان وشنقيط باستمرار".

 

تحديات أخرى

ويرى خبير مخطوطات الغرب الأفريقي أحمد محمد يحيى فال أن "المخطوطات التراثية في موريتانيا تواجه تحدياً آخر يتمثل في عدم فهرسة علمية لهذه المخطوطات، كما أن آليات الحفظ عادية جداً".

ويضيف "في العقود الأخيرة تم إعداد فهارس لهذه المكتبات وتم نشرها، وما زال ينقصها كثير لا سيما في ما يتعلق بالحفظ الجاد وتصويرها على الميكروفيلم".

ويعدد المصطفى محمد صالح وهو رئيس ممثلية المؤسسة الوطنية لحماية المدن القديمة في شنقيط، تحديات أخرى تواجه المخطوطات الموريتانية من بينها "حرص ملاك المخطوطات على الاحتفاظ بها وعدم تقديمها للمعالجة، وشح الموارد المادية لملاك المكتبات، وكذلك بدائية وسائل الحفظ لدى أصحاب المكتبات".

ويضيف أن "جل مباني المكتبات ومخازن المخطوطات غير صالحة للحفظ بسبب تأثيرات الأمطار، كما أن نقص التكوين في مجال الترميم والنقص الحاد في المعدات والأدوات الخاصة بالحفظ يضعان المخطوطات في حالة صعبة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جهود حكومية

صنفت منظمة اليونيسكو عام 1996 المدن التاريخية الأربع التي تضم هذه المخطوطات ضمن قائمة التراث العالمي.

وأنشأت موريتانيا عام 1993 هيئة تعنى بهذه المدن، أطلقت عليها المؤسسة الوطنية لحماية المدن القديمة. وبحسب المصطفى محمد صالح الإطار في هذه المؤسسة، فإن الهيئة قامت "بتزويد مكتبات المخطوطات بدواليب ومعدات للحفظ، وأجهزة تنظيف ودعم لمسيري المكتبات، كما قامت بتأهيل وتجهيز مختبرات لمعالجة وحفظ المخطوطات فيها، حيث تم تكوين محافظين متخصصين في هذه المختبرات بالتعاون مع مشروع حماية مكتبات الصحراء وبدعم من التعاون الإيطالي".

ميزات فريدة

وترتفع أصوات المهتمين بالتراث في موريتانيا مطالبة السلطات بزيادة الاهتمام بالمخطوطات الأثرية. ويعتبر رئيس قسم التاريخ والحضارة في جامعة نواكشوط العصرية أحمد مولود أيده الهيلالي، "أن هذه المخطوطات فريدة لأنها تمثل تاريخاً لمجتمع صحراوي رحل من هضبة إيران شرقاً إلى المحيط الأطلسي، الذي يمتلك تقاليد مكتوبة أنتجت ثقافة ما زالت حتى اليوم ماثلة في المخطوطات".

وبحسب محمد صالح "يعود تاريخ تأسيس هذه المدن القديمة إلى الفترة الواقعة بين القرنين الثاني والسادس الهجريين (التاسع والثالث عشر الميلاديين)، وتعتبر آخر الشواهد على ازدهار منطقة تقع في ملتقى القوافل، التي ظلت تربط لفترة طويلة بين المغرب العربي وبلاد الساحل، التي شكلت أرضاً للتواصل الثقافي حيث تلتقي الأندلس مع العالم العربي ليعانقا أفريقيا الساحلية".

المزيد من تقارير