Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أوسمة الجمهورية" تطرح التساؤلات عن جدارة المكرمين في لبنان

قلدها عون لأكثر من 100 شخصية وانقسام بين فقدانها قيمتها وكونها حقاً دستورياً للرئيس

الرئيس اللبناني ميشال عون المنتهية ولايته   (أ ف ب)

شهدت الأسابيع الأخيرة من عهد الرئيس اللبناني السابق ميشال عون منح أكثر من 100 وسام خلال ثلاثة أيام فقط لشخصيات من مختلف القطاعات، ومع كل تقليد كان السؤال الذي يطرح حول أهلية المكرم واستحقاقه للوسام من دون إعارة الأهمية للآلية المتبعة والتدابير التي تسبق التكريم، وبرأي مراقبين فإن "التوزيع بهذه الوتيرة السريعة يفقد العملية قيمتها الحقيقية كوسيلة شكر وتكريم على خدمات يمكن أن يكون أداها هؤلاء، ويفقد العمل معناه أكثر إذا لم يجد اللبنانيون تبريراً كافياً لبعض حائزي الأوسمة".

ويعتبر هؤلاء أن عون حول تقليد الأوسمة إلى بازار تنافس فيه المستشارون والحزبيون من التيار الوطني الحر على منح كل جماعته والمحسوبين عليه أوسمة من شتى الأنواع، ووصل الأمر إلى إرسال تلك الأوسمة إلى مكاتب أو بيوت بعضهم نظراً لعدم قدرة الرئيس عون على استقبال كل من حازوا الأوسمة، مشككين في وجود شبهات فساد تحوم حول مستشارين يمررون أسماء مقابل مبالغ مالية، إذ إن عدداً من الذين يقلدون الأوسمة الرفيعة من أصحاب رؤوس الأموال.

في المقابل تنفي مصادر الرئيس عون نفياً قاطعاً كل ما يتداول عن فساد وانتقائية في الأسماء المقلدة، مستغربة الضجة المثارة حول تقليد الأوسمة، إذ تعتبره أمراً طبيعياً وقد جرت العادة أن يختم معظم رؤساء الجمهورية عهودهم بمنح عدد من الأوسمة لأشخاص يستحقون التكريم وسجلت لهم نجاحات أسهمت في تقدم الوطن.

مخالفة الأصول

وفي السياق علق الخبير الدستوري عصام إسماعيل على اتساع ظاهرة منح الأوسمة بالإشارة إلى أن الدستور أناط منحها لرئيس الجمهورية بموجب مرسوم، وقال "تقرير منحها يخضع لأصول خاصة وملزمة حفاظاً على القيمة المعنوية لها، ولئلا تكون لقمة سهلة تمنح لغير أصحاب الجدارة".

يؤكد إسماعيل أن القانون أوجب منح الوسام بناء على اقتراح الوزير المتخصص، ثم فرض أن تذكر في المرسوم المبررات والأسباب التي استدعت الوسام، إضافة إلى رأي إلزامي لمجلس الأوسمة، وأشار إلى أن "المادة السابعة رتبت بطلان أي وسام يصار إلى منحه من دون موافقة مجلس الأوسمة، باستثناء تلك التي يعود حق منحها إلى نائب رئيس المجلس الأعلى للدفاع أو وزير الدفاع أو وزير الداخلية، وهي ميدالية الجدارة، وسام التقدير العسكري، والوسام الحربي، ووسام الجرحى".

 

 

واعتبر أن "تجاوز الأصول الجوهرية في منح الأوسمة تعرض مرسوم المنح للبطلان بقوة القانون"، منتقداً "غياب المعايير الفاضح في تقليد الأوسمة نهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون، ضارباً مثالاً حول تقليد نائب رئيس مجلس النواب وساماً نتيجة نجاح مهمة ترسيم الحدود مع إسرائيل، إذ برأيه تشكل مخالفة خطيرة، حيث لا يجوز لنائب التفاوض عن الدولة، كون هذه المهمة تدخل في صلاحية السلطة التنفيذية، وتكريم هكذا إجراء يضرب فصل السلطات وينهي أي تباعد بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما لو أن التمادي في مخالفة الأصول يجر الواحدة تلو الأخرى".

أيقونات سيادة

من ناحيته قال رئيس مجلس الأوسمة علي حمد، إن "منح الأوسمة يعد من أيقونات سيادة البلد كما العملة والعلم"، مشيراً إلى أن المجلس يرتبط ارتباطاً مباشراً برئيس الجمهورية، وعمل المجلس كان متوقفاً منذ سنوات طويلة لعدم تعيينه"، إلى أن قرر رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي إعادة تشكيله مشدداً على أن للمجلس الصلاحية في اقتراح شخصيات لمنحها الأوسمة أو الميداليات.

ولفت إلى أن المجلس قبل أشهر قليلة اجتمع وبحث في بنود جدول أعماله، واتخذ قرارات متعلقة بأوسمة الأسلاك العسكرية والأمنية، كاشفاً عن وجود عسكريين عرقلت ترقية أوسمتهم منذ ست سنوات وهم يستحقون الحصول عليها، مؤكداً أنه سيصار إلى تسليمهم إياها في القريب العاجل.

ولفت إلى أن المجلس اقترح منح أوسمة لفريق العمل الوطني الذي بذل الجهود الممكنة لمكافحة جائحة كورونا، كما حصل على لائحة بأبرز تلك الأسماء التي وقفت صداً منيعاً في مكافحة كورونا وتستحق التكريم. وبحسب حمد فإن منح هذه الأوسمة والميداليات سيتم قريباً.

مجلس الأوسمة

بدورها أشارت المتخصصة في القانون عطاف قمر الدين، أن مسألة منح الأوسمة ليست صلاحية استنسابية لرئيس الجمهورية بالمطلق، موضحة أن آلية منح الأوسمة ينظمها المرسوم الاشتراعي رقم 122، وبالاستناد للمادة الأولى يتولى إدارة الأوسمة الوطنية بإشراف رئيس الجمهورية.

يشار إلى أن "مجلس الأوسمة" يتألف من عميد في الجيش رئيساً وعميد آخر نائباً له، لمدة ثلاث سنوات على أن يكونا حاملين وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى ووسام الأرز من رتبة كومندور على الأقل. إضافة إلى أعضاء المجلس الستة، الذي يضم عضوين يمثلان حملة وسام الاستحقاق اللبناني، ويقوم مبدئياً الموظف المكلف بدائرة الأوسمة في رئاسة الجمهورية بمهمة أمين سر مجلس الأوسمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكدت أنه من مهمات المجلس إبداء الرأي بصورة إلزامية بتقديم الاقتراحات المتعلقة بمنح الأوسمة اللبنانية أو الترفيع من درجة إلى أخرى، كذلك بشأن التدابير التأديبية تجاه حاملي الأوسمة.

وتضيف "يجتمع المجلس بدعوة من عميده مرة على الأقل كل ثلاثة أشهر حيث تؤخذ القرارات بأكثرية الأصوات".

وحول أصول منح الأوسمة، تشير قمر الدين، إلى أن الفصل الثالث ينظم أصول منح الأوسمة الوطنية بحسب أنواعها المختلفة، فعلى سبيل المثال، يمنح وسام الأرز الوطني لتكريم أو مكافأة خدمات كبرى أسديت للبلاد، أو أعمال بطولة وشجاعة أو تضحيات خارقة أو أعمال ذات قيمة معنوية كبيرة أو جديرة بأن تكون مثالاً للأمة أو خدمات مخلصة أسديت للدولة أو لإحدى المؤسسات العامة الكبرى طويلة المدى.

أما وسام المعارف لكونه تقديراً، الغاية منه مكافأة خدمات جليلة أديت في حقل التعليم في البلاد، فلا يجوز منحه إلا لأشخاص ينتمون إلى الهيئة التعليمية والإدارية والتفتيشية التابعة لوزارة التربية الوطنية، أو أعضاء اللجان الدائمة في هذه الوزارة، أو إلى الأشخاص الذين أسدوا خدمات جليلة في حقل التعليم العملي أو أسهموا في نشر رسالة التعليم المنوطة بوزارة التربية الوطنية، ببناء المدارس أو تقديم الهبات وتخصيص المنح الدراسية للطلاب اللبنانيين، أو إلى الأشخاص الذين أسهموا أو بواسطة الإنتاج والتعليم في ازدهار الفنون والآداب والعلوم أو التربية البدنية.

أما وسام الاستحقاق اللبناني، فيما يختص ببقية الدرجات غير الرتبة الاستثنائية والوشاح الأكبر، فهو يمنح لخدمات كبرى أسديت للبلاد أو لأعمال مثالية في الشجاعة أو أعمال ذات قيمة معنوية كبيرة، أو لخدمات مخلصة طويلة المدى أسديت للدولة، أو لإحدى المؤسسات العامة الكبرى.

 

 

حكايات أوسمة

قصة الأوسمة في لبنان لا تعود فقط إلى المرسوم رقم 122، الذي جمع النصوص القانونية المتعلقة بالأوسمة في تشريع واحد، بل إلى فترة الانتداب، في حقبة شهدت تحول البلاد من كيان ملحق بالسلطنة العثمانية إلى دولة تتمتع ببعض مظاهر السيادة، كإصدار العملة ومنح الأوسمة.

 فمع إعلان دولة لبنان الكبير في عام 1920، ارتأت سلطات الانتداب إنشاء وسام خاص تمنحه الحكومة "وسام الاستحقاق اللبناني".

وجرى تنظيم مسابقة لاختيار أفضل تصميم، فاز بها الفنان جورج قرم، بعدما قدم تصميماً يظهر فيه رجل لبناني بالزي التقليدي يقوم بمنع أسد من الهجوم على قرية لبنانية، وقد أصدر حاكم دولة لبنان الكبير القرار 108 في 16 يناير (كانون الثاني) 1922 ونصت المادة الأولى على الآتي، "أنشئت ميدالية فخرية تدعى ميدالية الاستحقاق اللبناني لمكافأة الذين يقومون بأعمال تدل على المروءة والإخلاص ويمكن منحها للمستحقين بعد موتهم".

في عام 1930، أقر مجلس النواب إنشاء "نيشان المعارف"، الذي يمنح "لكل شخص خدم التعليم الرسمي اللبناني خدمات ممتازة، كتشييد المدارس أو تخصيص الأموال للإنفاق على بعثات علمية أو فنية في معاهد تختارها الحكومة".

ومن أهم الأوسمة التي قررت في زمن الانتداب وما زالت حتى اليوم، وسام الأرز اللبناني الذي استحدث في عام 1936 في قانون أقره مجلس النواب، وأرادت الدولة اللبنانية منحه لشخصيات أجنبية أو سفراء ووزراء لا يمكن منحهم وسام الاستحقاق العادي، وكان هذا الوسام على درجة واحدة، ومن ثم أصبح يشتمل على ست رتب، فارس، وضابط، وكومندور، وضابط أكبر، ووشاح أكبر والقلادة الكبرى.

وأضيفت القلادة الكبرى في عهد الرئيس ميشال سليمان في عام 2010، وتمنح لرؤساء الدول خلال زياراتهم الرسمية، ويعد "رئيس الجمهورية بحكم مهماته حامل القلادة الكبرى ورئيس أعلى لحملة وسام الأرز، ويحتفظ بالقلادة الكبرى بعد انتهاء ولايته".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير